بحث متقدم
الزيارة
5869
محدثة عن: 2011/05/16
خلاصة السؤال
هل یمکن للموجودات الماورائیة کالجن أن تساعد الانسان فی انفصال الروح عن البدن اثناء النوم؟
السؤال
واجهت الکثیر من الحوادث المرّة و الحلوة فی حیاتی و من هنا أمد لکم یدی طالبا المساعدة فی حلها. قبل عامین وقعت لی بعض الحوادث تتعلق بالجن و... اشیر الیها بصورة مختصرة.
انفصلت روحی مرة من المرّات قبل أن أخلد الى النوم، و لقد تکررت هذه الحالة مرات عدیدة لی قبل هذه الحادثة و بعدها لکننی قاومت و لم استسلم الا مرة واحدة فقط بحیث خرجت روحی من صدری و کأن شخصا یستلها منه! و فی مرة أخرى تخلصت بسرعة من تحت یده. و الحقیقة أنی لا ادری ما اقول هل یوجد جن تحت جفن عینی الیسرى؟!! و هل ما اقوله مضحک و باعث على السخریة؟؟ لکنی رأیته یرتدی السترة سترة و بنطالا اسودین و عندما رآنی صرخ و أمسک بوجهی و قابلته بالصراخ ایضا لکن صوتی انحبس!!.و قد تحدثت الى صدیقی الذی له معرفة بهذه الامور فامرنی بالاستسلام له لیخرج روحی مدعیا أن الجن یرید أن یسدی لی خدمة! لا أدری لعله یکون صادقا فی کلامه! انتم أعلم بذلک.و على أثر نصیحة صاحبی هذا نادیت الجن و طلبت منه أن یأتی لینتزع روحی من صدری و أبدیت له استعدادی لهذا العمل و العجیب أنه جاء لکنی فقدت الشجاعة فی مواجهته هذه المرة أیضا و لم اسمح له بذلک. الرجاء مساعدتی فی هذه القضیة مع جزیل الشکر.
الجواب الإجمالي

یحدث لبعض الافراد ما یشابه انفصال الروح من البدن اثناء النوم، و عادة ما تقع أثناء الاستیقاض و تکون باعثة على الاضطراب و الخشیة و قد تتحول الى مشکلة و عذاب نفسی. و یحصل احیانا بعد وقوع هذه الحالة ان یواجه الانسان قضایا مختلفة منها الاتصال بالکائنات الغیبیة الأمر الذی یتحول الى کابوس یلازمه.

و هناک بعض الافراد یسعون بانفسهم لتحصیل و استقبال مثل هکذا ظاهرة یبغون من وراء ذلک کسب نوع من القدرة الغیبیة التی یفتقدها الآخرون. و هذه المغامرات تؤدی فی کثیر من الاحیان الى الانحراف عن الطریق القویم و السقوط فی وادی الرذیلة.

و جذور القضیة تکمن فی الانسان نفسه و بطریقة تفکیره و تعامله مع الحیاة و لیس من الصحیح البحث عن معالجتها خارج النفس؛ فاذا ما تحرر الانسان من ظاهرة الخوف و الخشیة التی یعیشها -لأی سبب کان- فان تلک الامور قد تزول تلقائیا.

و لا یصح بحال من الاحوال الخوض فی مثل هذه القضایا من دون الاستعانة بالاستاذ الکامل و العارف الذی طوى مراحل السیر و السلوک بنجاح، فمن المحتمل قویا ان الخوض فیها من دون مرشد سوف ینجر به الى حصول حالة من الشعبذة و السحر التی لا تحمد عقباها.

الجواب التفصيلي

نرى من المناسب قبل الاجابة عن السؤال الاشارة الى مسألة انفصال الروح عن البدن فنقول:

تطرح هذه المسالة عادة على هامش البحث عن الموت الاختیاری و خلع البدن. و یعنی خلع البدن فی العرفان الاسلامی تسامی الروح عن التعلق بالبدن المادی و التی تمثل حصیلة التکامل و السیر و السلوک العرفانی. و قد یحدث ذلک لعدد من السالکین و العارفین خاصة. و من هنا لا یمکن القول ان کل نوع من انواع خلع البدن یعد دائما من النوع الحاصل نتیجة السلوک العرفانی. و مع ذلک یوجد فی العلوم الروحیة و علوم ما وراء الطبیعة اصطلاحات من قبیل نزع الروح عن البدن التی تعنی فی العلوم الاسلامیة انفصال البدن المثالی عن البدن المادی. و هذه الظاهرة تارة تحدث بصورة تلقائیة و تارة أخرى تحصل نتیجة عملیة روحیة أو تلقین خاص.

و قد حدث الکثیر مما یشابه هذه الواقعة للکثیر من الافراد اثناء النوم و عادة ما تقع أثناء الاستیقاض من النوم و تحدث بصورة لا اردایة. و تارة أخرى تکون مقترنة بالخوف و الرعب و فی بعض الاحیان تتحول هذه الحالة الى مشکلة نفسیة و مرضیة. و هنا قد یصرح الشخص الذی یتعرض لهذه الحالة بانه على ارتباط بالموجودات غیر المادیة و الغیبیة.

و الحقیقة أن اکثر هذه الحالات حصیلة توهمات و تخیلات الشخص نفسه. و فی الواقع أنه من غیر الممکن التمییز و وضع حد مائز بین الامور المتوهمة و الواقعیة.

و على کل حال، هناک بعض الافراد یسعون بانفسهم لتحصیل و استقبال مثل هکذا ظاهرة یبغون من وراء ذلک کسب نوع من القدرة الغیبیة التی یفتقدها الآخرون. و هذه المغامرات تؤدی فی کثیر من الاحیان الى الانحراف عن الطریق القویم و السقوط فی وادی الرذیلة. و بنحو عام إن هذه التوجهات جرّت اصحابها على مر التاریخ الى الکهانة و الارتباط بالجن و الخداع و الشعبذة.

و نحن حینما نرجع الى القرآن الکریم نجده ینتقد بشدة طاعة الجن و الخضوع لهم بنحو نجد الکثیر من آیات الذکر الحکیم تنهى عن ذلک، من قبیل قوله تعالى: " وَ أَنَّهُ کانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ یَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً".[1]

و الحقیقة أن التعالیم الاسلامیة لا تحبذ و لا تطلب من المکلفین السیر فی وادی الاتصال بالجن و نزع الروح عن البدن و غیر ذلک من الظواهر التی تثار هنا أو هناک. بل قد تکون هذه الظاهرة وبالا على الانسان نفسه، خاصة اذا سار فی هذا المسلک من دون الاستعانة باستاذ مؤمن متکامل الخصال العرفانیة و متصفا بالصلاح و التقوى.

و تارة یسعى الانسان - بسبب بعض المیول و التوجهات الغیبیة- و من دون الاستعانة بالاستاذ المرشد، لاستقبال مثل هکذا ظاهرة بحیث یتصدى هو نفسه لدعوة بعض الموجودات الغیبیة الیه.

و نحن لو تأملنا فی السبب الداعی للوقوع فی مثل هکذا انحرافات لوجدناه یکمن فی التبعیة للمیول الدنیویة الأعم من المادیة و المغامرات الروحیة الأخرى.

و العامل الآخر المؤدی الى حصول هذه الظاهرة عامل الخشیة و الرعب الشدیدین و ذلک لان الخشیة تنجر بصاحبها الى التبعیة و الخضوع و من هنا یجد الانسان نفسه - من دون ان یشعر- قد وقع فی أسر هذه الظاهرة التی لاخلاص له منها.

من هنا کلما تحرر الانسان من تلک التبعیة المقصودة أو غیر المقصودة، تحررت روحه و ذهنیته من الوقوع فی مثل تلک الظواهر الانحرافیة. فجذور القضیة إذن تکمن فی الانسان نفسه و بطریقة تفکیره و تعامله مع الحیاة و لیس من الصحیح البحث عن معالجتها خارج النفس؛ فاذا ما تحرر الانسان من ظاهرة الخوف و الخشیة التی یعیشها -لأی سبب کان- فان تلک الامور قد تزول تلقائیا. و قد تعود له تلک المیول لکن هذه المرة لیس بسبب الخوف و الخشیة و لکن من باب المغامرة و حب المجازفة.

و هنا نقول: لا یصح بحال من الاحوال الخوض فی مثل هذه القضایا من دون الاستعانة بالاستاذ الکامل و العارف الذی طوى مراحل السیر و السلوک بنجاح، فمن المحتمل قویا ان الخوض فیها من دون مرشد سوف ینجر به الى حصول حالة من الشعبذة و السحر التی لا تحمد عقباها.

و السبب فی منع الاسلام عن الخوض فی هذه القضایا و عدم المجازفة فیها لا یکمن فی ذات تلک الظاهرة، بل یکمن فی عدم ورع و تقوى الشخص نفسه. و ذلک لان الظواهر الغیبیة انما تنفع الانسان عندما یکون الانسان قد وصل الى درجة عالیة من الورع و التقوى و التحرر عن المغریات الدنیویة. فان للمکاشفات الغیبیة – عادة- بعدا الاهیّا، لا تحصل الا مع توفر الارضیة المناسبة لها من الورع و التقوى فمن دون السیر و السلوک الصحیحین و تهذیب النفس سوف تنجر الامور الى الوقوع فی الضرر و العواقب الوخیمة.

و على هذا الاساس لابد ان تکون جمیع میول الانسان و تحرکاته فی السیر و السوک العرفانی متجهة نحو العشق الالهی و التوحید العملی و الزهد و التقوى بمعناها الحقیقی. فان فضائل الانسان و تسامیه فی السیر و السلوک العرفانی الکامل، لیست من الامور البعیدة المنال فی الحیاة الاعتیادیة فمن لم یر الله تعالى فی حیاته الاعتیادیة لاریب انه یجهل عالم ما وراء المادة من باب أولى.

لمزید الاطلاع انظر: السؤال6625 (الرقم فی الموقع: 7662) و 8268 (الرقم فی الموقع: 8869).



[1] الجن، 6.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...