Please Wait
8429
المعنى اللغوی و الاصطلاحی للحشر:
الحشر فی اللغة هو الجمع، و فی الاصطلاح حشر الخلائق من قبل الله للمسائلة و الجواب.
و قد ورد فیها- ای فی حشر الحیوانات- رأیان بشکل کلی و إجمالی:
1 ـ لا وجود لبعث الحیوانات و حشرها، و إنما موت الحیوان هو قیامته وحشره لأن الحیوان غیر مکلف، و إنما یختص السؤال و الحساب بالمکلفین.
2ـ و فی مقابل الرأی الأول قال البعض ان للحیوانات قیامة و حشراً کما هو للإنسان و إنها تحشر یوم القیامة، ذلک لأن جمیع الحیوانات لها شعور و إحساس و إدراک، و إنها سوف تسأل على قدر ما تملک من إدراک وشعور.
علم الحیوانات وشعورها:
إضافةً إلى الآیات و الروایات الکثیرة الدالة على علم الحیوانات و شعورها فإن التجارب و العلوم الحدیثة تؤید هذا المدعى، فمن جملة الآیات الدالة على ذلک یمکن أن یستدل بکلام النمل و فراره من جیش سلیمان (ع)، و کذلک قصة سفر الهدهد إلى منطقة سبأ فی الیمن و جلبه الأخبار المثیرة و العجیبة لسلیمان (ع)، و کذلک اشتراک الطیور فی مناورات حضرت سلیمان و .... کل ذلک یمکن أن یشکل دلیلاً على أن للحیوانات شعوراً یتعدى غرائزها. و هکذا بالنسبة إلى الروایات التی تبین بعض المراتب و الدرجات للحیوانات، فإنها تدل على وجود الإدراک والشعور للحیوانات، و إلا فلا معنى لإعطائها مثل هذه الدرجات و المراتب، و مثال ذلک ما ورد عن الإمام السجاد (ع) فی قوله: إن رسول الله (ص) قال: "ما من بعیر یوقف [علیه] موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة وبارک فی نسله".
و أما فیما یخص التجربة و الملاحظة فإننا نرى أن عموم الحیوانات على معرفة و إطلاع بما ینفعها و ما یضرها، و إنها تعرف عدوها و صدیقها، و أنها تفر من الخطر إذا ما داهمها، کما أنها تتحرک باتجاه منافعها. أو إنها على استعداد للتعلم و القیام بعض المهام الموکلة إلیها. و کل ما تقدم إنما یدل على امتلاک الحیوان شعوراً و إدراکاً یتجاوز غرائزه. فإذا قلنا ان الإدراک و الشعور هو الملاک الذی یصحح قیامة الإنسان وحشره و رجوعه إلى الله، فلیکن إدراک الحیوان و شعوره ملاکاً لقیامته و حشره و رجوعه إلى الله أیضاً. وقد تمسک القائلون بقیامة الحیوانات و حشرها بالآیة الشریفة فی قوله تعالى: «وإذا الوحوش حُشرت» و قالوا: ان المراد بالآیة هو جمع الحیوانات و حشرها یوم القیامة. وإن هذا الرأی یعضده و یقویه ما جاء فی الآیة الشریفة فی قوله تعالى: «وَ مَا مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا طَائِرٍ یَطِیرُ بِجَنَاحَیْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُکُمْ مَا فَرَّطْنَا فِی الْکِتَابِ مِنْ شَیْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ یُحْشَرُونَ».
ففی هذه الآیة یشبه الحق تعالى الحیوانات بالإنسان و ذلک فی قوله «أمم أمثالکم» و فی متابعة الآیة الشریفة نلتقی بقوله تعالى: «ثم إلى ربهم یحشرون» و فیها دلالة على أن الحیوانات کالإنسان فإنها سوف تموت و من بعد ذلک تنشر و تساق إلى ربها فی یوم الحشر. و قد أیدت الروایات الإسلامیة هذا المعنى، فقد وردت روایة عن طریق أهل السنة عن النبی (ص) أنه قال فی تفسیر الآیة المتقدمة: إن الله سبحانه سوف ینشر جمیع هذه الدواب و یأخذ القصاص لبعضها من البعض الآخر، حتى أنه یأخذ القصاص للحیوان الذی لا یملک قرناً من الآخر الذی یضربه بقرنه. و هناک روایات أخرى فی هذا المجال منها: "ان الله ینتصف للشاة الجماء من القرناء".
المعنى اللغوی و الاصطلاحی:
الحشر فی اللغة بمعنى الجمع[1]، و قد استعمل هذا المعنى فی قوله تعالى: «ذَلِکَ حَشْرٌ عَلَیْنَا یَسِیرٌ»[2]. و اما فی الاصطلاح الشرعی فقد جاء الحشر بمعنى جمع الله سبحانه الخلائق یوم القیامة للحساب و السؤال کما فی قوله تعالى: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ»[3]. و الوحوش: جمع مفردها (وحش) و الحیوان الوحشی یقابله الحیوان الألیف[4] و قد أطلق لفظ الوحشی على الحیوانات التی لا تألف الإنسان و لا تأنس بقربه.[5]
ثم ان مسألة قیامة الحیوانات و حشرها من المسائل التی اختلف فیها المتکلمون و المفسرون فقد اعتقد البعض بأن القیامة و السؤال و الجواب هو من مختصات المکلفین و بما أن الحیوانات غیر مکلفة فلا قیامة لها و لا حساب، و إن قیامة کل حیوان موته و إنما القیامة من شأن الجن و الإنس. و فی مقابل ذلک ذهب أکثر العلماء الى القول بأن جمیع الحیوانات لها شعور و إدراک و إنها تحشر یوم القیامة و تحاسب بما یتناسب و ما تمتلک من شعور و إدراک.
علم الحیوانات و شعورها:
توجد الکثیر من الآیات و الروایات الدالة على امتلاک الحیوانات للعلم و الشعور إضافة إلى أن تجارب الإنسان و علمه الحدیث یؤید هذا المعنى و یعضد هذا المدعى، فیمکن أن یستدل على ذلک بفرار النمل إلى مساکنه عند مرور جیش سلیمان[6] و کذلک قصة سفر الهدهد إلى سبأ فی الیمن و عودته حاملاً أخباراً مثیرة لسلیمان (ع)[7] و مشارکة الطیور فی المناورات التی أجراها سلیمان[8]، و کذلک کلام الطیور مع بعضها و افتخار سلیمان (ع) بأن الله علمه منطق الطیر[9] و کل ما تقدم یدل على أن للحیوانات شعوراً و إدراکاً یفوق غرائزها، فقد جاء فی القرآن الکریم أن جمیع الموجودات «وَ إِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ»[10] و قد ذهب العلامة الطباطبائی الى ان الآیة من أفضل الأدلة على أن هذا التسبیح ناشئ عن علم و أنه بلسان المقال لا لسان الحال، اذ لو کان المراد أن التسبیح بلسان الحال الذی یدل على وجود الصانع، فلا معنى لقوله تعالى: «وَ لَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ» حیث قال: و الحق ان التسبیح حقیقی قالی فلامعنى لحملها على التسبیح بلسان الحال.[11]
و قد ورد فی بعض الروایات إثبات الدرجات و المراتب لبعض الحیوانات کمثل الروایة التی تقول ان الجمل الذی یسیر إلى مکة ثلاث مرات فإنه من أهل الجنة[12] أو کما روی عن الإمام السجاد قوله: «إن رسول الله (ص) قال: ما من بعیر یوقف [علیه] موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة وبارک فی نسله)[13] و مثل هذه الروایات تدل على أن للحیوانات إدراکاً و شعوراً، و إلا فلا معنى لإعطاء الحیوانات مثل هذه الدرجات و المراتب و المنزلة. و أما من حیث العلم و التجربة فإننا نشاهد أن عموم الحیوانات لها علم بمنافعها و مضارها، و أنها تعرف أعداءها و أصدقاءها، کما أنها تفر عندما تواجه الأخطار و تتحرک باتجاه منافعها إضافة إلى قبولها التعلیم و قیامها ببعض المهام الموکلة إلیها.
حشر الحیوانات و شباهته بحشر الإنسان:
المستفاد من الآیات و الروایات و بشکل واضح هو أن الحیوانات کالإنسان فی مسألة الحشر و الرجوع إلى الله، فکما أن ملاک الإدراک و الشعور هو الذی یصحح قیامة الإنسان و حشره، فإن للحیوانات قدراً من الإدراک و الشعور یصحح قیامتها و حشرها و إن کان ذلک بما یتناسب مع وجودها، و من الآیات التی تم التمسک بها فی إثبات ذلک قوله تعالى فی الآیة الشریفة: «وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ»[14] حیث قالوا: ان الآیة تدل على جمع الحیوانات و حشرها یوم القیامة، و إن قال البعض بأن الآیة تشیر إلى مقدمات القیامة و بدایة فناء العالم[15] و لکن الکثیر من المفسرین القائلین بالحشر عضدوا رأیهم و أیدوه بالتوجه إلى الآیة الشریفة فی قوله تعالى: «وَ مَا مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا طَائِرٍ یَطِیرُ بِجَنَاحَیْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُکُمْ مَا فَرَّطْنَا فِی الْکِتَابِ مِنْ شَیْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ یُحْشَرُونَ»[16] هذا و إن کان البعض یعتقد فی أن المراد من قوله (أمم أمثالکم) هو أن هذه الحیوانات خلق الله کما أنتم خلق الله، و إن کل واحد منها هو دلیل على عظمة الخالق الواحد و علمه و قدرته و حکمته[17]، و فی اعتقاد البعض الآخر فإن المراد بالآیة فی تماثل الحیوانات مع الإنسان هو فی عدة أمور منها تناول الغذاء و النوم و الیقظة و طریقة الحیاة و الاحتیاجات و تدبیر أمور أولادها لتؤمن لها حیاةً مقبولة ترسم لها الخطوط العریضة التی تدیم حالتها.[18] و لکن الکثیر من العلماء استظهروا من قوله تعالى فی آخر الآیة «ثم إلى ربهم یحشرون»، أن المراد هو أن الحیوانات مثلکم یطالها الموت ثم تنشر بعد ذلک و تحشر إلى خالقها فی نهایة الأمر[19]، و قد أیدت الروایات والأخبار الإسلامیة هذا المعنى و من جملة ذلک ما نقل عن أبی ذر حیث قال: بینا أنا عند رسول الله (ص) إذ انتطحت عنزان فقال رسول الله (ص) أتدرون فیما انتطحتا؟ فقالوا: لا ندری، قال: "و لکن الله یدری و سیقضی بینهما".[20]
و فی روایة عن النبی (ص) من طریق أهل السنة أنه نقل عنه فی تفسیر الآیة المتقدمة: إن الله سبحانه سینشر جمیع هذه الدواب یوم القیامة و یأخذ القصاص لبعضها من البعض الآخر حتى قصاص،وقد اشارت الروایات الی ذلک حیث قال (ص): " ان الله ینتصف للشاة الجماء –الجلحاء- من القرناء".[21] و کذلک توجد روایات أخرى فی هذا المجال.[22]
[1] القرشی، سید علی أکبر، قاموس قرآن" قاموس القرآن"، ج2، ص 145.
[2] ق، 44.
[3] البقرة، 203.
[4] قاموس قرآن "قاموس القرآن"، ج 7، ص 189.
[5] مفردات الراغب، مادة (وحش).
[6] النمل، 18.
[7] النمل، 21.
[8] النمل، 17.
[9] النمل، 16.
[10] الإسراء، 44.
[11] العلامة الطباطبائی، محمد حسین،تفسیر المیزان، الناشر المؤسسة العلمیة و الفکریة للعلامة الطباطبائی، التاریخ: 1363، ج 13، ص 110-112.
[12] العروسی الحویزی، تفسیر نور الثقلین، الناشر: مؤسسة مطبوعات اسماعیلیان، الطبعة الرابعة 1373 هـ . ش، ج 1 ص 715 ، حدیث 68.
[13] نفس المصدر، الحدیث 70.
[14] التکویر، 5.
[15] مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر نمونه "التفسیر الأمثل"، ج 26 ، ص 173 و 174.
[16] الأنعام، 38.
[17] الطبرسی، تفسیر مجمع البیان، الناشر: دار المعرفة، الطبعة الثانیة، 1408 هـ . ق. الجزء الثالث (ج3 و 4) ص 461.
[18] نفس المصدر.
[19] نفس المصدر.
[20] المصدر السابق، و تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 715 ، حدیث 69.
[21] محمد رشید رضا، تفسیر المنار، ج 7، ص 326.
[22] راجع بحار الأنوار، ج 7 ، ص 353 إلى 377.