بحث متقدم
الزيارة
4837
محدثة عن: 2011/07/30
خلاصة السؤال
لماذا لا یُمکن الاستفادة و الاستعانة بآراء کل المجتهدین، بناءً علی ملاک الأرجحیة، لماذا لا تقلّد الامة جمیعاً المجتهد الأرجح؟
السؤال
طبقاً لرأی فقهاء الشیعة، أن کل إنسان یجب علیه أن یختار لنفسه مرجعاً للتقلید و لا یُمکن له تغییره إلّا بشروط خاصة. ثم لماذا لا یُمکن الاستفادة من آراء کل المجتهدین دائماً، و إذا أخذنا ملاک الأرجحیة بنظر الاعتبار سیکون مجتهد واحد دائماً هو الأرجح فی رأی کل الامة، و الجمیع یجب علیهم أن یُقلّدوا شخصاً واحداً، و ذلک لأن الجمیع لو کانوا حائزین علی کل شروط التقلید لا یکون لبحث الأرجحیة أهمیة.
الجواب الإجمالي

من أهم طُرق أداء التکلیف بشکل کامل من قبل المکلّفین هو العمل بالاحتیاط الذی هو تطبیق کل آراء الفقهاء و المجتهدین بنحو یقطع المکلف باصابة الو اقع، نعم، یجب الالتفات الی أن هذا الطریق غیر متأتی للجمیع بل غیر ممکن لهم.

و ذلک أولاً: لعدم امکان احاطة جمیع المکلفین بآراء کافة الفقهاء. ثانیاً: أن تطبیق هذه الطریقة لأجل أداء کل التکالیف فیها مشقة کبیرة بحیث تجعل الحیاة عسیرة علی کثبر من الناس.

تعد الاعلمیة من أهم شرائط مرجع التقلید أی أنه أعلم من غیره من المجتهدین، أی أکثر فهماً لحکم الله من غیره من فقهاء عصره. و هذا حکم عقلی حیث أن الناس فی کل فن یرجعون الی أعلم المتخصصین فیه، و بما أنه قد تتعدّد الآراء فی کثیر من الموارد، لذلک قد یتخذ بعض الأفراد مرجعاً لهم بعنوانه الأعلم، و یتخذ غیرهم غیره بنفس العنوان، و هذا أمر طبیعی، و من باب المثال إنک لو سألت مجموعة من الناس عن أکثر متخصصی القلب الخبرة، فمن الطبیعی لا یکون جوابهم واحداً، بل سیتعّدد و سیبقی مردداً حتی لو کان هذا السؤال موجها لنفس الأطباء، و من الامور المؤثّرة جداً فی هذه المسألة هو آراء طلاب کل مجتهد حیث من الطبیعی أن یری کل منهم أن استاذهم هو الاعلم من غیره.

الجواب التفصيلي

یُمکن تقسیم هذا السؤال الی عدة أقسام و هی:

1- هل یُمکن الاستفادة من آراء کل المجتهدین؟

2- أن الملاک فی التقلید هو الارجح أم شیء آخر؟

3- لماذا لا یقلّد جمیع الناس مجتهداً واحداً؟

4- بالنسبة الی شرط الأرجحیة، هل یُمکن لجمیع الفقهاء أن یتساووا فی الشروط و الخصوصیات؟

الأول: کما بیّن الفقهاء المراجع[1] فی رسائلهم العملیة، أن أمام کل مکلّف ثلاث طُرق لأداء تکالیفه الشرعیة، أحدها هو العمل بالاحتیاط و الذی هو الاستفادة من آراء کل الفقهاء و العمل بتکالیفه بصورة بحیث لا یخالف أیّاً من المجتهدین الفقهاء وبنحو یقطع المکلف باصابة الواقع، هذه هی احدی الطرق التی بیّنها الفقهاء للمکلف لأداء وظیفته الشرعیة، نعم لابد من الالتفات الی أن هذا الطریق غیر مقدور للجمیع بل لعله غیر ممکن أیضاً و السبب هو أولاً: عدم إمکان الاحاطة بآراء کل الفقهاء لجمیع الناس.

ثانیاً: تطبیق هذه الطریقة لأداء کل الوظائف و التکالیف صعب جداً بحیث تجعل الحیاة عسیرة لا تطاق.

الثانی: من جملة شروط التی بیّنها الفقهاء لمرجع التقلید هو کونه أعلم من غیره من المجتهدین [2]و ذلک أنه أکثر فهماً من غیره من المجتهدین بالنسبة لاستنباط حکم الله سبحانه[3] و هذه المسألة حکم عقلی حیث أن الناس فی کل امورهم یرجعون للشخص الذی یرونه أعلم من غیره.

الثالث: مع الأخذ بنظر الاعتبار الی أن الأعلم هو دائماً أحد المجتهدین، فلماذا لا تقلّد الناس شخصاً واحداً لا غیر؟

أولا: قد تکون الآراء فی کثیر من الموارد مختلفة، فقد یبیّن بعض الأفراد أن فلاناً هو الأعلم و یبین الآخرون أن غیره هو الأعلم. و هذا أمر طبیعی جداً، و کمثال علی ما نقول، لو سألت مجموعة من الناس عن أفضل و أمهر طبیب متخصص بالقلب، فمن المتیقن لا یکون جوابهم واحدا، بل و حتی لو کان هذا السؤال موجّهاً للأطباء سیبقی التردید علی حاله، نعم من المسائل المؤثرة جداً فی هذا المجال هو رأی طلاب کل مجتهد حیث أنهم من الطبیعی أن یعتبروا استاذهم هو الأعلم من غیره.

ثانیاً: فی کثیر من الأحیان یکون استنباط أی مرجع من المراجع فی باب معیّن من أبواب الفقه أقوی من غیره، و هذا الأمر یعقد مسألة تشخیص الأعلم.

ثالثاً: فی بعض الأحیان یکون اختلاف مستوی مجموعة من المراجع لیس بالشکل الذی یُمکن معه تشخیص الأعلم، و هذا الأمر یؤدّی الی الاختلاف و من ثم اعلان عدة أسماء متعددة.

الرابع: مع أنه یُمکن تصور أن مجموعة من العلماء فی مستوی واحد من العلمیة و القدرة علی الاستنباط، لکن من البعید إمکان الوصول بالدقة العقلیة الی نتیجة قطعیة. أما علة تعدد المراجع المعلنة، فقد تتضح من خلال جواب السؤال السابق.

لمزید من الاطلاع راجعوا المواضیع التالیة:

طُرق تشخیص المرجع الأعلم و الأورع، رقم 1525 (الموقع: 1556)

انتخاب مرجع التقلید الأعلم، رقم 1657 (الموقع: 1820).

و تشخیص مرجع التقلید الأعلم، رقم 2479 (الموقع: 2620) و المجتهد الأعلم، رقم 5310 (الموقع: 5528).



[1]  الخمینی، السید روح الله، توضیح المسائل المحشی، ج1، ص13، م 2، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، الطبعة الثامنة، قم 1424 هـ.ق. التقلید فی الأحکام، العمل بأوامر المجتهد، و لا یُمکن تقلید المجتهد ألا إذا کان رجلاً و بالغاً و عاقلاً و شیعیاً اثنی عشریاً و طاهر الولادة و حیّاً و عادلاً، و کذلک یجب علی الأحوط کونه غیر حریص علی الدنیا و أعلم المجتهدین.

[2]  نفس المصدر، ج1، ص11، م 1، فی غیر الضروریات من أحکام الدین یجب أما الاجتهاد حیث یُمکن تحصیل الأحکام الشرعیة من الأدلة، أو تقلید المجتهد أی العمل طبقاً لفتاوی أو العمل بالاحتیاط بالشکل الذی یتیقّن معه براءة الذمة من التکلیف، مثلاً لو أفتی مجموعة من الفقهاء علی عمل أنه حرام و أفتی الآخرون بعدم حرمته، فبناءً علی الاحتیاط یترک هذا العمل و إذا أفتی بعض الفقهاء بوجوب أمر معین و أفتی الآخرون باستحبابه، فالاحتیاط هنا هو العمل به و عدم ترکه، إذن من لم یکن مجتهداً و لا یُمکنه العمل بالاحتیاط بین آراء کل المراجع، یجب علیه تقلید المجتهد.

[3]  نفس المصدر، ج1، ص13، م2، التقلید فی الأحکام و العمل بأوامر المجتهد، و لا یُمکن تقلید المجتهد ألا إذا کان رجلاً و بالغاً و عاقلاً و شیعیاً اثنی عشریاً و طاهر الولادة و حیّاً و عادلاً، و کذلک یجب علی الأحوط کونه غیر حریص علی الدنیا و أعلم المجتهدین.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...