Please Wait
7012
الأنانیة و حبّ الذات و التکبّر و العجب من مؤشّرات جهل الإنسان، فإذا استطاع الإنسان أن یتخلّص من جهله و یخرج منه، لا یبقی عندئذٍ مکاناً للعجب. فالإنسان المذنب من البدیهي أن لا یترک مجالاً لنفسه لتصوّر التکبّر و العجب، أما غیر المذنب –حسب الظاهر- یجب أن یعلم بأن العجب لوحده من أکبر الذنوب، بل إن هذه الصفة مذمومة جداً حتی إن الله سبحانه یعتبر الإبتلاء بالذنب أخف وطأة بالنسبة للمؤمن من هذه الصفة لعله یتخلّص من هذه الصفة المذمومة عندما يدرك مدى خطورتها و قبحها.
الأنانیة و التکبّر و العجب من مؤشّرات جهل الإنسان، فإذا استطاع الإنسان أن یتخلّص من جهله و یخرج منه، لا یبقی عندئذٍ مجال للعجب فالإنسان الجاهل المتکبّر یری نفسه عالماً في الوقت الذي ینطوي علی جهل کبیر واسع، فعند ما یری أعماله الصالحة –و هو علی هذه الحالة- و یقارنها بأعمال الآخرین المذنبین، یفرح و یرضی عن نفسه ثم یبدأ بذم الآخرین. مع أن عجبه بنفسه و تکبّره علی الاخرین لا یقل قبحاً و سوءً من ذنوب الناس، بل یزید علیها خصوصاً إذا کان الذنب باعثاً علی أن یری الإنسان المذنب نفسه حقیراً أمام الصالحین فیصلح ما هو علیه في حين يبقى المغرور يعيش حالة الغرور و لم يقلع عنها.
مراتب العجب
للعجب ثلاث مراتب:
الأول: أن یری الإنسان -خطأً- أعماله الطالحة حسنة و صالحة فیفتخر بها و یری أعمال الآخرین علی أساس هذا التصوّر قبیحة، فلو کان عنده قلیلاً من المعرفة لاکتشف قبح أعماله. هذه الدرجة من العجب أکثر الدرجات شیوعاً و أکثرها سوءً و قبحاً و تعدّ نهایة الجهل و الشقاء.
الثاني: أن یری الإنسان أعماله الصالحة و یشید بنفس هو یذم الآخرین و یحقّرهم بسببها. فهو في غفلة عن أن لو لا الله سبحانه و لو لا توفیقه و تسییر الظروف المساعدة لصالحه لما توفّق لمثل هذا و من الممکن أن یسلب الله منه هذه الصفات الحسنة في کل وقت و زمان و یترکه علی أسوء حال. و هناک نماذج کثیرة من هذا القبیل یمکن مشاهدتها في حیاة کثیر من الناس المعجبین بأنفسهم.
الثالث: و هذه المرحلة متعلقة بالسالکین، فهذا المرء قد خلّص نفسه من الصفات السیئة و یری أن کل ما عنده من الصفات الجیدة الصالحة فهي من الله سبحانه لکنه لم یتجاوز وجوده و یری لنفسه ذاتاً و وجوداً مستقلاً، فهو غافل عن أن کل وجوده عدم لیس فیه إلا مرآة الوجود و کل ما عنده من الصفات فهو من الحق تعالی و أما ذاته فلا یری لها وجودا بل هي فانیة و لا تمثل شیئا، بل هي أقلّ من اللاشيء.
لذا فالإنسان العارف مطّلع علی عظمة الله و خلقته و علی اللاشیئیة فلا منفذ للعجب و لاطریقل له للدخول في اختراق نفسه، لأن الإنسان المذنب من البدیهي أن لا یترک مجالاً لنفسه لتصوّر العجب، أما غیر المذنب –حسب الظاهر- یجب علیه أن یعلم بأن العجب لوحده یعتبر أکبر الذنوب، بل إن هذه الصفة مذمومة جداً بحیث یعتبر الله سبحانه یعتبر الإبتلاء بالذنب أخف وطأة بالنسبة للمؤمن من هذه الصفة لعله یتخلّص من هذه الصفة المذمومة عندما يدرك مدى خطورتها و قبحها.
یقول الإمام الصادق (ع) عن العجب في مصباح الشریعة:
- ا"لْعَجَبُ كُلُ الْعَجَبِ مِمَّنْ يُعْجَبُ بِعَمَلِهِ وَ هُوَ لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَمُ لَهُ- فَمَنْ أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ وَ فِعْلِهِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ مَنْهَجِ الرَّشَادِ وَ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَ الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ حَقٍّ كَاذِبٌ وَ إِنْ خَفِيَ دَعْوَاهُ وَ طَالَ دَهْرُهُ- فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُفْعَلُ بِالْمُعْجَبِ نَزْعُ مَا أُعْجِبَ بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ عَاجِزٌ حَقِيرٌ وَ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ لِتَكُونَ الْحُجَّةُ أَوْكَدَ عَلَيْهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْلِيسَ وَ الْعُجْبُ نَبَاتٌ حَبُّهُ الْكُفْرُ وَ أَرْضُهُ النِّفَاقُ وَ مَاؤُهُ الْبَغْيُ وَ أَغْصَانُهُ الْجَهْلُ وَ وَرَقُهُ الضَّلَالُ وَ ثَمَرَتُهُ اللَّعْنَةُ وَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ فَمَنِ اخْتَارَ الْعُجْبَ فَقَدْ بَذَرَ الْكُفْرَ وَ زَرَعَ النِّفَاقَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُثْمِرَ وَ يَصِيرَ إِلَى النَّار". [1]
- رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (ص) أَنَّهُ قال: لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَخَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ الْعُجْبَ.[2]
- عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قال: إِنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ مَا ابْتُلِيَ مُؤْمِنٌ بِذَنْبٍ أَبَداً.[3]
- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قال: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَنْدَمُ عَلَيْهِ وَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيَسُرُّهُ ذَلِكَ فَيَتَرَاخَى عَنْ حَالِهِ تِلْكَ فَلَأَنْ يَكُونَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ.[4]
- عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قال: أَتَى عَالِمٌ عَابِداً فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ صَلَاتُكَ؟ فقال: مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ صَلَاتِهِ وَ أَنَا أَعْبُدُ اللَّهَ مُنْذُ كَذَا وَ كَذَا؟ قال: فَكَيْفَ بُكَاؤُكَ؟ قال: أَبْكِي حَتَّى تَجْرِيَ دُمُوعِي. فقال لهُ: الْعَالِمُ فَإِنَّ ضَحِكَكَ وَ أَنْتَ خَائِفٌ أَفْضَلُ مِنْ بُكَائِكَ وَ أَنْتَ مُدِلٌّ إِنَّ الْمُدِلَّ لَا يَصْعَدُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ.[5]
- عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قال: دَخَلَ رَجُلَانِ الْمَسْجِدَ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَ الْآخَرُ فَاسِقٌ فَخَرَجَا مِنَ الْمَسْجِدِ وَ الْفَاسِقُ صِدِّيقٌ وَ الْعَابِدُ فَاسِقٌ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْعَابِدُ الْمَسْجِدَ مُدِلًّا بِعِبَادَتِهِ يُدِلُّ بِهَا فَتَكُونُ فِكْرَتُهُ فِي ذَلِكَ وَ تَكُونُ فِكْرَةُ الْفَاسِقِ فِي التَّنَدُّمِ عَلَى فِسْقِهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مِمَّا صَنَعَ مِنَ الذُّنُوبِ.[6]
- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): بَيْنَمَا مُوسَى (ع) جَالِساً إِذْ أَقْبَلَ إِبْلِيسُ وَ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ ذُو أَلْوَانٍ فَلَمَّا دَنَا مِنْ مُوسَى (ع) خَلَعَ الْبُرْنُسَ وَ قَامَ إِلَى مُوسَى فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فقال لهُ موسى: مَنْ أَنْتَ؟ فقال: أَنَا إِبْلِيسُ. قال: أَنْتَ فَلَا قَرَّبَ اللَّهُ دَارَكَ. قال: إِنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ لِمَكَانِكَ مِنَ اللَّهِ! قال: فقال لهُ مُوسَى (ع): فما هذا الْبُرْنُسُ؟ قال: بِهِ أَخْتَطِفُ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ ! فقال مُوسَى: فَأَخْبِرْنِي بِالذَّنْبِ الَّذِي إِذَا أَذْنَبَهُ ابْنُ آدَمَ اسْتَحْوَذْتَ عَلَيْهِ؟ قال: إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَ اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ وَ صَغُرَ فِي عَيْنِهِ ذَنْبُهُ.[7]
- قال اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ- لِدَاوُدَ (ع): يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ وَ أَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ! قال: كَيْفَ أُبَشِّرُ الْمُذْنِبِينَ وَ أُنْذِرُ الصِّدِّيقِينَ؟ قال: يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ أَنِّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَ أَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ وَ أَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ أَلَّا يُعْجَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسَابِ إِلَّا هَلَكَ.[8]
[1]. جعفربن محمد عليه السلام، الامام الصادق (ع)، . مصباح الشریعة، ص 81.
[2]. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقى، بحار الأنوار( ط- بيروت)، ج 69، ص 329.
[3]. الكليني، محمد بن يعقوب بن اسحاق، الكافي( ط- الإسلامية) ج 2، ص 313.
[4]. الكافي، ج 2، ص 313.
[5] . الكافي، ج 2، ص 313.
[6]. الكافي، ج 2، ص 314.
[7]. الكافي، ج 2، ص 314.
[8]. الكافي، ج 2، ص 314.