Please Wait
8935
يكمن سر التشهد في تناغم اللسان و القلب و الكلام و الفعل، و بمعنى آخر إن سر التشهد يتمثل في العبور من الكثرة إلى الوحدة و الوصول إلى مقام الولاية.
أما السلام فهو إسم من أسماء الله أودعه الله بين الموجودات ليظهره عباده في جميع المعاملات و المعاشرات و الأمانات و الارتباطات و ليسري في باطن و ظاهر الموجودات. إن حقيقة السلام يجب أن تسري في جميع قوى الإنسان الباطنية و الظاهرية و جميع العادات و العقائد و الأخلاق و الأعمال ليبقى سالماً و بعيداً عن الأعمال الشيطانية. و طريق تحصيل هذه السلامة التقوى، فالشخص الذي يتصف بكل مراتب التقوى يبقى كل من دينه و عقله و روحه و قلبه و جميع قواه الظاهرة و الباطنة سالمة من كل رين. و قد جاء في بيان هذه الأسرار في حديث عن الإمام الصادق سوف نورده في الجواب التفصيلي.
التشهد هو الثناء على الله تعالى، و تجديد و تكرار للشهادة لله و لرسوله و هو في الواقع تأكيد للإيمان و الإسلام، و يجب على العبد الذي يظهر معاني العبودية في أقواله أن يقرن ذلك بصفاء الضمير ليكون عبداً لله بتمام وجوده. كما يجب على العبد أن يعلم و يتيقن أن الجميع بيد الله سبحانه و لا توجد أي إرادة إلى جانب إرادته بإمكانها أن تؤدي أي فعل في عالم الوجود.
إن المصلي و بعد أن يشهد لله بالألوهية و الوحدانية للحق تعالى يتوجه إلى مقام العبودية المطلقة و المقدس لرسول الله و خاتم الأنبياء (ص) ليتنبه إلى تقديم مقام العبودية على الرسالة (عبده و رسوله) ليقرر أن مقام العبودية لله مقدم على جميع المقامات المقدسة، و أن الرسالة شعبة من العبودية، و حيث إن رسول الله (ص) عبد حقيقي لله فإن إطاعته طاعة لله، و على العبد أن يراقب نفسه خوفاً من التقصير في طاعة رسول الله و التي تمثل طاعة الله و حتى لا يحرم من بركات العبادة التي توصله إلى ساحة القدس الإلهي، و على العبد أن يعلم أنه لا طريق إلى محل الإنس الإلهي إلا عن طريق التوسل برسول الله (ص) و الأئمة الأطهار (ع)[1]. و قد سئل الإمام الصادق (ع) عن أسرار التشهد فقال: ".التشهد ثناء على الله فكن عبدا له في السر خاشعا خاضعا له في الفعل كما انك له بالقول و الدعوى و صل صدق لسانك بصفاء صدق سرك فانه خلقك عبدا و أمرك أن تعبده بقلبك و لسانك و جوارحك، و ان تحقق عبوديتك له بربوبيته لك، و تعلم نواصى الخلق بيده فليس لهم نفس و لا لحظه إلا بقدرته و مشيته و هم عاجزون عن اتيان اقل شئ في مملكته باذنه وارادته قال الله تعالى: ( وربك يخلق يشاء و يختار ما كان لهم الخيره من امرهم سبحان و تعالى عما يشركون) فكن لله عبدا ذاكراً بالقول و الدعوى و صل صدق لسانك بصفاء سرك فانه خلقك فعز وجل ان تكون اراده و مشيئه لاحد إلا بسابق ارادته و مشيئته فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته و بالعبادة اداء اوامره و قد امرك بالصلاة على حبيبه النبي محمد (ص) فاوصل صلاته بصلاته و طاعته بطاعته و شهادته بشهادته، و انظر لا يفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلاته..."[2].
و خلاصة ذلك أن سر التشهد يكمن في تناغم اللسان مع القلب، و انسجام القول مع الفعل، أو بمعنى العبور من الكثرة إلى الوحدة و الوصول إلى مقام الولاية.
فلسفة و أسرار السلام:
مادة "سلام" مشتقة من "السلم" و تعني السلامة و الابتعاد عن الآفات الباطنية و الظاهرية[3].
إن الإنسان الذي يخضع للأمر الإلهي و يمتثل لتعاليم دينه و رسوله بكل خضوع و تسليم يكون في أمان و سلامة من بلاء الدنيا و عقاب الآخرة، لأنه من غير الممكن أن يؤدي العبد صلاته كاملة و لا يكون مشمولاً بالوعد الإلهي، و كذلك من غير الممكن لشخص يدرك واقعية السلام الذي هو إسم و صفة من صفات الربوبية و إسم من الأسماء الإلهية و لم يراع تجسيده في سلوكياته و تعامله مع الآخرين، و كيف يكون ممكناً أن يناجي العبد ربه من صميم قلبه و روحه و يختم ذلك بالسلم و الأمان و تنعقد حقيقة ذلك في قلبه و يكون غافلاً عن ذكر الله في حين أن حقيقة العبودية لا تتم إلا بذكر الله في جميع أحوال الحياة.
و في حديث طويل عن الإمام الصادق(ع) بين فيه أسرار السلام و التشهد خلاصته على النحو التالي: " معنى السلام
في دبر كل صلاة: الامان، أي من أدى أمر الله تعالى، وسنة نبيه (ص) خاضعا لله خاشعا فيه، فله الامان من بلاء الدنيا، و براءة من عذاب الاخرة، و السلام اسم من اسماء الله تعالى، اودعه خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات و الامانات و الاضافات، و تصديق مصاحبتهم فيما بينهم، و صحة معاشرتهم، فان اردت ان تضع السلام موضعه و تؤدي معناه، فاتق الله، و ليسلم منك دينك و قلبك و عقلك، و لا تدنسها بظلمة المعاصي، و لتسلم حفظتك ان لا تبرمهم وتملهم و توحشهم منك، بسوء معاملتك معهم، ثم صديقك ثم عدوك، فان من لم يسلم منه من هو اقرب إليه، فالابعد أولى، و من لا يضع السلام مواضعه، فلا سلام و لا سلم، و كان كاذبا في سلامه، و ان افشاه في الخلق،.."[4].
و عليه فالسلام الذي هو إسم من أسماء الله أودعه الله في الموجودات ليظهره عباده، و يستعمله في جميع المعاملات و المعاشرات و الأمانات و العلاقات. و ليسري إلى ظاهره و باطنه، و حقيقة السلام لا بد و أن تسري لجميع القوى الباطنية و الظاهرية و في تمام العبادات و العقائد و الأخلاق و الأعمال ليكون سالماً من جميع التصرفات الشيطانية، و إن طريق تحصيل هذا الهدف يكون عن طريق التقوى. و إن الشخص الذي يلتزم بجميع مراتب التقوى تبقى قواه الظاهرية و الباطنية و دينه و روحه و قلبه سالمة و نقية[5]. و هناك أسرار موجودة في الصلاة وردت الإشارة إلى نفحة منها في بعض الروايات لندرك مدى تأثير الصلاة و مكانتها في صناعة الإنسان و صياغة شخصيته، لتتزود بالزاد الذي يمكننا من إقامة هذه الفريضة الهامة و ندرك جانباً من جوانب أسرارها و مفاهيمها ذات الأثر الطيب على مستوى الفرد و الجماعة، لنعيش في ظل الولاية الإلهية بالسلم و الصلح و نحصل على قدرٍ كافٍ من الراحة و السعادة.
[1] الإمام الخميني، روح الله، آداب الصلاة، الباب السابع فيه إشارة إجمالية لآداب التشهد، مؤسسة نشر و تنظيم مؤلفات الإمام الخميني(ره).
[2] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج82، ص 284، و 285، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404ق؛ الإمام الصادق(ع)، جعفر بن محمد(ع)، مصباح الشريعة، ص 93 و 94، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1400ق.
[3] الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين، ج 7، ص 265، منشورات هجرت، قم، الطبعة الثانية ق؛ ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج 12، ص 289، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1414ق؛ القرشي، سيد علي أكبر، قاموس القرآن، ج3، ص 296، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة السادسة، 1371 ش.
[4] مصباح الشريعة/ ص95 و 96، بحار الأنوار، ح82، ص 307 و 308.
[5] آداب الصلاة، الباب الثامن في آداب السلام.