بحث متقدم
الزيارة
5932
محدثة عن: 2012/04/04
خلاصة السؤال
هل أن معرفة المرسل (الله) مقدمة علی معرفة الرسول، أو معرفة المرسل (الرسول) هي المقدمة؟
السؤال
هل أن معرفة المرسل مقدمة أو معرفة المرسل (الرسول)؟ و ارجو أن توضحوا هل بعث الانبیاء لغرض تعریف الله للناس؟
الجواب الإجمالي

إن مقولة معرفة الله هي المقدمة أو معرفة الرسول تعد من الامور النسبیة؛ إذ هي ترتبط ارتباطا كبيراً بمستوی و درجة معرفة الله و ما هو المراد بمعرفة الله. و لإيضاح الامر بصورة أکبر یراجع الجواب التفصیلي.

الجواب التفصيلي

السؤال المحوري المثار في الوسط الديني يدور حول الهدف من بعثة الانبياء و هل الغاية من بعثة الانبیاء التعریف بالله أو أن الانسان یمکنه ان یعرف الله بالفطرة بلا حاجة الى بعثهم. و ان دور الانبیاء يتمثل في التذكير و التنبيه على تلك الحقيقة فقط و یرشدونه الیه؟.

من جانب آخر نحن نعلم أن معرفة الله نفسها لها مراتب و ان الانبیاء جاءوا من اجل هدایة کل الناس في کل المراتب، و بناء علی هذا فانه من الممکن ان یکون بعض الناس قد ابتعدوا عن فطرتهم کثیراً فیقوم الانبیاء برفعهم الی مستوی الادراک الفطري لکی یعرفوا الله و یتحرکوا صوبه.

ولکن البعض الآخر من الناس یعرفون الله بالفطرة لانهم عاشوا حیاة صالحة و سلیمة، فان الانبیاء یأخذون بایدي هؤلاء و یوصلونهم الی المراتب العلیا من الهدایة و معرفة الله. و کنموذج علی ذلک فقد کان سلمان في صدر الاسلام إنساناً مؤمناً بالله و باحثاً عن المعرفة فاوصله النبي الی غایة الکمال الشهودي، في الوقت الذي نرى فيه بعض الناس الاشقیاء کانوا بعیدین عن معرفة الله الی حد یصعب علیهم مع تصور وجود یوم القیامة.

اتضح من خلال هذه المقدمة أن مقولة معرفة الله هي المقدمة أو معرفة الرسول تعد من الامور النسبیة؛ إذ هي ترتبط ارتباطا كبيراً بمستوی و درجة معرفة الله و ما هو المراد بمعرفة الله. فمن جانب یجب معرفة حقانیة الرسول و تصدیقه؛ لان معرفته تمثل المقدمة للوصول الى الحق. و من جانب آخر هناك بعض الناس یقوده نورالله  الی تشخیص کون الرسول الهیاً، و ذلک یتوقف علی المقامات المعرفیة للناس. فعلى سبيل المثال نجد رجل الدین الیهودي و المسیحي یعرف النبي و یصدق به عن طریق العلامات التي اطلع علیها في الکتب، و مع إيمانه بالله و لکنه مع ذلك كله ابتلي بالتحریف. و في المقابل تجد شخصا آخر بمجرد ان رأى المعاجز الالهیة او وصله خبرها متواتراً  إذعن للحق و لم ينكر الرسول فاقر بفضله و سلم لرسالته التي بعث بها و آمن بالله، و يقع على رأس الهرم لهذه الطائفة أمیر المؤمنین علي (ع) الذي يعبر عن تلك الحقيقة بقوله: " ما عرفت الله بمحمد (ص) و لكن عرفت محمداً بالله عز و جل‏"[1].

و من الضروري هنا الاشارة الی المناظرة التي جرت بین أمیر المؤمنین علي (ع) و الجاثلیق (أحد علماء النصاری) حول نفس هذا الموضوع:

في حديثٍ طويل يذكر فيه قدومَ الْجَاثَلِيقِ الْمَدِينَةَ مع مائَةٍ من النَّصارى و ما سأَلَ عنهُ أَبا بكر فلمْ يجبهُ ثمَّ أُرشدَ إِلى أَمير المؤمنين عليِّ بن أَبِي طالبٍ (ع) فسأَلَهُ عن مسائل فأَجابهُ عنها و كان فيما سأَلَهُ أَنْ قال لهُ: أَخبرني عَرَفْتَ اللَّهَ بمُحَمَّدٍ أَمْ عَرَفْتَ مُحَمَّداً بِاللَّهِ؟ فقال عليُّ بن أَبي طالب (ع): ما عرفتُ اللَّهُ عزَّ و جلَّ بمحمَّدٍ (ص) و لكنْ عرفتُ محمَّداً باللَّه عزَّ و جلَّ حين خلقهُ و أَحدث فيه الحدود من طول و عرض فعرفتُ أَنهُ مدبَّرٌ مصنُوعٌ بِاستِدلالٍ و إِلْهَامٍ منهُ و إِرادةٍ كما أَلهم الملائكةَ طاعتهُ و عرَّفَهُمْ نفسه.[2]

و نشاهد نفس هذا المضمون في دعاء ورد عن الائمة (ع) مع الحث على قراءته في آخر الزمان: عن زرارة، عن الإمام الصادق (ع) قال: إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم.قلت:و لَم؟قال:يخاف، و أَوْمَأ بيده إلى بطنه يعني القتل.ثم قال: يا زرارة، هو المنتظر، و هو الذي يشكّ الناس في ولادته، فمنم من يقول: إنّه مات أبوه بلا خلف، و منهم من يقول:إنّه حمل، و منهم من يقول: هو غائب.و منهم من يقول: ما ولد.و منهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين. و هو المنتظر غير أنَّ الله (تبارك و تعالى) يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.ثم قال: يا زرارة فإن أدركت ذلك الزمان فألزم هذا الدعاء: اللهم عرِّفني نفسك، فإنك إن لم تعرِّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرِّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللّهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضَللتُ عن دين[3].

فکأن الطریق الوحید للنجاة آخر الزمان ينحصر في الابتهال الى الله تعالى بان یعرفنا نفسه فاننا إن لم نعرفه عن طریق نفسه فسوف لن نعرف رسول الله حتی لو کنا مؤمنین به.[4] و اذا لم نعرف الرسول فلن نعرف حجة الله و سنکون من الضالین لا سامح الله.

و بناءً علی هذا فاننا نواجه هنا اسلوبین من المعرفة و لکل منهما وجه. و لکن الطریق الثاني هو الطریق الافضل في المعرفة:

  1. معرفة الله بواسطة الرسول.
  2. معرفة الرسول بواسطة الله.

و المعرفة الاولی طریق بحثي و کتابي و مقدماتي و إجمالي، و المعرفة الثانیة معرفة تفصیلیة و عینیة و قلبیة و شهودیة. و يظهر أن الطریق الراجح للنجاة في عصر الغیبة و آخر الزمان هو الطریق الثاني.

 


[1]الشیخ الصدوق، التوحید، ص287، جامعة المدرسین، الطبعة الاولی، 1398ق.

[2] .بحار الانوار، ج3، ص270.

[3] الکلیني، الکافی، ج1، ص337، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش.

[4] وحیث ان هذا الدعاء یدعو به الشیعة و بعض المسلمين و هم مؤمنون بالله قطعاً، و لکنهم مع ذلک یبتهلون الى الله تعالى أن یعرفهم نفسه، فهذه المعرفة هي أفضل من الاعتقاد المجرد.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...