Please Wait
8791
1- ورد فی السؤال، أنه روی عن النبی الأکرم (ص) أنه قال: «النظافة نصف الإیمان» فلا وجود لهذا الحدیث فی الکتب الحدیثیة و ...
2- إن ما نقل عن النبی الأکرم (ص) قوله: «النظافة من الإیمان» فمعناه أن الإیمان منشأ النظافة، و أن النظافة جزء من الإیمان، و لذلک فإن الشخص المؤمن له اهتمام کبیر بالنظافة.
3- بالتوجه إلى بعض الروایات التی نقلت عن النبی الأکرم (ص) ، و أنه قال: «بنی الدین على النظافة» و کذلک کلام الأئمة المعصومین (ع) فی باب الوضوء و ... حیث قالوا: «لا صلاة إلاّ بطهور» فمن الممکن أن یکون المراد بالنظافة الطهارة، دون الصلاة بمفردها، و إن أی عمل من دون الطهارة و النظافة لا یکون مقبولاً، مع أن مراتب الطهارة و أنواعها متعددة و کثیرة (الطهارة من الحدث، و من الخبث، و الطهارة عما سوى الله) و هی متفاوتة و مختلفة.
4- الزواج و تشکیل العائلة یحظى بأهمیة فائقة فی نظر الإسلام، لأنه یعتبر الزواج وسیلة للمحافظة على العفة و الطهارة و کبح جماح الغریزة الجنسیة، مما یسبب الهدوء و الحرکة باتجاه التکامل الدینی، و من جانب آخر فإن الإسلام ذم الرهبانیة (ترک ملذات الدنیا) و اعتبرها من موانع الکمال و السعادة، و بهذا المنظار یعد الزواج وسیلة للحفاظ على نصف الدین.
5- إن التعبیر (بنصف الدین) عن الزواج أمر عرفی یستهدف بیان أهمیة المسألة، و کثیراً ما یستفاد من مثل هذه التعابیر و التراکیب اللغویة.
6- الصلاة، و الصیام، و الحج، و الجهاد، و الولایة... من الأمور التی أکد علیها الإسلام، و لم یکن ذکرها و الإشارة إلیها بأقل مما ذکر فیما یخص النظافة و الزواج.
7- لقد وردت العدید من الروایات التی تبین حدود الإسلام و أجزائه و تشخصها من أمثال: التوکل على الله، الرضا بالقضاء الإلهی، التسلیم لأمر الله، الصدق و الخیر، الوفاء، العلم و الحلم، الصلاة، الولایة و ... ، و أما نسبة نصف الدین إلى الزواج و غیره فهو أمر نسبی.
إن ما جاء فی السؤال بخصوص الروایة المنقولة عن الرسول الأکرم (ص) لا وجود لها فی کتب الحدیث کما وردت فی السؤال، فأین وردت الروایة التی تقول إن النظافة نصف الإیمان؟! و الذی نُقل عن النبی فی المجامیع الحدیثیة قوله (ص): «النظافة من الإیمان»[1] و معنى هذا الحدیث هو أن الشخص المؤمن لابد و أن یکون نظیفاً، و إن سر هذه النظافة ناشئ من الإیمان، أو أن النظافة تشکل جزءاً من الإیمان، و النصف الآخر یمثله صدق إدعاء الإیمان بالنسبة إلى الشخص، مع عدم توجهه إلى النظافة، و على کل حال فإن لفظ (نصف) غیر موجود فی الروایات لیسبب لنا مشکلة کما یقول صاحب السؤال.
خصوصاً إذا علمنا أن النظافة لیست محددة بغسل الوجه و الیدین و الملابس و ترتیب المسکن و ... و إنما بالإمکان استفادة مفهوم عام فی مطاوی هذا اللفظ، و بالتأمل و الدقة و دراسة موارد هذا المفهوم من الممکن أن یکون شاملاً حتى للصلاة و الصیام و ...
و بعبارة أخرى: إذا کانت النظافة بمعنى الطهارة، ففی مثل هذه الحالة لا یکون لعمل الإنسان نتیجة و ثمرة واضحة من دونها. و لذلک لیس القول «لا صلاة إلاّ بطهور»[2] هو یختص بالصلاة فقط، و إنما کل عمل لا یصح و لا یقبل من دون نظافة و طهارة.
و إذا کان الأمر کذلک، فلا یتحقق الإیمان من دون نظافة و طهارة، إضافة إلى ذلک فإن ما یذکر من المقادیر و الکمیات فإنه ناظر إلى الکمیة و المقدار النسبی، فمثلاً إذا ما قیل إن من تزوج فقد أحرز نصف دینه، فالمراد أن القیاس بین المتزوج و غیر المتزوج یقتضی أن الأوّل یؤدی عباداته و التزاماته بشکل مریح و سهل لا یتوفر للثانی، و کأنه قطع نصف الطریق، أما الشخص الذی لم یتزوج بعد، فإنه یواجه العدید من المشکلات التی تعرقل سیره و تعکر صفوه، و تصعب علیه حفظه إیمانه، و أداء التزامه و .. و علیه فالزواج عامل مهم و أساسی فی هذا المیدان إذن.
نقل عن النبی الأکرم (ص) قوله: «یا معشر الشباب، من استطاع منکم الباه فلیتزوج، فإنه أغض للبصر، و أحصن للفرج»[3].
و قد جاء التأکید على الزواج فی الإسلام من جانب باعتباره وسیلة إلى الهدوء و السکینة، و هو منبع للمودة و الرحمة. فبالزواج یکبح جماح الغریزة الجنسیة، و تثوب الروح المتهیجة لدى الشاب إلى الهدوء و الاستقرار، و بذلک یتمکن من النظر و التأمل فی مسائل الحیاة و إدراکها بشکل أفضل، مما یسهل علیه حث الخطى و الإسراع فی أداء واجباته الدینیة لینال السعادة و الرضا، و الذی یتحسس هدوء الزواج بشکل أکثر هو من یعانی من وحشة الغربة و حیاة الانفراد و الوحدة و هیجان روح الشبابیة لدى من لم یتزوج بعد، و من جانب آخر، فإن الرهبانیة مذمومة ( و هی ترک الدنیا و لذاتها) بل و ممنوعة فی الإسلام، کان النبی (ص) یقول: «لیس فی أمتی رهبانیة»[4] و لم یکن النبی (ص) لیرتضی لأحد من المسلمین أن یترک الدنیا و الزواج و بناء الأسرة (کما کان یفعل عثمان بن مضعون، أحد صحابة النبی) حتى کان یقول: «یا عثمان، لم یرسلنی الله بالرهبانیة، و لکن بعثنی بالحنیفیة السمحة أصوم و أصلی و ألمس أهلی، فمن أحب فطرتی فلیستن بسنتی، و من سنتی النکاح».[5]
و بهذا اللحاظ و هذا الفهم یعد الزواج نصف الدین کما فی الصیاغات التی وصلتنا عن الأئمة المعصومین (ع)، و هذا أمر عرفی مألوف فی مخاطباتنا. أی أننا إذا أردنا تبیین أهمیة عمل معین إلى المخاطب نقول له، إذا قمت بهذا العمل فإنک تقطع نصف الطریق، أو تحل نصف المشکلات التی تواجهک. و الکلام صحیح مع أنه قد لا یطابق الواقع إذا ما حسبت الأمور بالدقة و إنما المقصود أن هذا العمل على درجة من الأهمیة بحیث یوفر لک أداؤه قسطاً کبیراً من الجهد و یحل الکثیر من المشاکل.
و من الطبیعی أنه لابد من الأخذ بنظر الاعتبار أنه من الممکن فی بعض الموارد أن یکون المراد هو المعنى الحقیقی فی مثل هکذا کلام، کما لو کان تحقق شیء ما متعلقاً بأمرین، و هناک مسائل أخرى لها مدخیلة فی کماله، کما لو وجدنا روایة تقول إن النظافة نصف الإیمان، و أن الزواج نصف الإیمان، فمن الممکن أن نقول إن حقیقة الإیمان قائمة على أمرین، و لا یتحقق الإیمان دون وجود هذین الأمرین، و إن الصلاة و الصیام و ... له مدخلیة فی وجود الإیمان على الوجه الأکمل والأقوى. لأن الإیمان أمر قلبی تتظافر عوامل عدیدة لتؤثر فی تقویته داخل القلب.
و حیث أنه لا یوجد لدینا مثل هذا التعبیر، إضافة إلى أهمیة الصلاة و دورها الکبیر فی الإسلام و إن تأثیرها على الحیاة الفردیة و الاجتماعیة و .. لم یعد خافیاً على أحد[6]. فالصلاة عمود الدین[7]، و ذکر الله[8]، وقربان کل تقی[9]، فهی أحد معارج الإسلام[10]، و میزان الأعمال[11] و ... و إن تارکها (على عمد أو إهمال) کافر[12]، و کذلک الأعمال الأخرى کالصیام و الجهاد و الولایة و ...، فإنها على درجة کبیرة من الأهمیة فی الإسلام، و قد ورد ذکرها و الإشارة إلیها فی النصوص الدینیة بقوة و کثرة لا تقل عما جاء بخصوص النظافة و الزواج.
و کما قلنا آنفاً، فإن النظافة لیست محصورة بما هو متعارف بین الناس منها، و إنما لها معنى واسع و شامل لا یبعد أن یکون مستوعباً لکل أنواع الطهارة من الخبث و الحدث و طهارة القلب من دنس الأخلاق الذمیمة، و خلوه عما سوى الله سبحانه، و من هنا فقد ورد فی بعض المصادر نقلاً عن رسول الله (ص) أنه قال: «بنی الدین على النظافة».[13] إضافة إلى ما مورد فی کلمات المعصومین (ع) فی باب الوضوء و الغسل و ... تحت عنوان الطهور.[14]
و فی ختام الکلام نرى من اللازم بیان المسألة التالیة: فی مراجعة الروایات التی تتحدث عن (الإیمان) و أجزائه و أرکانه و (الإسلام) و مکوناته و .. یتضح لنا بتمام الوضوح أن أرکان الإسلام و الإیمان و مکوناتهما لا تنحصر بالنظافة و الزواج و ....:
1- ینقل أبو حمزة عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «بنی الإسلام على خمس على الصلاة و الزکاة و الصوم و الحج و الولایة»[15].
2- و قال الإمام الصادق (ع) فی الجواب عن السؤال عن حدود الإیمان: «شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله، و الإقرار بما جاء من عند الله، و صلاة الخمس، و أداء الزکاة، و صوم شهر رمضان، و حج البیت، و ولایة ولیّنا، و عداوة عدوّنا»[16].
3- روی عن الإمام الصادق، عن الإمام الباقر، عن علی (ع) جمیعا أنه قال: «الإیمان له أرکان أربعة: التوکل على الله، و تفویض الأمر إلى الله، و الرضا بقضاء الله، و التسلیم لأمر الله عز و جل»[17].
4- قال الإمام الصادق (ع): «إن الله عز و جل وضع الإیمان على سبعة أسهم: على البر و الصدق، و الیقین و الرضا و الوفاء و العلم و الحلم».[18]
[1] بحار الأنوار، ج59، ص291، باب89؛ مستدرک الوسائل، المحدث النووی، ج16، ص319، باب استحباب تخلیل الأسنان، طب النبی، أبو العباس مستغفری، ص19.
[2] بحار الأنوار، ج44، ص245.
[3] مستدرک الوسائل، ج2، ص531، ح21.
[4] بحار الأنوار، ج70، ص115.
[5] وسائل الشیعة، ج14، ص74.
[6] راجع، موضوع الصلاة.
[7] قال رسول الله (ص): « الصلاة عماد الدین»، بحار الأنوار، ج82، ص201، و قال علی (ع): «و الله الله فی الصلاة فإنها عمود دینکم»، نهج البلاغة، کتاب، 47.
[8] طه، 14.
[9] «الصلاة قربان کل تقی»، نهج البلاغة، الحکمة 136.
[10] عن أبی جعفر (ع) أنه قال: «بنی الإسلام على خمسة أشیاء الصلاة و ...»، بحار الأنوار، ج82، ص234.
[11] قال رسول الله (ص): «الصلاة میزان، من وفى استوفى»، الکافی، ج3، ص67، ح13؛ الفقیه، ج1، ص33، ح622؛ وسائل الشیعة، ج3، ص22، الباب 8، ح 8.
[12] بحار الأنوار: ج82، ص216 - 217.
[13] المحجة البیضاء، ج1، ص281.
[14] انظر: وسائل الشیعة، کتاب الطهارة؛ آداب الصلاة، الإمام الخمینی ره، ص55 - 94 و ...
[15] انظر: بحار الأنوار، ج68، ص329، 225-396.
[16] انظر: بحار الأنوار ج68، ص33، ح، 4.
[17] نفس المصدر، ص340 و 341، ح، 12.
[18] بحار الأنوار، ج69، ص159.