بحث متقدم
الزيارة
6435
محدثة عن: 2011/08/21
خلاصة السؤال
لماذا لم یبادر الإمام علی (ع) إلى حفظ نفسه مع اطلاعه على سوء نیة ابن ملجم؟
السؤال
کما تعلمون أن خروج الإمام الحسین (ع) کان على طاغوت زمانة، و کان حتى لحظاته الأخیرة فی حال جدال مع جنود العدو، و لکن الأمر مختلف بالنسبة للإمام علی (ع)، فمع علمه بنیّة السوء التی کان یبیتها ابن ملجم ذهب إلى المسجد دون أخذ أی احتیاطات و لا اصطحب معه حارساً، و کان على استعداد للشهادة منذ أول اللیل، و من الجدیر بالذکر أن الإمام (ع) یمتلک دلیلاً موجهاً لعمله على نحو القطع و الیقین لعلنا عاجزون عن فهمه وإدراکه.
الجواب الإجمالي

إن العلة فی عدم اتخاذ الإمام (ع) أی إجراء یمکن الاجابة عنها من عدة جهات:

1-      إن المعیار و المیزان فی أداء التکلیف هو العلم العادی، فالإمام لا یعمل بحسب العلم الباطنی (علم الغیب) الذی لدیه عندما یطیع الأوامر الإلهیة، و إنما یسلک فی ذلک مثل سلوک الأشخاص العادیین، و إذا فرضنا أن الإمام یعمل على أساس علمه بالغیب فلا یمکن أن یکون أسوةً وقدوةً للناس. لأن الناس لا یملکون مثل هذا العلم.

2-      إن نظام هذا العالم نظام الامتحان والاختبار، و إن العمل على أساس علم الغیب یلغی أرضیة الامتحان و الاختبار، لأنه یکون مانعاً لإدامة الأعمال العادیة.

و بعبارةً أخرى: صحیح أن الإمام علیا (ع) مکلفٌ بالدفاع عن نفسه کما هو الحال بالنسبة للأفراد العادیین، و لکن هذا التکلیف و الوظیفة لا بد و أن یکون فی حدود العلم العادی، و لا تشمل على الغیب هذا أولاً، و ثانیاً إن الطرف الآخر لهذا العمل (شهادة الإمام علی (ع) هو ابن ملجم و هو فی حال امتحان، و لا ینبغی أن یکون علم الغیب لدى الإمام مانعاً لحریته و اختیاره، فلو أراد الإمام أن یعمل طبقاً لعلمه الغیبی فنتیجة ذلک هی سلب الاختیار من ابن ملجم، و لم توجد أرضیة لاختباره و امتحانه فی البین.

الجواب التفصيلي

إن الإمام لا یعمل بحسب علمه الباطنی و علم الغیب حینما یؤدی تکلیفه بإطاعة أوامر الله تعالى، و إنما یسلک کما یسلک سائر الأفراد العادیین، و هو کغیره على حد سواء مع سائر الناس بالنسبة لجمیع أحکام الشرع، لأن الله سبحانه فرض جمیع أحکامه على جمیع عباده بشکل متساوٍ، و على هذا الأساس فإن النبی (ص) لم یقضِ بین الناس على أساس العلم الباطنی، و إنما کان قضاؤه على أساس العلم العادی و کذلک کان یقول (ص):

(إنما أقضی بینکم بالبینات والإیمان وبعضکم ألحن بحجته من بعض فأیما رجل قطعت له من مال أخیه شیئاً فإنما قطعت له به قطعةً من النار).[1]

و المراد أنه لا بد لکل صاحب ادعاء من شاهد أو أن یؤدی الیمین حتى أحکم له، سواء کان صادقاً أو کاذباً، و إذا کان کاذباً فما یأخذه أشبه بأخذه قطعةً من النار.

و على هذا الأساس على الرغم من أن الإمام علیا (ع) له علم غیبی بزمان و کیفیة شهادته، و لکنه مأمور بالعمل على أساس الظاهر و لیس له حق بالعمل طبقاً لعلمه الغیبی، و السبب هو أن الإمام قدوة للمجتمع الإسلامی، و لابد له أن یؤدی تکلیفه بالطرق والکیفیات العادیة المتیسرة لعموم الناس، و أن یأخذ بنظر الاعتبار ظروف وشروط المحیط الاجتماعی المتعارف، و لا یکون عمله خارجاً عنها، و إذا أراد الإمام العمل طبقاً لعلمه بالغیب، فلا یمکن أن یکون قدوةً و أسوةً للناس، لأن الناس لیس لدیهم مثل هذا العلم، یضاف إلى ذلک أن عمل الأئمة (ع) بحسب ما لدیهم  من علم بالغیب یربک العمل الاجتماعی، وعلیه فإنهم عادة و فی أکثر الموارد یعملون طبقاً للعلم العادی، إلا فی الموارد النادرة و الاستثنائیة القلیلة، فأنهم یعملون بها بحسب علم الغیب لدیهم.

یضاف إلى ذلک أن نظام هذا العالم هو نظام الامتحان و الاختبار، و فی ذلک یقول القرآن: (أحسب الناس أن یترکوا أن یقولوا آمناً و هم لا یفتنون)[2] و فی آیة أخرى: (الذی خلق الموت و الحیاة لیبلوکم أیکم أحسن عملاً و هو العزیز الغفور)[3].

و من لوازم الامتحان و الاختبار أن یکون السلوک و العمل على أساس الإرادة و الاختیار فی انتخاب الحسن و القبیح و أن الأمور تجری على نسقها العادی و الحصول على النتیجة فی ساعة الآخرة. فی حین یلغی العمل على أساس علم الغیب أرضیة الامتحان و الاختبار، لأنه یمنع من استمرار الأعمال العادیة.

و صحیحٌ أیضاً أن الإمام علیا مکلفٌ کغیره من الناس بحفظ نفسه و الدفاع عنها و لکن أولاً: إن هذا التکلیف بحدود العلم العادی و لا یشمل علم الغیب. و ثانیاً: إن الطرف الآخر لهذا العمل (شهادة الإمام علی (ع) هو ابن ملجم وهو فی حال امتحان، و لا ینبغی أن یکون علم الإمام مانعاً لحریته و اختیاره، فلو أراد الإمام العمل طبقاً لعلمه بالغیب لأدى ذلک إلى سلب الاختیار من ابن ملجم، و لم تبقَ له أرضیةٌ الامتحان و الاختیار، وهذا خلاف للسنة الإلهیة فی حین أن سنن الله – و بضمنها سنة امتحان العباد- لا تتبدل و لا تتغیر، یقول القرآن المجید فیما یخص السنن الإلهیة: (فلن تجد لسنة الله تبدیلاً و لن تجد لسنة الله تحویلا)[4].

و على هذا الأساس، بما أن العمل بعلم الغیب یوجب تغییر و تبدیل السنن الإلهیة (الاختبار و الامتحان) فلا ینبغی للإمام أن یعمل به.



[1] الکافی ج:7 ص414 باب أن القضاء بالبینات و الإیمان، حدیث 1.

[2] العنکبوت، 2.

[3] الملک، 2.

[4] فاطر، 43.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • أیهما أفضل استشارة الطبیب النفسی أم المشاور الدینی؟
    5068 العملیة 2011/10/16
    للإجابة عن السؤال نتابع الآتی:1ـ فیما یخص مشاورة الطبیب النفسی أو الخبیر الدینی لا بد من القول: مع أن الأمرین مرتبطان ببعضهما من زاویة نظر معینة إلا أنهما منفصلان من جهة أخرى. و لذلک فمن یشعر بوجود مشکلة نفسیة و روحیة معنویة فعلیة أن یراجع المتخصص فی هذا الفن، ...
  • هل يوجد من العلماء من افتى بحرمة الموسيقى مطلقاً و بجميع أنواعها؟
    3813 الحقوق والاحکام 2015/05/25
    صنف علماء الشيعة و فقهاؤهم من القرن القرن الحادي عشر و حتى الوقت الراهن رسائل مستقلة في الغناء و الموسيقى، حيث وقعت القضية منذ ذلك العصر و حتى اليوم معركة للآراء، و كان الفقهاء قبل ذلك يتعرضون للموضوع استطراداً و ضمن ابحاث كتاب التجارة من الفقه أو كتاب ...
  • ما حکم مشاهدة غیر المحارم عن طریق التلفزیون او الکامبیوتر؟
    5328 الحقوق والاحکام 2010/09/05
    اجاب سماحة آیة الله العظمى السید الخامنئی (دام ظله) عن السؤال التالی:ما هو حکم النظر إلى صورة المرأة الأجنبیة السافرة؟ و ما هو حکم النظر إلى صورة المرأة فی التلفزیون؟ و هل هناک فرق بین المسلمة و غیرها، و بین الصور المعروضة بالبثّ المباشر و ...
  • ما هو اسم کتاب النبی نوح (ع)؟
    6089 الکلام القدیم 2009/02/01
    ذکر فی الروایات اسم کتاب النبی نوح (ع) تحت عنوان "صحف نوح"[1] و لم یذکر له اسم خاص غیر ذلک.[1] بحارالأنوار، ج : 35 ص ...
  • مع الالتفات الى الروایات المختلفة و المتضادة ظاهراً، هل الکلام هو الأفضل أم السکوت؟
    7137 العملیة 2011/06/14
    اذا نظرنا الى کل من السکوت و الکلام من زاویة الآفات التی یتعرضان لها فلکل واحد منهما آفاته الخاصة به و لکل منهما محاسنه الخاصة کذلک، و مع ملاحظة کلا الامرین یکون من الصعب ترجیح طرف على آخر. لکن یمکن القول بشکل مطلق اذا قارنا بین السکوت و الکلام بعیدا ...
  • ما هو رأی سماحتکم فی أحادیث تحریف القرآن؟
    5292 الحقوق والاحکام 2010/12/01
    جواب سماحة آیة الله هادوی الطهرانی (دامت برکاته):1. روایات التحریف إما ضعیفة السند أو لیست بحجة من ناحیة الصدور أو أنها مضطربة دلالة؛ ولاریب أن القرآن الکریم مصون من التحریف مطلقاً فلم و لن یحرف.2. لو إعتقد الشخص بتحریف ...
  • هل یجب ان یلبس الخاتم فی الید الیمنی
    6844 الحقوق والاحکام 2008/07/19
    التختم هو من سنن النبی (ص) و الائمة (ع)، و فی الروایات توجد اشارات بخصوص جنس الخاتم، و شکله و النقش علیه. و اضافة لذلک فقد وردت التوصیة بانه من الافضل ان یکون الخاتم فی الید الیمنی. ان جمیع الاحکام التی وضعها الاسلام بخصوص لبس الخاتم لها جنبة استحبابیة. نعم ...
  • من هو أبو سعید الخدری؟ و هل کان محباً لأهل البیت (ع)؟ و هل کان یؤمن بإمامة أمیر المؤمنین(ع)؟
    6680 تاريخ بزرگان 2009/02/28
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • ما معنى مكر الله؟
    6170 التفسیر 2012/03/12
    سئل الإمام الرضا (ع) عن نسبة الخديعة و الإستهزاء و المكر لله في القرآن الكريم، فقال: "إن الله عزّوجلّ لا يسخر و لا يستهزئ و لا يمكر و لا يخادع و لكنّه عزّ و جلّ يجازيهم جزاء السخرية و جزاء الإستهزاء و جزاء المكر و الخديعة...". ...
  • هل صحیح أن قبر الإمام أمیر المؤمنین علی (ع) فی العین الیمنى لسیدنا آدم (ع)؟
    6852 تاريخ بزرگان 2013/12/03
    1ـ اختلفت الروایات و النصوص التاریخیة عن محل دفن آدم (ع). فمنها ما تنصّ على أن محل دفنه فی حرم الله (فی مکة المکرمة و حوالیها).[1] و منها ما تنص على أن محل دفنه هو مدینة النجف و عند قبر الإمام علی (ع).

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280469 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259124 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129819 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116215 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89700 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61317 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60568 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57475 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52102 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48168 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...