بحث متقدم
الزيارة
7293
محدثة عن: 2011/09/13
خلاصة السؤال
هل یتساوى جمیع الناس فی المنزلة و الکرامة أمام الله تعالى؟
السؤال
هل یتساوى جمیع الناس فی المنزلة و الکرامة أمام الله تعالى؟
الجواب الإجمالي

للانسان فی مقابل الباری تعالى مقامان و منزلتان، الاولى منزلة البشر فی مقام التکوین و الانشاء و الاخرى فی مقام السیر التکاملی و النمو الروحی من النقص الى الکمال.

و قد اشارت الکثیر من الآیات و الروایات الى المقام و المنزلة الاولى و أکدت تساوی بنی آدم فیها بلا فرق بین الاسود و الابیض و العربی و العجمی و الرجل و المرأة، فالکل متساوون فی تلک المرتبة بلا أدنى تفاوت.

و اما المقام الثانی (عالم التکامل و الرقی و عالم الاختیار و الارادة) فالامر مختلف جداَ حیث تختلف درجات البشر و منزلتهم من فرد الى آخر إذ الملاک هنا التقوى و القرب الالهی و على هذا الاساس یختلف الافراد فی المنزلة و القرب من الله تعالى لان کل انسان یحظى بالمنزلة التی یصنعها مدى التزامه بالقوانین و الشرائع و بدرجة التقوى التی یتحلّى بها.

الجواب التفصيلي

لکی تتضح الاجابة عن السؤال المطروح لابد من بحث المسألة من زاویتین:

1. مکانة الانسان و منزلته عند الله تعالى فی مقام التکوین و الخلق:

لو نظرنا الى الانسان مجرداً عن السلوکیات الحسنة أو السیئة و نظرنا الیه بما هو انسان لنبحث عن منزلته أمام الله تعالى سنصل الى نتیجة مهمة مؤداها بان للانسان منزلة ً کبیرة عند الله تعالى اذا ما قورن بسائر المخلوقات، و بعبارة اخرى ان للانسان کرامة ذاتیة. و هذا النوع من الکرامة یحکی عن العنایة الخاصة التی أولاها الباری تعالى للانسان و لا علاقة لها باختیار الانسان و حریته بتاتاً؛ بمعنى أن الانسان یتصف بتلک الکرامة و یتوفر علیها شاء أم أبى ذلک.

و فی خصوص الکرامة الذاتیة للانسان یمکن الاشارة الى النکات التالیة:

الف) هبة الکرامة للانسان: فالانسان و طبقا لکلام الله تعالى ذو مرتبة سامیة قد سخرت له سائر الاشیاء و هو مسلط علیها، و لقد أشار القرآن الکریم الى هذه الحقیقة فی قوله تعالى: "وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‏ کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِیلاً".[1]

ب) خلافة الله فی الارض: و قد اشار تعالى فی کتابه الکریم الى هذه المنزلة فی قوله تعالى: "وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ".[2] و هذه المنزلة تخص آدم علیه السلام و بعض افراد نسله ممن وصلوا الى مرتبة انسانیة عالیة و علم بالاسماء الالهیة المقدسة.

ج) تسخیر الکون للانسان: هناک الکثیر من آیات الذکر الحکیم التی قررت حقیقة تسخیر السماوات و الارض للانسان و وضعها تحت تصرفه و التی تکشف عن المکانة و المنزلة الرفیعة التی یتحلى بها الانسان و من تلک الآیات قوله تعالى: "وَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ جَمیعاً مِنْهُ إِنَّ فی‏ ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُون‏".[3]

د) تحمل مسؤولیة الامانة: من الکرامات التی حظی بها الانسان بما هو انسان تحمل مسؤولیة و شرف الامانة، و قد قرر القرآن الکریم تلک الحقیقة فی قوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً".[4]

الى هنا اتضح ان للانسان بما هو انسان – الابیض و الاسود و الرجل و المرأة و العربی و العجمی- منزلة کبیرة و مقاما رفیعاً عند الله تعالى، و ان جمیع ما ذکرنا من النماذج یعد مصداقا لقوله تعالى "وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ" إضافة الى الآیات الاخرى التی تقرر بالاضافة الى منزلة الانسان و مکانته، تساویه فی تلک المنزلة و عمومیتها لجمیع افراد الانسان بما هم بشر و بصرف النظر عن السلوکیات و الافعال التی تصدر منهم.

یقول المفسر الکبیر العلامة الطباطبائی فی ذیل تفسیره لقوله تعالى: "وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ": و بذلک یظهر أن المراد بالآیة بیان حال لعامة البشر مع الغض عما یختص بعضهم من الکرامة الخاصة الإلهیة و القرب و الفضیلة الروحیة المحضة فالکلام یعم المشرکین و الکفار و الفساق و إلا لم یتم معنى الامتنان و العتاب.[5]

و لا ینحصر الامر فی آیات الذکر الحکیم بل الروایات هی الاخرى اشارت الى هذه الحقیقة، و من تلک الروایات:

"أَنَّ سلمان الفارِسیَّ دخل مسجد رسول اللَّهِ (ص) ذات یوم فعظَّمُوهُ و قدَّمُوهُ و صدَّرُوهُ إِجْلَالًا لحقِّهِ و إِعظاماً لشیبته و اختصاصه بالمصطفى و آله (ص) فدخل عمر فنظر إِلیه فقال: من هذا العجمیُّ المتصدِّرُ فیما بین العرب. فصعد رسول اللَّه (ص) المنبر فخطب فقال: إِنَّ النَّاس من عهد آدم إِلى یومنا هذا مثلُ أَسنان المشطِ لا فضل للعربِیِّ على العجمیِّ و لا للأَحمرِ على الأَسود إِلا بالتقوى".[6]

و فی حدیث آخر عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: "و ما الْجلیلُ و اللَّطِیفُ و الثَّقِیلُ و الْخَفِیفُ و الْقَوِیُّ و الضَّعِیفُ فی خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ".[7]

و فی روایة أخرى عن النبی الاکرم (ص) أنه قال ما مضمونه: "لا اکرم على الله من بنی آدم".[8]

تحصل أن جمیع الناس متساوون فی مقام التکوین أمام الله تعالى.

2. منزلة الانسان عند الله فی مسیرة التکامل و السیر من النقص الى الکمال:

اتضح الى هنا تساوی المنزلة البشریة فی مقام التکوین. و لکن الامر یختلف فی مقام الرقی و التکامل البشری حیث تختلف درجات البشر و منزلتهم من فرد الى آخر إذ الملاک هنا التقوى و القرب الالهی و کما قال سبحانه و تعالى: "إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ".[9] و على هذا الاساس یختلف الافراد فی المنزلة و القرب من الله تعالى و ذلک لان کل انسان یحظى بالمنزلة التی یصنعها مدى التزامه بالقوانین و الشرائع و بدرجة التقوى التی یتحلى بها حیث یصنف البشر وفقاً لهذا المعیار لا على اساس القومیة و العرق او اللون و اللغة، بل المعیار الایمان و العمل الصالح و المعرفة الحقة التی یکتسبها الانسان و التی ترفعه الى مقام الکمال و الرقی الانسانی خلافا للشرک و المعاصی و النفاق التی تنزل بصاحبها الى الحضیض و النقص.

واذا ما اخذنا هذا المعیار و المیزان بنظر الاعتبار فحینئذ یستنم الانبیاء و الائمة قمة الهرم البشری و ذروة الکمال الانسانی و أسمى درجات القرب من الباری تعالى، و فی المقابل یقع المنحرفون و الاراذل و الجهلة فی اسفل الدرجات و ینحدرون الى أدنى درجات النقص و الانحطاط.



[1]الاسراء، 70.

[2]البقرة، 30.

[3]الجاثیة، 13.

[4]الاحزاب، 72.

[5]المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏13، ص: 155.

[6] المحدث النوری، مستدرک‏ الوسائل، ج 12، ص 89.

[7] نهج البلاغه، خ 185، ص270.

[8] محمدی ری شهری، محمد، میزان الحکمة، ج1، ص210.

[9]الحجرات، 13.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...