بحث متقدم
الزيارة
12918
محدثة عن: 2010/01/24
خلاصة السؤال
أدرجت الآية 14 من سورة آل عمران المرأة ضمن النعم المادية التي ذم الله تعالى الرجال على التعلق بها كالخيل و الانعام! أ ليس في ذلك إنقاص لمقام المرأة و حط من شأنها؟
السؤال
جاء في الآية 14 من سورة آل عمران: " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنينَ وَ الْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآب‏"، أ ليس في إدراج المرأة ضمن الأمور المادية التي يذم الرجال على التمسك بها، إنقاص لمقام المرأة و حط من شأنها حيث وضعت في مصاف الحيوانات و البهائم؟
الجواب الإجمالي

في البدء لابد من القاء نظرة عابرة على المراد الاجمالي من الآية المباركة، و هل أن المراد منها يتطابق مع فهم السائل و استنباطه منها أم لا؟

التأمل في مضامين الآية يكشف لنا أن المراد منها شيء آخر غير ما ذكره السائل، فقد جاء فيها " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنينَ وَ الْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآب‏"[1] فإن الآية المباركة تشير الى حقيقة تكوينية و هي  أنّ اللّه هو الذي زيّن للناس ذلك عن طريق الخلق و الفطرة و الطبيعة الإنسانية، و إنّ اللّه هو الذي جعل حبّ الأبناء و الثروة في جبلّة الإنسان لكي يختبره و يسير به في طريق التربية و التكامل و الوصول الى حقيقة الانسانية.[2] الا انها في الوقت نفسه تحذر الانسان من الانجرار وراء الماديات و جعلها المعيار و الملاك النهائي للتكامل البشري و السعادة الانسانية.

و لقد اشار القرآن الكريم في الآية نفسها الى نكتة ظريفة جداً حيث قرن بين النساء (الجنس المؤنث) و بين البنين ( الجنس المذكر) ليبين لنا ان المراد من ذلك التحذير من الانجرار مع الماديات و ليس المقام مقام ذم او تقبيح لعنصر دون عنصر من عناصر النسيج البشري. و لتقريب الفكرة نضرب المثال التالي: لو قال شخص: اصطحبت في سفري اصدقائي فلانا و فلانا و جهاز الحاسوب و الكلب مثلا! فهل يرى العرف أن هذا التعبير يراد منه التسوية بين الاصدقاء و بين الحاسوب او الكلب؟!

تفسير الآية المباركة

من الاساليب المعتمدة في التفسير النظر الى سياق الآية و تحليل الآية المراد تفسيرها ضمن مجموعة الآيات السابقة و اللاحقة لها، ليحصل المفسر على قرينة مهمة تكشف له المراد منها، و لما كانت الآيات المباركة تتحدث عن الكفار او الافراد الذين جعلوا من الماديات هدفهم الاسمى و ان الحياة الكريمة هي التي يتوفر صاحبها على الاولاد و الاموال، الامر الذي يجر في نهاية المطاف الى الغرور و التعالي و الاحساس بالخلود ما دامت تلك الامور متوفرة، فلا حاجة معها الى الاعتقاد بالله تعالى و التوكل عليه، من هنا جاءت الآية المباركة لتكمل الفكرة و تشير الى أن الكافرين تعلقوا بهذه النعم و الزينية الدنيوية المتثملة بـ " حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنينَ وَ الْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ" و مالوا عن الطريق القويم و الصراط المستقيم طريق العبادة و الخضوع للباري تعالى.

قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: قوله تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ" «إلخ»، الآية و ما يتلوها بمنزلة البيان و شرح حقيقة الحال لما تقدم من قوله تعالى آنفا: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً" «إلخ» إذ يظهر منه أنهم يعتقدون الاستغناء بالأموال و الأولاد من الله سبحانه فالآية تبين أن سبب ذلك أنهم انكبوا على حب هذه المشتهيات و انقطعوا إليها عن ما يهمهم من أمر الآخرة، و قد اشتبه عليهم الأمر فإن ذلك متاع الحيوة الدنيا، ليس لها إلا أنها مقدمة لنيل ما عند الله من حسن المآب.[3]

فالآيات السابقة و اللاحقة للآية المباركة تعطينا معنى وسيعا و رسالة مهمة و هي أنه ينبغي للانسان أن يستفيد من النعم على النحو الامثل و أن يربطها بمصدرها الاصلى و المنعم الاول لها و هو الله تعالى، لا أن يجعل منها وسيلة لنسيان الله تعالى.

علما أن الآية المباركة و ان خاطبت الرجال، الا ان ذلك من باب التغليب و لا يعني ذلك ان الخطاب لا يشمل النساء فكما ان الرجال قد زين لهم حب الشهوات من النساء، كذلك النساء زين لهن حب الشهوات من الرجال و الازواج على حد سواء، خاصة و أن الآية المباركة لم تسعمل مفردة "الرجال" بل قالت "زين للناس"! و عنوان الناس يصدق على الرجال و النساء على حد سواء، فليست القضية قضية تفضيل أو تقليل من شأن جنس على جنس آخر قطعاً.

و قد تعرض لهذه القضية صاحب تفسير من وحي القرآن حيث قال: و قد يثور سؤال: إن الحديث- هنا- هو عن الناس الذين زين لهم حب الشهوات، و الكلمة تشمل الرجال و النساء، فلما ذا كان الحديث عن حب الرجل للمرأة، باعتبار أنها مستودع شهوته، و لم ينطلق الحديث عن حب المرأة للرجل، باعتبار أنه مستودع شهوتها، فإن الطبيعة الإنسانية واحدة في ذلك، لا سيما أن السياق جار على الحديث عن سلبية الاستغراق في هذه الشهوات الذي يؤدي إلى الانحراف في مواجهة إيجابية التوازن فيها للانطلاق بها نحو اللَّه و الدار الآخرة مما يلتقي فيه الناس جميعا بكل أصنافهم؟.

و الجواب عن السؤال: أن الخطاب القرآني في أغلب موارده خطاب مذكّر، باعتبار أن المجتمعات التي خاطبها الأنبياء و عاشوا معها و جادلوها و خاضوا معها الصراع في ساحة الدعوة و الجهاد، هي مجتمعات الرجال، فقد كانوا هم الذين يتحركون في الساحة، فهم العنصر الفاعل في حركة الواقع، بحيث يكون الدور الطبيعي للنساء هو دور المنفعل، فالمرأة هي الإنسان المنفعل في الواقع الاجتماعي كما هي كذلك في واقع العلاقة الجسدية، الأمر الذي يجعلها إنسانا تابعا للرجل من ناحية واقعية، بعيدا عن مسألة الصواب و الخطأ في ذلك. هذا من جهة، و من جهة أخرى، فإن مجتمع الدعوة الذي نزل عليه القرآن و تحدث معه، كان لا ينسجم مع الحديث عن حب المرأة للرجل في عالم الشهوة، فقد كان ذلك مستنكراً عند الرجال و النساء معاً على أساس الحياء الاجتماعي، إلا إذا كان ذلك بشكل غير مباشر في خط المسؤولية كما في قوله تعالى: "وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ" [النور: 31]، أو قوله تعالى: "وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ" [الأحزاب: 35].

فربما كان ذلك كله هو الأساس في الحديث عن الرجال الذين هم الفئة التي تقود المجتمع في حركته في نطاق الشهوات الذاتية للإنسان و في نطاق الرغبات و الطموحات العامة، بحيث يفهم وضع المرأة بطريقة غير مباشرة، الأمر الذي يجعل توجيه الخطاب إليهم منسجما مع الواقع الإنساني في مجتمع الدعوة.[4]

لمزيد الاطلاع انظر:

سؤال 1236 (الموقع: 1884) (القرآن و قوامیة الرجال على النساء).

سؤال 2419 (الموقع: 2964) (عدم التفاضل بين الرجال و النساء).

 


[1] آل عمران، 14.

[2] انظر: مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏2، ص: 418، مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[3] الميزان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 95، نشر جماعة المدرسين قم، الطبعة الخامسة، 1417هـ.

[4] فضل الله، السيد محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، ج‏5، ص: 253- 255، دار الملاك للطباعة و النشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1419 ق.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...