Please Wait
8634
بالرجوع إلى الوثائق التاریخیة التی تذکر أسباب حرب الجمل من قبل الطرفین و ملاحظتها یمکننا الحکم فی المسألة:
أ- أسباب الحرب لدى أصحاب الجمل
1- أهم الأسباب التی تشیر لها خطابات أصحاب الجمل فی الحرب هی الطلب بدم عثمان. فهم یعتقدون أن علیاً (ع) هو المسؤول عن قتل عثمان.
2- یعتقد بعض علماء المعتزلة أن عائشة و أصحابها خرجوا بقصد الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر.
3- و قد ذکر طلحة سبباً آخر هو فی ضمن السبب المتقدم. و هو إصلاح أمة رسول الله (ص).
4- إن خلافة علی (ع) و قیادته لم تکن مطابقة لسیرة الخلفاء من قبله. فهی غیر مشروعة إذن.
5- إن علیاً (ع) لم یشاور طلحة و الزبیر فی أعماله.
ب- أسباب الحرب فی نظر علی بن أبی طالب (ع) و أصحابه:
1- إن طلحة و الزبیر یطلبان الإمارة، یقول أمیر المؤمنین (ع) فی الخطبة 148 فی نهج البلاغة: «کل واحد منهما یرجو الأمر له و یعطفه علیه دون صاحبه، لا یمتان إلى الله بحبل، و لا یمدان إلیه بسبب، کل واحد منهما حامل ضب لصاحبه، و عما قلیل یکشف قناعه به».
2- نقض العهد و المیثاق: أعلن الإمام علی (ع) و هو یعبأ الناس للحرب بأن الرجلین نقضا المیثاق و العهد.
3- الأضغان القدیمة: فإن لبعض هذه الاصحاب خصومة مع الإمام (ع) منذ البدایة، حیث یعلل الإمام ذلک بالأسباب التالیة:
أ- اختصاص علی (ع) بأخوة النبی (ص) .
ب- أفضلیة علی (ع) على أبی بکر.
ج- عدم سد باب علی على مسجد النبی (ص) .
د- إعطاء رایة الفتح لعلی (ع) یوم خیبر، و کذلک آمال طلحة و الزبیر فی الحکومة و أنهما یعطیان الولایات أو یستشاران فی الأمور، و لم یتحقق شیء من هذه الآمال، و ذلک ما تسبب بمخالفة الإمام و إظهار العناد له.
4- النفاق و التعامل بوجهین، من الأسباب التی أشار إلیها الإمام علی (ع).
5- سلب الأمن و الاستقرار فی المجتمع الإسلامی و مصداق هذا ما قام به أصحاب الجمل من هجوم على بیت المال فی البصرة و نهب الأموال و قتل عدد من الناس.
6- التغطیة على أعمالهم فی زمن الفتنة و التحریض على عثمان: یقول أمیر المؤمنین (ع) فی الخطبة 137 فی نهج البلاغة: «إنهم یطلبون دماً هم سفکوه».
تقتضی دراسة أسباب حرب الجمل و التحقیق فی عللها النظر فیما ذکره طرفا الحرب من علل و أسباب، و بعد ذلک توضع هذه الأقوال فی میزان الواقعیة التاریخیة لاختیار القول الصحیح منها.
و نبتدأ البحث بما ذکره أصحاب الجمل فی أقوالهم بخصوص دوافعهم لخوض هذه الحرب.
أ- أسباب حرب الجمل فی نظر أصحاب الجمل:
1- حضرت عائشة فی اجتماع الناس فی مکة بعد بیعة علی (ع) و قالت: أیها المسلمون إن عثمان قتل مظلوماً.[1] و هذا الکلام من عائشة مثّل حجر الاساس فی مخالفتها لأمیر المؤمنین (ع)، و غالباً ما یکون هذا السبب هو العنوان الرئیسی و الحجة الأساسیة لخروج عائشة و أصحابها على الإمام علی (ع)، و حیث أنهم یعتبرون علیاً هو المسؤول عن قتل عثمان فلذلک کان وقوفهم بوجهه.
2- یعتقد بعض علماء المعتزلة أن عائشة و أصحابها کانوا یقصدون الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر.[2]
3- أظهر طلحة فی خطبة له أمام أهل البصرة أنه لم یکن لیقوم من أجل الملک و السلطان، و إنما قصده الاستعانة بأهل البصرة لیقوم الجمیع من أجل الإصلاح فی أمة محمد (ص)، و تطویع العباد لله سبحانه.[3]
و کما جاء فی التاریخ فإن عموم ما یذکر فی أکثر خطب عائشة و طلحة هو أن السبب فی التحرک للطلب بدم عثمان و هذه أهم العلل و أقوى الأسباب فی حملهم على نقض العهد و التمرد إضافة إلى ما کان یراه طلحة من أن حکومة علی بن أبی طالب لم تطابق سیرة الخلفاء الذین سبقوه، کما أنه سجل اعتراضه على عدم استشارته من قبل الإمام علی (ع) فی الحکومة.[4]
ب- أسباب الحرب فی نظر علی بن أبی طالب (ع) و أصحابه:
و قبل أن نذکر أسباب الحرب و عللها فی نظر علی (ع)، لا بد من التوجه إلى مسألة مهمة کعامل أساسی من عوامل الحرب. قال أمیر المؤمنین (ع) فی الخطبة 172 فی نهج البلاغة: «فخرجوا یجرون حرمة رسول الله (ص) ، کما تجر الأمة عند شرائها، متوجهین بها إلى البصرة» و یتضح من هذه الخطبة أن طلحة و الزبیر هما القطبان الأساسیان فی إثارة هذه الحرب دون غیرهما، و إن عائشة جلبت للحرب لاستغلال علاقتها الزوجیة برسول الله، فغررا بها من باب سوء الاستفادة.
أسباب الحرب فی کلام أمیر المؤمنین (ع):
1- طلب السلطة من قبل طلحة و الزبیر: یقول الإمام فی الخطبة 148 فی نهج البلاغة: «کل واحد منهما یرجو الأمر له و یعطفه علیه دون صاحبه».
2- نقض العهد و المواثیق: یقول (ع) فی إحدى خطبه التی عبأ الناس فیها للقتال: «تجهزوا للسیر، فإن طلحة و الزبیر قد نکثا البیعة و نقضا العهد و أخرجا عائشة من بیتها یریدان البصرة، لإثارة الفتنة، و سفک دماء أهل القبلة».[5]
3- الحقد و الضغائن القدیمة:
فإن لبعض هذه الاصحاب خصومة مع الإمام (ع) منذ البدایة، حیث یعلل الإمام ذلک بالأسباب التالیة::
أ- أن النبی فضلنی على أبیها.
ب- لأن النبی (ص) اختصنی بأخوته.[6]
ج - لأن الله أمر بسد جمیع الأبواب المفتوحة على مسجد رسول الله (ص) ...، إلاّ بابی فإنه لم یأمر بسدها ....[7]
د- لأن رسول الله (ص) قال: ... لأعطین الرایة غداً رجلاً یحبه الله و رسوله... فأعطانی الرایة فکان الفتح على یدی فاغتم ....[8]
الجدیر بالذکر هو ان طلحة و الزبیر، کانا یأملان الحصول على الولایات و المراکز الحکومیة فی حکومة الإمام (ع)، أو أن یستشارا فی أمر إدارة الدولة و تدبیر أمورها، لأن طلحة و الزبیر یعتقدان أنهما فی رتبة مساویة لعلی بن أبی طالب (ع)، بل و أعلى من ذلک، کانا یتوقعان و یأملان أن یحصلا على شیء من الأمر بعد مقتل عثمان، و عندما لم یتحقق شیء مما کانا یأملان أظهرا ما کان دفیناً من العداوة و الخصومة لأمیر المؤمنین علی (ع).
4- النفاق: یرى أمیر المؤمنین (ع) فی الخطبة 13 من نهج البلاغة، أن هؤلاء من ذوی الوجهین فی السلوک و التعامل.
5- إحداث الاضطراب و سلب الأمن فی المجتمع الإسلامی بعد أن وصل أصحاب الجمل إلى البصرة بجیشهم هجموا على بیت المال و الخزانة فیها، کما أغاروا على الناس فعذبوا البعض، و قتلوا البعض الآخر.[9]
6- التغطیة على أعمالهم: عندما وصل الخبر إلى أمیر المؤمنین (ع) أن طلحة و الزبیر نهضا للطلب بدم عثمان، تبسم الإمام و قال: و من قتل عثمان غیرهما. و کذلک ورد مضمون هذا الکلام فی خطبته 137 فی نهج البلاغة، حیث قال:«إنهم یطلبون دماً هم سفکوه»، فالإمام (ع) کان على علم تام بالدور الذی لعبه طلحة فی قضیة قتل عثمان، ذلک لأنه کان اشترک مع المهاجمین و قد قنّع وجهه بقناع حتى لا یعرف. و حینما أغلق باب دار عثمان بوجه المهاجمین، فإن طلحة هو الذی قاد المهاجمین، وأرشدهم إلى باب الدار المجاورة لدار عثمان، و کان ممن رمى دار الخلیفة بالسهام.[10]
و لذلک کان الإمام یقول: «إن طلحة أشعل فتیل الحرب حتى لا یسئل عن قتل عثمان».[11] و بالتأمل بالنصوص المتقدمة نصل إلى الآتی:
أوّلاً: إن أکثر ما ورد من کلام أمیر المؤمنین بشأن اتهام أهل الجمل و توبیخهم متوجه إلى طلحة و الزبیر بشکل أساسی، فکأنه یرى أن المسبب الأساسی للحرب هما طلحة و الزبیر، و إن عائشة لعبت دوراً ثانویاً و فرعیاً، و إنما جلبت لاستغلالها و سوء الاستفادة من موقعها.
ثانیاً: إنه لا یوجد أی دلیل معتبر و ناهض فیما ذکره أصحاب الجمل کسبب یدفعهم إلى إشعال فتیل هذه الحرب، خصوصاً إذا علمنا أن قتل عثمان و إراقة دمه ما هی إلاّ حجة واهیة. لأن عائشة أیضاً ما کانت لها سابقة حسنة مع عثمان، حیث نقل أنها جاءت بثیاب رسول الله (ص) أمام عثمان و خاطبته قائلة: «هذه ثیاب رسول الله لم تبلَ بعد و قد أبلیتم سنته».
إذن فالملاحظ أن أصحاب الجمل وقفوا بوجه ولی أمرهم تحت عنوان ظاهر جمیل خادع و کأنه یؤول إلى الحق، و قد نقضوا بیعتهم و أخلفوا عهدهم، و لکن ما رفعوه من شعارات ما هی إلاّ ذریعة واهیة لیس إلاّ.
[1] الشیخ المفید، الجمل، ص228، نقلاً عن تاریخ الطبری، ج4، ص450-480؛ الشافی، ج4، ص357-358.
[2] المصدر، ص64، نقلاً عن مسائل الإمامة، ص55؛ فضل الاعتزال، ص72.
[3] المصدر، ص304، نقلاً عن أنساب الأشراف، ص226-229.
[4] المصدر، ص306، نقلاً عن أنساب الأشراف، ص226.
[5] الشیخ المفید، الجمل، ص240، نقلاً عن تاریخ الطبری، ج4، ص455 و 480 ؛ أنساب الأشراف، ص233.
[6] الشیخ المفید، الجمل، ص240، نقلاً عن سیرة ابن هشام، ج2، ص150؛ سنن الترمذی، ج5، ص595.
[7] الشیخ المفید، الجمل، ص410، نقلاً عن مسند أحمد، ج4، ص369.
[8] الشیخ المفید، الجمل، ص410، نقلاً عن مسند أحمد، ج1، ص99؛ صحیح البخاری، ج5، ص76.
[9] السید الرضی، نهج البلاغة،ص218.
[10] السید الرضی، نهج البلاغة، ص255، نقلاً عن تاریخ الطبری.
[11] السید الرضی، نهج البلاغة، الخطبة 174.