بحث متقدم
الزيارة
5142
محدثة عن: 2011/06/20
خلاصة السؤال
هل أن الولی الفقیه مجاز فی الاستمرار فی الحکم فی حالة عدم رضا المجتمع؟
السؤال
کما هو معلوم أن الفقیه لا یمکن أن یشکل حکومة إذا لم تسانده الأمة «کما حدث لأمیر المؤمنین بعد رحلة الرسول»؛ و السؤال هو إذا شکل الفقیه الحکومة خصوصاً فی عصرنا الحاضر کما هو الحال فی حکومة ولایة الفقیه فی بلدنا، فلو فرضنا أن الناس لم یریدوا هذه الحکومة، فهل یجب التنحی؟
الجواب الإجمالي

بالنظر إلى أحکام الإسلام و تعالیمه فإن الأفراد الذین یمتلکون إجازة خاصة أو عامة من قبل الله سبحانه لهم الحق وحدهم فی إعمال حاکمیتهم على الناس، و أما سائر الناس فحتى إن کانوا مؤیدین من قبل الأکثریة فإنهم لم یحظوا بتأیید الإسلام فی مسألة إقامة الحکم.

و من جهة أخرى فإن الحکومة التی تشکل و تدیم عملها بتأیید من شرائح واسعة فی المجتمع فلا یمکن أن یکون الرضا الآنی اللحظوی لمجموعة من الناس من أسس استمرارها أو رفضها. و إلا لانتهینا إلى الفوضى و الهرج و المرج، و لذلک فلا یحق للبعض أن یسلبوا المشروعیة من النظام الإسلامی القائم لمجرد عدم رضا البعض.

الجواب التفصيلي

فی البدایة إذا دققنا فی حالة الأفراد الذین یترأسون المجتمعات المختلفة فإننا سوف نجد مؤیدین و مخالفین حقیقیین لهم، و من جهة أخرى نلتقی بأشخاصٍ لا یهمهم موضوع الحکم و الحاکمیة کثیراً و أن أی حکومة یمکنها تأمین احتیاجاتهم الأساسیة تکون مقبولة بالنسبة لهم، و إذا نظرنا من زاویة أخرى نرى أن میزان رضا عموم المجتمع و عدم رضاه على الحکام یتأرجح بین الزیادة و النقصان فی مقاطع زمنیة خاصة، من دون أن تجتمع إرادة الجمیع على إرادة تغییر الحکومة أو الحاکم. و لکن المشکلات الناشئة عن الحرب أو الحصار الإقتصادی أو ... تؤدی إلى أن یکون موقف الناس بنحو و کأنه یرید تغییر النظام و الحکومة.

و بعد هذه المقدمة فآتی على صلب السؤال:

للأئمة المعصومین وظائف و مسؤولیات مختلفة و متعددة فی المجتمع، و إحدى هذه المسؤولیات الأخذ بزمام المبادرة فی مسألة الحکم. و إن بعض من هذه المسؤولیة أوکلت إلى علماء الدین.

و من الطبیعی فإن إمام الدین (سواء کان معصوماً أو غیر معصوم) لا یتمکن من إقامة و إجراء تعالیم الدین و أخلاقیاته بشکل کامل ما لم یحظى بدعم و تأیید من شرائح واسعة فی المجتمع حتى یتمکن من إقامة الحکومة و الاستمرار بها، و کما نعلم و نشاهد فإن حکومة رسول الله (ص) و أمیر المؤمنین(ع) لم تکن ممکنة إلا فی الوقت الذی لقیت تأیید الناس و حمایتهم لها.

أما بالنسبة لاستمرار الحکومة فلا بد من التوجه للنقاط التالیة:

1ـ کما تقدم فإن رضا الناس و تأییدهم أمرٌ نسبی، و إنه یتغیر من زمن لآخر، فمن الممکن للحکومة التی تحظى بتأیید 70% من الناس فی زمن معین تفقد الکثیر من رصیدها لأی سبب أو حادث ما فتنخفض نسبة المؤیدین لها.

2ـ فی أی نقطة فی هذا العالم و فی أی نظام للحکم ـ حتى الأنظمة التی تطبل و تدعی الدیمقراطیة بقوة ـ لا یمکن أن تقوم حکومة و تستمر من خلال المؤسسات الثابتة و الدساتیر الثابتة. و فی الوقت نفسه یکون ذلک مشروطاً برضا المجتمع الآنی اللحظوی.

و بعنوان المثال، إذا انتخب رئیس للبلاد فی بلدٍ دیمقراطی من خلال حصوله على آراء الأکثریة، و لکن الإحصاءات الرسمیة لاستطلاعات الرأی تشیر إلى أن محبوبیته انخفضت بعد أسبوع من انتخابه فلیس له أن یحتج بهذه الذریعة و یجیز لنفسه الاستعفاء و ترک البلد بحالها. و هذا ما نجد ما یشابهه بالنسبة للأنظمة و القوانین التی تقر و تصوب من قبل جیل معین فإنها تکون ساریة المفعول فی الأجیال التی تأتی من بعد من دون أن تعرض هذه الدساتیر فی کل سنة أو کل شهر للرأی العام لتحظى برضا الجمیع.

3ـ إن أنظمة الحکم و کذلک الدول المختلفة لها قوانین و مؤسسات ثابتة لا ترضى بتغییرها بهذه السهولة. و کمثال على ذلک (فإن القضاة فی الدیوان العالی للقضاء فی أمریکا ینتخبون من قبل رئیس الجمهوریة فی وقتٍ معین، ثم یعرضون على المجلس لکسب الثقة فإذا حصلوا على تأیید المجلس یمکنهم البقاء فی منصبهم حتى نهایة العمر، ما لم یطلبوا الإحالة على التقاعد باختیارهم) و من هنا فإن مجلس القضاء فی الولایات المتحدة الأمریکیة یتمتع بأهمیة خاصة لما له من تأثیر فی توجیه حرکة المجتمع فی البلاد[1].

و لا بد أن ندقق فی هذه المسألة، فإن هؤلاء القضاة لم یأتوا بانتخاب الأمة، و من جهة أخرى فإن منصبهم غیر قابل للعزل، و قد أنیطت بهم مسؤولیات و مهمات کبیرة کالبت فی نتائج انتخابات رئاسة الجمهوریة «کما حدث فی التنافس بین جورج دبلیو بوش و جون کیری». و لم یقل الحقوقیون الأمریکیون إن هذا خلاف لقواعد الدیمقراطیة و أصولها. و إنما یرون أنها مؤسسة منبثقة عن القانون الأساسی و أنها مقبولة لدى الناس أیضاً. و لهذا فإن ما ظهر من عدم الرضا فی أواخر خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام لم یجعله یترک الخلافة و یهمل شأنها حتى کان یقول «لا أمر لمن لا یطاع»[2]. مع أنه کان زاهداً بالخلافة حتى اعتبرها «أهون من عفطة عنز»[3]، و مع ذلک لم یتخلَ عن مرکزه حتى آخر حیاته.

و بعد هذه القرون التی تفصلنا عن زمن خلافة أمیر المؤمنین (ع) یمکن أن نقول أن الإمام (ع) واجه عدم الرضا و حسب و مع هذه المعارضة الواسعة من فئاتٍ کثیرة فإنهم لم یریدوا تنحیة الإمام عن السلطة. فی حین نجدهم یوجدون قاعدة واسعة للمعارضة بشکلٍ عملی، حتى أنهم شککوا فی أصل أحقیته بالخلافة و لکن مع ذلک لم یعبأ الإمام بهم.

و مع ذلک فإذا وجدت ظروف و مقتضیات یکون فیها ترک الحکومة الظاهریة یصب فی صالح المجتمع الإسلامی، فإن الحاکم الإسلامی بإمکانه التخلی عن السلطة بدلیل مراعاة هذه المصلحة «و لا بدلیل انحسار الرضا الآنی للناس»، کما حدث هذا الأمر فی زمن الإمام الحسن (ع).

و طبقاً للقانون الأساسی لبلدنا الذی أقر و صوب من قبل الأمة، فإن استمرار قیادة الولی الفقیه للمجتمع لم تحدد بزمن معین، و علیه «و کما هو فی سائر الأمم» فإن الرضا الآنی للناس لا یمکن أن یعتبر معیاراً لاستمرار الحکومة و إدامتها. و لا یوجد دلیل باللحاظ الشرعی و لا القانونی على أن الفقیه الذی یتمتع بالشروط اللازمة للقیادة، و لم یکن قد فقدها أو بعضاً منها علیه أن یتخلى عن موقعه لشخصٍ آخر لمجرد بروز عدم الرضا من بعض الناس.

4ـ و الأنظمة الدینیة لا یمکن أن تعتمد على مزاج لحظوی فی الرضا و عدمه للمجتمع، و إنها تحرم من مؤسساتها و قوانینها الثابتة لمجرد الخوف من الاتهام بمخالفة الدیمقراطیة، کان العرف فی المجتمع الإسلامی فی صدر الإسلام. إن الشخص الذی یبایع من قبل الأمة له الحق فی الاستمرار فی الحکم ما دام على قید الحیاة، مع أن مریدیه و مؤیدیه یقلون عما کانوا علیه یوم بیعته، و هذا العرف تلقاه الناس کما هو القانون.



[1]ویکیبدیا.

[2]نهج البلاغة، ص71، خطبة 27، منشورات دار الهجرة، قم.

[3]نهج البلاغة، ص 50، خطبة 3 «لألفیتم دنیاکم هذه أزهد عندی من عفطة عنز»

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...