Please Wait
15948
لم نعثر على الحديث بهذا اللفظ " الانسان سرّي و أنا سرّه" في مصادرنا الروائية، الا أنه ورد بالفاظ قريبة من ذلك.[1]
و يمكن القول في بيان المراد من الحديث – بغض النظر عن وجوده في المصادر الروائية و عدمه- أن الحديث اذا ما قورن ببعض الآيات القرآنية يعد من الاحاديث المقبولة المتن؛ و ذلك اننا عندما نعود الى الوصف القرآني لبدء خلق الانسان و الحوار الذي دار بين الملائكة و بين الله تعالى، و الذي اشارت اليه الآية الشريفة " وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لك" حيث كان اعتراض الملائكة منصبا على أن القضية لو كان مجرد قضية عبادة و تسبيح و تحميد، فنحن نقوم بذلك فما الحاجة لخلق الانسان!! الا ان الرد الالهي إنطلق من قضية أعمق من ذلك حيث قال عزّ من قائل: " قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ".[2] و هذا يكشف عن أن القضية تتعلق بحقيقة الانسان و ماهيته التي تجهلها الملائكة.
و بعبارة أخرى: يمكن القول بان الله تعالى قال في جوابه للملائكة ان في هذا المخلوق سرّاً لا تعلمونه.
أضف الى ذلك اننا عندما نرجع الى الآية المباركة " وَ اذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلين"[3] نراها تشير بصورة دقيقة و خفية الى كون الله تعالى سر من اسرار الانسان، و كذلك الآية الشريفة " الَّذينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّار".[4]
فهذه الطائفة من الآيات ناظرة الى الاسرار التي يحملها الانسان عن الله تعالى و أن الله هو حامي و حافظ تلك الاسرار.
يقول صاحب تفسير روح المعاني في بيانه للحديث المذكور "الانسان سرّي و انا سرّه": يعني سره ظاهر سري و صورة سري، و سري باطن سره و حقيقة سره، و أن سر الإنسان عبارة عن الحقيقة الانسانية الظاهرة على صورة الحقيقة الالهية كما قال عليه السلام (خلق اللّه آدم على صورته)[5] و لما نزلت تلك الحقيقة الانسانية من مرتبة الغيب الى منزلة الشهادة و تجلى لها الحق سبحانه بجماله و جلاله أودع في جانبها الشرقي نور جماله و جانبها الغربي ظلمة جلاله، و اقام في الاول ملكا يهدي الى الحق و في الثاني شيطانا يدعو الى الباطل و .....[6]
من هنا يمكن القول بان الانسان الكامل المتمثل بالنبي الاكرم (ص) و أئمة الهدى (ع) هو سرّ الإله سبحانه و تعالى.
[1] انظر: حقي بروسوي، اسماعيل، تفسير روح البيان، ج 3، ص 8، دارالفكر، بيروت، بلا تاريخ.
[2] البقرة، 30.
[3] الاعراف، 205.
[4] آل عمران، 191.
[5] المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج 4، ص 11؛ ج 11، ص 111، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق.
[6] انظر: تفسیر روح البیان، ج 3، ص 8.