Please Wait
9384
قضية التوبة لا تتوقف على العلم بما يترتب على المعاصي من عقاب أخروي، بل هناك الكثير من العوامل الصّادة عن التوبة من قبيل عدم الاكتراث بالوعيد، أو بسبب اتباع الهوى و الانجرار مع مغريات الدنيا و تسويلات النفس و...، و هذا ما يقع لكثير من الناس فمع علمهم بالقضية الا انهم لم يقدموا على التوبة و الاستغفار و الأوبة الى الله تعالى، و لقد أشار القرآن الكريم الى هذه القضية في الآية المباركة: " وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدين"[1]، و لم يخرج الشيطان عن هذه القاعدة فقد تمادى بغيّه تكبراً و عناداً لا جهلاً و غفلة عن العقاب الذي ينتظره. و لمّا كانت صفة الغرور و التكبر قد لازمت إبليس طوال حياته من هنا لم يتمكن من التخلّص منها و العودة الى الله تعالى و التوبة و الاستغفار، و لعّل في الرواية التي تقول أنه طلب التوبة في زمن نوح (ع) الا انه لمّا عرف ان توبته تقتضي السجود الى قبر أدم (ع)، عاد اليه غروره و تكبره و لم يقبل بالشرط، قال المجلسي: إِنَّ نُوحاً لمَّا ركب السَّفينةَ أَتاهُ إِبليسُ فقال لهُ نوحٌ: مَنْ أَنت؟ قال: أَنَا إِبْلِيسُ. قال: فما جاء بك؟ قال: جئتُ تسأَلُ لي ربَّكَ هل لي من توبةٍ؟! فَأَوْحى اللَّهُ إِليهِ أَنَّ توبتَهُ أَن يأْتي قبر آدم فيسجد لهُ! قال: أَمَّا أَنا لم أَسجد لهُ حيّاً أَسجدُ لهُ ميِّتاً!! قال: "فَاسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِين".[2]
فمشكلة إبليس إذن تمكن في عدم تمكنه من التخلص من عوامل العناد و التكبر و الجحود فمن هنا لم يتمكن من التوبة.
[1] النمل، 14.
[2] المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج 60، ص 281، ح 170، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه ق.