Please Wait
8843
یمکن تناول موضوع الحریة بالبحث و الدراسة فی دائرتین من خلال الرؤیة الدینیة: الحریة المعنویة، و الحریة الاجتماعیة و السیاسیة. فبالنسبة للبعد المعنوی فإن حقیقة الإنسان هی نفسه المجردة (والتی تکون منزهة فی ذاتها من المادة و الجسم و صفاته، و لأنها من عالم الامر و ساحة الملکوت فإنها تحن إلى موطنها).
و أما من جهة کون النفس متعلقة بالجسم فهی مقیدة و مکبلة بالقیود الأرضیة المادیة. فالإنسان مجبر على أن یتابع سیره التکاملی من خلال الدنیا، فالدنیا مزرعة الآخرة، و لکن البعض و بسبب نظرته الاستقلالیة لمظاهر الدنیا اتخذها لهواً و لعباً و ذلک مما أدى إلى منع هذه الفئة من السیر و الصعود و الترقی. و بدلاً من التوجه إلى الأمور الأساسیة الباطنیة الحقیقیة توهم الأصالة لبعض الموجودات الظاهریة المحسوسة، مما جعله یغفل بشکل کلی عن ملکوت الأشیاء و حقیقتها. و من هنا ظن طلاب الدنیا أن بلوغ التمنیات فیها و الولوغ بلا حدود فی زخرفها و زبرجها هو نوع من التحرر و رفع القیود. فی حین أن الحریة - فی واقع الأمر - هی بالإفلات من قبضة الدنیا و التحرر من الهوى، و هذا النوع من الحریة هو الذی یطلبه الدین و یدعو إلیه.
فکم من ملک یبسط هیمنته على مملکة مترامیة الأطراف و لکنه فی نظر الدین أسیر و عبد لهواه و شهواته، و کم من فقیر هو فی منتهى الفقر و الحاجة و لکنه ملک و سلطان على مملکة نفسه و قابض على أزمة هواه و شهواته.
و النتیجة هی: إن ما یبحث عنه طلاب الدنیا هو حریة مجازیة و وهمیة و أن ما یریده الدین هو حریة حقیقیة. و أما فیما یخص البعد الاجتماعی فی مسألة الحریة فإن الفکر الدینی و خصوصاً الفکر الإسلامی فی میدان الاجتماع و السیاسة فإنه ینظر إلى الحریة نظرة واقعیة، فلا یجیز الحریة إلى حد الإفراط و بلا حدود، و لا یقبل أن یجبر الإنسان على تقبل جمیع قیود الخارج و تحمل کل سلطة غیر عادلة تهدر کرامته و تسلب عزته. و لذلک یمکن القول: إن الحریة الفردیة و الاجتماعیة موجودة فی الإسلام و لکن بنظرة مختلفة عما هو علیه فی العالم الغربی.
فکما کانت نظرة الدین الاعتقادیة ترى أن أساس کل عمل هو الله سبحانه، و لذلک فلا بد أن تکون جمیع الأعمال التی یقوم بها الإنسان مطابقة لأوامر الله و قوانینه و فی طریق کسب رضاه، کذلک الأمر فی جهة الأخلاق و الثقافة و شمولیتها فقد دعا المجتمع البشری إلى بسط العدل و القسط فی جمیع میادین الحیاة ، و منع من التعدی و التجاوز على حقوق الآخرین أیاً کان نوعها، و من ناحیة أخرى أوصى الإنسان و حثه على طلب العلم و التعلم و معرفة الطرق الصحیحة للاستفادة من هذا العلم و استثماره.
من جهة أن النفس و الروح مجردة فإنها منزهة فی ذاتها من الجسم و المادة و جمیع صفات الجسم، فلیس لنفس الإنسان امتداد فی الطول و العرض و العمق و الکیفیات و الحرارة و البرودة و الجهات کالنزول و الصعود و قبل و بعد و جمیع أحوال الجسم الأخرى.[1] و حیث أنها من عالم الأمر، فإن لها نظراً و توجهاً إلى موطنها. کما یقول الشاعر:
إن کل من یبتعد عن موطنه الأصلی
فإنه یرغب فی العودة إلیه یوماً ما[2]
فالموجودات فی عالم الوجود إما أن تکون مبثوثة فی وعاء عالم المُلک و الجسم و المادة، و إما أن توجد فی عالم الملکوت و التجرد و الأمر. ففوق عالم الأجسام الذی یشتمل على نظام التدرج عالم آخر یشتمل على موجودات غیر تدرجیة (غیر زمانیة) و هو عالم الأمر، و إن موجودات عالم الأمر محیطة بموجودات عالم الخلق[3] (و إن له الأمر و الخلق) کما یعبر القرآن الکریم.
{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ}[4] و بالنظر إلى أن النفس لها نوع تعلق بما هو جسم و بدن، فکأنها صارت أرضیةً، مکبلة و مقیدة بأوتاد أرضیة[5]
فالإنسان مع انه مجبور على المرور عن طریق الدنیا للوصول إلى کمالاته المتعالیة، و لا بد له أن یتعلم فی مدرسة التدرج و التوالی و القوة و الفعل و العبور و التحول و الزمان و المادة لیصل إلى الحقائق الثابتة المعنویة فیما وراء المادة و الزمن (الدنیا مزرعة الآخرة)،[6] لکن التوجه إلى الدنیا و أمانیها الکاذبة بنظرة استقلالیة منفصلة یمنع الإنسان عن سلوک طریق الارتقاء و الصعود فإنه لا یخطر فی ذهنه التحلیق فی عالم الملکوت، و تخدعه بمظاهرها البراقة التی تزینها له إلى حدٍ یتصور معه أنه سیخلد فیها إلى الأبد. کما عبر الإمام علی(ع): (من أبصر بها بصّرته، و من أبصر إلیها أعمته).[7]
الحیاة الدنیویة:
وصف الله سبحانه الحیاة الدنیا فی القرآن الکریم فقال: {إِنَّمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}[8] فاللعب هو الفعل الذی لیس له غایة و هدف إلا الخیال و الوهم و (اللهو) هو کل شیء یجعل الإنسان مشغولاً بنفسه فینسى الآخرین و لا یلتفت إلیهم، و على هذا الأساس فإن فی الآیة إشارة إلى أن تعلق النفس بالبدن و جعْل البدن وسیلة و واسطة لتحصیل الکمال، جعل الإنسان مشغولاً بنفسه و قد نسی الآخرین من حوله، و منشأ هذا النسیان هو أن الحیاة الدنیا تخدع الروح و تغرها إلى حد یجعلها تتخیل أنها متحدة بالبدن، و بعد هذا التوهم تنقطع عن عالم ما وراء الجسم، وتنسى کل ما کان لها من جلال و جمال و بهاء و نور و سرور فی النشأة ما قبل المادة (عالم الأمر) و لا تتذکر مراتب القرب و ما کانت ترافق من أخلائها الأطهار و أجواء الأنس و القدس التی خلفتها وراءها و لذلک یُنفق الإنسان عمره باللهو و اللعب و یتعامل مع کل ما یواجهه فی هذه الحیاة من خلال الأمانی الکاذبة و الخیال الخادع، و عندما یصل إلى ما یتمنى لم یجد فیه شیئاً من الواقع و الواقعیة.[9]
قال تعالى: {وَالَّذِینَ کَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ کَسَرَابٍ بِقِیعَةٍ یَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِیعُ الْحِسَابِ}.[10]
أصالة الظاهر و الباطن:
إن الإنسان الذی یتعامل مع الخلق و المُلک فی هذا العالم و الموجودات الجسمانیة المحسوسة على أنها أمور أصیلة و واقعیة، فإن کل اهتمامه و شغله ینصب على الأمور المادیة المحسوسة.مما یجعله فی غفلة دائمة عن باطن الأمور و ما فیها من مظاهر الملکوت. و مثل هذا الإنسان لا یعلم أی معنى للحیاة وراء الأکل و الشرب و النوم و اللذائذ و اللعب و اللهو، کما یقول القرآن: {یَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَ هُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.[11]
أما الإنسان صاحب النظرة الملکوتیة و التی یتوجه من خلالها إلى حقائق الأمور و بواطنها، فإنه ینظر إلى الظاهر على أنه انعکاس و تجلٍ للباطن، و إن الظاهر فرع الملکوت و متطفل علیه. فهو یرى الظاهر کالقشرة الخارجیة و الباطن هو مخ الأشیاء و أساسها، و لذلک فلا یضحی بالأصل و المحتوى من أجل الفرع و القشور، و بتعبیر علی (علیه السلام): "إن أولیاء الله هم الذین نظروا إلى باطن الدنیا إذا نظر الناس إلى ظاهرها، و اشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها".[12]
الأمانی الحقیقیة و المجازیة (الکاذبة):
یظن طلاب الدنیا بأن الوصول إلى التمنیات و الرغبات الدنیویة و تخطی الحدود و القیود فی الاستفادة من زخرف الدنیا و زبرجها هو تحرر من الأغلال و القیود. فی حین أن الواقع خلاف ذلک، فإن الاستماع إلى أوامر و إملاءات النفس الأمارة هی التی توقع الإنسان فی أسر الأغلال و القیود، و النفس الأمارة هی مساحة فی النفس الإنسانیة تعتنی بالجوانب الجسمیة المتدنیة بشکل أکبر، و من خلال تعلقها بالجسم تجعله مقیداً و أسیراً لأمور لا قیمة لها، فیکون طالباً للبقاء و الخلود فی هذه الدنیا، و هذا ما یجعل الإنسان أسیراً لرغبات البدن و یزید من الآصار و الأغلال التی تقید حقیقة الإنسان و محتواه.
و الحریة فی الواقع هی فی الخروج من قبضة الدنیا و سلطان الهوى و الأمانی الخادعة و هذا النوع من التحرر هو ما یریده الدین و یسعى لتحقیقه.
فکم من ملک یبسط هیمنته على مملکة مترامیة الأطراف و لکنه فی نظر الدین أسیر و عبد لهواه و شهواته، و کم من فقیر هو فی منتهى الفقر و الحاجة و لکنه ملک و سلطان على مملکة نفسه و قابض على أزمة هواه و شهواته. و حینما تکون قوى الغضب و الشهوة عند الإنسان خاضعة للقوة العاقلة و تحت سیطرتها فإنها لا تکف عن الإفساد و التخریب فقط، و إنما تتحول إلى عوامل تساعد الإنسان على السیر فی طریق رشده و تکامله، و فی ذلک تظهر فائدتها و نفعها بالنسبة للإنسان.
و الحریة الحقیقیة تکمن فی سیطرة العقل و تحکمه فی عالم النفس و تلقّی قوى الغضب و الشهوة أوامرها منه و انصیاعها لکل ما یصدر عنه.
فالدین یرى أن العبودیة فی تحکم الشهوة و الغضب فی وجود الإنسان و وقوع العقل فی أسر هذه القوى و قبضتها، کما فی قول الإمام علی (علیه السلام): "و کم من عقل أسیر تحت هوى أمیر"[13] و کذلک قوله سلام الله علیه: "ألا حر یدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنه لیس لأنفسکم ثمن إلا الجنة فلا تبیعوها إلا بها".[14]
الحریة المعنویة و الاجتماعیة:
عندما یتحرر الإنسان فی داخله من قبضة المیول و الأهواء و یعتقد بأصالة روحه و نفسه، فإنه سوف یکون سعیداً فی میدان الحیاة الاجتماعیة و السیاسیة و الثقافیة. و کما ورد فی الآیات و الروایات فإن الإنسان یواجه عدوین أحدهما داخلی و الآخر خارجی، یحاولان أسره و الاستحواذ علیه، و أن التغلب على هذین العدوین و التحرر منهما یتحف الإنسان و یهدی إلیه نوعین من الحریة: الداخلیة و الخارجیة.
و مما یُؤسَف له وجود فئات و مجموعات على امتداد الفکر الإسلامی – کالصوفیة مثلاً – فإنها بالقدر الذی بالغت فیه فی میدان الحریة الداخلیة و الانعتاق من قبضة الرذائل الأخلاقیة و الأهواء الشیطانیة، نجدها لا تعیر أهمیة للتحرر الخارجی من آلهة الزور و التزویر و التسلط و عباد الدینار و الدرهم. و فی مقابل هذا اللون من التوجه توجد فئة بذلت قصارى جهدها فی میدان الصراع الخارجی لنیل التحرر الاجتماعی و السیاسی، منطلقین من الاعتقاد بأن أی نوع من أنواع وضع الحدود و الضوابط على الإنسان إنما هو بمنزلة الأسر للإنسان و سبب لتعاسته و خسرانه.
و لکن توجد فئة ثالثة تعتقد أن الإنسان یحتاج إلى النوعین المذکورین من الحریة حتى یتمکن من الوصول إلى کماله و سعادته و حریته الحقیقیة. لأن الارتباط بین النوعین ارتباط قوی و وثیق و لا یقبل الانفکاک. فلا یمکن أن توجد الحریة الاجتماعیة - عملیاً - دون حریة معنویة داخلیة، و هذه القضیة تعد الیوم من معضلات المجتمع البشری الذی یسعى لإیجاد الحریة الاجتماعیة من دون السعی للحصول على الحریة المعنویة. فإذا أراد الإنسان الیوم أن یبنی مجتمعاً منسجماً و إنسانیاً و خالیاً من الطغیان و المشاکل الاجتماعیة و الفردیة، فلا بد له من اجتناب الإفراط و التفریط و ترک النظر إلى مسألة الحریة من جانب واحد، و یأخذ بنظر الاعتبار نوعی الحریة و یسعى لتحقیقهما.[15]
و على هذا الأساس فالفکر الدینی و الإسلامی لا یجیز الحریة إلى حد الإفراط و الإشباع الطلیق، کما لا یجیز أن یکون الإنسان مجبوراً فی قبول الظروف المحیطة به من الخارج فیقبل کل حکومة غیر عادلة تسلبه کرامته و عزته.[16]
إذن توجد فی الإسلام حریة اجتماعیة و فردیة، و لکن الرؤیة الإسلامیة تختلف عن الرؤیة الغربیة فی هذه المسألة.[17]
العلاقة بین الدین و الدنیا:
إن مجیء الأنبیاء العظام من أجل إحیاء الدنیا و عمارتها، و لکنهم نظروا إلى الدنیا بعین الآخرة، الدنیا التی تکون مزرعة للآخرة، الدنیا التی نضمن من خلالها الآخرة بواسطة أعمالنا و أقوالنا و کل لحظة من لحظات حیاتنا، فهؤلاء الأنبیاء یعمرون مثل هذه الدنیا، و إنهم جاؤوا لیعلموا الناس کیفیة الحیاة فی الدنیا لینالوا بها السعادة فی الآخرة. فتعالیم الأنبیاء تهتم بحیاتنا الحاضرة إذن، أی حیاتنا فی هذه الدنیا لننال بها الحیاة السعیدة فی الآخرة.
الدین و التوسعة:
للدین رأی بخصوص التوسعة و على عدة مستویات کالاقتصاد و السیاسة و الاجتماع و الثقافة، و لم یترک ذلک إلى علماء الاجتماع، فالدین الذی یدعی الشمولیة العالمیة، و ینظر إلى جمیع أفراد البشر على أنهم تلامیذ فی مدرسته فلا بد أن تکون له رؤیا و نظریة شاملة فیما یتعلق بالتنمیة والتوسعة.
و من هنا فمعرفة الدین هی أساس القضیة، و إن کانت أمراً معقداً و عسیراً. لأن الدین یرتکز على ثلاث قواعد أساسیة، إحدى هذه القواعد تنطوی علیها النفس الإنسانیة، و القاعدتان الأخریان فی خارج النفس. فالقاعدتان الخارجیتان هما ما نسمیه (القرآن و العترة)، و القاعدة التی فی داخل النفس هی عبارة عن العقل و الفطرة، و التی تعتبر من الأدلة الشرعیة. أی إن ما یقطع به العقل هو حجة شرعیة، و لهذا فالدین یتکون من مجموع النقل و العقل.
تصحیح التوسعة من زاویة الاعتقاد و الأخلاق و الثقافة:
بما أن الله سبحانه هو أساس کل عمل، و هو الخالق و المنزل لکل شیء، و أن نفع الإنسان و ضرره هو بید الله الذی خلق هذا العالم، و أن مصیر الإنسان مرجعه لا بد و أن یکون إلى الله تعالى، و على هذا الأساس فمن الواجب أن تکون کل أعمال الإنسان و تحرکاته على مستوى الاقتصاد و الثقافة و التعلیم و... منبثقة عن أمر الله و منسجمة مع الطریق الذی یریده و یرضاه. فقد دعا الدین المجتمع الإنسانی إلى بسط العدل و القسط على مستوى الأخلاق و الثقافة و غیرها، و نهاه عن التعدی و التجاوز على حقوق الآخرین، و من جهة أخرى حثه على طلب العلم و على تعلمه، کما وصى باستثمار نتائج العلم بشکل صحیح و مثمر، و ذلک إلى حدٍ انه لا یوجد أمر أخلاقی أو علم ضروری أو فائدة و منفعة إلا و شملها الدین بتعالیمه، و جعل العمل بها إما واجباً أو مستحباً.[18]
الحریة و التوسعة الاجتماعیة و السیاسیة:
الدین الإسلامی دین عالمی و مثل هذا الدین یقول: یمکنکم التعایش السلمی مع کل من لیس له معارضة و محاربة للدین، یقول تعالى: {لا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ}[19].
أقسام التوسعة:
التوسعة على قسمین: قسم مذموم و قسم ممدوح، فالمذموم ما کان من قبیل الإسراف و الترف و الرفاهیة و أمثالها، فالقرآن یذم جمیع هذه المظاهر، و قد صرح فی بعض آیاته بمذمة المسرفین و المترفین و المرفهین و ملامتهم و تأنیبهم، و قد وصف الذین لا یفکرون إلا برفاههم الشخصی و توسیع مصالحهم فقط بأنهم لا یهتمون إلا بأنفسهم[20]، {وَ الَّذِینَ کَفَرُوا یَتَمَتَّعُونَ وَ یَأْکُلُونَ کَمَا تَأْکُلُ الأَنْعَامُ وَ النَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}[21] و کذلک ذم القرآن الذین یکنزون الذهب و الفضة و توعدهم بالعذاب.[22]
و إن البخل الشدید و الشح قد یعشعش فی داخل الإنسان فکأنه عدو من أفراد بیته.[23]
{وَمَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[24] و على هذا الأساس فإن التوسعة بمعنى طلب الرفاه و الإسراف فی شؤون الحیاة مذمومة و مکروهة.
أما التوسعة الممدوحة، فمعناها أننا کلما کنا أکثر سعیاً على مستوى الإنتاج، فمعنى ذلک أننا أکثر توفیقاً، و کلما کنا أکثر قناعة فی نفقاتنا نکون أکثر ارتیاحاً فی حیاتنا. و من هنا إذا کان الإنسان یسعى فی سبیل رفع احتیاجه الشخصی و حاجات مجتمعه، فمثل هذا السعی مطلوب و ممدوح، و أما التوسعة المذمومة فهی التی تکون بدوافع جمع الثروة و تکدیسها والتفاخر بها و إن هذا النوع من التکاثر مذموم.[25]
[1]. حسن زاده آملی، حسن، نصوص الحکم بر فصوص الحکم" نصوص الحکم على فصوص الحکم"، منشورات رجاء الثقافیة، ص 180.
[2]. مولوی، جلال الدین محمد، مثنوى معنوى"المثنوی المعنوی".
[3]. الطباطبائی، السید محمد حسین، انسان از آغاز تا انجام"الإنسان من البدایة حتى الختام"، ترجمة و تعلیق، لاریجانی، صادق، منشورات الزهراء، ص13.
[4] الأعراف: 54.
[5]. مولوی، جلال الدین محمد، مثنوى معنوى"المثنوی المعنوی".
[6]. الری شهری، محمد (حسین سید حمید)، منتخب میزان الحکمة، الروایة رقم 2137، ص 187، الروایة عن النبی الأکرم (صلى الله علیه و آله).
[7]. نهج البلاغة، الخطبة 82.
[8]. محمد، 36.
[9]. الطباطبائی، السید محمد حسین، انسان از آغاز تا انجام"الإنسان من البدایة حتى الختام"، ترجمة و تعلیق، لاریجانی، صادق، ص 51.
[10]. النور، 39.
[11]. الروم، 7.
[12]. نهج البلاغة، الحکمة 432.
[13]. نفس المصدر، الحکمة 211.
[14]. الری شهری،محمد،میزان الحکمة، ج2، الروایة رقم 3589.
[15]. المطهری، مرتضى، معرفت دینى، تحلیل از دیدگاههاى استاد مطهرى" المعرفة الدینیة تحلیل رؤیة الشهید المطهری، دژکام، علی،ص 56.
.[16]لمزید الاطلاع انظر، ولایت و دیانت"الولایة و التدین"، هادوی الطهرانی، ص 131 و ما بعدها.
[17]. المطهری، مرتضى، پیرامون انقلاب اسلامى" فی رحاب الثورة الإسلامیة"، ص 101 و ما بعدها.
[18]. جوادی آملی، عبد الله، انتظار بشر از دین"توقعات الإنسان من الدین"، ص 210 – 213.
[19]. الممتحنة، 8.
[20]. آل عمران، 154.
[21]. محمد، 12.
[22]. التوبة، 34.
[23]. النساء، 128.
[24]. الحشر، 9.
[25]. جوادی آملی، عبد الله، انتظار بشر از دین"توقعات الإنسان من الدین"، ص 219 – 222.