Please Wait
6001
تنسب بعض الکتابات الی الرسول الاكرم (ص) و الإمام علي (ع) ما يشوه صورتهم الناصعة أمام القراء و يخرجهم من صفة الرحمة و العطف الى العنف و الشدة، و هذا ما يشاهد في الكتابات التي تنشر على الشبكة العنكبوتية كثيراً، و من تلك المنسوبات ما جاء في متن السؤال، و الذي سنحاول تسليط الضوء عليه ضمن النقاط التالية:
1. لم يرد هذا المتن في الكتب التاريخية و الروائية المعتبرة، من هنا لا يمكن التعامل مع هذا النص كحقيقة تاريخية، بل اعتباره حقيقة تاريخية يخالف الواقع و يعد من المفتريات التي لا يمكن الركون اليها؛ أضف الى ذلك أن كتاب الامام علي (ع) لعبد الفتاح عبد المقصود لا يعد من المصادر الرئيسية التي يستند اليها في النقول التأريخية لبعد المؤلف عن الواقعة التاريخية التي يتحدث عنها.
2. إن القول بأن الامام عليه السلام قطع الشريان الأبهر لهم و تركهم ليموتوا كالطيور المذبوحة في الصحراء يناقض بعضه البعض؛ لأن قصد تعذيبهم يقتضي أن توجه اليهم ضربة لا تقضي عليهم بسرعة، بل يضربوا ضربة خفيفة تتركهم ينزفون رويداً رويداً حتى يموتوا صبرا ليزداد عذابهم، لا أن يضرب منهم الشريان الابهر الذي لا يسمح لهم أن يعيش اكثر من لحظات قليلة!!
3. قد تصدر مثل هذه التعابير للاشارة الى الشجاعة التي اتصف بها أمير المؤمنين (ع) في ساحات الوغى و مقابلة الفرسان؛ فاذا كان المراد ذلك فلا ضير في ذلك الكلام فان طبيعة الحرب تقتضي المواجهة بين الابطال فاذا سقط أحد الخصمين تركه خصمه ليتوجه الى مهمة أخرى تقتضيها الحرب و ليواجه فارساً آخر، لا ان ينشغل بالاول؛ فان الانشغال به يقع على عاتق الجيش و الرجال الذين ينتمي اليهم أولا، و ثانيا انشغال الرجال الشجعان بالجرحى من الجيش المعادي يعد إضعافا للجيش الذي ينتمي اليه ذلك البطل، و حينئذ يكون موقفه خلاف اخلاقيات الحرب. بل هذا يعد من حسنات و مميزات أمير المؤمنين (ع) في الحرب حيث لم يكن ينشغل بثياب و درع خصمه فلا يهتم بما عليه من ثياب و ادوات حرب ليسلبها منه، بل يكون همه الشاغل مقارعة الشجعان و منازلة الفرسان الذين يهاجمون معسكر المسلمين، و هذا ما اشار اليه في منازلته لعمر بن عبد ود في معركة الخندق (الاحزاب) التاريخية، حيث قال:
أعليّ تفتخر الفوارس هكذا؟ عني وعنهم خبروا أصحابي
اليوم يمنعني الفرارَ حفيظتي ومصمم بالرأس ليس بنابي
أرديت عمراً إذ طغى بمهند صافي الحديد مجرب قضاب
نصر الحجارة عن سفاهة رأيه ونصرت رب محمد بصواب
فصدرت حين تركته متجدلاً كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنني كنت المقطّر بزّني أثوابي[1]
و هذا المعنى تفتخر به العرب من قديم الزمان و من هنا نجد عنترة بن شداد يفتخر بهذه الخصوصية في قصيدته المعروفة التي يقول فيها:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه حتى تسربل بالدم
هلا سألت الخيل يابنة مالكٍ ... إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم[2]
[1] انظر: علي (عليه السلام) من المهد إلى اللحد، ص 17.
[2] انظر: موسوعة الاغاني، لابي فرج الاصفهاني، ج3، ص23.