بحث متقدم
الزيارة
5890
محدثة عن: 2012/01/21
خلاصة السؤال
کیف ینظر الملا صدرا للسعادة؟
السؤال
کیف ینظر الملا صدرا للسعادة؟ و ما هی المعرفة التی یراها مؤثرة فی تحصیل السعادة؟
الجواب الإجمالي

من الابحاث التی تمتد جذورها فی اعماق الفکر البشر بحث السعادة و الکمال و الخیر و اللذة، حیث دار البحث و الجدل فیها بین الفلاسفة و الباحثین فی الشأن الدینی و کان لفلاسفة الاخلاق و السیاسة الاهتمام البارز فی هذ القضیة. ثم ان استخدامات مفهوم السعادة المتشعبة و الکثیرة کان السبب فی ظهور الکثیر من النظریات من بینها ما طرحه صاحب الحکمة المتعالیة الفیلسوف الملا صدرا الشیرازی. و قد حظیت نظریته باهتمام کبیر من قبل الباحثین.

یرى الملاصدرا أن الوجود هو الخیر و السعادة و الشعور بالوجود أیضا خیر و سعادة. و قد استعملت السعادة فی الحکمة المتعالیة بمعنى الکمال و اللذة و الخیر، و الوصول الیها یعنی الکمال الوجودی، کما ان الوصول الیها یکمن فی الادراک و الشعور بحاق الوجود و متن الواقع المنسجم مع القوة الادراکیة.

کذلک یرى ان الادراک متفاوت بحسب القوى و المدرکات، فلکل قوة لذة و سعادة خاصة تتناسب مع مدى ادراکاتها، فتکون السعادة و اللذة القصوى من نصیب تلک القوة المتمیزة ادراکا و مدرَکا و مدرِکا، و ما هی الا القوة العقلیة.

و على هذا الاساس تکون السعادة الحقیقة کامنة فی الادراک العقلی، فالنفس فی بعدها النظری تعلم الاشیاء کما هی و ترى الذوات العقلیة و النورانیة. و لما کانت القوة العقلیة اشرف من القوة الادراکیة و الهیئات البدنیة، إذن السعادة و اللذة العقلیة هی الأتم.

و النتیجة أن السعادة الحقیقیة عند صدر المتألهین هی: الادراک النظری للمعقولات و أرفعها مرتبة تکمن فی العقل المستفاد و معرفه الحق تعالى.

الجواب التفصيلي

من الابحاث التی تمتد جذورها فی اعماق الفکر البشر بحث السعادة و الکمال و الخیر و اللذة، حیث دار البحث و حمی الوطیس فیها بین الفلاسفة و الباحثین فی الشأن الدینی و کان لفلاسفة الاخلاق و السیاسة الاهتمام البارز فی هذ القضیة. ثم ان استخدامات مفهوم السعادة المتشعبة و الکثیرة کان السبب فی ظهور الکثیر من النظریات من بینها ما طرحه صاحب الحکمة المتعالیة الفیلسوف الملا صدرا الشیرازی. و قد حظیت نظریته باهتمام کبیر من قبل الباحثین. و لما کان الملا صدرا قد بحث القضیة فی مواطن کثیرة و تعرض لها فی اکثر من موضع من هنا لا یمکن الاحاطة بجمیع ما ذکره فی هذه الاجابة الموجزة؛ من هنا نحاول ایضاح القضیة بشکل موجز.

و لکی تتضح القضیة جلیا لابد من القاء نظرة على التعریف الذی ذکره الملا صدرا للسعادة حیث یرى الملا صدرا أن السعادة الحقیقیة السعادة الحقیقیة تکمن فی الشعور و ادراک الوجود، و لما کانت الوجودات متفاوتة فی الکمال و النقص و لها مراتب مختلفة من هنا انعکس ذلک على مراتب السعادة، حیث قال:

اعلم أن الوجود هو الخیر و السعادة و الشعور بالوجود أیضا خیر و سعادة- لکن الوجودات متفاضلة متفاوتة بالکمال و النقص فکلما کان الوجود أتم کان خلوصه عن العدم أکثر و السعادة فیه أوفر، و کلما کان أنقص کان مخالطته بالشر و الشقاوة أکثر و أکمل الوجودات و أشرفها هو الحق الأول و یلیه المفارقات العقلیة و بعدها النفوس و أدون الموجودات هی الهیولى الأولى و الزمان و الحرکة ثم الصور الجسمیة و الطبائع و....[1]

و کما اشرنا سابقا، فبتبع تفاوت الوجودات تفاوتت السعادة التی هی ادراک الوجود، و کما أن وجود القوى العقلیة- أشرف من وجود القوى الحیوانیة الشهویة و الغضبیة التی هی نفوس البهائم و السباع- و غیرهما من الحیوانات- فسعادتها أجل و لذتها و عشقها أتم. و کذلک یرى الوجود خیراً محضا حیث یقول: لأن معنى الخیر ما یؤثر عند العقلاء و یشتاق إلیه الأشیاء و یطلبه الموجودات و یدور علیه طبعا و إرادة و جبلة. و مراده الاصل و الباطن و لیس المفهوم الذهنی له.[2] و یرى فی مکان آخر أن اللذة کمال خاص بالمدرک بما هو إدراک لذلک الکمال و الألم ضد کمال خاص بالمدرک بما هو إدراک لذلک الضد.[3] و هو یرى کذلک أن نفوسنا إذا استکملت و قویت و بطلت علاقتها بالبدن و رجعت إلى ذاتها الحقیقیة و ذات مبدعها تکون لها من البهجة و السعادة ما لا یمکن أن یوصف أو یقاس به اللذات الحسیة و ذلک لأن أسباب هذه اللذة أقوى و أتم و أکثر و ألزم للذات المبتهج.[4]

و من هنا یتضح لنا أن السعادة فی الحکمة المتعالیة استعملت بمعنى الکمال و اللذة و الخیر، و الوصول الیها یعنی الکمال الوجودی و أن طریق الوصول الیها یکمن فی الادراک و الشعور بحاق الوجود و متن الواقع المنسجم مع القوة الادراکیة.

و کما ظهر لنا من تعریف السعادة انها من سنخ الادراک، کذلک الادراک متفاوت بحسب القوى و المدرکات، فلکل قوة لذة و سعادة خاصة تتناسب مع مدى ادراکاتها، و بالنتیجة تکون السعادة و اللذة القصوى من نصیب تلک القوة المتمیزة ادراکا و مدرَکا و مدرِکا، فکل قوّة توفرت على الحد الاعلى من هذه الخاصیة تکون فی الصدارة من حیث السعادة و اللذة، و ما هی الا القوة العقلیة.

و على هذا الاساس تکون السعادة الحقیقة کامنة فی الادراک العقلی، فالنفس فی بعدها النظری تعلم الاشیاء کما هی و ترى الذوات العقلیة و النورانیة. و لما کانت القوة العقلیة اشرف من القوة الادراکیة و الهیئات البدنیة، إذن السعادة و اللذة العقلیة هی الأتم.[5] لذا السعادة الحقیقیة للانسان فی بعده النظری عبارة عن: ادراک الصور و الکمالات العقلیة، و اما فی بعد العقل العملی فان ملاک السعادة الحقیقیة یکمن فی اعتدال النفس و ابتعادها عن الافراط و التفریط. فاذا تحرر الانسان من ضغط قواه الدونیة و تمکن من خلق حالة من التوازن بین رغباته الباطنیة و تحرک نحو السلوکیات المتعادلة و عزز فی نفسه الفضائل الاخلاقیة الى حد تحولت عنده الى ملکة راسخة، فانه سیصل الى مرحلة التحرر و التوازن الباطنی الذی یمثل حد السعادة فی بعده العملی. و على هذا الاساس لو ادرک الانسان فی بعده النظری الصور إدراکا صحیحا فلا یقترف الذنب فی بعده العملی الظاهری و سیکون صاحب سلوک حسن، و فی بعده العملی الباطنی یصل الى النشاط و الاستقرار من خلال تنمیة و تفعیل الاخلاق و الملکات المحمودة؛ و عند ما تحصل النفس على جمیع تلک المعقولات و الملکات و تتحد معها، عندها یصل الانسان الى السعادة الدنیویة و الاخرویة.[6] و نظریة ملا صدرا هذه تقوم على اساس قواعد و قوانین الحکمة المتعالیة؛ کأصالة الوجود و تشکیکیته، و خیریة الوجود و اتحاد العقل و العاقل و المعقول.[7]

ثم ان صدر المتألهین یلحظ مراتب السعادة على اساس الحرکة الاستکمالیة الجوهریة للنفس و مراتب العقل النظری، حیث قال:

فصل فی مراتب القوة النظریة و هی أربعة:

الأولى ما یکون للنفس بحسب الفطرة، و هو تهیؤها بحسب ذاتها لدرک المعانی المعقولة حین خلوها عن جمیع المعقولات البدیهیة و النظریة. و ذلک التهیؤ هو العقل الهیولانی و العقل بالقوة تشبیها للنفس بالهیولى الجسمیة الخالیة فی ذاتها عن الصور المحسوسة مع قبولها للمحسوسات کلها. و الثانیة تحصل عندما تتوفر النفس على تلک الطائفة من المعقولات الالولیة التی یشترک فیه جمیع البشر کاستحالة اجتماع النقیضین و ارتفاعهما،و الکل اکبر من الجزء و... من الطبیعی أن حصول النفس على هذه الطائفة من المعقولات یخلق لدیها قدرة التأمل و التفکیر و هذا ما یسمى العقل بالملکة.. فمراتب النفس بحسب الاستکمال منحصرة فی نفس الکمال و هو العقل بالفعل و فی استعداده قریبا کان کالعقل بالملکة أو بعیدا کالعقل الهیولانی.

فإذا حصلت للنفس المعقولات المکتسبة صارت من جهة تحصیلها إیاها- و إن کانت غیر قائمة بذاتها بالفعل- عقلا بالفعل، لأن له أن یعقل متى شاء من غیر أن یستأنف طلبا، و ذلک لتکرر مشاهداتها للنظریات مرة بعد أخرى، و تکرر رجوعها إلى المبدإ الواهب و اتصالها به کرة بعد أولى، فحصلت لها ملکة الرجوع إلیه و الاتصال به و صارت معقولاتها مخزونة فیه.

و إذا اعتبرت مشاهدة النفس لتلک المعقولات متصلة بالمبدإ الفعال سمیت" عقلا مستفادا" لاستفادتها لها من الخارج، أی من العقل الفعال. و الإنسان من هذه الجهة هو کمال عالم العود و صورته، کما أن العقل الفعال غایة عالم البدء و کماله.[8]

و من هنا یرى الملاصدرا  نهایة العالم المادی خلق الانسان و غایة وجود الانسان تکمن فی الوصول الى العقل المستفاد الذی یعود الى معرفة الحق تعالى (فإن الغایة القصوى فی إیجاد هذا العالم الکونی الحسی و تمامه و کماله إنما هی خلقة الإنسان، و غایة وجود الإنسان أن یحصل له مرتبة العقل المستفاد، أی مشاهدة المعقولات و الاتصال بالمفارقات).[9]

و النتیجة أن السعادة الحقیقیة عند صدر المتألهین هی: الادراک النظری للمعقولات و أرفعها مرتبة تکمن فی العقل المستفاد و معرفه الحق تعالى.



[1] صدر المتألهین، الحکمة المتعالیة فی الاسفار العقلیة الاربعة، ج 9، ص 121، الطبعة الثالثة، دار احیاء التراث، بیروت، 1981 م.

[2] نفس المصدر، ج ‏1، ص 341.

[3]نفس المصدر، ج4، ص123.

[4]نفس المصدر، ج9، ص122.

[5] نفس المصدر، ج ‏9، ص 136.

[6] صدر المتألهین، المبدأ و المعاد، آشتیانی، سید جلال الدین ، ص 277-278، انجمن حکمت و فلسفه ایران، طهران، 1354 ش.

[7]انظر تلک الابحاث فی المصنفات المفصلة فی هذا المجال.

[8] المبدأ و المعاد، ص 272- 273.

[9] المبدأ و المعاد، ص 273-274.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...