Please Wait
الزيارة
6628
6628
محدثة عن:
2013/04/16
خلاصة السؤال
هل صحيح أنّ النبي الأكرم (ص) أذن لحفصة بالذهاب إلى بيت أبيها و بغيابها قام بالاقتراب الجنسي مع إحدى زوجاته الإماء فلما علمت حفصة بذلك حرّم على نفسه تلك الجارية؟
السؤال
ما رأيكم فيما ما ورد في سبب نزول الآيات الأولى من سورة التحريم من أنّ حفصة زوج النبي الأكرم (ص) ذهبت في يومها الخاص بها إلى بيت أبيها فقامت الرسول الأكرم (بمقاربة إحدى زوجاته من الإماء) فلما علمت بذلك عائشة أخبرت حفصة بما جرى قالت له (ص): و الله لقد سؤتني، فقال النبي (ص): و الله لأرضینك فإني مسرّ إليك سرّاً فاحفظیه قالت: ما هو؟ قال: إني أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام رضا لك.... فنزلت الآيات الأولى من سورة التحريم؟
الجواب الإجمالي
من القضايا التي وقعت مثاراً للجدل و الاختلاف بين المسلمين قضية سبب نزول الآيات الأولى من سورة التحريم. و من الواضح أن القرآن الكريم لم يشر إلى تفصايل القضية و ما هو السبب وراء نزول الآيات. و من هنا اختلفت كلمة مفسّري الفريقين الشيعة و السنّة تبعاً للاختلاف في الروايات المسجَّلة في مصادر الفريقين التي أشارت كلّ واحدة منها إلى سبب نزول يختلف عمّا ورد في الأخرى.
و المتأمِل في أسباب النزول يرصد قضية واضحة و هي أنّ ما ذكره أعلام المفسرين الشيعة و السنّة في اسباب النزول يستند إلى الروايات الموجودة في مصادر أهل السنّة، و لم ينفرد الشيعة بذكر رواية خاصة في سبب النزول باستثناء ما وري عن الإمام الباقر عليه السلام. و أنّ جميع ما ذكر في التفاسير الشيعية من أسباب نزول يستندون فيه إلى مصادر أهل السنة، و منها الرواية المذكورة في متن السؤال، و قد ضعف علماء العامّة بعض رجال سندها غير أن الطبري رواها في تفسيره "جامع البيان" بنفس السند المذكور.
والمتحصل من خلال البحث المفصل أنّه لم يتضح بجلاء جزئيات القضية إلا أنّ مفسّري الفريقين لم ينكروا إيذاء بعض نسائه (ص) له. مضافاً إلى ذلك أن الرواية هذه معارضة بروايات أخرى تتعرض لسبب آخر ذكرها المفسرون منها ما جاء في صحيحي البخاري و مسلم عن عائشة، قالت: كان رسول اللّه (ص) يحب الحلواء و العسل، و في ذات يوم شرب عسلا عند زوجته زينب بنت جحش، فتواطأت أنا و حفصة على أن الرسول إذا دخل على إحدانا أن تقول له: اني أجد منك ريح مغافير.....
وقد تعرّض العلامة الطباطبائي في ذيل الآيات الأول من سورة التحريم لمجموعة من روايات شأن النزول و منها الحديث المذكور في متن السؤال وقال في نقدها: إنطباق ما في الحديث على الآيات و خاصة قوله: «عرف بعضه و أعرض عن بعض» فيه خفاء.
و مهما قيل عن سبب النزول فإن ظاهر الآيات يدل بوضوح أنّ النبي (ص) كان قد امتنع عن شيء أحله اللّه له لسبب من الأسباب، و أنه قد أسرّ بذلك إلى بعض أزواجه، و أمرها بالكتمان، و لكنها خالفت و أفشت، فعاتب اللّه سبحانه نبيّه الكريم على امتناعه عمّا أحل اللّه له، و هدد أزواجه اللائي لا يستمعن إلى أمره.
و المتأمِل في أسباب النزول يرصد قضية واضحة و هي أنّ ما ذكره أعلام المفسرين الشيعة و السنّة في اسباب النزول يستند إلى الروايات الموجودة في مصادر أهل السنّة، و لم ينفرد الشيعة بذكر رواية خاصة في سبب النزول باستثناء ما وري عن الإمام الباقر عليه السلام. و أنّ جميع ما ذكر في التفاسير الشيعية من أسباب نزول يستندون فيه إلى مصادر أهل السنة، و منها الرواية المذكورة في متن السؤال، و قد ضعف علماء العامّة بعض رجال سندها غير أن الطبري رواها في تفسيره "جامع البيان" بنفس السند المذكور.
والمتحصل من خلال البحث المفصل أنّه لم يتضح بجلاء جزئيات القضية إلا أنّ مفسّري الفريقين لم ينكروا إيذاء بعض نسائه (ص) له. مضافاً إلى ذلك أن الرواية هذه معارضة بروايات أخرى تتعرض لسبب آخر ذكرها المفسرون منها ما جاء في صحيحي البخاري و مسلم عن عائشة، قالت: كان رسول اللّه (ص) يحب الحلواء و العسل، و في ذات يوم شرب عسلا عند زوجته زينب بنت جحش، فتواطأت أنا و حفصة على أن الرسول إذا دخل على إحدانا أن تقول له: اني أجد منك ريح مغافير.....
وقد تعرّض العلامة الطباطبائي في ذيل الآيات الأول من سورة التحريم لمجموعة من روايات شأن النزول و منها الحديث المذكور في متن السؤال وقال في نقدها: إنطباق ما في الحديث على الآيات و خاصة قوله: «عرف بعضه و أعرض عن بعض» فيه خفاء.
و مهما قيل عن سبب النزول فإن ظاهر الآيات يدل بوضوح أنّ النبي (ص) كان قد امتنع عن شيء أحله اللّه له لسبب من الأسباب، و أنه قد أسرّ بذلك إلى بعض أزواجه، و أمرها بالكتمان، و لكنها خالفت و أفشت، فعاتب اللّه سبحانه نبيّه الكريم على امتناعه عمّا أحل اللّه له، و هدد أزواجه اللائي لا يستمعن إلى أمره.
الجواب التفصيلي
من القضايا التي وقعت مثاراً للجدل و الاختلاف بين المسلمين قضية سبب نزول الآيات الأولى من سورة التحريم و التي جاء فيها "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ الْعَليمُ الْحَكيمُ * وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَديثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَليمُ الْخَبيرُ * إِنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْريلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهير".[1]
و من الواضح أن القرآن الكريم لم يشر إلى تفصايل القضية و ما هو السبب وراء نزول الآيات و من هنا اختلفت كلمة مفسّري الفريقين الشيعة و السنّة تبعاً للاختلاف في الروايات المسجَّلة في مصادر الفريقين التي أشارت كلّ واحدة منها إلى سبب نزول يختلف عما ورد في الأخرى.
و المتأمل في أسباب النزول يرصد قضية واضحة و هي أنّ ما ذكره أعلام المفسرين الشيعة و السنّة في اسباب النزول يستند إلى الروايات الموجودة في مصادر أهل السنة[2] و لم ينفرد الشيعة بذكر رواية خاصة في سبب النزول باستثناء ما وري عن الإمام الباقر عليه السلام[3]. و أنّ جميع ما ذكر في التفاسير الشيعية من أسباب نزول يستندون فيه إلى مصادر أهل السنة.
ثم إنّ أكثر ما روي من أسباب نزول الآيات المباركة في مصادر العامّة روي مرسلاً من جهة و يفتقر إلى سند يمكن الركون إليه من جهة ثانية. و قد أسندوا ذلك إلى ابن عباس تارة و إلى عمر أخرى بلا تعرّض لسلسلة سند الحديث و الرواة الذين نقلوا الخبر. نعم، هناك روايات مسندة في مصادرة العامّة نكتفي بالتعرّض سنداً و دلالة لواحدة منها و هي التي وردت في متن السؤال.
روى صاحب "جامع البيان في تفسير القرآن الكريم" الرواية بالنحو التالي:«حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمّي، قال: حدثني أبي، عن أبیه أب جد سعد، عن ابن عباس، قوله: یا أَیهَا النَّبِی لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إلى قوله وَ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَكِیمُ قال: كانت حفصة و عائشة متحابتین و كانتا زوجتي النبي (ص)، فذهبت حفصة إلى أبیها أبو حفصة، فتحدثت عنده، فأرسل النبي (ص) إلى جاریته فظلت معه فی بیت حفصة، و كان الیوم الذي يأتي فیه عائشة، فرجعت حفصة، فوجدتهما في بیتها، فجعلت تنتظر خروجها، و غارت غیرة شدیدة، فأخرج رسول الله (ص) جاریته ، و دخلت حفصة فقالت: قد رأیت من كان عندك، و الله لقد سُؤْتَنِي، فقال النبي (ص): و الله لأرضینك فإني مسرّ إلیك سرا فاحفظیه قالت: ما هو؟ قال: إني أشهدك أن سُرِّيَّتِي هذه عليّ حرام رضا لك، و كانت حفصة و عائشة تظاهران على نساء النبي (ص)، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرت إلیها أن أبشري إن النبي (ص) قد حرّم علیه فتاته، فلما أخبرت بسرّ النبي (ص) أظهر الله عزّ وجل النبيَّ (ص)، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا علیه (یا أَیهَا النَّبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ إلى قوله وَ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَكِیمُ).[4]
و لنشرع في دراسة رجال سند الحديث المذكور ضمن النقاط التالية:
1. محمّد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد بن جناده، أبو جعفر العوفي[5]، من شيوخ الطبري،[6] روى عنه الطبري كثيراً في تفسيره[7]، أدرجه رجاليو أهل السنة في عداد أهل العلم و قالوا "لا بأس به"[8] و وصفوه بنعوت تدل على مدحه، بل صرّح البعض منهم بأنّ تلك الالفاظ بمثابة التوثيق و تدل على وثاقة الرجل.[9]
2. سعد بن محمد بن عطية العوفي[10] قال الذهبي في حقّه: وثقه بعضهم، و أما أحمد بن حنبل فقال: كان جهمياً.[11] و قال الخطيب البغدادي: " لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، و لا كان موضعا لذاك.[12] لم يذكر في المصادر الرجالية الشيعية.
3. حدثني عمّي؛ يعني حسين بن حسن بن عطية العوفي (القاضي أبو عبد الله الكوفي)[13] كان جدّه عطية من فقهاء الشيعة، و من مشاهير التابعين في زمن الحجاج. قسمت فارسي اين وصف را به حسين بن حسن نسبت داده (او از فقهای شیعه و از مشهورترین تابعین در زمان حجاج است.) [14] تصدّى للقضاء في زمن هارون الرشيد[15] ضعّفه أهلّ السنّة في نقل الحديث.[16] روى عن أبيه.[17]
4. حدثني أبي؛ يعني حسن بن عطية بن سعد بن جُنادة العوفي، و قد ضعفه أكثر علماء العامّة[18] و قال البعض منهم: لم يكن به بأس.[19] و كان الحسن بن عطية الكوفي من رواة حديث الثقلين.[20]
5. عن أبيه، يعني عطية بن سعد بن جُنادة (بعد 35- 111ق)[21] الذي وُلد في خلافة الإمام علي- عليه السّلام.[22] يكنى بأبي الحسن الكوفي، من مشاهير التابعين و كان شيعياً[23]. روى عن: أبي سعيد الخدري، و زيد بن أرقم، و عبد اللّه بن عباس، و عدي بن ثابت الانصاري، و آخرين.[24] عُدّ من أصحاب الإمام محمد الباقر- عليه السّلام- [25]و أخذ عنه أبان بن تغلب.[26] و قد ضعّف عطية َ جماعة من علماء أهل السنّة، منهم: النسائي و أبو حاتم.[27] و يظهر أنّ تضعيفه، انّما هو من جهة المذهب أي لتشيعه.[28] فيما ذهب آخرون منهم كمحمد بن جرير الطبري إلى توثيقه[29] و لذا روى عنه هذه الرواية.
روى الطبري أن والده سعد بن جناده جاء إلى علي بن أبى طالب (ع) و هو بالكوفه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه ولد لي غلام فسمّه، فقال: هذا عطية الله، فسمّي عطية.[30] ذكره البرقي في رجاله[31] و الشيخ الطوسي في رجاله.[32] و ذهب البعض من أعلام الشيعة إلى اتحاده مع عطية العوفي.[33]
هذا تمام الكلام في سند الحديث و قد ظهر أن علماء العامّة ضعفوا البعض من رواة السند، إلا أن الطبري نقل الرواية في تفسيره بهذا السند منتهيا إلى ابن عباس.
غير أن العلامة الطباطبائي (قدس سرّه) تعرض في تفسيره "الميزان في تفسير القرآن" في ذيل الآيات الأول من سورة التحريم لمجموعة من روايات شأن النزول و منها الحديث المذكور في متن السؤال وقال في نقدها: أقول: انطباق ما في الحديث على الآيات و خاصة قوله: «عرف بعضه و أعرض عن بعض»[34] فيه خفاء.[35]
فالمتحصل أنّه لم يتضح بجلاء جزئيات القضية إلا أنّ مفسّري الفريقين لم ينكروا إيذاء بعض نسائه (ص) له. مضافاً إلى ذلك أن الرواية هذه معارضة بروايات أخرى تتعرض لسبب آخر ذكرها المفسرون منها ما جاء في صحيحي البخاري و مسلم عن عائشة، قالت: كان رسول اللّه (ص) يحب الحلواء و العسل، و في ذات يوم شرب عسلا عند زوجته زينب بنت جحش، فتواطأت أنا و حفصة على ان الرسول إذا دخل على إحدانا أن تقول له: اني أجد منك ريح مغافير [36]. و هكذا كان. فقال الرسول: لا بل شربت عسلا عند زينب و لن أعود، و قد حلفت، و لا تخبري بذلك أحدا.
و في تفسير الشيخ المراغي أن التي دخل عليها النبي (ص) و حرّم على نفسه العسل أمامها هي حفصة، فأخبرت عائشة بذلك مع أن النبي (ص) استكتمها الخبر.
و قال الشيخ المراغي: و قد كانت عائشة و حفصة متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي (ص).
و مهما قيل عن سبب النزول فإن ظاهر الآيات يدل بوضوح أن النبي (ص) كان قد امتنع عن شيء أحله اللّه له لسبب من الأسباب، و أنه قد أسرّ بذلك إلى بعض أزواجه، و أمرها بالكتمان، و لكنها خالفت و أفشت، فعاتب اللّه سبحانه نبيّه الكريم على امتناعه عمّا أحل اللّه له، و هدد أزواجه اللائي لا يستمعن إلى أمره.[37]
و من الواضح أن القرآن الكريم لم يشر إلى تفصايل القضية و ما هو السبب وراء نزول الآيات و من هنا اختلفت كلمة مفسّري الفريقين الشيعة و السنّة تبعاً للاختلاف في الروايات المسجَّلة في مصادر الفريقين التي أشارت كلّ واحدة منها إلى سبب نزول يختلف عما ورد في الأخرى.
و المتأمل في أسباب النزول يرصد قضية واضحة و هي أنّ ما ذكره أعلام المفسرين الشيعة و السنّة في اسباب النزول يستند إلى الروايات الموجودة في مصادر أهل السنة[2] و لم ينفرد الشيعة بذكر رواية خاصة في سبب النزول باستثناء ما وري عن الإمام الباقر عليه السلام[3]. و أنّ جميع ما ذكر في التفاسير الشيعية من أسباب نزول يستندون فيه إلى مصادر أهل السنة.
ثم إنّ أكثر ما روي من أسباب نزول الآيات المباركة في مصادر العامّة روي مرسلاً من جهة و يفتقر إلى سند يمكن الركون إليه من جهة ثانية. و قد أسندوا ذلك إلى ابن عباس تارة و إلى عمر أخرى بلا تعرّض لسلسلة سند الحديث و الرواة الذين نقلوا الخبر. نعم، هناك روايات مسندة في مصادرة العامّة نكتفي بالتعرّض سنداً و دلالة لواحدة منها و هي التي وردت في متن السؤال.
روى صاحب "جامع البيان في تفسير القرآن الكريم" الرواية بالنحو التالي:«حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمّي، قال: حدثني أبي، عن أبیه أب جد سعد، عن ابن عباس، قوله: یا أَیهَا النَّبِی لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إلى قوله وَ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَكِیمُ قال: كانت حفصة و عائشة متحابتین و كانتا زوجتي النبي (ص)، فذهبت حفصة إلى أبیها أبو حفصة، فتحدثت عنده، فأرسل النبي (ص) إلى جاریته فظلت معه فی بیت حفصة، و كان الیوم الذي يأتي فیه عائشة، فرجعت حفصة، فوجدتهما في بیتها، فجعلت تنتظر خروجها، و غارت غیرة شدیدة، فأخرج رسول الله (ص) جاریته ، و دخلت حفصة فقالت: قد رأیت من كان عندك، و الله لقد سُؤْتَنِي، فقال النبي (ص): و الله لأرضینك فإني مسرّ إلیك سرا فاحفظیه قالت: ما هو؟ قال: إني أشهدك أن سُرِّيَّتِي هذه عليّ حرام رضا لك، و كانت حفصة و عائشة تظاهران على نساء النبي (ص)، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرت إلیها أن أبشري إن النبي (ص) قد حرّم علیه فتاته، فلما أخبرت بسرّ النبي (ص) أظهر الله عزّ وجل النبيَّ (ص)، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا علیه (یا أَیهَا النَّبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ إلى قوله وَ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَكِیمُ).[4]
و لنشرع في دراسة رجال سند الحديث المذكور ضمن النقاط التالية:
1. محمّد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد بن جناده، أبو جعفر العوفي[5]، من شيوخ الطبري،[6] روى عنه الطبري كثيراً في تفسيره[7]، أدرجه رجاليو أهل السنة في عداد أهل العلم و قالوا "لا بأس به"[8] و وصفوه بنعوت تدل على مدحه، بل صرّح البعض منهم بأنّ تلك الالفاظ بمثابة التوثيق و تدل على وثاقة الرجل.[9]
2. سعد بن محمد بن عطية العوفي[10] قال الذهبي في حقّه: وثقه بعضهم، و أما أحمد بن حنبل فقال: كان جهمياً.[11] و قال الخطيب البغدادي: " لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، و لا كان موضعا لذاك.[12] لم يذكر في المصادر الرجالية الشيعية.
3. حدثني عمّي؛ يعني حسين بن حسن بن عطية العوفي (القاضي أبو عبد الله الكوفي)[13] كان جدّه عطية من فقهاء الشيعة، و من مشاهير التابعين في زمن الحجاج. قسمت فارسي اين وصف را به حسين بن حسن نسبت داده (او از فقهای شیعه و از مشهورترین تابعین در زمان حجاج است.) [14] تصدّى للقضاء في زمن هارون الرشيد[15] ضعّفه أهلّ السنّة في نقل الحديث.[16] روى عن أبيه.[17]
4. حدثني أبي؛ يعني حسن بن عطية بن سعد بن جُنادة العوفي، و قد ضعفه أكثر علماء العامّة[18] و قال البعض منهم: لم يكن به بأس.[19] و كان الحسن بن عطية الكوفي من رواة حديث الثقلين.[20]
5. عن أبيه، يعني عطية بن سعد بن جُنادة (بعد 35- 111ق)[21] الذي وُلد في خلافة الإمام علي- عليه السّلام.[22] يكنى بأبي الحسن الكوفي، من مشاهير التابعين و كان شيعياً[23]. روى عن: أبي سعيد الخدري، و زيد بن أرقم، و عبد اللّه بن عباس، و عدي بن ثابت الانصاري، و آخرين.[24] عُدّ من أصحاب الإمام محمد الباقر- عليه السّلام- [25]و أخذ عنه أبان بن تغلب.[26] و قد ضعّف عطية َ جماعة من علماء أهل السنّة، منهم: النسائي و أبو حاتم.[27] و يظهر أنّ تضعيفه، انّما هو من جهة المذهب أي لتشيعه.[28] فيما ذهب آخرون منهم كمحمد بن جرير الطبري إلى توثيقه[29] و لذا روى عنه هذه الرواية.
روى الطبري أن والده سعد بن جناده جاء إلى علي بن أبى طالب (ع) و هو بالكوفه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه ولد لي غلام فسمّه، فقال: هذا عطية الله، فسمّي عطية.[30] ذكره البرقي في رجاله[31] و الشيخ الطوسي في رجاله.[32] و ذهب البعض من أعلام الشيعة إلى اتحاده مع عطية العوفي.[33]
هذا تمام الكلام في سند الحديث و قد ظهر أن علماء العامّة ضعفوا البعض من رواة السند، إلا أن الطبري نقل الرواية في تفسيره بهذا السند منتهيا إلى ابن عباس.
غير أن العلامة الطباطبائي (قدس سرّه) تعرض في تفسيره "الميزان في تفسير القرآن" في ذيل الآيات الأول من سورة التحريم لمجموعة من روايات شأن النزول و منها الحديث المذكور في متن السؤال وقال في نقدها: أقول: انطباق ما في الحديث على الآيات و خاصة قوله: «عرف بعضه و أعرض عن بعض»[34] فيه خفاء.[35]
فالمتحصل أنّه لم يتضح بجلاء جزئيات القضية إلا أنّ مفسّري الفريقين لم ينكروا إيذاء بعض نسائه (ص) له. مضافاً إلى ذلك أن الرواية هذه معارضة بروايات أخرى تتعرض لسبب آخر ذكرها المفسرون منها ما جاء في صحيحي البخاري و مسلم عن عائشة، قالت: كان رسول اللّه (ص) يحب الحلواء و العسل، و في ذات يوم شرب عسلا عند زوجته زينب بنت جحش، فتواطأت أنا و حفصة على ان الرسول إذا دخل على إحدانا أن تقول له: اني أجد منك ريح مغافير [36]. و هكذا كان. فقال الرسول: لا بل شربت عسلا عند زينب و لن أعود، و قد حلفت، و لا تخبري بذلك أحدا.
و في تفسير الشيخ المراغي أن التي دخل عليها النبي (ص) و حرّم على نفسه العسل أمامها هي حفصة، فأخبرت عائشة بذلك مع أن النبي (ص) استكتمها الخبر.
و قال الشيخ المراغي: و قد كانت عائشة و حفصة متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي (ص).
و مهما قيل عن سبب النزول فإن ظاهر الآيات يدل بوضوح أن النبي (ص) كان قد امتنع عن شيء أحله اللّه له لسبب من الأسباب، و أنه قد أسرّ بذلك إلى بعض أزواجه، و أمرها بالكتمان، و لكنها خالفت و أفشت، فعاتب اللّه سبحانه نبيّه الكريم على امتناعه عمّا أحل اللّه له، و هدد أزواجه اللائي لا يستمعن إلى أمره.[37]
[1]. سورة التحريم، 1-4.
[2] من قبيل ماجاء في التفاسير التالية: الطبري(القرن الرابع)، أبو جعفر محمد بن جریر، جامع البیان في تفسير القرآن، ج 28، ص 100 – 103، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 1412ق؛ السمرقندي(القرن الرابع)، نصر بن محمد بن أحمد، بحر العلوم، ج 3، ص 466، دار الفکر، بيروت، 1416ق؛ الواحدي، علي بن أحمد (القرن الخامس)، أسباب نزول القرآن، تحقیق: بسيوني زغلول، کمال، ص 459 – 461، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولى، 1411ق؛ طبري کيا هراسي، أبوالحسن علي بن محمد (القرن الخامس)، أحکام القرآن، تحقیق: موسى، محمدعلي، عبد عطية، عزة، دارالکتب العلمیة، بيروت، الطبعة الثانية، 1405ق؛ ابن کثیر(القرن الثامن)، الدمشقي إسماعیل بن عمرو، تفسیر القرآن العظیم، تحقیق: شمس الدین، محمد حسین، ج 8، ص 180 – 185، دار الکتب العلمیة، منشورات محمدعلي بیضون، بیروت، الطبعة الأولى، 1419ق.
[3]. جاء في كتاب دعائم الاسلام في معرض الحديث عن سبب نزول آية التحريم عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: كان رسول الله (ص) قد خلا بمارية القبطية قبل أن تلد إبراهيم فأطلعت عليه عائشة فأمرها أن تكتم ذلك و حرمها على نفسه فحدثت عائشة بذلك حفصة فأنزل الله عزّ و جلّ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ابن حیون، نعمان بن محمد المغربي، دعائم الإسلام و ذکر الحلال و الحرام و القضایا و الأحکام، تحقيق و تصحيح: فيضي، آصف، ج 2، ص 98، مؤسسة آل البیت(ع)، قم، الطبعة الثانية، 1385ق.
[4]. جامع البیان في تفسير القرآن، ج 28، ص 102.
[5]. الخطيب البغدادي، تاریخ بغداد، ج 2، ص 367، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولى، 1417ق؛ الفالوجي الاثري، أکرم بن محمد زیادة، معجم شیوخ الطبري الذين روى عنهم فی کتبه المسندة المطبوعة، ص 491، الدار الأثریة، دار ابن عفان، الأردن، القاهرة، الطبعة الأولى، 1426ق.
[6]. معجم شيوخ الطبري الذين روى عنهم في کتبه المسندة المطبوعة، ص 491.
[7]. رصدنا ذلك من خلال عملية بحث كامبيوترية في برنامج جامع التفساير الصادر من مركز نور للابحاث الكامبيوترية.
[8]. تاریخ بغداد، ج 2، ص 368؛ الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، تاریخ الاسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام، تحقیق: تدمري، عمر عبد السلام، ج 20، ص 445، دار الکتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1413ق.
[9]. نصيري، علي، حديث شناسي، ج 2، ص 122، انتشارات سنابل، قم، الطبعة الأولى، 1383ش.
[10]. تاریخ بغداد، ج 2، ص 367؛ معجم شيوخ الطبري الذین روى عنهم في کتبه المسندة المطبوعة، ص 491.
[11]. تاریخ الاسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام، ج 16، ص 171.
[12]. تاریخ بغداد، ج 9، ص 128 – 129.
[13]. تاریخ الاسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام، ج 14، ص 104؛ مَنْدَه العبدي، أبو عبد الله محمد بن إسحاق، فتح الباب في الکنى والألقاب، تحقيق: فاریابي، أبو قتیبة نظر محمد، ص 488، مکتبة الکوثر، الریاض، الطبعة الأولى، 1417ق.
[14]. السبحاني التبريزي، جعفر، موسوعة طبقات الفقهاء، ج 3، ص 218، مؤسسه الإمام الصادق(ع)، قم، الطبعة الأولى.
.[15] البلاذري، أحمد بن یحیى، أنساب الأشراف، تحقیق: زکار، سهیل، الزرکلي، الریاض، ج 13، ص 269، دار الفکر، بیروت، الطبعة الأولى، 1417ق؛ موسوعة طبقات الفقهاء، ج 3، ص 219.
[16]. ابن أبي حاتم منذر التميمي، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل، ج 3، ص 48، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة، دار إحیاء التراث العربي، حیدر آباد الهند، بيروت، الطبعة الأولى، 1271ق؛ تاریخ الاسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام، ج 14، ص 104 – 105؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان المیزان، تحقق: أبو غدة، عبد الفتاح، ج 3، ص 155، دار البشائر الإسلامیة، الطبعة الأولى، 2002م.
[17]. موسوعة طبقات الفقهاء، ج 3، ص 218.
[18]. تاریخ الإسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام، ج 9، ص 108؛ الکلبي المزي، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال في أسماء الرجال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ج 6، ص 211 – 212، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400ق.
[19]. ابن شاهین، أبو حفص عمر بن أحمد، تاریخ أسماء الثقات، تحقيق: صبحي السامرائي، ص 60، الدار السلفية، الکویت، الطبعة الأولى، 1404ق.
[20]. الشیخ الطوسي، الأمالي، ص 255، دار الثقافة، قم، الطبعة الأولى، 1414ق؛ الشیخ الحُرّ العاملي، إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 2، ص 134، الأعلمى، بيروت، الطبعة الأولى، 1425ق.
[21]. زرکلى، خیر الدین، الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال و النساء من العرب والمستعربین و المستشرقین، ج 4، ص 237، دار العلم للملایین، بیروت، چاپ هشتم، 1989م؛ موسوعة طبقات الفقهاء، ج 1، ص 462.
[22]. موسوعة طبقات الفقهاء، ج 1، ص 462.
[23]. الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال و النساء من العرب و المستعربین و المستشرقین، ج 4، ص 237؛ موسوعة طبقات الفقهاء، ج 1، ص 463.
[24]. موسوعة طبقات الفقهاء، ج 1، ص 462.
[25]. نفس المصدر، ص463.
[26]. نفس المصدر، تاریخ الاسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام، ج 7، ص 424.
[27]. الذهبي، شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء، ج 5، ص 325، مؤسسة الرسالة، بیروت، الطبعة الثالثة، 1405ق؛ الجرجاني، أبو أحمد بن عدي، الکامل في ضعفاء الرجال، تحقیق: عبد الموجود، عادل أحمد، معوض، علي محمد، ج 7، ص 84، الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولى، 1418ق.
[28]. موسوعة طبقات الفقهاء، ج 1، ص 463.
[29]. الطبري، أبو جعفر محمد بن جریر، تاریخ الأمم و الملوك، تحقیق: إبراهیم ، محمد أبو الفضل، ج 11، ص 641، دار التراث ، بیروت، الطبعة الثانية، 1387ق.
[30]. نفس المصدر، ص 640 – 641.
[31]. البرقي، أحمد بن محمد، الطبقات (رجال البرقي)، ص 14، انتشارات جامعة طهران، 1383ق.
[32]. الشيخ الطوسي، رجال الشیخ الطوسي، تحقيق و تصحيح: قيومي أصفهاني، جواد، ص 76 و 140، مكتب النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1427ق.
[33]. الموسوي الخوئي، السید أبو القاسم، معجم رجال الحدیث و تفصیل طبقات الرجال، ج 12، ص 164.
[34]. التحریم، 3.
[35]. انظر: الطباطبائي، السيد محمد حسین، المیزان في تفسیر القرآن، ج 19، ص 337 – 342، مكتب التبليغ الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[36]. صمغ حلوله رائحة كريهة، و كان الرسول يكره ان تكون له ريح غير طيبة
[37]. محمد جواد مغنية، تفسير الكاشف، ج7، ص361- 362، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1424 ق، الطبعة الأولى.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات