Please Wait
8115
کانت مسألة الروح و حقیقتها و منذ القدم مورد بحث و نزاع و اختلاف و قد سیقت فی المسألة الأدلة و البراهین المختلفة، و قد طرحت هذه القضیة الهامة من قبل جمیع أفراد النوع البشری و السؤال المطروح ینطلق من هذه المسالة: هل یا ترى ان حقیقة الانسان هذا الجسم المادی و الظاهری؟ او ان هناک شیئاً اخراً یکمن وراء ذلک و هذا الشیء لا یتصف بخواص الجسم و یحمل جنبة قدسیة؟ و على فرض وجود ذلک هل ان هذا الموجود موجود مادی ام مجرد و ما هو مصیره بعد الموت.
من الممکن أن یجاب عن السؤال السابق من خلال تشکیل قضیة منطقیة حتى نتمکن من التوصل إلى النتیجة بشکل منطقی.
أما القضیة فهی:
المقدمة الأولى: إن الروح التی تشکل حقیقة الإنسان هی مجردة و هی غیر البدن.
المقدمة الثانیة: إن کل ما وراء البدن و الجسم هو أمر مجرد لا یقبل النوم و لا الموت، و بعبارة أخرى إنه یکون أبدیاً.
النتیجة: إن الروح لا تقبل النوم و لا الموت.
و إذا ما أردنا تفصیلاً أکثر فلا بد من تناول کل مقدمة بالبحث و الاستدلال.
أدلة تجرد الروح:
مقدمة الاستدلال:
إن الإنسان یمتلک نوعین من الإدراک:
1- إدراک یحتاج إلى جرم محسوس کالإحساس بحجم الأجسام و شکلها.
2- إدراک لا یحتاج إلى جرم محسوس کالإحساس بالحالات النفسیة الداخلیة کالغضب و الخوف و جمیع ومن جملتها (الأنا).
و لأن الخطأ محصور فی الإدراکات الحسیة فالإنسان یقع فی الخطأ فی القسم الأول من الإدراکات، و أما القسم الثانی فلا سبیل إلى الخطأ فیه، و ذلک لأنه لا مجال للخطأ فی العلم الحضوری، و لکنه ممکن فی العلم الحصولی، إذن فالإنسان یمتلک بعداً آخراً إضافة لما له من جسم مادی، و لکن السؤال هو هل "الانا" غیر مادی أم أنه هذا الجسم لا غیر؟
الأدلة على أن (الأنا) غیر الجسم المادی:[1]
1- إننا نجد (الأنا) و ندرکها بالعلم الحضوری خلافاً للبدن، یعنی أن النفس لا تحتاج إلى الوسائل و الآلات لإدراک نفسها، لأنها تجد نفسها بالعلم الحضوری.
2- (أنا) تحتفظ بوحدتها و شخصیتها فی جمیع مراحل العمر خلافاً للجسم الذی تطرأ علیه التغیرات.
3- (الأنا) بسیط و غیر قابل للتجزئة خلافاً للجسم فهو مرکب قابل للانقسام، أما النفس فإنها لا تقبل التقسیم و التجزئة حتى تبعاً لتقسیم البدن.
4- الحالات التی تعرض على الروح مثل الإحساس و الإرادة فإنها غیر قابلة للتقسیم و لیس لها الامتداد الذی هو من خواص المادة، فموضوعها إذن غیر المادة.
5- کل شیء قوی فی نوعه ضعیف فی ضده، و هکذا نجد الروح ضعیفة بالنسبة إلى الإدراکات الحسیة الجسمانیة معرضة عنها، و لکنها قویة فی المعنویات مقبلة علیها. إذن فالنفس غیر البدن کما أنها موجود مجرد.[2]
6- باتفاق جمیع علماء الطب و تجربة جمیع الناس أن التقدم فی السن و ازدیاد العمر یصاحبه انحطاط فی قوى الجسم و أعضائه، فی الوقت الذی تشتد فیه القوى الروحیة و المعنویة فی هذا الطور من العمر، أی أنهما فی اتجاهین متعاکسین، کلما تضعف قوى الجسم تشتد قوى الروح، إذن فیصبح من المعلوم أن القوى العقلیة هی غیر القوى الجسمیة، و أنها لا تضعف فی مرحلة الکهولة، مع ان القوى الحالّة فی الجسم أو المحتاجة إلیه تضعف بضعفه، و لکن الإدراکات العقلیة المحضة التی لیس لها أی ارتباط بالجسم و الملکات النفسانیة فإنها تشتد و تزداد قوة.[3]
7- خواص النفس و آثارها تختلف عن خواص الجسم و آثاره، و ذلک بالبیان التالی:
أ- الجسم یقبل الصورة المتناهیة بینما بإمکان النفس قبول الصورة اللامتناهیة بل إنها کلما تقبل صوراً أکثر تکون أقوى و أشد.
ب- لا یمکن استعادة الصورة الزائلة بالنسبة للجسم من دون وسیلة، فی الوقت الذی تتمکن فیه النفس من استعادة الصورة الزائلة من دون الحاجة إلى وسیلة جسمانیة، لأن النفس تکتفی و تستغنی بذاتها فی درجات کمالها خلافاً للجسم، فشأن الروح إذن أعلى من شأن الجسم.[4]
8- النفس الإنسانیة تدرک الکلیات، مثلاً: الإنسان الکلی مفهوم مشترک بین الأفراد، و النفس تدرک ذلک، و لأنه کلی فلا بد أن یکون مجرداً عن کل العوارض کالشکل و الوضع حتى یستطیع أن یصدق على جمیع أفراده، أما إذا کان له شکل أو وضع معین فإنه سوف ینطبق على فرد واحد و مصداق واحد، (و حیث أن وجود هذه الصورة الکلیة متفق علیه فمن المعلوم أنها تتحقق فی غیر الخارج) لأن التحقق فی الخارج یستلزم التعین و ذلک لا ینسجم مع (الکلیة) و لذا لا بد من أن تتحقق هذه الصورة فی الذهن، و أنها لا بد و أن تکون فی محل مجرد، و إلا لو کان المحل جسماً فالصورة تکون جسماً بالتبع لمحلها و تکون معینة وعلیه فلا تکون کلیة. و لذلک فلیس الجسم هو محل الصورة الکلیة بل محلها جوهر مجرد یسمى النفس، إذن نستنتج أن النفس مجردة و مستغنیة عن المحل، لان الجسم هو فی عالم الخارج دائما و یحتاج إلى المحل.[5]
9- إذا کان الإنسان فی حالة متوازنة و مریحة و کان الجو من حوله ملائماً و هادئاً فإنه قد یغفل عن بدنه و ما یدور حوله من أشیاء، و لکنه عندما یرکز فی تفکیره فإنه سوف یجد نفسه و یحس بها.[6]
10- التعمق و التفکر فی المعقولات یسبب ضعف البدن، و یقوی القوى العاقلة، فالنفس غیر البدن و تکون مجردة، و ذلک لأن الشیء الواحد لا یمکن أن یکون علة لقوة موجود و ضعفه فی آن واحد، و بناءً على هذا فإن القوة العاقلة لیس لها خواص الجسم.[7]
الأدلة النقلیة على تجرد النفس:
تدل الکثیر من آیات القرآن على تجرد النفس نشیر إلى ثلاثة مواد منها توخیاً للاختصار:
1- فی سورة المؤمنون الآیات 12-14 تبین خلق الإنسان و أنه من تراب ثم من نطفة إلى أن تصل إلى اکتمال الصورة الإنسانیة ثم تقول الآیات: "ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ" فی الوقت الذی تشیر الآیات إلى الخلق فی المراحل السابقة، و هذا دلیل على أن الإنسان فی هذه المرحلة یحصل على مراتب من الکمال تختلف عما له فی مراتبه المتقدمة على هذه المرحلة و أنه حصل على شرف لم یکن لیحصل علیه فی مراتب خلقه السابقة لهذه المرتبة، و إن جوهره و ذاته اختلفت تماماً عما کان علیه سابقاً و لأن المراحل السابقة المشار إلیها هی جسمانیة، إذن فلا بد أن تکون هذه المرتبة و هذا الجانب من خلقه غیر الجسم و وراء المادة أی أنه بعد مجرد و بهذا یستدل على أن للإنسان بعداً غیر المادة و هو أشرف منها، و إن هذا البعد حسَّن من خلق الإنسان، و إلا لو کان المراد من هذا التحسین جانب الجسم و المادة فإن سائر الموجودات تمتلک جسماً و مادة أیضاً فی الوقت الذی لم یُشر إلى مثل هذا الأمر فی خلقتها.
2. فی سورة البقرة 31 – 33 یقول تعالى: "وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا" و یمکن الاستفادة من ذلک طبقاً لأقوال المفسرین أن ذات الواجب تعالى لها مظاهر متعددة و أن کل موجود هو مظهر لاسم من أسمائه، فجبرائیل مثلاً مظهر للاسم (علیم) و لکن الإنسان مظهر لجمیع الأسماء لأن الإنسان هو مظهر لجمیع الأسماء لأن الإنسان أفضل من الملائکة و أکثر تجرداً منها، ففی الوقت الذی تکون الملائکة مظهراً لاسم من أسماء الله فهی مجردة، فبطریق أولى أن یکون الإنسان مجرداً و هو مظهر لجمیع الأسماء الإلهیة. و إلا لو کان الإنسان ذا بعد مادی فقط للزم من ذلک أن المادة و هی أخص من المجردات تکون مظهراً لجمیع أسماء الله فی حین أن الملائکة لیست إلا مظهراً لاسم واحد من أسماء الله، و هذا یستلزم التناقض، لأن لازم ذلک أن تکون المادة و هی الأخص و الأدنى رتبة من الملائکة هی أعلى رتبة منها فی نفس الوقت.
3. فی سورة البقرة 154 و آل عمران 169 جاء فی القرآن الکریم: "وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ یُقْتَلُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْیَاءٌ وَ لَکِنْ لا تَشْعُرُونَ". "وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ" و هذا لا ینسجم إلا مع تجرد الروح، لأن البدن یفنى فی الشهادة، و بلحاظ المادة فلا فرق بین الشهادة و الموت العادی، و هذا المقام لا یختص بالشهداء وحدهم، فالصالحون و الأنبیاء هم کذلک أیضاً، حیث أن الکثیر من هؤلاء یتمتع بمقام و مرتبة تفوق مرتبة الشهداء العادیین و مقامهم، و قد یقال أن التجرد یحصل بالشهادة، و لازم ذلک الانقلاب فی الذات، و هو محال، لأن الشیء إذا کان مادیاً و لیس له أساس من التجرد کیف ینقلب إلى شیء مجرد بالشهادة، و من جهة أخرى إذا کانت أرواح الشهداء مادیة و إنها تتنعم فی محضر الذات الإلهیة فلازم ذلک أن ذات الحق هی مادیة أیضاً، لأن المادة بحاجة إلى محل و لا بد أن یکون المحل مادیاً.
إضافة إلى أن الرؤیا الصادقة عن الأموات و إعطاء المعلومات الصحیحة عند تحضیر الأرواح و کرامات الأولیاء، کل ذلک یؤید نظریة تجرد الروح.[8]
بقاء النفس بعد موت البدن:
یمکن الإشارة إلى بعض أدلة بقاء النفس بعد الموت و باختصار:
1- إذا ما سار الموجود سیراً تصاعدیاً حتى یخرج عن عالم الطبیعة فلا یعرض علیه الفناء و الزوال فی مثل هذه الحالة.
فالمادة تسیر إلى أقصى درجات الصعود و بعد ذلک تترک النفس البدن لتصبح موجوداً مجرداً لا حاجة له بالمادة و لا ینتسب إلى الطبیعة، و على هذا فلا یعرض علیه العدم. لأن العدم و الزوال من خواص المادة و الجسم، فالمادة فیها استعداد و قوة، و ما دامت هذه القوة و الاستعداد موجودة فالمادة موجودة أیضاً، و لکن بعد نفاد هذه القوة و الاستعدادات و تحولها إلى الفعلیة فإن المادة تتجه باتجاه الفناء و الزوال، أما النفس و بعد انفصالها عن المادة التی لیست لها نفس خصائصها فإنها تبقى خالدة و غیر قابلة للفناء و الزوال. و العدم بالنسبة إلى النفس لا یمکن تصوره إلا فی حالة واحدة وهی عبارة عن فناء علتها الفاعلة و هذا محال أیضاً.
إیضاح المطلب:
العلة الفاعلة بالنسبة للنفس إما واجب الوجود أو أنه موجود ینتهی إلى الواجب. و فی الصورة الأولى بما أن النفس متعلقة بالمبدأ و أنها بسیطة و لیست مرکبة، إذن فتمام ذاتها متعلقة بالواجب و هی عین التعلق و الربط، و حیث أن العدم محال بالنسبة للمبدأ إذن فعروض الزوال و العدم على معلوله هو محال أیضاً، و ذلک على أساس القاعدة الفلسفیة المسلّمة استحالة تخلف المعلول عن علته، أی أنه محال أن توجد العلة و لا یوجد المعلول (استحالة عدم المعلول عند وجود العلة) و کذلک فالعکس هو محال أیضاً.
و أما إذا کانت العلة هی غیر الواجب، فلا بد أن تکون منتهیة إلى الواجب حتماً لأن (کل ما بالعرض ینتهی إلى ما بالذات) و إلا للزم التسلسل و الذی أثبت فی محله أنه محال، وبما أنه ینتهی إلى المبدأ الواجب فعروض العدم علیه محال کما تقدم.
2- ما دام للنفس تعلق تدبیری بالبدن فإنها ذات حرکة و نتیجة ذلک أنها فی حالة تحول وتغیر سواء فی سیرها التصاعدی او التنازلی، و لکنها بعد أن تفارق البدن فلا وجود للحرکة بالنسبة لها و حیث لا حرکة فلا تغیر و لا تحول، و علیه فسوف تکون وجوداً ثابتاً و دائماً.
و مع أن جمیع النفوس لا تصل إلى التجرد العقلی و أنها تبقى فی نطاق التجرد المثالی و الخیالی مع ذلک لا یرد إشکال فی هذه الحالة، لأن التجرد المثالی کافٍ فی بقاء النفس. و لذا قال الأکابر و العظماء ببقاء النفوس الحیوانیة و ذلک لامتلاکها القوة الخیالیة و الواهمة.
3- برهان الحکمة:
لم یکن خلق العالم و إیجاده لهوا و عبثا، و إنما هو قائم على أساس الحکمة و ذلک بدلیل حکمة الخالق، و لو أن الخالق غنی و غیر محتاج مطلقاً و لذلک لا نفع له مما یصدر منه من أفعال سواء کان هذا النفع بشکل مباشر او غیر مباشر، و لکن هذا لا ینافی بأن یکون الهدف هو وصول المخلوق إلى التکامل، کما ورد فی القرآن الکریم: "
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ" و لیصل الانسان الى کماله عن طریق العبودیة. و على هذا الأساس فإن العالم هو من صنع الحکیم فمحال أن لا یکون له هدف و أنه سوف یصل إلى کماله بوصوله إلى هدفه، و إن تحقق هذا الهدف هو أمر قطعی. و قد ورد: أنه لا شک فی یوم القیامة و یوم الجزاء، لأنه سبحانه خالق الموجودات و هو المهیمن علیها، وعلى هذا الاساس لا یوجد مانع من وصول الاشیاء الى کمالها و بما ان الوصول إلى الکمال لا یکون من دون مقدمات و وسائل خاصة به، من هنا قام الخالق الحکیم بتجهیز الموجودات بهذه الوسائل. و إن الکمال یتحقق بتحقق الهدف النهائی، و على هذا الأساس لا بد أن تکون النفس أبدیة و غیر قابلة للفناء، لأن الفناء و الزوال ینافی الکمال أولاً، وإن الوصول إلى الکمال و من ثم الصیرورة إلى العدم هو عمل عبثی لغوی ینافی حکمة الخالق الحکیم ثانیاً.
4- برهان العدالة:
مع الأخذ بنظر الاعتبار أن جمیع أفراد البشر لم یطیعوا الأوامر الإلهیة، و إن جمیع الأنبیاء کان لهم من یخالفهم و یعارضهم، و أن المجتمع ینقسم إلى فرقتین:
المتقون الأخیار، و ألاشرار و الظلمة، فالصالحون لا یفکرون إلا برضى الله و العمل الصالح، و إن شعارهم هو خدمة الناس و إسعادهم، و فی المقابل هناک الظالمون و الأشرار المشغولون بالفساد و الظلم و إضلال الناس.
فإذا کان الحال هو أن الظالم لا ینال جزاء أعماله و أن الصالح لا یعطى ثواب ما قدم و حتى لو فرضنا أن الظالم یعاقب فی هذا الدنیا فلا یکون عقابه مساویاً و مکافئاً لجرائمه، و فی کثیر من الأحیان لا یکون ثواب الأعمال الصالحة مطابقاً لحجم ما یأتی الصالحون و هذا من خصائص هذه الدنیا. إذن فلا بد من وجود عالم آخر تستقر فیه الروح- التی هی أصل الإنسانیة- بعد مفارقتها للبدن حتى تتمکن من رؤیة نتیجة أعمالها. فلو أن الروح یطالها الفناء و العدم کما هو الحال بالنسبة إلى الجسم فسوف تبقى أعمال العباد من دون جزاء أو ثواب، و هذا قبیح بالنسبة إلى الخالق الحکیم و محال علیه، لأن ذلک خلاف العدالة، فالعدل هو إعطاء کل ذی حق حقه، و هذا المعنى لا یتحقق إلا ببقاء الروح و دوامها.
الأدلة النقلیة على بقاء النفس و الروح:
1- یستفاد من الآیة 42 من سورة الزمر فی قوله تعالى: "اللَّهُ یَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا" أن الواجب تعالى یحفظ أرواح الأموات فی عالم خاص و شاهد ذلک کلمة ("تَوَفَّى" التی تعنی الأخذ و القبض تاما وکاملاً، إذن فمن المعلوم أن الروح لا تنعدم بعد هذا العالم.
2- جاء فی سورة البقرة 154 و آل عمران 169، قوله تعالى: "وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ یُقْتَلُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْیَاءٌ وَ لَکِنْ لا تَشْعُرُونَ". "وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ". و فی هذا دلیل واضح على بقاء الروح بعد الموت.
3- کذلک جاء فی سورة غافر الآیتان 45 و 46 قوله تعالى: "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَیِّئَاتِ مَا مَکَرُوا وَ حَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا غُدُوّاً وَ عَشِیّاً وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ". و لازم هذا بقاء النفس لأن الموجود الذی یعدم و یفنى لا یمکنه أن یشعر بالعذاب و لا یختلف سائر الجمادات. إذن فلا بد أن تکون حقیقة الإنسان غیر هذا الجسم الظاهری.
و هنا یمکن أن ننقل آراء بعض الفلاسفة الکبار:
1- یقول ابن سینا فی بقاء النفس: إن النفس لیست منطبعة فی الجسم و إنما هو وسیلة لبلوغها الکمال اللائق بها. إذن فالموت الذی یعنی فقدان الجسم لا ضرر فیه على النفس، لأن النفس لا تحتاج فی ذاتها إلى المادة. لإن الفلاسفة متفقون على أن النفس مجردة ذاتاً و لکنها محتاجة إلى المادة فعلاً، و على هذا الأساس فإنها لا تنعدم بانعدام المادة.
و یقول فی موضع آخر: لأن النفس متصلة بالعقل الفعال فلا یصلها الضرر عند فقدانها الجسم المتصف بالوسیلیة بالنسبة لها، لأن النفس تتعقل ذاتها، لا بآلة أو وسیلة، فتجرد النفس ثابت أولاً و ثانیاً و طبق القاعدة الفلسفیة بأن کل مجرد یتعقل ذاته بذاته، و له علم حضوری بذاته، و لیس ذاته فقط و إنما یدرک المجردات الأخرى.
2- و أما نظریة الملا صدرا مؤسس الحکمة المتعالیة، فهی على النحو التالی:
إن النفس - و بعد أن تحصل على کمالاتها – تصل إلى مرتبة لا تحتاج معها إلى الجسم و لذلک تنفصل عنه و ترجع إلى مبدئها و تکون مسرورة جداً بهذا الرجوع الذی لم یکن إدراکه ممکناً مع وجود الجسم. و قال ایضا: کلما ازداد تعلق النفس و ارتباطها بالبدن فإن إدراکها لذاته یکون أقل و کلما کان البعد بینهما أکبر کان إدراکها لذاتها أفضل و عند الموت یصل هذا الإدراک إلى حد الکمال.
من الضروری إیضاح هذه النکتة: على الرغم من أن أدلة بقاء النفس تنفی موت النفس و فناءها فإنه یمکن أن یستفاد منها عدم عروض النوم على الروح و عدم ابتلائها به، ذلک لأن النوم هو المرتبة النازلة من الموت و الفرق بینهما هو أن ارتباط النفس بالبدن ینقطع بشکل کامل فی الموت، و إن الروح تترک البدن بعد بلوغها حد تکاملها اللائق بها بینما لا تنقطع العلاقة و الارتباط بین الروح و البدن فی النوم انقطاعاً کاملاً و إنما یضعف الارتباط بینهما، و یمکن القول بشکل تقریبی أن تصرف الروح فی البدن فی زمان النوم قلیل جداً، إضافة إل ذلک فإن الحدیث الشریف یؤید هذا القول، و ذلک فی قوله: "النوم أخ الموت"[9].
کذلک یمکن أن نأتی بدلیل آخر على عدم نوم الروح بالبیان التالی:
لقد ثبت فی أول المقال تجرد الروح و أنها غیر البدن و الجسم هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن النوم معلل بتجدید القوى و استعادة النشاط و رفع المتاعب، و إن هذه الموارد هی من خصائص الجسم و آثاره، و نستنتج من ذلک أن النفس الإنسانیة لا یمکن أن تنام، بل یقول بعض المحققین أن النوم بالنسبة للجسم من أجل تجدید القوى و رفع المتاعب الناشئة من تصرفات النفس فی البدن.
[1] ابن سینا، الإشارات، النمط الثالث و السابع، إیران؛ العلامة الحلی، شرح التجرید ط بیروت المقصد الثانی؛ ملا صدرا، الاسفار، ط بیروت ج 9 الفصل الأول ص 260.
[2] المجلسی، البحار، ط. بیروت، ج 58 ب 42، ص 17؛معاد از دیدگاه امام "المعاد فی نظر الإمام الخمینی(رض)" ص 38؛ صدر المتألهین، الأسفار، ط إیران ج 8 ص 295.
[3] العلامة الحلی، شرح التجرید، المقصد الثانی، فصل 4، المسألة رقم 5؛
[4] صدر المتألهین، الأسفار، ط إیران، ج 8 ص 302؛ العلامة المجلسی، البحار، ط بیروت، ج 58، ب 42 ص 18.
[5] العلامة الطباطبائی، نهایة الحکمة، المرحلة الثالثة، ص 34.
[6] ابن سینا، الإشارات، ط إیران، النمط الثالث، الفصل الأول ص 292.
[7] صدر المتألهین، الأسفار، ط ایران، ج 8 ص 295؛ المجلسی، بحار الأنوار ج 58 ص 18.
[8] المجلسی، بحار الأنوار، ط بیروت، ج 58، ب 43، ص 6 ، معاد از دیدگاه امام" المعاد فی نظر الإمام الخمینی(رض)" ص 50.
[9] المصطفوى، حسن ،مصباح الشریعة، ترجمه، مصطفوى، متن، ص: 181، الباب الرابع و الاربعون فی النوم.