Please Wait
6911
إن کتب الانبیاء الالهیین کالتوراة و الانجیل هي من الکتب السماویة القیمة و المقدسة عندنا ایضاً. و مع ذلک فلا یوجد دلیل قاطع علی کونها معاجز، بل یمکن الاستفادة من بعض المصادر علی انها لم تکن معاجز. و بالطبع فان عدم کون هذه الکتب معاجز لا یتنافی مع اهمیتها و قداستها؛ و ذلک لان اصل هذه الکتب منزل من قبل الله فهي مقدسة و مهمة قطعاً.
وکذلک فانه حتی لو اثبتنا کون هذه الکتب معاجز، فان هذا الاعجاز أقل أهمیة بالقیاس الی باقي معاجز الانبیاء، علی العکس من الأمر في نبینا حیث کان القرآن معجزته الاساسیة التي غطت علی باقي معاجزه.
المعجزة هي الوسیلة المهمة و الاساسیة لمعرفة أحقية الانبیاء الالهیین و صدقيتهم، و قد دونت فيها الكثير من الابحاث المفصلة.[1] و انسجام الاعجاز مع الظروف الزمانیة و المکانیة يعد من أهم عوامل الایمان بالمعجزة، و هو ما یرتبط ببحثنا ایضاً و سنتعرض له لاحقاً. و لکن قبل التطرق لاعجاز الکتب السماویة نذکر بعض الملاحظات:
- ان بحثنا حول اعجاز الکتب السماویة لا یشمل القرآن الكريم، و ذلک لان جمیع المسلمین یعتبرون القرآن معجزة نبي الاسلام (ص) و قد دلت علی ذلک أدلة کثیرة لا مجال للحديث عنها هنا. و بناء علی هذا فان الکلام الآتي سیکون حول الکتب السماویة الاخری.
- ان مثل النبي موسی (ع) و عیسی (ع) و...من اصحاب الكتب السماوية، کانوا قد جاءوا اقوامهم بمعاجز کثیرة و اشتهروا بتلک المعاجز. و کمثال علی ذلک فان النبي موسی اوقف ماء البحر و جاوز ببني اسرائیل على قاع البحر، و ان النبي عیسی أحیا الموتی، و النبي داوود ألان الحدید و....
- ان التوراة و الانجیل یعتبران من الکتب السماویة المقدسة والمهمة عند اتباع الدیانة الیهودیة و المسیحیة، فانهم یطالعون هذه الکتب طوال الیوم و یقرأون قسماً منها في صلواتهم و یقومون بدراستها و تفسیرها و الاستفادة منها کثیراً في مباحث العلوم الدینیة و..
- نعتقد نحن المسلمین أن جمیع الکتب السماویة باستثناء القرآن الكريم قد اصابها التحریف و قد وقعت علی مدی الزمان مورداً للحذف و الاضافة. و بالطبع فان الاسلام یوافق علی الکثیر من مطالب النجیل و التوراة، بل قد ورد ذکر الکثیر منها في المصادر الاسلامیة ایضاً.
ولکن هل کانت الکتب السماویة للانبیاء من جملة معاجزهم أم لا؟ ینبغي ان نقول أننا لم نعثر علی دلیل قاطع یثبت کونها معاجز، بل یستفاد من بعض المصادر عدم کونها معاجز:
- قال ابنُ السِّكِّيتِ لأَبِي الحسن (ع): لماذَا بعثَ اللَّهُ مُوسى بن عمرانَ (ع) بالعصَا و يدهِ البيضَاءِ و آلةِ السِّحر، و بعثَ عيسى بِآلَةِ الطِّبِّ و بعثَ محمَّداً صلَّى اللَّهُ عليه و آلِهِ و على جمِيع الأَنبياءِ بالكلامِ و الْخطبِ؟ فقال أَبو الحسنِ (ع): إِنَّ اللَّهَ لَمَّا بَعَثَ موسى (ع) كان الغالِبُ على أَهلِ عصره السِّحْرَ فأَتاهُمْ من عند اللَّهِ بما لمْ يكنْ في وسعهمْ مثلهُ و ما أَبطَلَ بِهِ سحرهُمْ و أَثبت به الحجَّةَ عليهمْ و إِنَّ اللَّهَ بعثَ عيسى (ع) في وقتٍ قد ظهرتْ فيهِ الزَّمَانَاتُ و احتاجَ النَّاسُ إِلَى الطِّبِّ فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِثْلُهُ وَ بِمَا أَحْيَا لَهُمُ الْمَوْتَى وَ أَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ، وَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً (ص) فِي وَقْتٍ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ الْخُطَبَ وَ الْكَلَامَ - وَ أَظُنُّهُ قَالَ الشِّعْرَ- فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ مَوَاعِظِهِ وَ حِكَمِهِ مَا أَبْطَلَ بِهِ قَوْلَهُمْ وَ أَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ[2].
وقد ورد في هذه الروایة التأکید علی تطابق المعجزة مع مقتضیات الزمان و یستفاد من مضمونها أن الکتب المقدسة لم تکن علی الاقل هي المعجزة الکبری للانبیاء السابقین.
- ورد فی مناظرة الامام الرضا (ع) مع علماء الادیان الاخری أنه قال لرأس الجالوت وهو کبیر الیهود – و کان یقول انه لم یر معاجز عیسی وعلیه، فانه لا یؤمن بنبوة عیسی (ع)-: قال الرضا (ع) أ رأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟[3]. و في هذه الروایة یضطر الامام رأس الجالوت الی الاقرار بعدم رؤیة معجزات موسی، مع ان التوراة کانت موجودة في ذلک الوقت، فلو کانت هذه التوراة معجزة لکان لرأس الجالوت ان یجیب الامام، و الحال أنه بقي عاجزاً أمام سؤال الامام.
وبالطبع فان عدم کون هذه الکتب معاجز لا یتنافی مع أهمیتها و قداستها، و ذلک لان أصل هذه الکتب قد انزل من قبل الله فهي مهمة مقدسة قطعاً.
ونذکّر في الختام بانه حتی لو اثبتنا کون هذه الکتب معاجز فان هذا الاعجاز کان اقل اهمیة من باقي معاجز الانبیاء، علی العکس من الامر في نبینا حیث کان القرآن معجزته الاساسیة التي غطت علی باقي معاجزه.
[2] الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، ج1، ص24، دار الکتب الاسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[3] ابن بابویه، محمد بن علي، عیون أخبار الرضا علیه السلام، ج1، ص167، نشر جهان، البعة الاولی، 1378ق.