بحث متقدم
الزيارة
5651
محدثة عن: 2011/12/13
خلاصة السؤال
ما هی السبل التی تعزز الشجاعة و السیطرة على الغضب غیر الالهی للأمر بالمعروف و النهی عن المنکر؟
السؤال
یبدو أن العامل الاساسی لتعطیل فریضة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر یکمن فی انعدام الشجاعة الکافیة لدى الانسان، فما هی السبل التی تعزز الشجاعة و السیطرة على الغضب غیر الالهی للأمر بالمعروف و النهی عن المنکر؟
الجواب الإجمالي

اشارت بعض الروایات الى وجوب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر بلا قید أو شرط، و هناک طائفة اخرى من الروایات حددت وجوبه فیما اذا لم یترتب علیه ضرر معتد به على مستوى النفس او المال او العرض، و لا تنافی بین الروایات لان الطائفة التی تقول بان " وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ لَمْ یُقَرِّبَا أَجَلًا وَ لَمْ یَقْطَعَا رِزْقا" تنظر الى القضیة من زاویة عامة؛ بمعنى أنه لما کان الکثیر من الناس ترکوا العمل بهذه الفریضة خشیة من السلطات وما یترتب على ذلک من قطع الارزاق و القتل و... من هنا جاء الروایات لتصحح هذا التوهم. و الا فان الکثیر من الصالحین ذهبوا ضحیة الامر بالمعروف و النهی عن المنکر و على رأس هؤلاء الامام الحسین (ع).

و اما بالنسبة الى السیطرة على الغضب فقد ذکرت الروایات عدة طرق للسیطرة علیه من قبیل تذکر عظمة الله تعالى و تغییر المکان و الحالة التی هو علیها، و التوضؤ بالماء البارد و السکوت. و لتعزیز الشجاعة بیّنت التوصیات الواردة عن أهل البیت (ع) بانه من الممکن تحصیل ذلک من خلال التوکل على الله، ذکر الله کثیرا، عدم الخشیة الا من الله تعالى، و الشعور بالمعیة الالهیة.

الجواب التفصيلي

ذکر الباحثون و المفکرون الاسلامیون عدة مراتب و درجات للأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، و قد تعرضوا لهذا التقسیم تفصیلا فی بعض الکتب الاخلاقیة و الروائیة. کذلک اشاروا الى الشروط الموضوعیة لوجوب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر، من قبیل أنه: لو علم أو ظن أن إنکاره موجب لتوجه ضرر نفسی أو عرضی أو مالی یعتد به علیه أو على أحد متعلقیه کأقربائه و أصحابه و ملازمیه فلا یجب و یسقط عنه، بل و کذا لو خاف ذلک لاحتمال معتد به عند العقلاء، و الظاهر إلحاق سائر المؤمنین بهم أیضا.[1] نعم، لو کان المعروف و المنکر من الأمور التی یهتم به الشارع الأقدس کحفظ نفوس قبیلة من المسلمین و هتک نوامیسهم أو محو آثار الإسلام و محو حجته بما یوجب ضلالة المسلمین أو إمحاء بعض شعائر الإسلام کبیت اللَّه الحرام بحیث یمحى آثاره و محله و أمثال ذلک لا بد من ملاحظة الأهمیة، و لا یکون مطلق الضرر و لو النفسی أو الحرج موجبا لرفع التکلیف، فلو توقفت إقامة حجج الإسلام بما یرفع بها الضلالة على بذل النفس أو النفوس فالظاهر وجوبه فضلا عن الوقوع فی ضرر أو حرج دونها.[2]

إذن الأمور المهمة هی الحاکمة فی وجوب الامر بالمعروف، و الا فلا معنى لکل تلک التضحیات التی قام بها أئمة الهدی و بذل الغالی و النفیس فی هذا الطریق، و التی کان مصداقها البارز نهضة الامام الحسین (ع) یوم عاشوراء، روى المجلسی فی بحار الانوار، أنه جاء محمَّدُ بن الحنفیَّة إِلى الحسین (ع) فی اللیلةِ التی أَراد الحسین الخروج فی صبیحتها عن مکَةَ... فلمَّا کان السَّحرُ ارتحل الحسین (ع) فبلغ ذلک ابن الحنفیَّةِ فأَتاهُ فَأَخذَ بزمام ناقَته و قد رکبها فقال: یا أَخی أَ لمْ تعدنی النَّظَرَ فیما سأَلْتُکَ؟ قال: بلى. قال: فما حداکَ على الخُرُوجِ عاجلا؟ قال: أَتانی رسول اللَّه (ص) بعد ما فَارَقْتُکَ فقال: یا حسینُ اخرج فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ یَرَاکَ قَتِیلا.[3]

وقبل الشروع فی بیان العوامل المساعدة فی تعزیز الشجاعة و تقویة خاصیة السیطرة على الغضب، ینبغی الاشارة الى عامل الوراثة المؤثر فی انتقال الصفات الوراثیة و أن هذا العامل قد تمت الاشارة الیه فی روایات المعصومین (ع)، حیث جاء فیها الاشارة الى بعض المفردات المشیرة لذلک من قبیل"عِرْق " و "اعراق" و التی یصطلح علیها الیوم فی المحافل العلمیة بعنوان" الجینات" الناقلة للعناصر الوراثیة.

و مع ان عنصر الوراثة لا یمکن التغاضی عن دور العنصر الوراثی فی نقل الصفات و الخصائص الاخلاقیة، لکن مع ذلک یمکن الاشارة الى بعض التوصیات و الارشادات المساعدة فی تعزیز الشجاعة و السیطرة على حالة الغضب غیر الالهیة، من قبیل:

الف: عوامل السیطرة على الغضب

عبّرت الروایات عن الغضب بالنار[4]. و هذا التعبیر اللطیف یساعد فی ادراک ضرورة وجود الغضب لدى الانسان و یساعدنا فی معرفة الآثار الناتجة من عدم السیطرة علیه.

ثم إن الانتباه الى الآثار المترتبة على الغضب یساعد فی السیطرة علیه؛ من قبیل أنه: " لا ینبغی أن یعد عاقلا من یغلبه الغضب و الشهوة".[5] و أنه " شِدَّةُ الْغَضَبِ تُغَیِّرُ الْمَنْطِقَ وَ تَقْطَعُ مَادَّةَ الْحُجَّةِ وَ تُفَرِّقُ الْفَهْمَ".[6] و قد ورد فی الروایة " إیاک و الغضب فأوله جنون و آخره ندم".[7]

و هناک عدة طرق للسیطرة على الغضب من قبیل تذکر عظمة الله تعالى[8] و تغییر المکان و الحالة التی هو علیها[9]، و التوضؤ بالماء البارد و السکوت.[10]

ب: عوامل تعزیز الشجاعة و تقویتها

اشارت بعض الآیات و الروایات الى العوامل المساعدة فی تحصیل الشجاعة و تعزیزها، من قبیل:

1. التوکل، روی عن الامام الکاظم (ع) أنه قال: "َ مَنْ أَرَادَ أَنْ یَکُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْیَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ سُئِلَ عَنْ حَدِّ التَّوَکُّلِ مَا هُوَ قَالَ لَا تَخَافُ سِوَاهُ".[11]و روی عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: " التوکل خیر عماد"[12] و فی روایة اخرى أن الرسول الاکرم (ص) سأل جبرئیل قائلا: " وَ مَا التَّوَکُّلُ عَلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا یَضُرُّ وَ لَا یَنْفَعُ وَ لَا یُعْطِی وَ لَا یَمْنَعُ وَ اسْتِعْمَالُ الْیَأْسِ مِنَ الْخَلْق‏...".[13]

2. الخشیة من الله تعالى: روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: " مَنْ خَافَ اللَّهَ أَخَافَ اللَّهُ مِنْهُ کُلَّ شَیْ‏ءٍ وَ مَنْ لَمْ یَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ اللَّهُ مِنْ کُلِّ شَیْ‏ءٍ".[14]

فعلى الانسان الخشیة من الله تعالى و یجب ان تطفح الخشیة من قلب المؤمن، و الجدیر بالذکر ان هذه الخشیة لا تنطلق من کون الله تعالى – نعوذ بالله من ذلک- موجودا مخیفا و مرعبا!! بل الخشیة من الله لها مراتب و معان کثیرة، و من معانیها الخشیة من العقاب بسبب المعصیة و الآخر ارتجاف القلب و ارتعاشه مقابل الهیبة الالهیة و العظمة الربانیة، و هذا ما اشارت الیه الآیة المبارکة " إِنَّما یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء".[15]

3. ذکر الله تعالى، جاء فی القرآن الکریم "أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب‏".[16]

فمن العوامل الباعثة على القلق و الاضطراب لدى الانسان الخشیة من المستقبل و المصیر المجهول، الماضی الاسود و الملوّث بالمعاصی و الجرائم، الضعف و العجز عن مواجهة الحوادث الطبیعیة و الخصوم سواء على مستوى العدو الباطنی و الخارجی، الشعور بالخواء، الخشیة من الموت و... فعندما یلجأ الانسان الى القدرة اللامتناهیة للباری تعالى  و العطف الربانی و الرحمة الالهیة و یستشعر قلبه أن الله تعالى غنی عن عذابنا، حینئذ تطمئن نفسه و یزول قلقه و تتعزز قواه و جوانحه و یتمکن من الامر بالمعروف و النهی عن المنکر دون خشیة او ریبة من شیء ما.



[1]الامام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج‏1، ص: 472، کتاب الامر بالمعروف، الشرط الرابع- أن لا یکون فی إنکاره مفسدة، مسألة 1.

[2]نفس المصدر، المسالة رقم 6.

[3] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 44، ص 364، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.

[4]نفس المصدر،  ج 14، ص 467.

[5] الآمدی، عبدالواحد، غرر الحکم، ج1، ص65، انتشارات دفتر التبلیغ الاسلامی، قم، 1366، هـ ش.

[6] بحار الانوار، ج 68، ص 428.

[7] غرر الحکم ص 303.

[8] بحار الانوار، ج 13، ص 358.

[9]المصدر،، ج 70، ص 264.

[10]المصدر، ج 70، ص 272.

[11]المصدر، ج 68، ص 143.

[12] غرر الحکم، ص 196

[13]وسائل‏الشیعة ج : 15 ص : 194.

[14]الکافی ج : 2 ص : 68.

[15]فاطر، 28.

[16] الرعد« 28.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...