Please Wait
10314
الموت فی نظر فلاسفة الإسلام هو ترک النفس لإدارة البدن و تدبیر شؤونه و الانقطاع عنه. و هذه الرؤیا منطلقة من آیات القرآن و الروایات التی لا تعتبر الموت فناءً و عدماً.
توجد تعابیر مختلفة فی نصوصنا الإسلامیة فیما یخص الموت و جمیع هذه النصوص تشترک فی مضمون واحد و هو: أن الموت لا یساوی الفناء و العدم، و إنما هو انتقال من بیت إلى بیت آخر. لأن الإنسان مرکب من روح و بدن و عند الموت الذی یفقد البدن فیه الحیاة الظاهریة فإن الروح تنتقل إلى عالم الآخرة، و بهذا اللحاظ ینسب الموت إلى الإنسان.
فالموت هو استلام الروح بواسطة ملک الموت کما هو فی حال النوم، فالموت هو نوم دائم و النوم هو موت مؤقت، فالموت إذن هو توفی لا وفاة و فناء و عدم. و الموت هو ولادة ثانیة من رحم الطبیعة یکون معه الانتقال إلى عالم آخر لا یقبل المقارنة و القیاس بعالم الطبیعة، کما أن عالم رحم الأم لا یمکن أن یقاس بعالم الطبیعة.
و الموت جسر و معبر ینتقل الإنسان من خلاله إلى عرصة جدیدة متخلصاً من المصاعب و ذلک فی حال کونه لم یعمر دنیاه و لم یخرب آخرته.
و فی مقام الإجابة عن السؤال القائل: هل بالإمکان أن نؤجل زمن الموت؟ یمکن أن یقال: إننا نواجه فی الآیات و الروایات نوعین من الأجل: الأجل المعلق المشروط و الأجل الحتمی، و قد ذکر النوعان بأسماء و تعابیر أخرى فی النصوص.
الأجل المعلق یعنی أن لکل إنسان مدة معینة یعیشها فی هذه الحیاة، و لکنها قابلة للزیادة و النقصان، و ذلک إذا أدى بعض الأعمال کصلة الرحم مثلاً و إعطاء الصدقة فإن ذلک مما یؤخر الأجل، کما ان قطع الرحم و عاق والدین یؤخران الأجل و هذا الأجل هو المثبت فی لوح المحو و الإثبات.
أما الأجل الحتمی هو الأجل الذی لا یقبل التغییر و هو المکتوب فی أم الکتاب.
وردت فی المصادر الاسلامیة تعابیر مختلفة فیما یخص الموت و طبیعته و کل تعبیر یحکی جهة معینة و یلحظ جانباً من جوانب هذه الحقیقة، و قبل البحث فی الآیات و الروایات و کمقدمة للبحث نلقی نظرةً على أقوال بعض من فلاسفة الإسلام:
یقول ابن سینا: الموت هو أن تترک النفس الإنسانیة آلاتها و وسائلها التی کانت تستعملها و المراد بهذه الآلات و الوسائل هو الأعضاء و الجوارح التی تشکل بمجموعها البدن، و لیس للموت حقیقة وراء ذلک.[1]
و بین المرحوم ملا صدرا ذلک بالقول: الموت هو فراق الروح للبدن، حیث تصل النفس عن طریق الحرکة الجوهریة إلى مرتبة لا تحتاج معها إلى الآلات و الوسائل المتمثلة بأعضاء الجسم. فالبدن بمثابة السفینة التی ترکبها النفس فی سفرها الى الله قاطعةً صحراء الأجسام و بحر الأرواح و عندما تتجاوز هذه المرحلة فإنها لم تعد بحاجة إلى البدن، و من هنا یأتی الموت، و لیس سبب عروضه هو نهایة القوى الطبیعیة أو نهایة الحرارة الغریزیة، أو أمور أخرى کما یتخیل الأطباء، بل الموت أمر طبیعی للنفس، و هو أمر فیه خیرها و کمالها، و ما کان فیه خیرها و کمالها فهو حق لها، فالموت حق للنفس إذاً.[2] و على هذا الصعید یقال فی الأبحاث العقلیة أن الموت: مفارقة النفس للبدن بانقطاع تعلقها التدبیری[3]. و على کل حال فقد حاول فلاسفة الإسلام و من خلال الآیات و الروایات أن یبینوا و یفسروا حقیقة الموت، و لذلک نسعى و من خلال الرجوع إلى الآیات و الروایات أن نتعرف على جوانب هذه الرحلة و نتزود من هذا الزاد المبارک:
1ـ یرى القرآن فی بعض الأحیان أن الموت هو فقدان الحیاة و آثارها کالشعور و الإرادة و بالطبع أن فقدان الحیاة انما یصح فی الأشیاء التی یمکن أن توصف بالحیاة و من شأنها أن تکون حیة. قال تعالى: "وَ کُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ"[4].
و عند ما یصف الله تعالى الأصنام یقول: "أَمْوَاتٌ غَیْرُ أَحْیَاءٍ"[5] أی أنها لا تملک الاستعداد للحیاة.
فالموت بمعنى فقدان الحیاة فإذا ما نسب إلى الإنسان فإنه یعنی أن الإنسان مرکب من روح و بدن و حیث أن البدن یفقد الحیاة بعد أن یجدها أمکن القول بأن الموت یعرض على الإنسان، و إلا فلم یأت فی القرآن بأن الروح تتصف بالموت کما أنه لم یأت ذلک فیما یخص الملائکة.[6]
2ـ ومن جملة ما عبر به القرآن عن الموت تعبیر "توفَّى"[7] و هو مأخوذ من مادة "وفی" التی تطلق على استیفاء الشیء و أخذه من دون نقیصة، فیقال: "توفیت المال" أی أخذته دون أی نقیصة، و قد ورد هذا التعبیر فی 14 آیة فی القرآن الکریم و فیه بیان لمجموعة من الحقائق منها:
أولاً: إن للإنسان بعداً غیر مادی، و إن هذا البعد لا یفنى و لا ینعدم و إنه یستوفى و یؤخذ من دون أی نقص من قبل المأمورین الإلهیین فإنهم یقبضون هذا البعد الروحی و هذا البعد هو الذی عبرت عنه بعض الآیات و الروایات بالروح أو النفس و من خلال هذا البعد الإلهی الروحی سوف ینتقل الإنسان إلى حیاة جدیدة بعد الموت.
و ثانیاً: إن شخصیة الإنسان لا تتقوم بالبدن و توابعه و أجزائه، لأن البدن ینهدم و یتلاشى تدریجیاً[8]، و إنه لا ینتقل و لا یتحول إلى مکان ما، و المؤید الآخر فی هذا الأمر هو: أنه نسب إلى الإنسان فی هذه الآیات مجموعة من الأعمال الحیاتیة بعد الموت، کالتکلم مع الملائکة، و تمنی بعض الأشیاء و إرادتها، و من الواضح جداً أن ذلک یدل على أن حقیقة الإنسان لا تنحصر بهذا الجسد الفاقد للحس و الشعور، و الا لا معنى لنسبة بعض الأعمال له کالتحدث مع الملائکة... و إن شخصیة الإنسان الواقعیة هی التی استوفیت من قبل ملک الموت[9]، و علیه فیجب القول: إن الموت هو وفاة لا فوت[10]، فعلى هذا الاساس الموت أمر وجودی قابل للخلق و لهذا اعتبر القرآن الموت مخلوقاً[11]، فقد جاء فی سورة الزمر الآیة 42: "اللَّهُ یَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنَامِهَا فَیُمْسِکُ الَّتی قَضى عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى " و الضمیر فی "موتها" و "منامها" و إن کان عائداً فی الظاهر على الأنفس إلا أنه فی واقع الأمر یشیر إلى الأجسام الإنسانیة، لأن البدن هو الذی یموت لا الروح، فالموت إذن نوم طویل، و النوم موت مؤقت.
و بعبارة أخرى: إنه لیس هناک من کبیر فرق بین النوم و الموت، فالنوم هو وفاة ناقصة، و معنى ذلک أن الروح تعطى إذناً بالعودة إلى البدن مرةً أخرى.[12] ویمکن الاستفادة کذلک من الآیتین "60 و 61" من سورة الواقعة أن الموت هو انتقال من منزل إلى منزل آخر و استبدال خلق بخلق آخر و إنه لم یکن انعداماً و فناءً[13]، و بالنتیجة یمکننا القول: إن الموت هو ولادة ثانیة.
و قد قال رسول الإسلام الأعظم(ص) فی هذا الشأن: "ما خلقتم للفناء، بل خلقتم للبقاء، و إنما تنقلون من دار إلى دار".[14]
و قد وصف الإمام علی(ع) الموت بهذا المعنى فقال: " الموت مفارقة دار الفناء و الانتقال إلى دار البقاء"[15]. و قد وصف الإمام الحسین(ع) الموت بوصف جمیل حیث شبهه بأنه جسر و قنطرة یعبر من خلاله الإنسان المؤمن فیتجاوز المصاعب و المصائب إلى الجنة و نعیمها.[16]
و أما فیما یخص القول هل بالإمکان تأجیل الموت و تأخیره فمن الممکن القول:
أشارت النصوص الإسلامیة إلى نوعین من الأجل[17]: یقول القرآن "ُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ طِینٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ"[18].
یعنی أن للإنسان أجلا مبهما[19] و أجلا مسمى و معین عند الله لا یحصل فیه التغییر و التبدل، و الشاهد على ذلک کلمة "عنده" و"مَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ".[20]و هذا هو الأجل المحتوم الذی أشیر له فی الآیة 49 من سورة یونس فی قوله: "إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا یَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ".
و لا بد من التوجه إلى أن نسبة الأجل المسمى إلى الأجل غیر المسمى هی نسبة المطلق المنجّز إلى المشروط المعلّق، فمن الممکن أن لا یتحقق المشروط المعلق لعدم تحقق شرطه خلافاً للمطلق المنجّز الذی لا سبیل إلى عدم تحققه.
و عند ما نضم ما تقدم إلى الآیة 39 من سورة الرعد فی قوله تعالى: "یَمْحُو اللَّهُ مَا یَشَاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ" نحصل على الآتی: إن الأجل مسمى هو الشیء المثبت فی "أم الکتاب" و إن غیر المسمى هو المکتوب فی لوح المحو و الإثبات.
أم الکتاب ینطبق على الحوادث الثابتة فی العین ای الحوادث من جهة استنادها الى الاسباب العامة التی لا تتخلف عن تاثیرها، و لوح المحو و الإثبات قابل للانطباق على الحوادث من جهة استنادها الى الأسباب الناقصة التی ربما نسمیها بالمقتضیات التی یمکن اقترانها بموانع تمنع من تأثیرها. و ان الاجل غیر المسمى و المسمى ربما توافقا و ربما تخالفا و الواقع حینئذ هو الأجل المسمى البتة[21].
و على کل حال فالأجل المعلق هو الأجل الذی له قابلیة التأخیر، و هو الذی تحول دون وقوعه الموانع، و لذلک عند ما نقرأ فی الروایات أن القیام بالعمل الفلانی یطیل عمر الإنسان فإنه إشارة إلى هذا المعنى و هو أن العمل المذکور یمنع من وقوع الأجل المعلق.
فقد جاء فی الروایة: یعیش الناس بإحسانهم أکثر مما یعیشون بأعمارهم و یموتون بذنوبهم أکثر مما یموتون بآجالهم.[22]
و قد یبین فی بعض الأحیان أن الصدقة تمنع الأجل المعلق[23] و تطیل من عمر الإنسان، و فی بعض الأحیان تذکر صلة الرحم بعنوان أنها تطیل عمر الإنسان[24] و یمکن أن تراجع المصادر المتعلقة بالموضوع من أجل الإطلاع الکافی و المعرفة الأوسع و التی تذکر المسألة تحت العناوین التالیة ما یدفع الأجل المعلق أو ما یزید فی العمر.[25]
[1] رسائل الشیخ الرئیس، رسالة الشفاء من خوف الموت ص 340 ـ 345.
[2] الأسفار: ج 9، ص 238.
[3] إذا انقطع ارتباط النفس بالبدن بکیفیة لا تدبر فیها النفس البدن فذلک هو ما یسمى بالموت.
[4] البقرة: 28.
[5] النحل: 21.
[6] انظر المیزان: ج 14 ، 286.
[7] النحل: 32، الأنفال: 50، الأنعام: 60، الزمر: 42.
[8] جاء فی سورة الأنعام "و الذی یتوفاکم..." فلفظ "کم" هو نفس مایعبر عنه بلفظ" انا" و انه ثابت دائما.
[9] انظر مجموعه آثار شهید مطهری" مجموعة آثار الشهید المطهری": ج 2، ص 503 - 511.
[10] انظر تفسیر موضوعی قرآن "التفسیر الموضوعی للقرآن" تألیف آیة الله جوادی آملی، ج 3 ص 388 - 397 و ج 2 ص 497 - 509.
[11] "الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیَاةَ" الملک 1 ، 2 یراجع بیام قرآن ج 5 ص 430 و ما بعدها.
[12] انظر بیام قرآن"رسالة القرآن"، ج 5، ص 433.
[13] انظر المیزان: ج 19 ص 133 و ج 20 ص 356.
[14] البحار: ج 6 ص 249.
[15] و فی توضیح آخر یقول: "خذوا من ممرکم لمقرکم" نهج البلاغة صبحی الصالح ص 493) و الدنیا دار ممر و الآخرة دار مقر و ستساقون فی حال احتضارکم إلى الآخرة : "إِلَى رَبِّکَ یَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ" القیامة : 26ـ 30.
[16] البحار: ج 6ص 154؛ معانی الأخبار، 274؛ میزان الحکمة ج 9 ص 234" فما الموت إلا قنطرة تعبر بکم عن البؤس و الضراء إلى الجنان الواسعة".
[17] انظر بحار الأنوار ج 5 ص 139.
[18] الأنعام: 2.
[19] (أجلاً) نکرة تفید الأبهام.
[20] النحل: 96 "و ما عند الله باق".
[21] انظر: المیزان: ج 7 ص 8 إلى 10.
[22] مجلسی، بحار الأنوار: ج 5، ص 140 ؛ میزان الحکمة ج 1 ص 30.
[23] ری شهری، میزان الحکمة، ج 1 ص 30.
[24] همان، باب صلة الرحم 1464 و باب 1467.
[25] همان، ج 6 ص 549 باب 2932.