بحث متقدم
الزيارة
5999
محدثة عن: 2011/05/16
خلاصة السؤال
کیف أشعر بالمعیة الالهیة و ما هو الطریق الذی ادرک من خلاله العون الالهی؟
السؤال
کیف أشعر بالمعیة الالهیة و ما هو الطریق الذی ادرک من خلاله العون الالهی؟ و هل یستمر العون الالهی حتى لو سرنا فی الطریق الخاطئ؟
الجواب الإجمالي

المدد الالهی على قسمین:

1. القسم الاول الشامل لکل المخلوقات؛ و ذلک لانه تعالى قد اعطى کل مخلوق ما یلازم خلقه ثم قاده و هداه فی سائر مراحل الحیاة الأخرى.

2. المدد و العطاء الالهی الخاص بالانسان، و هذا بدوره ینقسم الى قسمین:

الاول، البعد المادی: ففی هذه الجانب اقتضت الرحمانیة الالهیة شمولها لجمیع البشر؛ بمعنى أن الله وهب الانسان ما یساعده فی الوصول الى هدف الخلقة کارسال الرسل و بیان طریقی الحق و الباطل, و انزال النعم الالهیة من قبیل الغیث و...

الثانی، العون و المساعدة الخاصة؛ و هذا القسم یختص فی الغالب بالامور المعنویة و الروحیة بنحو یکون تتمة للمرحلة السابقة، و انه یختص بالافراد الذین استفادوا من الهبات و النعم الالهیة فی المرحلة الاولى، فبعد أن استفادوا منها على النحو الاکمل تضرعوا الى الله تعالى لیمن علیهم بالمرحلة الثانیة بید العون فی التغلب على الموانع و المعوقات التی تقع فی طریق الوصول قمة الهرم، و یبتهلون الى الله تعالى بان یفی لهم بما وعدهم فی کثیر من الآیات کقوله تعالى: " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً".

الجواب التفصيلي

الناس المؤمنون یعرفون ربهم من خلال بعض الاوصاف، منها کونه کریما، رحیما، غفورا و...، من هنا نعتقد أن الله تعالى لم یبخل على عباده بما یصلح حالهم و لم یمنعهم ما یحتاجون الیه فیمد لهم ید العون فی ذلک کله.

و لکن المتأمل فی المدد الالهی یدرک جیدا أنه یشتمل على قسمین:

1. القسم الاول الشامل لکل المخلوقات؛ و ذلک لانه تعالى قد اعطى کل مخلوق ما یلازم خلقه ثم قاده و هداه فی سائر مراحل الحیاة الأخرى، و لقد أشار القرآن الکریم الى هذه الحقیقة فی الآیة المبارکة: " قالَ رَبُّنَا الَّذی أَعْطى‏ کُلَّ شَیْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏".[1]

ففی هذا المقطع القصیر یشیر موسى (ع) الى أصلین أساسیین من الخلقة و الوجود الذی یُعد کل واحد منهما دلیلاً مستقلاً لمعرفة الخالق تعالى:

الاول، إن الله تعالى قد أعطى و یعطی لکل مخلوق ما یحتاجه.

فلو تأملنا فی عالمی النبات و الحیوان فی جمیع بقاع المعمورة سواء کانت من الطیور، الحیوانات البحریة، البریة، البرمائیة، الحشرات، الزواحف و... نرى بوضوح تام الانسجام التام بین تلک المخلوقات و المحیط الذی تعیش فیه و انها تمتلک کل ما تحتاج الیه فی تأمین حیاتها المادیة.

فالتناسق بین مکونات أجسام الطیور من ناحیة الشکل و الوزن و الحواس المختلفة، بنحو من الدقة و الترتیب بحیث یمکنها من الطیران و التحلیق فی الفضاء، و هکذا نجد التناسق الدقیق فی الحیوانات البحریة بحیث تکون مؤهلة للعیش فی الماء بصورة طبیعة؛ و هکذا الکلام فی سائر المخلوقات.

الثانی، المرحلة الثانیة بعد مرحلة الخلق و الاعطاء تأتی مرحلة الهدایة و قیادة الموجودات الى کمالها المنشود التی عبر عنها القرآن الکریم بکلمة "ثم هدى".

فقد یمتلک الانسان أو أی مخلوق آخر الوسائل الحیاتیة التی یحتاجها لکنه لم یعرف طریقة الاستفادة منها، فالمهم هنا أن تعرف طریقة الاستعمال و الاستفادة من تلک الوسائل و الامکانات و هذا ما نجده بجلاء فی الموجودات المختلفة، حیث نرى تلک المخلوقات جمیعها تعرف طریقة الاستفادة من طاقاتها التی وهبها الله تعالى لها و کیف توظف ذلک فی تأمین حیاتها بالنحو الاحسن، من قبیل صنع البیوت، التناسل، تربیة الافراخ، التحرز و الاختفاء عن عیون الاعداء و مهاجمة مکامن الخطر التی تشعر بها.

2. المدد و العطاء الالهی الخاص بالانسان، و هذا بدوره ینقسم الى قسمین:

الاول، البعد المادی: ففی هذه الجانب اقتضت الرحمانیة الالهیة شمولها لجمیع البشر؛ بمعنى أن الله وهب الانسان ما یساعده فی الوصول الى هدف الخلقة کارسال الرسل و بیان طریقی الحق و الباطل[2], و انزال النعم الالهیة من قبیل الغیث و... بالاضافة الى تعلیم الجمیع طریق الوصول الى الکمال، إقامة الحجة على الجمیع، و سد طریق التذرع و التبریر بوجه الکل، و تکلیف الجمیع باستغلال هذه النعم للسیر فی الطریق الصحیح، قال تعالى فی کتابه الکریم: "إِنَّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمَّا شاکِراً وَ إِمَّا کَفُوراً".[3]

و الهدایة بمعنى إراءة الطریق دون الإیصال إلى المطلوب و المراد بالسبیل السبیل بحقیقة معنى الکلمة و هو المؤدی إلى الغایة المطلوبة و هو سبیل الحق.[4]

الثانی، العون و المساعدة الخاصة؛ و هذا القسم یختص فی الغالب بالامور المعنویة و الروحیة بنحو یکون تتمة للمرحلة السابقة، و انه یختص بالافراد الذین استفادوا من الهبات و النعم الالهیة فی المرحلة الاولى، فبعد أن استفادوا منها على النحو الاکمل تضرعوا الى الله تعالى لیمن علیهم بالمرحلة الثانیة لیصلوا الى المرحلة الاعلى و الاسمى؛ من هنا یکون الشرط الاساسی فی هذه المرحلة هو النیة الخالصة و طهارة القلب و التذلل لله تعالى لیمد لهم ید العون فی التخلص مما یقع فی طریقهم من الموانع و المعوقات التی تمنع من الوصول قمة الهدف، فیبتهلون الى الله تعالى بان یفی لهم بما وعدهم و من أوفى من الله تعالى، و من تلک الآیات التی وعد الله تعالى عباده المتقین و المؤمنین بمزید من العطاء و الهدایة، هی:

 

الف. "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً".[5]

ب. "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَکُمْ".[6]

ج. "وَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً".[7]

د. "وَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ یُسْراً".[8]

المحصلة: أن العون الالهی یقع على نحوین الجانب المادی و المعنوی؛ أما العطاء المادی فیشمل جمیع البشر بل جمیع المخلوقات المؤمن و الفاسق، بل قد یکون الفاسق أحسن حالا من المؤمن فی هذا الجانب (لعدم تقیده فی طرق تحصیل المال و جمع الثروة)، أما الجانب المعنوی فهو یعتمد على الوعد الالهی للمتقین و المؤمنین السائرین فی طریق الهدایة و الدفاع عن دین الله تعالى.

و لولا المدد الالهی لتحولت حیاة المؤمن المتقی الى جهنم و سجن کبیر، من هنا نرى النبی الأکرم (ص) و الأئمة المعصومین (ع) یرددون دائماً بتذلل و خشوع: "ربّ لا تکلنی الی نفسی طرفة عین أبداً".[9]



[1] طه، 50.

[2] الانسان،3.

[3] نفس الآیة.

[4] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏20، ص: 12، ناشر:مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة بقم، 1417 هـ، الطبعة الخامسة، قم المقدسة.

[5] الانفال، 29.

[6] محمد، 7.

[7] الطلاق، 2

[8] الطلاق، 4.

[9] الکلینی، الکافی ج 2، ص 581، دار الکتب الاسلامیة، 1365هـ ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...