بحث متقدم
الزيارة
9999
محدثة عن: 2008/12/20
خلاصة السؤال
لماذا علی (ع) ما عارض المنع عن کتابة وصیة النبی (ص)؟
السؤال
لماذا عند ما أراد النبی (ص) أن یکتب کتاباً لأصحابه قبل وفاته حتى لن یضلوا بعده، ما قال علی (ع) شیئاً، و هو أشجع الناس و ما کانت تأخذه فی الله لومة لائم؟! و کان یعرف أن من لم یقل الحق شیطان أخرس!
الجواب الإجمالي

إن منع النبی (ص) عن تحقق إرادته و مطلوبه (طلب أن یأتوا له بقلم و دواة لیکتب وصیة قبل وفاته و لم یأتوا بهما)، من الاحداث التأریخیة المشهورة. و عرفت فی الکتب التأریخیة بأسماء مختلفة منها واقعة "یوم الخمیس"  أو واقعة "القلم و الدواة". و سکوت الامام علی (ع) فی هذه الواقعة لا تدل على نفی أصل وقوعها، بل ینبغی علینا أن نعرف أسباب هذا السکوت و هل سکوت الامام ینافی شجاعته أو لا؟

إذا راجعنا واقعة "القلم و الدواة" فی الکتب التاریخیة و غیر التاریخیة لاستخرجنا النقاط التالیة:

1. رجل إتهم النبی (ص) بالهجر، ذلک النبی الذی قال تعالى عنه: " و ما ینطق عن الهوى * إن هو الا وحی یوحى" و الوصایة تعدّ من أهم مسائل الرسالة.

2. النزاع و الاختلاف عند فراش رسول الله (ص) و هو مریض کان أمرا خاطئاً، و مع ذلک بدأ النزاع. فکان کل صوت یرتفع لمعارضة الرجل المخالف یؤجج النزاع و یؤلم رسول الله (ص) أکثر.

3. عارض بعض الحاضرین ذلک الرجل الذی منع من کتابة وصیة رسول الله (ص) و لکن النزاع تأجج و لم یقبل ذلک الرجل و أتباعه قول المخالفین فأبعد النبی (ص) الجمیع عن فراشه. و حسب ما ورد فی بعض الروایات المذکورة فی مصادر إخواننا السنة، ذلک الرجل هو عمر بن الخطاب![i]

4. کانت ولایة على (ع) و حقانیته واضحة وضوح الشمس بحیث لم یشک أی شخص فی کونه وصی رسول الله (ص) و أراد علی (ع) بسکوته فی بیت النبی (ص) أن یحافظ على المصالح التی مرّ ذکرها. و طبعاً اعترض (ع) مرات بعد واقعة السقیفة على سلب حقه و لکنه صبر و سکت سنیناً طویلة مراعاة لمصالح الاسلام و المسلمین و کان یرشد الخلفاء کمشاور أمین.



[i] بخاری، کتاب العلم، باب کتابة العلم، 1/22ـ 23.

الجواب التفصيلي

إن منع النبی (ص) عن تحقق إرادته و مطلوبه ـ طلب أن یأتوا له بقلم و دواة لیکتب وصیة قبل وفاته و لکنهم إمتنعواـ من الاحداث التأریخیة المشهورة . و عُرفت فی الکتب التأریخیة بأسماء مختلفة منها واقعة "یوم الخمیس" أو واقعة "القلم و الدواة" و تواتر نقلها فی النصوص الروائیة لاخواننا أهل السنة و سکوت الامام علی (ع) فی هذه الواقعة لا تدل على نفی أصل وقوعها، بل ینبغی علینا أن نعرف أسباب هذا السکوت و هل سکوت الامام ینافی شجاعته أو کان لحفظ المصالح الاسلامیة، تلک المصالح التی لأجلها تنازل عن مطالبته و هی لا تنافی شجاعته الفریدة؟

لا بأس أن نشیر الى واقعة "القلم و الدواة" أو واقعة "یوم الخمیس" و ما جرى فیها لنبیّن بعد ذلک الاجابة على السؤال:

یقول الامام البخاری أعظم المحدثین السنة و صاحب صحیح البخاری عن ابن عباس: "لما حضر النبی (ص) و فی البیت رجال فیهم عمر بن الخطاب قال: هلم أکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده، قال عمر: إن النبی غلبه الوجع و عندکم کتاب الله، فحسبنا کتاب الله، و اختلف أهل البیت فمنهم من یقول ما قال عمر، فلما أکثروا اللغط و الاختلاف قال: قوموا عنی، لا ینبغی عندی التنازع".[1]

و ینقل البخاری عن ابن عباس فی روایة أخرى أنه کان ابن عباس یقول: إن الرزیة کل الرزیة ما حال بین رسول الله (ص) و بین أن یکتب لهم ذلک الکتاب من اختلافهم و لغطهم.[2]

وقعت هذه الواقعة فی یوم الخمیس قبل أربعة أیام من وفاة النبی الاکرم (ص) و من الملفت للنظر هو أن النبی لاجل أن یقضی على جمیع المعارضات مع ولایة علی (ع) أرسل بعض الصحابة؛ مثل أبوبکر و عمر و عثمان و أبوعبیدة الجراح و طلحة و زبیر و عبدالرحمن بن عوف و سعد بن ابی وقاص،[3] مع جیش أسامة الى أقصى حدود الدولة الاسلامیة (حدود روم). و بالرغم من أنّ إخلاء مرکز الحکومة من القوات العسکریة عند وفاة النبی ما کان یبدو بصالح الامة الاسلامیة فقد کان بسببه، یتجرأ المسلمون الجدد و الحکومات و القبائل المجاورة على شن هجومٍ على مرکز الحکومة و لکن مع کل ذلک فان الذی یبرّر خطوة النبی (ص) هو إبعاد مخالفی خلافة الامام علی (ع) من المدینة. أعدّ هذا الجیش قبل أیام من إرتحال النبی (ص) و بأمره فقد قال: "جهزوا جیش أسامة لعن الله من تخلّف عنه".[4] و من جانب آخر، عفی انصار الامام علی (ع) و المؤیدین لخلافته کعمار و مقداد و سلمان من الجیش و ما کان للأمام علی (ع) ذکر فی هذا الجیش.[5]

و لکن مع هذه المقدمات فالبعض تخلى عن جیش أسامة و رجع الى المدینة عند ما سمع بشائعة وفاة النبی (ص) و تجمهروا فی بیت النبی و حدثت واقعة یوم الخمیس.

و تشیر صفحات التأریخ الى الصحابة الذین اعترضوا على عمر و منهم جابر بن عبد الله الأنصاری.[6]

لو راجعنا مرة أخرى حدیث ابن عباس و روایته عن تلک الواقعة لتّضح لنا أن النزاع و المناوشة فی ذلک الظرف الذی کان النبی اشتد (ص) علیه الوجع لن یکن عملاً صواباً و هذا النزاع و المناوشة کان السبب لعدم کتابة وصیة النبی (ص).

لو ما کان یعترض عمر بن الخطاب بهذا الاعتراض و لم یحصل الخلاف و النزاع عند فراش رسول الله (ص) لکتب النبی (ص) وصیته.

و مما تقدم یتضح سبب امتناع علی (ع) عن النزاع و الخلاف. فالنبی الذی کان تعالیمه تدعو الى الوحدة و تألیف القلوب[7] ما کان ینبغی أن یأجج من النزاع و الخلاف. و مضافاً لهذا ما الضمان أن الذین رفضوا کلام النبی (ص) ـ و اتهموه بالهجر لان الوجع غلب علیه ـ یستمعوا قول علی (ع)؟ کما أن بعض الصحابة الأجلاء کجابر بن عبد الله الأنصاری خالف موقف الخلیفة الثانیة و لکن غلبهم إصرار المعارضین على موقفهم. إذن فی ذلک الوضع کان کل موقف إیجابی أو سلبی یؤجج من النزاع و المشاجرة عند فراش النبی (ص) خطأ قطعاً. و طبعاً قضیة وصایة علی (ع) لم تکن قضیة مخفیة أو مجهولة ذلک أنه النبی (ص) کان قد أکد علیها فی مواطن مختلفة مراراً و تکراراً بحیث أن الجمیع علم بها و ألقیت الحجة الشرعیة علیهم. و جمع السیوطی هذه الاحادیث فی کتابه تاریخ الخلفاء. و من جملتها عبارة "من کنت مولاه فعلی مولاه" التی رواها عن الترمذی و عن أبی سریحة أو زید بن أرقم، و عبارة: "اللهم وال من والاه و عاد من عاداه"، التی رواها عن أحمد بن حنبل و الطبرانی عن طریق ابن عمر عن مالک بن الحوریث عن جریر عن سعد بن ابی وقاص عن ابی سعد الخدری عن أنس عن ابن عباس عن ... .

و کذلک عبارة: "أنت منی بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبی بعدی" التی رواها عن أحمد بن حنبل و الطبرانی عن طرق مختلفة.[8]

نعم، لم یمر بواقعة "غدیر خم" العظیمة أکثر من أشهر، فلا یمکن ان ینسى أحد تلک الواقعة بعد هذه الاشهر القلیلة، و لهذا لم یجد علی (ع) داعیاً للدخول فی هذه المشاجرة و إمتنع عن ذلک فی بیت رسول الله (ص) مراعاة لحال النبی و احتراماً لشأنه، و لکنه لم یأبى عن قول الحق بعد ذلک الموقف و إنما ـ کما نقل أحمد فی مسنده (1/155) و الطبری فی تاریخه (2/466) و آخرون کابن کثیر و ابن هشام ـ عارض موقف الناس من الخلافة فتحصّن.

مع جماعة فی بیت فاطمة (س)، و ذهب الى المسجد و شهد له عدد کبیر من الحاضرین (أو 30 رجلاً) بما رأوه فی واقعة الغدیر.[9] فاذن علی (ع) لم یأبى عن قول الحق بل سعى کل السعی حتى یسترجع حقه من دون أن تخدش وحدة الامة الاسلامیة أو تسیل قطرة دم.

و لعل إصرار علی (ع) على معارضته کان یعمّق من الاختلافات الداخلیة و یقضی على أصل الاسلام الذی فقد قریباً نبیّه و قائده، و کان أعداءه تترقّب الفرصة للنیل منه. کما أن المؤرخین ذکروا أن بعد وفاة النبی (ص) ارتدّت و إمتنعت کثیر من قبائل العرب عن دفع الزکاة.[10]

بلى، إنّ علیاً (ع) کان حریص على حفظ ما نهض النبی الاکرم (ص) بأعبائه و صعوباته و کان (ع) لا یبالی بتضحیة نفسه و عیاله فداءاً لحفظ مصالح الاسلام و لکی یبقى الاسلام و تنتقل تعالیمه الى الاجیال القادمة. و لذلک، سکت (ع) سنیناً و کان یتعاون بعد رسول الله مع الخلفاء و یشاورهم فی أمور الخلافة.



[1] بخاری، کتاب العلم ، باب کتابة العلم، 1/22ـ23؛ معالم المدرستین، العلامة العسکری، ج1، ص140.

[2] صحیح البخاری، کتاب الاعتصام بالکتاب و السنة، باب کراهیة الخلاف و باب قول المریض: قوموا عنی من کتاب المرضى؛ معالم المدرستین، العلامة العسکری، ج1، ص140.

[3] الطبقات الکبرى، ج 2، ص 189؛ (پیامبر أعظم سیره و تاریخ)، مجموعة من المؤلفین، ص131.

[4] الملل و النحل، الشهرستانی، ج 1، ص 189؛ نقلاً عن (پیامبر أعظم سیره و تاریخ)، مجموعة من المؤلفین، ص 132.

[5] الطبقات الکبرى، ج 2، ص 189؛ (پیامبر أعظم سیره و تاریخ)، ص 131.

[6] الهیثمی، مجمع الزوائد، ج 4، ص 309 و ج 8، ص 609؛ (پیامبر أعظم سیره و تاریخ)، ص 134. 

[7] هناک آیات قرآنیة متعددة تدعو المسلمین الى الوحدة و الاجتناب عن النزاع و الاختلاف منها قوله تعالى فی الآیة 46 من سورة الانفال: "و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ریحکم".

[8] تاریخ الخلفاء، السیوطی، ص 157

[9] معالم المدرستین، العلامة العسکری، ج 1، ص 489.

[10] المصدر السابق، ج 1، ص 165.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...