بحث متقدم
الزيارة
6149
محدثة عن: 2012/02/14
خلاصة السؤال
ما معنی الوجود الذهنی فی الفلسفة الإسلامیة؟
السؤال
ما معنی الوجود الذهنی فی الفلسفة الإسلامیة؟ و ما هی مکانته؟
الجواب الإجمالي

الوجود الذهنی عبارة عن: الماهیة و الصورة الحقیقیة للأشیاء فی قیاسها بالوجود الذی هو خارج الذهن.

الجواب التفصيلي

مسألة الوجود الذهنی تعتبر من المباحث المطروحة فی الفلسفة الإسلامیة. و توجد فی هذا الباب نظریتان. یعتقد البعض إن الوجود الذهنی هو لإثبات مطابقة الذهن مع العین و هذه هی النظریة الرائجة المشهورة فی باب الوجود الذهنی. و یعتقد البعض الآخر فی المقابل إن طرح الوجود الذهنی لإثبات الوجود الذهنی فی جانب الوجود الخارجی و فی الحقیقة هو بحث فی معرفة الوجود.

یقول الحکماء أصحاب النظریة الأولی إن الماهیة لها وجود آخر غیر الوجود الخارجی و العینی، بإسم الوجود الذهنی الذی لا تترتّب علیه آثار الوجود الخارجی و یقیمون الکثیر من الأدلة لإثبات الوجود الذهنی. [1] أما بعض المتکلّمین کالسید میر شریف الجرجانی فی شرح المواقف فقد تبنی النظریة  القائلة بانه لا شیء یأتی إلی الذهن أساسا. و ذهب جماعة من الحکماء المتأخّرین الی القول بأن ما یأتی إلی الذهن، هو شبح الوجود الخارجی لا ماهیة الأشیاء الخارجیة.

لکن هناک عدة إشکالات توجة للنظریة القائلة بأن نفس ماهیة الأشیاء تأتی إلی الذهن. منها هذا الإشکال المعروف و هو: إذا کان من المفروض إن ماهیة الأشیاء الخارجیة هی التی تأتی إلی الذهن، تحصل مشکلة لزوم اندراج ماهیة واحدة تحت مقولتین. فمثلاً لو تصوّرنا ماهیة الإنسان، یلزم من ذلک اندراج الماهیة الذهنیة للإنسان تحت مقولة الجوهر، لأنه حسب الفرض نفس ماهیة هو هو جاءت إلی الذهن و الإنسان فی الخارج جوهر، و من جهة أخری یلزم اندراج الماهیة الذهنیة تحت مقولة الکیف، لأنها عندما جاءت إلی الذهن ستصبح نوعاً من العلم، و العلم من مقولة الکیف النفسانی، لأن تعریف الکیف الذی هو «عرض لا یقبل القسمة و لا النسبة» یصدق علیه، إذن یتحتّم کونها تحت مقولة الجوهر و تحت مقولة العرض کذلک. [2]

و من جهة أخری إن المقولات العشرة متباینة بتمام ذواتها، لأنها لو لم تکن کذلک یلزم من ذلک اشتراکها مع الذات بجزء منها و نقطة الإشتراک هی جنسهما، و المفروض أن المقولات العشرة هی جنس الأجناس و لا جنس فوقها.

مع هذا الکلام لا یمکن للماهیة أن تندرج تحت مقولتین، فإما أن نقول لا شیء یأتی إلی الذهن أساسا، کما ذهب الی ذلک بع الباحثین، أو إذا قلنا بمجیئها إلی الذهن، فنفس الماهیة الخارجیة مع عدم حفظ هویتها و ذاتیاتها، أو إذا قلنا بأنها نفس الماهیة الخارجیة، یجب أن نرفع الید عن کون الوجود الذهنی من مقولة الکیف، و الخلاصة یجب رفع الید عن إحدی هذه المقدمات، و إلّا - بحفظ جمیع المقدمات- یبقی اشکال اندراج ماهیة واحدة تحت مقولتین.

من هنا و ضع الحکماء عدة معالجات للفرار من هذا الإشکال و أمثاله: فالبعض کالمتکلّمین أنکروا الوجود الذهنی من الأساس و قالوا بعدم مجیء شیء إلی الذهن، و بعض کالفخر الرازی اعتبر العلم نوع إضافة بین الذهن و المعلوم الخارجی، و البعض الآخر قال بأن ما یأتی إلی الذهن هو شبح الشیء الخارجی لا نفس الماهیة الخارجیة. و بعض آخر کالفاضل القوشجی التمس طریق الفرار من الإشکال بالتفکیک بین العلم و المعلوم، أما صدر المتألهین فتوسل بمفتاح الحمل الأولی و الحمل الشائع الصناعی لحل الإشکال. [3]

یعتقد بعض أساتیذ الفلسفة إن الصحیح فی مسألة الوجود الذهنی هو، إن ما نسمّیه بالوجود الذهنی، سواء أکان فی الأمور الماهویة أم فی الوجود و صفاته أم فی الأمور العدمیة، هو مفهوم هذه الأشیاء الذی یأتی إلی الذهن لا شیء آخر و لا یمکن نقل الواقع الخارجی إلی الذهن أبداً. فلا تتوجه إشکالات الوجود الذهنی. [4]

و ذهب العلامة الشیخ حسن زادة الآملی الی القول بإن مرجع العلم هو الوجود و العلم یرجع فی الواقع إلی الوجود، و بواسطة الوجود تنکشف الأشیاء، لکن حیث إن العلم حالة نفسانیة و صفة من صفات النفس، و هو مثل القدرة و الإرادة لم یکن موجوداً ثم کان و وجد و لیس له قابلیة القسمة و لا النسبة فهو من هذا الحیث کیف نفسانی. [5]

و فی الواقع إن الوجود الذهنی عبارة عن الماهیة و الصورة الذهنیة للأشیاء فی قیاسها بالوجود الخارجی، لکن إذا لاحظنا الصورة الذهنیة بدون قیاسها بالخارج، بل تلحظ من جهة ثبوتها فی النفس فهی وجود خارجی لأنها ستتّحد مع النفس وجوداً و لا تحسب عندئذٍ وجوداً خارجیاً و من هذه الجهة یکون مرجع العلم إلی الوجود و خارج عن دائرة المقولات. [6]

لذلک فما ننسبه للصور الذهنیة مختلف من حیث الاعتبارات، فهو علم بأحد الاعتبارات و وجود ذهنی باعتبار آخر، و کیف بالعرض باعتبار ثالث، و کیف بالذات باعتبار رابع، و خارج عن کل المقولات فلا یدخل تحت أی منها باعتبار خامس. [7]

و هناک شرطان یلزم توفّرهما لاندراج مفهوم تحت مقولة ما: 1- صدق المقولة 2- ترتّب الآثار، لذلک فبأی اعتبار یتحقق هذان الشرطان یمکن لهذا الشیء أن یندرج تحت هذه المقولة بنفس هذا الاعتبار، لکن إذا لم یتحقق أحدهما أو کلاهما فلا یوجد أی مببرر للإندراج.

لذا فباعتبار إن الصورة نحو من الوجود یحصل للنفس، فهو صورة علمیة و کیف نفسانی بالذّات، و باعتبار إن الصورة الذهنیة حاکیة عن الخارج، فهی وجود ذهنی و من مقولة المعلوم بالحمل الأولی و باعتبار الحمل الشائع الصناعی، فهی صورة ذهنیة و کیف بالعرض الذی ینتهی إلی الکیف بالذات و باعتبار إن نرجع الصور العلمیة إلی الوجود، فهی خارجة عن المقولات و لا تدخل تحت أیّ منها لأن الوجود فوق المقولات.

أما ما قیل من أن الصور العلمیة تقع تحت مقولة الکیف حقیقةً، فلا یخلو من المسامحة، لأن وجود الصورة العلمیة فی نفسه و وجودها للنفس واحد، [8] فلیس هو وجودین أحدهما عارض و الآخر معروض علیه، بل إن الصورة العلمیة و نفس کل منهما موجودان بوجود واحد فلا تعدّد فی الوجود حتی یکون لأحدهما طابع جوهری و للآخر عرضی، لذا فالصور العلمیة کیف مسامحة لا حقیقة، فعندما تحصل الصورة العلمیة للنفس تتّحد وجوداً بوجود النفس و هذا الاتحاد نُسمّیه اتحاد العاقل بالمعقول أو اتحاد العالم بالمعلوم، و یتحتّم علینا الآن أن ندرس هذا الاتحاد لنری ما یقصده الحکماء منه؟ و أیّ شیء یتحد بأی شیء؟

فی بدایة الأمر یمکن تصوّر ست صور لهذا الاتحاد:

1- اتحاد ماهیتنا مع الماهیة الخارجیة المعلومة.

2- اتحاد وجودنا مع الماهیة الخارجیة المعلومة.

3- اتحاد ماهیتنا مع الوجود الخارجی المعلوم.

4- اتحاد ماهیتنا مع الماهیة الذهنیة المعلومة.

5- اتحاد ماهیتنا مع الوجود الذهنی المعلوم.

6- اتحاد وجودنا مع الوجود الذهنی المعلوم.

الفرض الأخیر من الفروض الستة المتقدمة هو مراد الحکماء أی اتحاد وجودنا مع الوجود الذهنی المعلوم، و القصد مما یقال بأن هذین الوجودین یتحدان معاً، هو إن علم النفس بالشیء یصیرها نفس ذلک الشیء، أی عندما تصبح النفس عالمة تحصل لها حالة الصیرورة. فکون النفس عالمة لا یعنی أن النفس ثابتة و ساکنة فی مقامها، و تأتی الرسوم من الخارج لتنطبع فیها. بل إن النفس بکل علم تکون شیئاً، أی تکون نفس وجود هذا الشیء، لذلک فنسبة هذا الوجود العلمی للنفس، نسبة الصورة للمادة، لا نسبة العرض للموضوع.



[1]  السبزواری، الحاج ملا هادی، شرح المنظومة، المجلد الثانی، ص 124، الطبعة الأولی نشر ناب (الخالص)، طهران، 1413 ق.

[2]  نفس المصدر، ص 126 و 127.

[3]  الملا صدرا، الحکمة المتعالیة، ج 1، ص 292، الطبعة الرابعة، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1410 هـ.ق.

[4]  الفیاضی، غلام رضا، الوجود الذهنی فی الفلسفة الإسلامیة، المجلة الفصلیة التخصّصیة لمرکز تحقیق دائرة المعارف للعلوم العقلیة الإسلامیة، الرقم 6، تموز 1386.

[5]  العلامة حسن زادة الآملی، حسن، النور المتجلی فی الظهور الظلی، ص 150، الطبعة الثالثة، مؤسسة بوستان کتاب (بستان الکتاب)، قم، 1387 ش.

[6]  نفس المصدر، ص 150.

[7]  نفس المصدر، ص 64.

[8]  نفس المصدر، ص 156.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...