بحث متقدم
الزيارة
8911
محدثة عن: 2011/03/31
خلاصة السؤال
ما هي فلسفة التشهد و السلام في الصلاة؟
السؤال
ما هي فلسفة التشهد و السلام في الصلاة؟
الجواب الإجمالي

يكمن سر التشهد في تناغم اللسان و القلب و الكلام و الفعل، و بمعنى آخر إن سر التشهد يتمثل في العبور من الكثرة إلى الوحدة و الوصول إلى مقام الولاية.

أما السلام فهو إسم من أسماء الله أودعه الله بين الموجودات ليظهره عباده في جميع المعاملات و المعاشرات و الأمانات و الارتباطات و ليسري في باطن و ظاهر الموجودات. إن حقيقة السلام يجب أن تسري في جميع قوى الإنسان الباطنية و الظاهرية و جميع العادات و العقائد و الأخلاق و الأعمال ليبقى سالماً و بعيداً عن الأعمال الشيطانية. و طريق تحصيل هذه السلامة التقوى، فالشخص الذي يتصف بكل مراتب التقوى يبقى كل من دينه و عقله و روحه و قلبه و جميع قواه الظاهرة و الباطنة سالمة من كل رين. و قد جاء في بيان هذه الأسرار في حديث عن الإمام الصادق سوف نورده في الجواب التفصيلي.

الجواب التفصيلي

التشهد هو الثناء على الله تعالى، و تجديد و تكرار للشهادة لله و لرسوله و هو في الواقع تأكيد للإيمان و الإسلام، و يجب على العبد الذي يظهر معاني العبودية في أقواله أن يقرن ذلك بصفاء الضمير ليكون عبداً لله بتمام وجوده. كما يجب على العبد أن يعلم و يتيقن أن الجميع بيد الله سبحانه و لا توجد أي إرادة إلى جانب إرادته بإمكانها أن تؤدي أي فعل في عالم الوجود.

إن المصلي و بعد أن يشهد لله بالألوهية و الوحدانية للحق تعالى يتوجه إلى مقام العبودية المطلقة و المقدس لرسول الله و خاتم الأنبياء (ص) ليتنبه إلى تقديم مقام العبودية على الرسالة (عبده و رسوله) ليقرر أن مقام العبودية لله مقدم على جميع المقامات المقدسة، و أن الرسالة شعبة من العبودية، و حيث إن رسول الله (ص) عبد حقيقي لله فإن إطاعته طاعة لله، و على العبد أن يراقب نفسه خوفاً من التقصير في طاعة رسول الله و التي تمثل طاعة الله و حتى لا يحرم من بركات العبادة التي توصله إلى ساحة القدس الإلهي، و على العبد أن يعلم أنه لا طريق إلى محل الإنس الإلهي إلا عن طريق التوسل برسول الله (ص) و الأئمة الأطهار (ع)[1]. و قد سئل الإمام الصادق (ع) عن أسرار التشهد فقال: ".التشهد ثناء على الله فكن عبدا له في السر خاشعا خاضعا له في الفعل كما انك له بالقول و الدعوى و صل صدق لسانك بصفاء صدق سرك فانه خلقك عبدا و أمرك أن تعبده بقلبك و لسانك و جوارحك، و ان تحقق عبوديتك له بربوبيته لك، و تعلم نواصى الخلق بيده فليس لهم نفس و لا لحظه إلا بقدرته و مشيته و هم عاجزون عن اتيان اقل شئ في مملكته باذنه وارادته قال الله تعالى: ( وربك يخلق يشاء و يختار ما كان لهم الخيره من امرهم سبحان و تعالى عما  يشركون) فكن لله عبدا ذاكراً بالقول و الدعوى و صل صدق لسانك بصفاء سرك فانه خلقك فعز وجل ان تكون اراده و مشيئه لاحد إلا بسابق ارادته و مشيئته فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته و بالعبادة اداء اوامره و قد امرك بالصلاة على حبيبه النبي محمد (ص) فاوصل صلاته بصلاته و طاعته بطاعته و شهادته بشهادته، و انظر لا يفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلاته..."[2].

و خلاصة ذلك أن سر التشهد يكمن في تناغم اللسان مع القلب، و انسجام القول مع الفعل، أو بمعنى العبور من الكثرة إلى الوحدة و الوصول إلى مقام الولاية.

فلسفة و أسرار السلام:

مادة "سلام" مشتقة من "السلم" و تعني السلامة و الابتعاد عن الآفات الباطنية و الظاهرية[3].

إن الإنسان الذي يخضع للأمر الإلهي و يمتثل لتعاليم دينه و رسوله بكل خضوع و تسليم يكون في أمان و سلامة من بلاء الدنيا و عقاب الآخرة، لأنه من غير الممكن أن يؤدي العبد صلاته كاملة و لا يكون مشمولاً بالوعد الإلهي، و كذلك من غير الممكن لشخص يدرك واقعية السلام الذي هو إسم و صفة من صفات الربوبية و إسم من الأسماء الإلهية و لم يراع تجسيده في سلوكياته و تعامله مع الآخرين، و كيف يكون ممكناً أن يناجي العبد ربه من صميم قلبه و روحه و يختم ذلك بالسلم و الأمان و تنعقد حقيقة ذلك في قلبه و يكون غافلاً عن ذكر الله في حين أن حقيقة العبودية لا تتم إلا بذكر الله في جميع أحوال الحياة.

و في حديث طويل عن الإمام الصادق(ع) بين فيه أسرار السلام و التشهد خلاصته على النحو التالي: " معنى السلام

في دبر كل صلاة: الامان، أي من أدى أمر الله تعالى، وسنة نبيه (ص) خاضعا لله خاشعا فيه، فله الامان من بلاء الدنيا، و براءة من عذاب الاخرة، و السلام اسم من اسماء الله تعالى، اودعه خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات و الامانات و الاضافات، و تصديق مصاحبتهم فيما بينهم، و صحة معاشرتهم، فان اردت ان تضع السلام موضعه و تؤدي معناه، فاتق الله، و ليسلم منك دينك و قلبك و عقلك، و لا تدنسها بظلمة المعاصي، و لتسلم حفظتك ان لا تبرمهم  وتملهم و توحشهم منك، بسوء معاملتك معهم، ثم صديقك ثم عدوك، فان من لم يسلم منه من هو اقرب إليه، فالابعد أولى، و من لا يضع السلام مواضعه، فلا سلام و لا سلم، و كان كاذبا في سلامه، و ان افشاه في الخلق،.."[4].

و عليه فالسلام الذي هو إسم من أسماء الله أودعه الله في الموجودات ليظهره عباده، و يستعمله في جميع المعاملات و المعاشرات و الأمانات و العلاقات. و ليسري إلى ظاهره و باطنه، و حقيقة السلام لا بد و أن تسري لجميع القوى الباطنية و الظاهرية و في تمام العبادات و العقائد و الأخلاق و الأعمال ليكون سالماً من جميع التصرفات الشيطانية، و إن طريق تحصيل هذا الهدف يكون عن طريق التقوى. و إن الشخص الذي يلتزم بجميع مراتب التقوى تبقى قواه الظاهرية و الباطنية و دينه و روحه و قلبه سالمة و نقية[5]. و هناك أسرار موجودة في الصلاة وردت الإشارة إلى نفحة منها في بعض الروايات لندرك مدى تأثير الصلاة و مكانتها في صناعة الإنسان و صياغة شخصيته، لتتزود بالزاد الذي يمكننا من إقامة هذه الفريضة الهامة و ندرك جانباً من جوانب أسرارها و مفاهيمها ذات الأثر الطيب على مستوى الفرد و الجماعة، لنعيش في ظل الولاية الإلهية بالسلم و الصلح و نحصل على قدرٍ كافٍ من الراحة و السعادة.

 


[1]  الإمام الخميني، روح الله، آداب الصلاة، الباب السابع فيه إشارة إجمالية لآداب التشهد، مؤسسة نشر و تنظيم مؤلفات الإمام الخميني(ره).

[2]  المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج82، ص 284، و 285، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404ق؛ الإمام الصادق(ع)، جعفر بن محمد(ع)، مصباح الشريعة، ص 93 و 94، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1400ق.

[3]  الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين، ج 7، ص 265، منشورات هجرت، قم، الطبعة الثانية ق؛ ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج 12، ص 289، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1414ق؛ القرشي، سيد علي أكبر، قاموس القرآن، ج3، ص 296، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة السادسة، 1371 ش.

[4] مصباح الشريعة/ ص95 و 96، بحار الأنوار، ح82، ص 307 و 308.

[5]  آداب الصلاة، الباب الثامن في آداب السلام.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...