Please Wait
7086
اذا نظرنا الى کل من السکوت و الکلام من زاویة الآفات التی یتعرضان لها فلکل واحد منهما آفاته الخاصة به و لکل منهما محاسنه الخاصة کذلک، و مع ملاحظة کلا الامرین یکون من الصعب ترجیح طرف على آخر. لکن یمکن القول بشکل مطلق اذا قارنا بین السکوت و الکلام بعیدا عن الآفات و المعایب تکون الارجحیة للکلام و النطق؛ و ذلک لأن نشر المعارف الالهیة من قبل الانبیاء تم عن طریق النطق و کذلک نشر العلوم و المعارف الاخرى تم من خلال النطق. و لکن بما أن الکلام أمر وجودی و الصمت أمر عدمی من هنا تکون الآفات التی یتعرض لها الکلام أکثر من آفات و معایب السکوت.
من هنا نحمل الروایات- الحاثة على السکوت- على الحالات التی یکون فی النطق و الکلام معایب و آفات لا یمکن تدارکها و إجتنابها الا من خلال السکوت.
و من الطبیعی هکذا روایات لا تکون مبرراً للصمت المطلق و عدم النطق دائماً، بل لابد من دراسة کل حالة فی ظرفها الخاص و من ثم ترجیح أحد الطرفین على الآخر.
مواضیع؛ من قبیل وضع حد مائز بین التملق و التواضع، الفرق بین العزة و التکبر، التواجد فی الاجتماعات العامة و الانزواء و.... و أخیراً إختیار الصمت أو الکلام، کل ذلک یعد من المباحث العملیة التی یحتاجها المجتمع الدینی من جهة، و من جهة أخرى من الصعب جداً وضع حد مائز و دقیق بینها و لذلک یحتاج الأمر هنا الى بحث دقیق و دراسة موسوعة جدا و شاملة.
فعلى سبیل المثال، نشاهد فی المقارنة بین السکوت و الکلام، عبارة ترجح الحدیث و الکلام: "السکوت کالقمر و الکلام کالشمس" فی حین نشاهد فی مکان آخر عبارة معاکسة لذلک تماماً حیث ترجح کفة السکوت على الکلام "اذا کان الکلام من فضة فالسکوت من ذهب"،و لاریب أن الجمع بینهما و الخروج بنیجة واضحة لیس بالأمر السهل بل یحتاج الى کثیر من التأمل و الى دقة عالیة.
من هنا نحاول السعی للمقارنة بین الکلام و السکوت و نسلط الاضواء على القضیة من جمع أبعادها لعلنا نخرج بنتیجة واضحة فی هذا المجال إنشاء الله تعالى.
و من المناسب هنا استعراض بعض الروایات الورادة فی هذا المجال و التی ترجح السکوت على الکلام ثم دراستها من خلال عرضها على القرآن الکریم و على سائر الروایات الأخرى لنرى ما هی دلالتها و هل هی تدل على أرجحیة السکوت مطلقاً أم هی ناظرة الى حالات خاصة و تحت شروط معینة.
الروایات المرجحة للسکوت:
1. قال أمیر المؤمنین (ع) فی إحدى حکمه: "مَنْ کَثُرَ کَلَامُهُ کَثُرَ خَطَؤُهُ وَ مَنْ کَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَیَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَیَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّار".[1]
2. عن أَبِی عبد اللَّهِ الصادق (ع) قال:"لا یزالُ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ یُکْتَبُ مُحْسِناً مَا دَامَ سَاکِتاً فَإِذَا تَکَلَّمَ کُتِبَ مُحْسِناً أَوْ مُسِیئاً".[2]
3. ِ عن أَبِی عبد اللَّهِ الصادق (ع) قال: "قال لُقْمَانُ لابْنِهِ: یا بُنَیَّ إِنْ کُنْتَ زَعَمْتَ أَنَّ الْکَلَامَ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ السُّکُوتَ مِنْ ذَهَبٍ".[3]
4. و قال الإمام الرضا (ع): "ما أحسن الصمت لا من عی و المهذار له سقطات".[4]
فمن یطالع هذه الصنف من الروایات و یکتفی بها یخرج بارجحیة السکوت على الکلام و أن الکلام و التحدث أمر غیر لائق و على الانسان أن یلزم جانب الصمت و عدم النطق، و لکن هذا لیس هو تمام الحقیقة؛ و ذلک لان بعض تلک الروایات أشارت الى کثرة الکلام و الهذر هذا من جهة، و من جهة أخرى هناک طائفة من الروایات ترجح الکلام على السکوت. من هنا لابد من دراسة الروایات ضمن ظروف خاصة و دراسة کل طائفة من الروایات ضمن تلک الظروف، و من تلک الظروف و الحالات:
1. أداء الشهادة، فقد صرح القرآن الکریم بضرورة النطق للشهادة: "وَ لا یَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا".[5]
یقول الإمام الصادق (ع) فی تفسیر الآیة المبارکة: "لا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ إِذَا دُعِیَ إِلَى الشَّهَادَةِ یَشْهَدُ عَلَیْهَا أَنْ یَقُولَ لا أَشْهَدُ لَکُم".[6] من هنا یمکن القول بان من المشاهد التی یرجّح فیها الکلام على السکوت مواطن أداء الشهادة.
نعم، قد یرد نادراً جداً عدم النطق بما شاهد فعندما یعد حمل القرآن و حفظه جریمة یعاقب علیا السلطان و من قبل الدولة فحینئذ لا یحق للانسان الشهادة على حامل القرآن فیما لو سئل من قبل الحاکم الظالم.
2. نشر العلم و الحکمة:
من أهم التعالیم و الارشادات لدى جمیع الأدیان هی حث اصحاب العلم و المعرفة على نشر علومهم و نقل معارفهم الى الآخرین و بتعبیر أمیر المؤمنین (ع): "زکاة العلم نشره".[7]
و لقد ذم القرآن الکریم من یکتم علمه حفاظاً على مصالحه الشخصیة: "إِنَّ الَّذینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الْکِتابِ أُولئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون".[8]
و لکن هل یجب إطلاق العنان للّسان فی الکلام تحت ذریعة نشر العلوم و المعارف الالهیة أو هناک حالات یرجّح فیها جانب الصمت و السکوت؟
جواب ذلک أن لنشر العلم و المعارف شروطا محددة، منها:
1-2. العلم الکافی: لا ینبغی لمن لا یمتلک العلم الکافی الذی یؤهله للحدیث عن المعارف الدینیة، الخوض فی المسائل الدینیة و المعارف الالهیة، یقول أمیر المؤمنین (ع): "لا خَیْرَ فِی الصَّمْتِ عَنِ الْحُکْمِ کما أَنَّهُ لا خَیْرَ فِی الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ".[9]
من هنا یکتسب کلام المتخصص فی مجال تخصصه شأنا کبیراً و فی الوقت نفسه علیه لزوم جانب الصمت فی المسائل التی هی خارج تخصصه و التی لم یعرف عنها شیئاً.
2-2. وجود من یطلب العلم: من الامور التی یرجّح فیها جانب الکلام وجود من یطلب العلم و یسعى لتحصیله، و ألا فلا ینبعی للعالم أن یبوح بعلمه تحت ذریعة أداء الوظیفة الاجتماعیة و الدینیة.
یقول إمام الکلام أمیر المؤمنین (ع) فی هذا المجال: "بخ بخ لعالم علم فکف و خاف البیات فأعد و استعد إن سئل أفصح و إن ترک سکت کلامه صواب و سکوته عن غیر عی عن الجواب".[10]
و من المعروف أن کتاب نهج البلاغة حث و لقرون عدیدة الادباء و الحکماء على التفکیر و التأمل و طلب العلم و یمثل هذا جزءاً یسیراً من کلامه (ع) و الحکم الرائعة لهذا الرجل الالهی الذی حرمت الأمة من علمه و من کلامه البلیغ و العمیق لعشرات السنین و لم تستفد من کلامه (ع) الا فی فترة قصیرة جداً من عمره الشریف.[11]
نعم، هناک حالات لا تکون الجماهیر هی المقصرة فی عدم طلب العلم و السعی لتحصیله بل السبب فی ذلک جهل الحاکم و عدم إهتمامه بهذا الأمر، فلو تصدى العالم لنشر العلم و المعارف الالهیة لوجد الکثیر من الآذان الصاغیة له للخروج من الجهل الذی فرض علیهم الى نور العلم و المعرفة، فحینئذ یجب على العالم نشر علمه و البوح بمعارفه الدینیة. و لعل من أبرز مصادیق هذه الحالات حرکة الانبیاء و المرسلین فی نشر المعارف الالهیة فی ظلمات الجاهلیة التی کانت الشعوب تعیشها.
3-2. مراعاة الاعتدال:
من الملاحظ أن الناس فی مواطن إتباع الحق ینقسمون الى طائفتین اساسیتین. الاولى الطائفة المنصفة التی تزن الکلام بمیزان العقل و المنطق و الحق و الفطرة فما وافق ذلک أخذت به و الا أعرضت عنه. و فی المقابل هناک طائفة أخرى تصر على ما هی علیه من معتقدات خاطئة و لا تذعن الى قول الحق، و مما لاریب فیه أن السکوت و عدم التحدث مع هذا الصنف من الناس لا یختلف کثیراً عن الکلام معهم و بحسب التعبیر القرآنی: "وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا یَتَّبِعُوکُمْ سَواءٌ عَلَیْکُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُون".[12]
و لکن ینبغی الالتفات هنا الى أن هناک طائفة من الناس و فی مثل القضایا الفرعیة و الجزئیة لا ینطلقون من عناد أو تعصب فی عدم الاذعان للکلام و انما ینطلقون من مقدمات و فرضیات مسبقة تجعل من الصعب اذعانهم و خضوعهم لمنطق العقل فلابد من مراعاة عنصر الاعتدال مع هؤلاء کی لا ینجر الأمر الى التشاحن و التباغض.
و للامام الصادق (ع) کلام جمیل فی هذا المجال نشیر الى نموذجین منه:
الاول: "مِنَ التَّوَاضُعِ أَنْ أَنْ تَتْرُکَ الْمِرَاءَ وَ إِنْ کُنْتَ مُحِقّا".[13]
الثانی: "لا تُمَارِیَنَّ حَلِیماً وَ لا سَفِیهاً فَإِنَّ الْحَلِیمَ یَقْلِیکَ وَ السَّفِیهَ یُؤْذِیکَ".[14]
3. السکوت و ا لکلام فی مقابل کلام الآخرین:
1-3. مقابل قول الحق: من الطبیعی أن السکوت أمام القول الحق اذا کان ناشئا من الرضا و القبول بالحق یعد من الخصال الحمیدة، و من المصادیق البارزة لهذه الحالة الانصات للقرآن عند تلاوته و الامساک عن الکلام عند سماعه.[15]
و بطبیعة الحال تتعزز تلک القیمة الاخلاقیة عندما یعلن الانسان عن موقفه و یصرح للجمیع بالاذعان للحق و الرضا به و اذا رأى المتحدث أن لکلامه تأثیراً أکبر على الحاضرین فلا ینبغی له الاستنکاف عن الاعلان عن موقفه.
2-3. مقابل العقائد و النظریات الباطلة: عندما تطرح فی المجتمع بعض النظریات و الافکار الباطلة و المنحرفة و یتمکن الانسان من التصدی لها لتوفر الشروط الموضوعیة فحینئذ لا معنى للسکوت و التزام جانب الصمت، و حسب تعبیر الامام السادس (ع): "کلامٌ فی حقٍّ خیرٌ منْ سکوتٍ على باطل".[16]
نعم، لو لم یمتلک الانسان الکفاءة العلمیة اللازمة لمواجهة تلک العقائد الفاسدة و الرد علیها فحینئذ یختار إما السکوت أو مغادرة المجلس، فربما یکون السکوت أفضل من الدفاع غیر المتقن و الفاقد للاسس العلمیة.
و اما لو إنجر التصدی للباطل الى تعریض النفس أو المال للخطر فلابد أن تدرس القضیة من جمیع الابعاد لنرى أی الامرین هم الاهم ثم اتخاذ القرار النهائی وفقا لذلک.
3-3. مقابل بعض السلوکیات القبیحة: هناک افراد فی الوسط الاجتماعی یسعون من خلال سلوکیاتهم السفهیة و غیر المنطقیة جرّ الطرف المقابل للجدال و الخصومة و المراء.
و فی اغلب الموارد یفقد الکلام قیمته و مؤثریته فی مقابل هکذا أشخاص، فالانسب هنا السکوت فی مقابل هؤلاء الحمقى، و قد ورد فی الشعر المنسوب الى أمیر المؤمنین (ع) ما یؤکد هذا المعنى حیث قال (ع):
و ذی سفه یواجهنی بجهل * و اکره أن أکون له مجیبا
یزید سفاهة و أزید حلما * کعود زاد فی الاحراق طیبا[17]
4-3. الدفاع عن الحق الشخصی: لقد منح الله تعالى الانسان حق الدفاع عن نفسه و ماله و عرضه فی مقابل الاخطار التی تواجهه فی تلک المحاور، و فی الغالب یکون الدفاع مقرونا بالکلام و النقاش و ... لا بالصمت و السکوت! و أن وجود المؤسسات القضائیة فی الاسلام لسماع کلام المتخاصمین یتحرک فی هذا الاطار، و لکن نجد فی هذا المجال ارشادات أخلاقیة تشیر الى أفضلیة التزام جانب العفو و عدم المواجهة بالحد الممکن.
روی عن النبی الأکرم (ص) أنه قال: "علیکم بِالعفْوِ فإِنَّ العفوَ لا یزِیدُ الْعَبْدَ إِلَّا عِزّاً فَتَعَافَوْا یُعِزَّکُمُ اللَّه".[18]
کذلک اشار الامام السادس (ع) الى تلک الارشاد الاخلاقیة بعبارة أخرى حیث قال: "ثلاثٌ منْ مَکَارِمِ الدُّنْیَا وَ الآخِرَةِ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَکَ وَ تَصِلُ مَنْ قَطَعَکَ وَ تَحْلُمُ إِذا جُهِلَ علیْک".[19]
اتضح من خلال ذلک أنه یحق للانسان الدفاع عن نفسه عن طریق الکلام و لکن الافضل مراعاة جانب السکوت و العفو فی مثل تلک المواقف.
4. التحدث فی شؤون الآخرین:
و رد فی وصیة النبی الأکرم (ص) لأبی ذر الغفاری (رض): "یا أبا ذر، الجلیس الصالح خیر من الوحدة، و الوحدة خیر من جلیس السوء، و إملاء الخیر خیر من السکوت، و السکوت خیر من إملاء الشر".[20]
و هنا من الممکن تصور عدة احتمالات:
1-4. التحدث بالخیر و توقیر الآخرین: و مما لاریب أن مثل هکذا کلام له قیمة اخلاقیة کبیرة عالیة و یکشف عن سریرة طاهرة و نوایا طیبة و من الطبعی ترتب الاثیر الاخروی علیه.
2-4. التحدث فی تحقیر الناس و اهانتهم و التقلیل من شأنهم: فمثل هذا الکلام یعد من أبرز مصادیق الغیبة التی وصفها القرآن الکریم بصفة تقشعر لها الجلود حیث قال عز من قائل: "و لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتا".[21]
3-4. الکلام الصحیح فی غیر محله: من الامور التی ینبغی الالتفات الیها أن مجرد کون الکلام حقاً لا یعد مبررا للتحدث به و ان کان فی واقعه محمودا و ممدوحا، فلابد من اختیار الوقت المناسب للحدیث، و اما اذا کانت الظروف غیر مواتیة فمن الافضل التزام جانب الصمت. روی عن أبی علیّ الجوَّانیّ قال: شهِدْتُ أَبا عبد اللَّه (ع) و هو یقول لمولى له یقالُ لهُ سالمٌ و وضع یدهُ على شفتیه و قال: یا سالمُ احفظْ لسانک تسلم، و لا تحملِ النَّاس على رِقابنا".[22]
و على هذا الاساس، یکون السکوت و عدم الثناء على المؤمنین الذین فی مدحهم و الثناء على حسن عقائدهم خطر علیهم، أفضل بکثیر من الثناء علیهم الذی یؤدی الى الاضرار بهم.
5. الکلام المتعارف:
اتضح الموقف فی الامور التی استعرضناها، و اما فی سائر الحالات الاخرى فلا مانع من التحدث و الکلام فیها، و لکن ینبغی للانسان أن یکون دائم المراقبة للسانه کی لا یقع فی الاخطار المحتملة و لیأمن الآفات التی تأتی من هذه الناحیة.
روی عن سلیمان بن مهران قال: دخلت على الصَّادق جعفرِ بن محمَّد (ع) و عندهُ نفرٌ من الشِّیعة فسمعتُهُ و هو یقولُ: معاشر الشِّیعة- کونوا لنا زیناً و لا تکونوا علینا شیناً قولوا للنَّاس حسناً و احفظُوا أَلسنتکم و کفُّوها عن الفضول و قبیح القول".[23]
حصیلة البحث:
هذه بعض الفروض التی تمّت المقارنة فیها بین السکوت و الکلام، و یحتمل أیضا وجود فروض أخرى، و لکن یمکن معرفة النتیجة النهائیة من خلال ما ورد عن الامام السجاد (ع) حیث سئل (ع): عن الکلام و السکوت أیهما أفضل؟ فقال (ع): لکل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالکلام أفضل من السکوت. قیل: و کیف ذاک یا ابن رسول الله؟ قال: لأن الله عز و جل ما بعث الأنبیاء و الأوصیاء بالسکوت إنما یبعثهم بالکلام، و لا استحقت الجنة بالسکوت، و لا استوجب ولایة الله بالسکوت، و لا توقیت النار بالسکوت، و لا تجنب سخط الله بالسکوت، إنما ذلک کله بالکلام. و ما کنت لأعدل القمر بالشمس إنک تصف فضل السکوت بالکلام و لست تصف فضل الکلام بالسکوت.[24]
و هناک روایة أخرى عن الامام الباقر (ع) تساعدنا فی الوصول الى النتیجة النهائیة حیث جاء فیها: عن أَبی بصیر قال سمعت أَبا جعفرٍ (ع) یقول: کان أَبو ذرٍّ رحمهُ اللَّه یقولُ یا مبتغی العلم إِنَّ هذا اللِّسان مفتاحُ خیر و مفتاحُ شرٍّ فاختم على لسانک کما تختمُ على ذهبکَ و وَرِقِکَ.[25]
و على هذا الاساس یکون الکلام أفضل قیمة من السکوت، و لکن کما یجب على الانسان التحرز و حفظ الاموال و المقتنیات الثمینة و الاشراف علیها إشرافاً دقیقا کذلک ینبغی له أن یخضع لسانه لسلطانه و مراقبته و تحریکه فی الاتجاهات الصحیحة فقط.
و لقد ورد فی القرآن الکریم قوله تعالى الوسیلة التی بها یحصل الانسان على ملکة التمییز: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقانا".[26] أی بالتقوى یتمکن الانسان من الحصول على خصوصیة تشخیص الامور و التمییز بینها و من ثم اتخاذ الموقف الصحیح.
[1] نهج البلاغة، ص 536، الحکمة 349، انتشارات دار الهجرة، قم، بلا تاریخ.
[2] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 116، ح 21، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[3]نفس المصدر، ج2، ص114، الحدیث 6.
[4] الشیخ المفید، الاختصاص، ص 232، مؤتمر الشیخ المفید، قم، 1413 هـ ق.
[5]البقرة، 282.
[6] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 7، ص 379، ح 1.
[7] التمیمی الآمدی، عبد الواحد، غرر الحکم، ص 44، ح 131، انتشارات مکتب النشر و التبلیغ الاسلامی، قم، 1366 هـ ش.
[8]البقرة، 159.
[9] نهج البلاغة، ص 502، الحکمة رقم 182.
[10] التمیمی الآمدی، عبد الواحد، غرر الحکم، ص 48، ح 252.
[11]انظر فی سبب سکوت الامام (ع) الاسئلة التالیة: رقم 1351 و 1585.
[12]الاعراف، 193.
[13] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 122، ح 6.
[14]نفس المصدر، ج 2، ص 301، ح 4.
[15] انظر السؤال رقم2845.
[16] الشخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص 396، ح 5844، انتشارات جامعة مدرسین، قم، 1413 هـ ق.
[17] دیوان امام علی، ص 71، انتشارات پیام اسلام، قم، 1369 هـ ش.
[18] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 108، ح 5.
[19] نفس المصدر، ج 2، ص 107، ح 3.
[20] الشیخ الطوسی، الامالی، ص 535، انتشارات دار الثقافة، قم، 1414 هـ ق.
[21]الحجرات، 12.
[22] الکلنی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 113، ح 3.
[23] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 12، ص 193، ح 16063، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 هـ ق.
[24] الطبرسی، احمد بن علی، الاحتجاج، ج 2، ص 315، نشر مرتضی، مشهد مقدس، 1403 هـ ق.
[25] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 114، ح 10.
[26] الانفال، 29.