Please Wait
7741
خلق الله الانسانَ لیصل الى مرحلة الکمال. و انه تعالى یعلم ماهیة ذلک الانسان و ما هی القدرات التی یمتلکها و کیف وطأت قدماه الارض، و ما هی المسیرة التی ینبغی له طیّها للوصول الى درجة الکمال المنشود، و ما هو البرنامج العقائدی و الاخلاقی و التربوی الذی ینبغی له اعتماده فی حرکته تلک، و هذه لا تتوفر الا فی الدین الحق الموجود فی اللوح المحفوظ و الذی لم یصل الى الانسان بتمام ابعاده و و حیثیاته الا مع بعثة الرسول الاکرم (ص) خاتم الانبیاء و الرسل، الذی یتوفر على خصوصیتین اساسیتین الاولى شمولیة الافکار و المعارف التی جاء بها و التی تناسب الانسان الى قیام الساعة، و صیانة تلک المعارف من التحریف و التلاعب، و مع ذلک نفهم جیداَ مغزى قوله تعالى "إن الدین عند الله الاسلام" و التی تعنی أن البرنامج الحق و العلاج الناجع لمشاکل البشریة یتوفر فی هذا الدین لمن رام الاستضاءة فی الدیاجى البهم بغیره لا تزیده کثرة السیر الا بعدا عن جادة الحق.
خلق الله تعالى الانسانَ کما یعلم سبحانه و تعالى المشوار الذی یطویه الانسان و ما هو المسیر الذی ینبغی له الحرکة ضمنه للوصول الى الغایة المنشودة، کذلک یعلم جل شأنه بان الانسان خلق و هو جاهل بکل شیء «وَ اللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً» [1] فالانسان یب دأ حرکته من "لا تعلمون شیئاً"، کذلک یعلم سبحانه و تعالى نهایة حرکة الانسان و ما هی المحطة التی ترسو بها سفینته " یا أَیُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّکَ کادِحٌ إِلى رَبِّکَ کَدْحاً فَمُلاقیه" [2] ، کذلک یعلم بالغایة التی خلق لأجلها و المتمثلة فی العبادة لله تعالى «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُون» [3] و لا تعنی العبادة الصلاة و الصوم و الحج و...بل العبادة المقصودة فی الآیة المبارکة اشمل من ذلک بکثیر حیث تشمل جمیع سکنات الانسان و حرکاته إذ بامکانه أن یجعل کل شیء عبادة لله تعالى لا یأکل و لا یشرب و لا یتحرک الا ابتغاء وجه ربّه الاعلى، و فی الحقیقة أن هذه القضیة تعد من خصائص الدین الاسلامی الحنیف حیث وسع من دائرةٍ مفهوم العبادة لتشمل کل تحرکات الانسان، و هذا لا یعنی بحال من الاحوال اعراض الانسان عن النعم الدنیویة المادیة.
إذن، الله تعالى یعلم کیف بدأ الانسان و ما هی قدراته و ما هی الغایة التی یروم تحقیقها و ما هی المحطة التی ینتهی الیها، و ما هو البرنامج الذی ینبغی المسیر وفقا له لتحقیق تلک الغایة المنشودة. و هذه المعرفة الربانیة لیست معرفة متأخرة بل الله یعلم بذلک قبل أن یخلق الانسان.
و تبدأ حرکة الانبیاء و بعث الرسل الالهیین الى الخلق، و لکن السؤال المطروح هنا: هل من المعقول أن تلقى المعارف الربانیة الى البشریة – و هی تعیش فی أطوارها الاولیة – دفعة واحدة و بهذا المستوى الراقی و الشامل؟ و هل الانسان الاولی قادر على هضم تلک المعارف و استیعابها و هو یعیش حالة من الطفولة الحضاریة؟!
لاریب أن الحکمة الالهیة تقتضی أن یضع الباری تعالى المعارف المناسبة لکل مرحلة و التی تحقق مصلحة الانسان و تاخذ بیده للتکامل المنشود لتلک المرحلة، و هکذا توالت سلسلة الانبیاء و الرسل حیث یأتی الرسول اللاحق بما لم تتوفر الفرصة للرسول السابق للاتیان به، و هکذا سارت البشریة ضمن البرنامج الالهی مسیرة تکاملیة حتى وصلت الى المرحلة التی جاء بها اکمل الادیان و اتمها المتمثل بالدین الاسلامی الحنیف؛ یعنی أن الانسان تحرک حرکة فکریة متنامیة على مر التاریخ البشری خطوة خطوة و مع حرکته التکاملیة هذه تحرکت الادیان فی نفس الاتجاه التکاملی أیضاً، هذا هو الجانب الاول فی القضیة. و هناک جانب آخر لابد من الالتفات الیه و هو أن الانبیاء السابقین عندما یأتون ثم یرحلون عن هذه الدنیا نجد أن ید التحریف و التلاعب تطال ما جاءوا به، و من هنا یفقد ذلک الدین فاعلیته و ان البرنامج الالهی المرسوم لم یعد ذلک البرنامج الخالص من الشوائب و التحریفات، بنحو یعد من العسیر تمییز التعالیم الحقة التی جاء بها ذلک النبی أو الرسول، من هنا یأتی الرسول اللاحق یعالج هذه القضیة أیضا فیزیل التحریفات و یبین الحقائق التی جاء بها من قبل من الرسل بالاضافة الى الاتیان بتعالیم جدیدة تتناسب مع المرحلة، و هکذا استمرت حرکة الانبیاء و الرسل حتى وصلت الى المرحلة التی بعث فیها الرسول الاکرم (ص) الذی ختمت به الشرائع و الرسالات السماویة حیث بلغت البشریة درجة من الوعی تستوعب الرسالة الخاتمة من جهة و من جهة ثانیة أن الله تعالى تکفل بحفظ الرسالة من التحریف [4] و التلاعب التی طالت الرسالات السابقة. و مع حفظ القرآن الذی یعد المصدر الاساسی الذی نطلع من خلاله على التعالیم الربانیة و البرنامج الالهی لتکامل الانسان مقترنا مع السنة النبویة الشریفة التی حفظها لنا بدرجة عالیة جدا خلفاء الرسول الاکرم (ص) الائمة الاطهار (ع)، من هنا یکون من السهل جداَ أن نتفهم قوله تعالى " إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلام " و ان الدین الاسلامی هو الدین الحق الذی تجلت مراحلة على طول رسالات الانبیاء و کانت الخاتمة فی رسالة النبی الاکرم (ص).
لمزید الاطلاع انظر: سر خاتمیة الدین الاسلامی، الرقم2954 (الرقم فی الموقع: 3503)، الدین الاسلامی، الرقم5600 (الرقم فی الموقع: 5917) ، مراحل الدین، رقم1118 (الرقم فی الموقع: 224) و حدة الادیان ، رقم1189 (الرقم فی الموقع: 1886) ، الاسلام اکمل الادیان الالهیة، رقم 7312 (الرقم فی الموقع: 8229).