بحث متقدم
الزيارة
8979
محدثة عن: 2008/12/14
خلاصة السؤال
هل ان جزاء الذنوب متفاوت من ذنب الى ذنب؟
السؤال
هل تعرضت الروایات الاسلامیة لبیان الفارق بین الذنوب مقارنة بعضها مع البعض الآخر بحیث یتضاعف الى درجة عالیة فمثلا یزداد عقاب جریمة الزنا على ذنب استماع الموسیقى باربع و ثلاثین ضعفاً أو...؟
الجواب الإجمالي

یستفاد من القرآن الکریم و روایات أهل البیت (ع) أن الذنوب متفاوتة من ناحیة العقاب و الجزاء الاخروی و الدنیوی، فلکل ذنب مرتبة خاصة، فقد إعتبر القرآن الکریم الشرک اعلى درجات الذنب و انه ظلم عظیم، و کذلک وعد بالعقوبة على ارتکاب بعض الذنوب مما یکشف عن کونها من الکبائر.

کذلک الامر بالنسبة الى العقوبة الدنیویة فقد جعل الشارع المقدس عقوبة الجلد لمن اقترف بعض الذنوب و لبعضها الآخر القتل و للثالث الکفارة و الجزاء النقدی و... .

الجواب التفصيلي

لقد سن الشارع المقدس مجموعة من القوانین و الدساتیر لاسعاد البشریة، فمن التزم بها نال السعادتین الدنیویة و الاخرویة و من تمرد علیها حرم نفسه من السعادة الواقعیة.

الذنب و المعصیة بمعنى العصیان و التمرد على الاوامر الالهیة و الخروج من دائرة الطاعة.[1] و لاریب ان الذنوب متفاوتة سواء على مستوى العقوبة الدنیویة او الاخرویة.

فقد عد القرآن الکریم الشرک من الذنوب العظیمة: "إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیم".[2] و فی آیة اخرى نرى الباری تعالى یقسم الذنوب الى قسمین، الذنوب التی هی دون الشرک و الذنوب التی فوق الشرک: "إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعیداً".[3] و فی آیة اخرى یقول الباری تعالى: "الَّذینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّکَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِکُمْ إِذْ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فی‏ بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ فَلا تُزَکُّوا أَنْفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى".[4]‏ بمعنى ان الانسان اذا اجتنب کبائر الذنوب یغفر له الله تعالى مایقترفه من الذنوب الصغیرة المعبر عنها "باللمم"، و لکن هذا متوقف على عدم اصرار العبد على الصغیرة فقد ورد فی الحدیث "عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: "لا صَغِیرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ وَ لا کَبِیرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ".[5]

تقسیم الذنوب فی الروایات

تقسم الروایات الواردة عن اهل البیت (ع) الذنوب الى کبائر و صغائر، فقد عد الامام الصادق (ع) - استنادا الى الآیات- من الذنوب الکبیرة و هی: الیأس من رحمة الله،[6] الأمن من مکر الله،[7] عقوق الوالدین،[8] قتل النفس المؤمنة،[9] رمی المحصنات،[10] اکل مال الیتیم،[11] الفرار من الجهاد،[12] اکل الربا،[13] الزنا،[14] الخیانة،[15] منع الزکاة الواجبة،[16] السحر،[17] الیمین الکاذبة من اجل الذنب،[18] نقض العهد.[19]

کذلک الامر بالنسبة الى العقوبة الدنیویة حیث نرى الذنوب متفاوتة من جهة العقوبة، فنرى ان الشارع قد سن لبعضها عقوبة الاعدام لمن یقترف جریمة القتل العمد او الزنا بذات البعل و ... و لبعضها الآخر الجلد کجریمة الزنا بغیر المحصنة و شرب الخمر و ...[20] کما سن لبعضها عقوبة مالیة مثل کفارة الافطار و نقض العهد و القسم و ...[21]

اما بالنسبة الى المقارنة بین الزنا و استماع الموسیقى فلاشک ان مرتبة الزنا اکثر بکثیر من مرتبة استماع الموسیقى، الا اننا اذا رجعنا الى الروایات الواردة عن الرسول الاکرم (ص) و اهل بیته (ع) نراها تعد استماع الموسیقى عاملا مساعدا لاقتراف جریمة الزنا، فقد روی عن النبی الاکرم (ص) انه قال: "الْغِنَاءُ رُقْیَةُ الزِّنَا".[22] و روی عن الامام الصادق (ع) ما مضمونه: "ان البیت الذی یکون فیه الغناء و الموسیقى لا یؤمن علیه الفاحشة".[23] فقد بینت الروایتان ان کلا من الغناء و الموسیقى مقدمة لاقتراف جریمة الزنا. لکن مع ذلک انا لم نعثر على دلیل یشیر الى ما ورد فی متن السؤال من کون عقوبة الزنا تضاعف عقوبة استماع الموسیقى باربع و ثلاثین مرة.

و فی الختام نقول: صحیح انه قد ورد فی التراث الاسلامی أن الذنوب لها مراتب متعددة و مختلفة الا انه لابد من الالتفات الى ان الروایات اشارت ایضا الى ان الذنب مهما کان صغیرا الا انه بالنسبة الى مقام الباری تعالى یعد کبیراً، فقد روی عن الامام الباقر (ع) انه قال: "لا تنظر إلى الذنب و صغره و لکن أنظر من تعصی به فإنه الله العلی العظیم".[24]



[1] عصمة الانبیاء و الرسول، العلامة العسکری، ص 78.

[2] لقمان، 13.

[3] النساء، 116.

[4] النجم، 32.

[5] الکافی، ج 2، ص 288.

[6] یوسف، 87.

[7] الاعراف، 99.

[8] مریم، 32.

[9] النساء، 93.

[10] النور، 23.

[11] النساء، 10.

[12] الانفال، 16.

[13] البقرة، 277.

[14] الفرقان، 68- 69.

[15] آل عمران، 161.

[16] التوبة، 35.

[17] البقرة، 102.

[18] آل عمران، 77.

[19] البقرة، 27؛ و انظر: مائة وخمسون موضوعا من القرآن الکریم، اکبر دهقان، ص210-212.

[20] المادة 83 من قانون المجازات الاسلامی، کتاب شرح قانون مجازات اسلامی، مرتضوی، ص 51.

[21] توضیح المسالئل للمراجع، کتاب الصوم، العهد، و... .

[22] بحار الانوار، ج 76، ص247، و الرقیة بمعنى السلّم.

[23] انظر اسئلة الشباب الجامعی، ص 32.

[24] تحف العقول، ص 5.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • أیهما أفضل استشارة الطبیب النفسی أم المشاور الدینی؟
    5068 العملیة 2011/10/16
    للإجابة عن السؤال نتابع الآتی:1ـ فیما یخص مشاورة الطبیب النفسی أو الخبیر الدینی لا بد من القول: مع أن الأمرین مرتبطان ببعضهما من زاویة نظر معینة إلا أنهما منفصلان من جهة أخرى. و لذلک فمن یشعر بوجود مشکلة نفسیة و روحیة معنویة فعلیة أن یراجع المتخصص فی هذا الفن، ...
  • هل يوجد من العلماء من افتى بحرمة الموسيقى مطلقاً و بجميع أنواعها؟
    3813 الحقوق والاحکام 2015/05/25
    صنف علماء الشيعة و فقهاؤهم من القرن القرن الحادي عشر و حتى الوقت الراهن رسائل مستقلة في الغناء و الموسيقى، حيث وقعت القضية منذ ذلك العصر و حتى اليوم معركة للآراء، و كان الفقهاء قبل ذلك يتعرضون للموضوع استطراداً و ضمن ابحاث كتاب التجارة من الفقه أو كتاب ...
  • ما حکم مشاهدة غیر المحارم عن طریق التلفزیون او الکامبیوتر؟
    5328 الحقوق والاحکام 2010/09/05
    اجاب سماحة آیة الله العظمى السید الخامنئی (دام ظله) عن السؤال التالی:ما هو حکم النظر إلى صورة المرأة الأجنبیة السافرة؟ و ما هو حکم النظر إلى صورة المرأة فی التلفزیون؟ و هل هناک فرق بین المسلمة و غیرها، و بین الصور المعروضة بالبثّ المباشر و ...
  • ما هو اسم کتاب النبی نوح (ع)؟
    6089 الکلام القدیم 2009/02/01
    ذکر فی الروایات اسم کتاب النبی نوح (ع) تحت عنوان "صحف نوح"[1] و لم یذکر له اسم خاص غیر ذلک.[1] بحارالأنوار، ج : 35 ص ...
  • مع الالتفات الى الروایات المختلفة و المتضادة ظاهراً، هل الکلام هو الأفضل أم السکوت؟
    7137 العملیة 2011/06/14
    اذا نظرنا الى کل من السکوت و الکلام من زاویة الآفات التی یتعرضان لها فلکل واحد منهما آفاته الخاصة به و لکل منهما محاسنه الخاصة کذلک، و مع ملاحظة کلا الامرین یکون من الصعب ترجیح طرف على آخر. لکن یمکن القول بشکل مطلق اذا قارنا بین السکوت و الکلام بعیدا ...
  • ما هو رأی سماحتکم فی أحادیث تحریف القرآن؟
    5292 الحقوق والاحکام 2010/12/01
    جواب سماحة آیة الله هادوی الطهرانی (دامت برکاته):1. روایات التحریف إما ضعیفة السند أو لیست بحجة من ناحیة الصدور أو أنها مضطربة دلالة؛ ولاریب أن القرآن الکریم مصون من التحریف مطلقاً فلم و لن یحرف.2. لو إعتقد الشخص بتحریف ...
  • هل یجب ان یلبس الخاتم فی الید الیمنی
    6844 الحقوق والاحکام 2008/07/19
    التختم هو من سنن النبی (ص) و الائمة (ع)، و فی الروایات توجد اشارات بخصوص جنس الخاتم، و شکله و النقش علیه. و اضافة لذلک فقد وردت التوصیة بانه من الافضل ان یکون الخاتم فی الید الیمنی. ان جمیع الاحکام التی وضعها الاسلام بخصوص لبس الخاتم لها جنبة استحبابیة. نعم ...
  • من هو أبو سعید الخدری؟ و هل کان محباً لأهل البیت (ع)؟ و هل کان یؤمن بإمامة أمیر المؤمنین(ع)؟
    6680 تاريخ بزرگان 2009/02/28
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • ما معنى مكر الله؟
    6170 التفسیر 2012/03/12
    سئل الإمام الرضا (ع) عن نسبة الخديعة و الإستهزاء و المكر لله في القرآن الكريم، فقال: "إن الله عزّوجلّ لا يسخر و لا يستهزئ و لا يمكر و لا يخادع و لكنّه عزّ و جلّ يجازيهم جزاء السخرية و جزاء الإستهزاء و جزاء المكر و الخديعة...". ...
  • هل صحیح أن قبر الإمام أمیر المؤمنین علی (ع) فی العین الیمنى لسیدنا آدم (ع)؟
    6852 تاريخ بزرگان 2013/12/03
    1ـ اختلفت الروایات و النصوص التاریخیة عن محل دفن آدم (ع). فمنها ما تنصّ على أن محل دفنه فی حرم الله (فی مکة المکرمة و حوالیها).[1] و منها ما تنص على أن محل دفنه هو مدینة النجف و عند قبر الإمام علی (ع).

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280469 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259124 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129819 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116215 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89700 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61317 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60568 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57475 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52102 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48168 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...