Please Wait
6500
لقد قسّم القرآن الكريم الناس في سورة الحمد إلى ثلاث فرق و قد ذكر مصاديق هذه الفرق في السور الأخرى حتى يوصل المعنى في النهاية إلى المخاطب كاملاً. أما الفرقة الأولى فهم الذين أنعم الله عليهم و هم أربعة أصناف: الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصالحون. فهؤلاء المصطفّون من قبل الله تعالى بالإنعام، و أبرز شاخص يشخّصهم عن غیرهم طاعتهم لله تعالی.
و هناك عدة إحتمالات في الفرقة الثانية "المغضوب عليهم" و الثالثة "الضالين" الذين يتشابهون كثيراً. الإحتمال الأوّل هو أن الضالّين هم التائهون العاديّون و المغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون أو المنافقون. أما الإحتمال الآخر هو أن اليهود المنحرفين، هم المراد الأصلي من المغضوب عليهم و ذلك بسبب عداءهم الشديد للإسلام و إن المسيحيين المنحرفين هم الضالون بسبب كونهم أقل تعنتاً، أما الإحتمال الثالث هو أن المغضوب عليهم هم الذين يسعون في إضلال الآخرين فضلاً عن ضلالهم، أما الضالون فليس لهم هذا السعي.
لقد قسّم القرآن الكريم الناس في السورة إلى ثلاث فرق:
1ـ هم المنعّمون بنعمة الهداية و الثابتون عليها، 2ـ المغضوب عليهم، 3ـ الضالّون.
الف ـ لقد ذكر القرآن الكريم مصاديق لهؤلاء الفرق شرحاً لحالهم و تعريفاً بهم، و سنفصل البحث فیهم من خلال الاستعاني بالآيات المباركة.
جاء في سورة النساء التعرض لمصاديق الذين " أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " و هم: "فَلَا وَ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يجَدُواْ فىِ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا".[1]
فهذه الآية المباركة قد بيّنت أن الذين أنعم الله عليهم هم أربع فرق: الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصّالحون. و هؤلاء لهم صفات خاصة و واضحة أهمّها الصدق و العمل الصالح و هاتان الصفتان تعتبران القاسم المشترك بين تلک الطوائف.
ب ـ أما ما يختص توضيح مفاهيم و مصاديق الفرقة الثانية و الثالثة الذين يقتربون من بعضهم البعض في صفاتهم ـ الذين جانبوا طريق الحق و ضلّوا عن صراط الرحمة الإلهية ـ فيوجد إختلاف جزئي بينهم، و قد ذكر المحققون ثلاثة إحتمالات حسب ما جاء في الروايات:
1ـ يستفاد من استعمال التعبيرين في القرآن أن "المغضوب عليهم" أسوء و أحط منزلة من "الضالين" أي، إن "الضالّين" هم التائهون، و "المغضوب عليهم" هم المنحرفون المعاندون أو المنافقون، و لذلك استحقوا لعن الله و غضبه.[2]
2ـ ذهب جمع من المفسّرين إلى القول بأن المقصود من "الضّالين" المنحرفون من النصارى، و "المغضوب عليهم" المنحرفون من اليهود.
هذا الفهم ينطلق من مواقف هذين الفريقين تجاه الدعوة الإسلامية ـ فالقرآن يصرح مراراً أن المنحرفين من اليهود كانوا يكنّون عداءً شديداً و حقداً دفيناً للإسلام مع إن علماء اليهود كانوا من مبشري ظهور الإسلام، لكنهم تحولوا إلى أعداء للإسلام لدى انتشار الدعوة لأسباب عديدة لا مجال لذكرها، منها تعرض مصالحهم المادية للخطر ـ ( شأنهم شأن الصهاينة اليوم و موقفهم من الإسلام و المسلمين) ... أما منحرفوا النصاری فلم يبلغ موقفهم تجاه الإسلام هذا التعنت بل كانوا ضالّين في معرفة الحق.[3]
من هنا یکون التعبير بـ "المغضوب عليهم" صحيحا جداً، و تجدر الإشارة إلى أن هذا التعبير في الواقع من قبيل تطبيق الكلي على الفرد، أي أن هؤلاء من أبرز مصاديق هذا المفهوم و مفهوم المغضوب عليهم و الضالين يضم أفراداً و فرقاً كثیرة.
3ـ من المحتمل أن "الضالين" إشارة إلى التائهين الذين لا يصرّون على تضليل الآخرين، بينما "المغضوب عليهم" هم الضالّون المضلّون الذين يسعون إلى جر الآخرين نحو هاوية الإنحراف![4]
و قد ذكر القرآن الكريم و مصاديق مختلفة للضالين و المغضوب عليهم نشير إلى بعضها من باب المثال: " وَ يُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَ الْمُنَافِقَاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيهْمْ دَائرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ سَاءَتْ مَصِيرًا".[5] "أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْالُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئلَ مُوسىَ مِن قَبْلُ وَ مَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْايمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيل".[6] "مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئنُِّ بِالايمَانِ وَ لاكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم".[7]
فالقرآن إعتبر هذه الفرقة في عداد " الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " و "الضالين" و وجه الإشتراك فيما بينما هو عدم طاعة الله و الإنصياع لأوامره، و كل منهم خالف الله تعالى بنحو من الإتحاد و في النهاية عدّوا من الضالين أو المغضوب عليهم.
[1] النساء، 65.
[2] مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج 1، ص 60، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.
[3] نفس المصدر، ج 1، ص 60.
[4] نفس المصدر، ج 1، ص 61.
[5] الفتح، 6.
[6] البقرة، 108.
[7] النحل، 106.