Please Wait
10402
إن احترام هؤلاء العظماء (النبی و الامام) و الرجوع إلیهم، و التوسل بهم، و طلب الحاجة منهم، إذا کان فی عرض الخالق سبحانه، أو أنه مستقل و غیر محتیاج إلى الذات المقدسة الأحدیة، فإن هذا القصد و هذا الفهم شرک، و إنه لا ینسجم مع التوحید الأفعالی (استقلال الله بالفاعلیة و استغنائه و عدم احتیاجه لسائر الموجودات و حاجة الجمیع الیه) و کذلک لا ینسجم مع التوحید فی الربوبیة (إن الله هو المدبر و الرب الأوحد و إن الملائکة و الأنبیاء و الأسباب الطبیعیة ما هی إلا أیدٍ عاملة بأمر الله و منفذة لمشیئته و إرادته).
و إما إذا کانت هذه التوسلات و الاحترامات و الدعوات تندرج ضمن التوجهات التالیة:
أ- إطاعة الأمر الإلهی.
ب- أداء الدین الذی له فی أعناقنا لما أفاض علینا على مستوى التکوین والتشریع.
ج- اتخاذ هؤلاء العظماء قدوة و أسوة، و الاستفادة من ألطاف و عنایات هؤلاء العظماء، دون أن نعتقد بتأثیرهم المستقل عن الذات الإلهیة المقدسة.
و کل هذه التوجهات لا تنافی التوحید الأفعالی أو الربوبی، کما لا تتعارض فی کون الخالق هو (المستقل) فی قضاء الحاجات وانه غیره مهما کان غیر مستقل عنه سبحانه. لأن الفاعلیة و قضاء الحوائج و التدبیر من قبل هؤلاء العظماء هی فی طول الفاعلیة و الربوبیة و کون الله سبحانه هو قاضی الحاجات و لیست فی عرضها لیحسب ذلک من الشرک.
و على هذا فإن معیار الشرک فی طلب الحاجة من غیر الله هو نیة الشخص, فإذا کان الشخص المتوسل یعتقد بالألوهیة و الربوبیة و الفاعلیة المستقلة من دون الله لمن یتوسل به، فذلک التوجه و هذه العقیدة شرک بالله سبحانه.
و لکن إذا کان التوسل و طلب الحاجات من قبیل الطاعة لله تعالى و الاستفادة من کرامة هؤلاء العظماء و عزتهم و جاههم عند الله، لیطلبوا من الله أن یقضی حاجته أو أنهم یقضونها بإذن الله تعالى، فإن هذا النوع من التوسل لا ینسب إلى الشرک، و إنما یکون المتوسل مأجوراً و مثاباً، لأنه عمل طبقاً للأوامر الإلهیة.
الإنسان موجود ذو بعدین، أی أنه مرکب من روح ملکوتی و جسد ناسوتی مادی، کما إنه یتصف بالفقر و الحاجة، و حیث أنه ذو بعدین فلابد من تأمین احتیاج هذین البعدین بشکل متوازن و متعادل بعیداً عن الإفراط و التفریط، و ذلک ما یکفل له سلامته و دوام حیاته و سیره على طریق التکامل و الارتقاء حتى الوصول إلى قمة سعادته الواقعیة (مقام خلافة الله).
و حیث أن الله سبحانه حکیم و عالم، و إنه رسم هدفاً معیناً لخلق الإنسان، و إنه على علم بکل وجوده و احتیاجاته و على کل الأبعاد و الأصعدة، فقد هیأ الأرضیة المناسبة لسد احتیاجاته المختلفة، قبل خلق الإنسان أو حین خلقه. کما أن إرادة الله تعالى تعلقت فی أن یبادر الإنسان بشکل طبیعی مع سلامة الجسم و سعادة الروح للاستفادة من الإمکانات المسخرة له لتأمین حاجاته و إلا فالله سبحانه قادر على أن یخلق الإنسان متکاملاً منذ البدایة بلحاظ الجسم فلا یحتاج إلى التکامل، کما هو الحال فی خلق السماوات و الأرض، و کذلک من الممکن أن یوجده متکاملاً بلحاظ البعد الروحی، بکیفیة لا یکون معها محتاجاً إلى العبادة و الطاعة و الحضور فی ساحة عالم القدس، و لا یجد نقصاً فی هذا الجانب، کما هو الحال فی خلق الملائکة. و لکن مزیة الإنسان و خصوصیته الفارقة بینه و بین سائر الموجودات تکمن فی هذه الخاصیة، فعلى الرغم من کل ما یتمتع به من النقص و الاحتیاج الجسمی و الروحی، فإنه یمتلک القدرة على أن یرتقی إلى مرتبة یفوق فیها مرتبة الملائکة.
و هذا الإنسان المختار لابد له من الاستفادة من مائدة النعم الإلهیة المنبسطة فی السماوات و الأرض لسد احتیاجاته و تأمین نواقصه، حتى یتمتع بالبقاء و السلامة. و من أجل أن یؤمن حاجاته و یسد ظمأه الروحی علیه أن یلجأ إلى مائدة التشریع لیتمکن من جعل هذه الروح الملکوتیة تتصل بعالم الملکوت لرفع کل احتیاجاتها المعنویة و الروحیة.
لا وجود لأی شک فی قابلیة العوامل التکوینیة و الأسباب الطبیعیة على رفع حاجات الإنسان الجسمانیة المادیة، و إن الإنسان یستفید من هذه المائدة الغنیة لیلاً و نهاراً، و حیث أن الإنسان یألف هذه الواقعیة و یأنس بها منذ ولادته، بل و منذ بدایة خلقه، فإنه لا یتبادر إلى ذهن أغلب المتدینین أن هذا النوع من الاستفادة من الأسباب الطبیعیة لسد الحاجات الجسمیة یمثل لوناً من ألوان الشرک، أو أنه تصرف فی غیر محله فی ملک الله تعالى.
کما أن الخالق الحکیم بسط مائدة واسعة أخرى من أجل تأمین احتیاجات الإنسان الروحیة و ذلک فی قالب الدین و التشریع حتى تهیأ غذاءً صحیاً و سلیماً للإنسان بلحاظ العقیدة و العبادة و الأخلاق و التربیة عن طریق مجموعة من الأفراد (الأنبیاء و الرسل علیهم السلام) و جعل منهم واسطة لفیضه التشریعی. فی حین أن الأنبیاء أنفسهم مکلفون برعایة هذه التکالیف و الحدود و الاستفادة منها، حتى یتمکنوا من سد احتیاجاتهم الروحیة عن هذا الطریق، و یؤمنون الاتصال بعالم الملکوت و المعنویات الذی یتجاوز الإحساس و الشهود بالنسبة لهم و یمثل عالم الغیب، و لابد من الاتصال و لو للحظات فی الیوم و اللیلة بهذا العالم (عالم القدس و الربوبیة) و ذلک من خلال العبادات الیومیة.
و فی هذا الوسط هناک أشخاص سبقوا الجمیع فی میدان الاستفادة من مائدة التشریع الإلهیة، فأحرزوا قدم السبق و التقدم، فکان لهم نوع اتصال أقوى و أوسع من الآخرین بعالم الملکوت، و کأنهم قطعوا خیوط الاتصال بعالم الطبیعة، حتى تحولوا إلى موجودات ملکوتیة، کما أن بعضاً من هذه الفئة أحرز السبق و التقدم على رفاقه حتى تمکنوا من إحراز مقام خلیفة الله، و جعلوا من أنفسهم (عمّال الله)، فتحولوا عن هذا الطریق إلى واسطة للفیض التکوینی، أی أنهم صاروا واسطة بین المتخلفین من أفراد القافلة و ذلک العالم الملکوتی.
و من هنا فهؤلاء الأفراد الذین تخلفوا فی هذا الطریق أصبحوا مضطرین للتعلق بهذه الوسائط للاستفادة من فیوضات عالم الروح و المعنى لسد احتیاجاتهم فی هذا المیدان.
و من هنا نشأت شبهة المنافاة بین التوسل بهؤلاء العظماء و التوحید الأفعالی الربوبی لله تعالى!
و لکن الواقع هو کما أن الاستفادة من الإمکانات المادیة لرفع الحاجات الجسمیة لیست من الشرک فی شیء، لأن الله سبحانه هو الذی خلق هذه النعم و سخرها للإنسان،[1] و أعطاه الإذن (التکوینی) فی التصرف بها بالطرق الصحیحة التی بینها الشرع. و إن الإنسان الموحد یعلم أن خلقه و إعطاءه کل هذه النعم و الهبات إنما یتعلق بالذات الإلهیة المقدسة، و لا یتوهم یوماً أن هذه الأسباب و العوامل مستقلة عن الإرادة الإلهیة، و إن وجودها واجب.
و کذلک الأمر بالنسبة إلى التوسل و الاحترام و طلب الحاجات من هؤلاء العظماء لا یوجد فیه أی لون من ألوان المنافاة مع قبول التوحید الأفعالی أو توحید الربوبیة، و انحصار قضاء الحاجات بالله سبحانه على وجه الاستقلال. ذلک لأن هذا التوسل و طلب الحاجات لم یفرض فی عرض الله أو مستقلاً عنه. بل یکون الإنسان متوسلاً عارفاً و واعیاً إلى أن فاعلیة و تدبیر هؤلاء العظماء فی طول فاعلیة الله و تدبیره، و إن وجود من یتوسل بهم هو کسائر الموجودات الأخرى یمثل عین الفقر و الحاجة إلى الذات المقدسة، و لولا العنایات و الفیض الإلهی لما کان لهم وجود فضلاً عن قدرتهم على الفاعلیة و التأثیر و قضاء الحوائج، و لذلک فکون هذه الفاعلیة و التأثیر واقع فی طول فاعلیة الله و إرادته و إذنه فإنها لا تستلزم الشرک و لا هی منه.[2]
و أما فیما یخص التساؤل القائل: لماذا یحیلنا الله إلى هؤلاء العظماء الأعزة، و لماذا نحتاج إلى هذه الوسائط للاستفادة من عالم الملکوت و المعنویات؟ و ذلک لعدة جهات:
1- إن هؤلاء الأشخاص هم وسائط الفیض الإلهی، و القناة التی تجری فیها الرحمة الإلهیة إلى سائر الموجودات فی العالم، إلى حد أنه لولا هذا الوجود المقدس لما کان هناک توجه لخلق السماء و الأرض و ما فیهما.
و لهذا ورد فی الحدیث القدسی المعروف: لولاک لما خلقت الأفلاک...[3]
و على هذا الأساس فإن محاولة الوصول إلى منبع الفیض و الجود یستلزم المرور بهذه القناة و الاستفادة منها حتى لا نحرم من ألطاف الحق تعالى و عنایاته، لذلک نقول فی دعاء الندبة: "أین وجه الله الذی منه یؤتى".
2- انطلاقا من کون هؤلاء المقربین من الله تعالى قد زینوا انفسهم وتحلوا بصفات الله، من هنا یکون التوجه الیهم والنظر الیهم کانما هو توجه الى الله تعالى وان مخالطتهم و الانس بهم – ولو فی الملمات – یذکر بالله تعالى وبآیاته الشریفة، من هنا نقول فی دعاء الندبة" این وجه الله الذی الیه یتوجه الاولیاء"
3- بما أنهم مقربون عند الله، و کونهم واسطة لفیضه فإن دعاءهم لا یرد و إنه یقابل بالاستجابة و تکون شفاعتهم مقبولة عند الله، و لذلک نقول فی (الندبة): "أین المضطر الذی یجاب إذا دعا".
و بما أنهم کرماء فلا یغلقون الأبواب بوجه السائلین، و إذا کان طلبه فی دائرة مصلحته فلا ترد یده خالیة، و هذا الأمر مجرب لدى المعاصرین لهؤلاء الکرماء و لزائری مراقدهم الشریفة و لمرات عدیدة و لذلک نخاطبهم بالقول "و عادتکم الإحسان و سجیتکم الکرم و شأنکم الحق و الصدق و الرفق".[4]
4- إن الاتصال المباشر بعالم الغیب لا یکون ممکناً بالنسبة لمن لم یسیروا فی مراحل التکامل و الترقی، و لم یبلغوا مراحل متقدمة. و لذلک فلابد من الاستعانة بهذه الوسائل و الاستفادة من هذه الوسائط و لذلک جاء الخطاب الإلهی على النحو التالی: «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ».[5] و هناک روایات کثیرة تشیر إلى أهل البیت (ع) و إنهم عنوان (الوسیلة) و الإیمان الثابت الذی ینبغی للمؤمن أن یعرفهم و یقر بمنزلتهم و یتمسک بهم.[6] و کذلک نقرأ فی الندبة: "أین الحبل المتصل بین الأرض و السماء".
5- إن التوسل بهم و الرجوع إلیهم یکون سبباً فی معرفتهم، و قضاء الحاجات بهم بسبب الحب و الارتباط و الأنس، و هذا الأنس و المحبة لهؤلاء العظماء تؤدی إلى الهدایة و التربیة و التعالی، فی حین أن ساحتهم المقدسة لیست بحاجة إلى توسل الناس و رجوعهم إلیهم لأنهم وصلوا إلى مقاصدهم بواسطة العنایة و اللطف الإلهی.
6- إن إرجاع الناس إلى أولیاء الله یمثل المکافئة و العطاء لهؤلاء الأولیاء مقابل ما بذلوه من جهود و ما قاموا به من تضحیات. کما ورد فی الخطاب الإلهی لرسول الله (ص) فی قوله: «وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَاماً مَحْمُوداً».[7]
7- إن توسل الناس و رجوعهم إلى هذه الذوات المقدسة یکون سبباً فی تشجیع الآخرین و ترغیبهم للالتحاق بهم و السیر على طریقهم من جانب، و سلب الغرور و التکبر و العجب من نفوس العباد و الزهاد، و سائر الذین یدعون السیر إلى الله و تطهیر نفوسهم، و منع أولئک الذین یتاجرون و یتظاهرون بالزهد و العبادة ریاءً و سمعة.
8- إن مقام الإنسان الکامل و منزلته أفضل من الملک بمراتب، و ذلک لما یلی:
1- إن الملک فی خدمة العبد الصالح فی الدنیا و الآخرة.
2- إن أفعال الملک جبریة، و لا تحسب کامتیاز له.
3- فی لیلة معراج الرسول (ص) إنه تقدم على الأمین جبرائیل، و بلغ أماکن لم یبلغها جبرائیل و ... و فی المکان الذی یوجد فیه الملائکة الذین یدبرون الأمور[8] (بإذن الله) قالوا: لماذا لا یکونون مثل هذا الإنسان الذی صنعوه هم، و قد وصل إلى محل القرب من الله و ... .
9- إن سیرة العظماء و الحکماء جاریة فی إیکال بعض الأمور للعاملین تحت أمرتهم، إذا کانت تلک الأعمال فی دائرة إمکانیة أولئک العاملین حتى یتولى أولئک العاملون الإجابة عن تساؤلات السائلین و قضاء حاجات المحتاجین، و بهذا الإجراء یکون قد نال العاملون قدراً من التربیة الخاصة، و نیل المکافئة على جهودهم المبذولة فی هذا الاتجاه من جانب، و من جانب آخر تسهل معرفتهم لدى الناس و یتمکنون من التعرف على مراتبهم و مقاماتهم و رتبهم، لیکون اتصال الناس بهم و الرجوع إلهم بأنس أکثر و ارتیاح.
و السائلین یعلمون أن حاجاتهم إلى الوسائط من جهة نقصهم و قصورهم، و إنهم لیعلمون أیضاً أن هذه الوسائط و القنوات لا تکون - بأی حال من الأحوال - فی مستوى العظیم و الجلیل و فی عرضه، و لا یمکنهم أن یفعلوا شیئاً دون إذنه و إرادته.
و روح الکلام تتمثل فی الآتی: إن الاتصال بالغیب، و امتثال الأوامر الإلهیة، و التربیة و الارتقاء و التعالی، و رفع الحوائج الدنیویة و الأخرویة - الجسمیة و المعنویة - کل ذلک بحاجة إلى معرفة الرجوع و التوسل و المحبة لأولیاء الله (ع)، و إن التوسل بهم هو توسل بالله و تعلق بأسباب ربوبیته المحکمة و عراه الوثقى، هذه الوسائط التی تتعلق بالله بتمام معنى التعلق و بجمیع شؤون وجودها، و إن کونهم فاعلین و یقضون الحاجات هو فی طول فاعلیة الخالق سبحانه و قضائه للحوائج، و لیس فی هذا الرجوع و التوسل أی لون من ألوان الشرک. لأن قاضی الحاجات الوحید على وجه الاستقلال هو الله وحده لا غیر.
لمزید الاطلاع انظر:
موسوى الاصفهانی، سید محمد تقی، مکیال المکارم، ج1و2.
مصباح الیزدی، محمد تقی، آموزش عقاید" المنهج الجدید فی تعلیم الفلسفة"، ج1- 3.
مصباح الیزدی، محمد تقی، معارف قرآن" المعارف القرآنیة،" ج1- 3.
الشیروانی، علی، معارف اسلامی در آثار شهید مطهرى" المعارف الاسلامیة فی فکر الشهید المطهری،" ص250- 251و90- 110.
و انظر: الکتب الکلامیة، بحث الشفاعة و التوحید الافعالی، و مباحث الامامة.
[1] الجاثیة، 12 و 13؛ لقمان، 20 و ...
[2] انظر: مواضیع ذات صلة، المشیئة الإلهیة و اختیار الإنسان، رقم السؤال 95؛ اختیار الانسان، رقم السؤال 217؛ فرض ممکن الوجود إلى جانب واجب الوجود، رقم السؤال 80، و...
[3] منقول من، برناس صومعه سرایی، مهدی، ماهیة لیلة القدر، نشر کوثر غدیر، ج2، ص79 و 81.
[4] الزیارة الجامعة الکبیرة.
[5] المائدة، 35؛ آل عمران، 103؛ الإسراء، 57.
[6] انظر: الحائری، سید مهدی، ترجمة مکیال المکارم، ج1، ص625 و 639؛ و کتب التفاسیر، ذیل الآیات الثلاث السابقة و ...
[7] الإسراء، 79.
[8] النازعات، 5.