Please Wait
8108
یتّفق علماء الأصول ـ سنة و شیعة ـ على أن السنّة تعنی قوال الرسول (ص) و فعله و تقریره، إلا أن الشیعة تعتقد بأن السنة تشمل قول و فعل و تقریر الأئمة (ع) أیضا، لأن الإمامة عندهم امتداد للنبوة، فلا فرق بین قول و فعل و تقریر الأئمة عن النبی (ص). و یعتقد الشیعة بأن سنة الأئمة (ع) من مصادر و أدلة استنباط الأحکام الشرعیة فی الحوادث، و الموضوعات و المستجدات، شأنها شأن سنة رسول الله (ص).
من هنا یقول الشهید المطهری فی هذا المجال: لا أحد یناقش فی حجیة ظواهر السنة. و هناک أدلة یتمسک بها العلماء فی إثبات حجیة سنة رسول الله (ص)، منها:
1. النصوص القرآنیة:
أ- سورة الحشر: «و ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ و ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا».
ب- سورة النجم: «وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحى».
ج- سورة الاحزاب: "لَقَدْ کانَ لَکُمْ فی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة...".
2. الأحادیث
قال النبی الأعظم (ص) فی حجة الوداع: " إ ِنِّی تَارِکٌ فِیکُمُ الثَّقَلَیْنِ مَا إِنْ تَمَسَّکْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِی کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی وَ إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّى یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ…"."[1]. و الحدیث یدل على حجیة و اعتبار السنة.
3. الدلیل العقلی:
و نقصد بالدلیل العقلی تلک الأدلة التی تدل على عصمة رسول الله (ص)، و عدم غفلته، و خطئه، و سهوه؛ لأن الاعتقاد بهذه الأمور تجعل المکلّف یقطع بأن جمیع أعمال و أقوال الرسول (ص) تنطبق مع الموازین الشرعیة، فتصیر الأفعال و الأقوال لذلک حجة على الآخرین. و هذا الدلیل العقلی من أکثر الأدلة ـ التی یُستدل بها على حجیة سنة رسول الله ـ رصانةً و إحکاماً. فإذن، سنة الرسول (ص) و کذلک سنة الأئمة المعصومین (ع) حجة تماماً، ککلام الله، و فی جمیع أبعاد الحیاة، من دون تمییز بین أمور الدین، و الدنیا، و الآخرة. بطبیعة الحال، نحن غیر ملزمین بإتباع النبی (ص) و الأئمة المعصومین (ع) فی المسائل و الامور الشخصیة، کما لو کان النبی الأکرم (ص) یرکب الجمل فلا یلزم من ذلک وجوبه علینا أیضاً. کما أننا غیر مرخص لنا بإتباع الأعمال المختصة بالنبی (ص)، فعلى سبیل المثال، سمح للنبی (ص)، لأسباب موضوعیة، الزواج من أکثر من أربعة نساء فی وقت واحد، و قد منع ذلک بالنسبة لغیره من سائر الناس، و اختصّ النبی الأکرم (ص) بهذا الأمر فقط.
[1] المجلسی، محمد باقر، بحارالأنوار،ج2، باب 14،ص 100، موسسة الوفاء، بیروت، 1404ق
تعنی السنة لغةً: السیرة حمیدة کانت أو ذمیمة. و قد ذکرها العلامة الفیروزآبادی فی کتابه قاموس المحیط، و کذلک اسماعیل بن حماد الجوهری فی کتابه صحاح اللغة، و کذلک ابن اثیر فی النهایة . کذلک أورد هذا التعریف العلامة محمد بن علی الجرجانی فی "التعریفات" و قال: السیرة، حسنة کانت أَو قبیحة[1].
اما السنة فی اصطلاح الفقهاء فتقابل البدعة. و البدعة تعنی کل حکم لا ینسجم مع الأصول الشرعیة، و لا یستند الى الحجة الشرعیة، و لکن السنة تعنی: کل حکم استند إلى أصول الشریعة و الحجة الشرعیة[2].
و تعرّف السنة فی علم الکلام باصطلاحین:
أ- نفس المعنى الذی یعتمده الفقهاء فی تعریف السنة.
ب- معنى مرادف لمعنى المستحب، و هو القیام بفعلٍ، یکون القیام به أولى من ترکه، مع جواز ترکه.
و اتفقت کلمة الأصولیین ـ سنة و شیعة ـ على تعریف السنة، حیث قالوا: السنة هی أقوال، و أفعال، و تقریرات رسول الله (ص).
غیر أن الشیعة عمّمت تعریف السنة لیشمل قول و فعل و تقریر سائر المعصومین (ع) أیضاً، ومن هنا کانت الإمامة لدیهم امتداداً للنبوة، فلا یفرّقون بین قول و فعل و تقریر الأئمة و الرسول (ص)، و الفارق الوحید بین الإمام و النبی هو مسألة الوحی، حیث أن الإمام لا یتلقى الوحی، و إنما کانت تلهم إلیه حقائق الشریعة و هو یقوم بتبیانها للناس. کما نعتقد أن النبی الأکرم کان یعتمد بالاضافة الى الوحی على الإلهام الإلهی، و لذلک أعتبر (ص) "الأسوة" و صار "واجب الطاعة".
ان الفکر الشیعی یرى أن سنة الأئمة المعصومین (ع) کسنة رسول الله (ص) تعدّ من أصول و مصادر معرفة الأحکام الشرعیة فی الموضوعات، و الحوادث الواقعة[3].
حجیة السنة واعتبارها:
بعد أن بیّنا المعنى اللغوی و الاصطلاحی للسنة، حان الوقت لنبحث عن قیمتها و حجیتها و اعتبارها .
یقول الشهید مطهری هنا: لا أحد یناقش فی حجیة ظواهر السنة (و هی الأخبار و الروایات التی تروی قول أو فعل أو تقریر النبی، أو الإمام)، و إنما صبّ الأصولیون جلّ اهتمامهم على بحثین یتفرعان على حجیة السنة، و هما: حجیة الخبر الواحد، و مسألة تعارض الأخبار و الروایات، و لذا خُصّص لهذین البحثین فی الأصول فصلان مهمّان و متشعبان، أحدهما یسمى "الخبر الواحد" و الآخر "التعادل و التراجیح"[4].
و بطبیعة الحال أنه فی الوهلة الأولى، لابد من إقامة الدلیل على حجیة السنة و اعتبارها أیضاً، إذ أن الرسول (ص) من الجانب التکوینی کان عبداً من عباد الله: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُم...)[5]، فحینما یصبح قوله و عمله و تقریره، حجة و أسوة و نموذجاً یقتدی به الآخرون، عند ذلک لابد من إقامة دلیل شرعی و عقلی. و بتعبیر فنی، الأصل الاولی عدم الحجیة، إلا إذا ثبتت الحجیة بالدلیل و البرهان.
و مع توقّف حجیة السنة ـ سواء أکانت قولاً أو فعلاً أو تقریراً ـ على إقامة البرهان، إلا أن وجود النصوص القرآنیة الواضحة الدلالة، سهّلت الامر و أغنتنا عن البحث و العناء الکثیر فی هذا المجال، و لذلک باتت الحجیة واضحة کل الوضوح عند علماء المسلمین.
و کیف کان، فقد تمسک العلماء فی إثبات حجیة سنة رسول الله (ص) بنصوص قرآنیة بالاضافة الى الأحادیث و الدلیل العقلی، نستعرضها فیما یلی:
1ـ النصوص القرآنیة:
أ- «و ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ و ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»[6].
ب- «و ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحى»[7].
ت- «...إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما یُوحى إِلَیَّ"...»[8].
ث- آیات کثیرة توجب طاعة رسول الله (ص) و إتباعه، نشیر على سبیل المثال الى بعضها:
«و ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ...»[9]، «وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ...»[10]. « یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ ..."[11]، «قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْببْکُمُ اللَّهُ..."[12]، "من أطاع الرسول فقد أطاع الله".
یظهر من مجموع هذه الآیات وجوب الالتزام بأوامر النبی (ص) و نواهیه من دون استثناء، ذلک لأنه (ص) لا یقول الا ما یریده الله، و أن جمیع الرسل کانوا مطاعین باذن الله، و أن ما من مؤمن یتغافل عن إرادة الله و رسوله، و أن طاعة رسول الله (ص) قد قرنت بطاعة الله، فکما دعی الناس لطاعة الله فی جمیع الشؤون ـ سواء کانت دنیویة أو أخرویة أو دینیة ـ کذلک أمروا بطاعة رسول الله، فتکون طاعة الرسول (ص)، فی الحقیقة، طاعة لله، فمن أجل التقرب الى الله یجب طاعة نبیه (ص) و إتباعه.
و مع أن بعض هذه الآیات لا تفید إلا إثبات حجیة قول النبی و کلامه، و لکن یظهر من مجموع الآیات أن طاعة النبی عامة فتشمل وجوب إتباع رسول الله، و أنه أسوة و قدوة للمؤمنین فی جمیع أبعاد الحیاة، سواء کانت دینیة أم دنیویة أم أخرویة: «لقد کان لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»[13].
2ـ الأحادیث:
احتجّ العلماء بأحادیث کثیرة لإثبات حجیة سنة رسول الله (ص)، منها:
قوله (ص): "إنی تارک فیکم الثقلین ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی: کتاب الله و عترتی أهل بیتی، و انهما لن یفترقا حتى یردا علی الحوض". و هذا الحدیث یدلّ على حجیة السنة و اعتبارها[14].
و کذلک، تستفاد الحجیة مما جاء فی حدیث معاذ بن جبل؛ فقد روی أن النبی (ص) لما بعث معاذاً الى الیمن قال: بم تقضی بینهم یا معاذ؟ قال: بکتاب الله، قال: فان لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله.... فقال النبی: "الحمد لله الذی وفق رسوله (ص)"، و هذا التقریر و الامضاء من قبل النبی (ص) یکشف عن الحجیة[15].
و یقول عمر عبد الله کما جاء فی کتابه: السنة حجة و مصدر للتشریع، یدل على ذلک حدیث معاذ بن جبل[16].
3ـ الدلیل العقلی:
و نقصد بالدلیل العقلی تلک الأدلة الدالة على عصمة رسول الله (ص)، و عدم غفلته، و خطئه، و سهوه؛ لأن الاعتقاد بهذه الأمور تجعل المکلّف یقطع بأن جمیع ما یصدر عن رسول الله من اقوال و افعال وتقریرات تنطبق مع الموازین الشرعیة، فیصبح کل ذلک حجة على الآخرین. و هذا الدلیل العقلی من أکثر الأدلة ـ التی یحتجّ بها على حجیة سنة رسول الله ـ رصانةً و إحکاماً.
هذا، ثم ان الجانب العملی یقتضی الإذعان بحجیة السنة، إذ لو جرّدنا سنة رسول الله (ص) عن الحجیة، سوف تتضائل الاستفادة من کتاب الله فی مجال استنباط الاحکام الشرعیة الى حد کبیر جداً،و نقع فی معظم المسائل الدینیة، و العلمیة، و الاجتماعیة، و... فی مأزق و تخبّط تامین؛ و ذلک لأن القرآن الکریم یقتصر عادةً على بیان کلیات و أصول الأحکام، و یترک جزئیات الأحکام و تفاصیلها إلى السنة. إذ القرآن تبیان لأصول الأحکام، و لیس لجمیع الفروع و خصوصیات الحکم و الموضوع.
و الملفت للنظر، أن إثبات حجیة السنة و اعتبارها بهذا الطریق، هو نوع من الاستدلال العقلی، و تظهر قوة هذا الاستدلال أکثر، إذا ما راجعنا مصادیقه فی الفقه و المعارف الاسلامیة. فعلى سبیل المثال: اکتفى تعالى فی باب الصلاة بقوله: "و أقیموا الصلاة..."[17] فإذا ما ترکنا السنةجنباً، فحینئذ یستحیل معرفة کیفیة الصلاة و تفاصیلها و شروطها، و أجزائها، و مبطلاتها . وکذلک الامر فی الزکاة فقد اکتفى سبحانه و تعالى بقوله: "و آتوا الزکاة"[18] تارکا التفاصیل على عاتق السنة الشریفة، فعدم الرجوع الى السنة یعنی بقاء فروع الزکاة و خصوصیاتها مبهمة و مجهولة.
و هذه حقیقة مشهودة فی جمیع أبواب الفقه من دون استثناء، و علیه، لابد من القول بأن عدم حجیة سنة النبی (ص) یستلزم تعطیل الدین و نقص القوانین الشرعیة، و هذا ما لا ینسجم مع حکمة الله عزوجل. و من هذا المنطلق، ذهب بعض العلماء، الى إعتبار حجیة سنة الرسول (ص) من ضروریات الدین[19].
[1] جناتی، محمد ابراهیم ، مصادر الاجتهاد عند المذاهب الإسلامیة (منابع اجتهاد از دیدگاه مذاهب اسلامى)، ج-1، ص 74.
[2] نفس المصدر، ص75.
[3] نفس المصدر، ص 76.
[4] الأعمال الکاملة للشهید مطهری (مجموعة آثار شهید مطهری)، ج20، ص41.
[5] الکهف، 110.
[6] الحشر، 7.
[7] النجم، 3و4.
[8] الأنعام، 50.
[9] النساء، 64.
[10] الأحزاب، 36.
[11] النساء، 59.
[12] آل عمران،31 .
[13] الأحزاب، 21.
[14] مصادر الاجتهاد عند المذاهب الاسلامیة(منابع اجتهاد از دیدگاه مذاهب اسلامى)،ج 1، ص78، نقلاً عن کتاب «مدخل الفقه الاسلامی»ص225.
[15] مصادر الاجتهاد عند المذاهب الاسلامیة(منابع اجتهاد از دیدگاه مذاهب اسلامى)،ج 1، ص78.
[16] نفس المصدر، نقلاً عن عمر عبدالله، سلم الوصول إلى علم الاصول، ص261.
[17] البقره، 43.
[18] نفس المصدر.
[19] مصادر الاجتهاد عند المذاهب الاسلامیة(منابع اجتهاد از دیدگاه مذاهب اسلامى)، ج1، ص 80.