بحث متقدم
الزيارة
6165
محدثة عن: 2009/07/22
خلاصة السؤال
هل یوجد تناقض بین الآیة 29 من سورة البقرة و الآیة 30 من النازعات حیث تشیر احداهما الى تقدم خلق الارض و الاخرى الى تقدم السماء؟
السؤال
هل یوجد تناقض بین قوله تعالى"هُوَ الَّذی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمیعاً ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِکُلِّ شَیْ‏ءٍ عَلیمٌ" البقرة 29 و بین قوله تعالى "وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِکَ دَحاها" النازعات 30. ففی الآیة الاولى نرى ان الله تعالى قد اشار الى تقم خلق الارض و فی الآیة الثانیة الى تقدم خلق السماء، أ لیس فی ذلک تناقض ام أن الایتین نزلتا من الهین اثنین؟
الجواب الإجمالي

طرحت عدة اجابات عن السؤال المطروح نشیر الى اثنتن منهما فقط:

1- انه لایوجد تناقض أو تعارض بین الآیتین أبدا؛ و ذلک لان کلمة "دحا" مأخوذة من اصل "دحو" الذی لایعطی معنى الخلق، بل بمعنى التسطیح و المد، من هنا یمکن القول أن الآیة المبارکة ناظرة الى ثلاث مراحل:

الف: خلق الارض أولا.

ب: خلق السماء ثانیا.

ج: تسطیح الارض و مدها بعد خلق السماء.

2- صحیح ان کلمة " ثم" ظاهرة فی الترتیب و التأخیر الزمانی، الا ان هذا لایعنی انها فی کل الاستعمالات تعطی هکذا معنى.

من هنا نرى صاحب مجمع البیان یقول: یمکن القول بان کلمة "ثم" لاتفید الترتب و التاخیر دائما.

ان هذه الکلمة هنا غیر ناظرة الى الترتیب فی خلق السموات و الارض، فقد یجوز أیضا أن لا یکون استعمال "ثم" بمعنی" بعد" أی لایکون مراد الآیات الترتیب فی الأوقات و إنما هو على جهة تعداد النعم و التنبیه علیها و ذکرها کما یقول القائل لصاحبه" أ لیس قد أعطیتک ثم رفعت منزلتک ثم بعد هذا کله فعلت بک و فعلت‏" فهنا المتکلم لیس فی مقام بیان کون الاطعام هو المقدم و الاعطاء هو المتاخر بل یرید ان یعد النعم فقط التی اسداها للمخاطب.و على هذا الاساس کلمة "ثم" فی جملة " ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ" لا تعنی لزاما الترتب الزمانی، بل تعنی أیضا التأخیر فی البیان و التوالی فی ذکر الحقائق.

الجواب التفصيلي

قبل الاجابة عن السؤال لابد من الاشارة الى مسألتین أساسیتین هما:

1- ان الاختلاف و التعارض الذی قد یبدو لاول وهلة من الایتین، نابع من وجود کلمتی "ثم" و "دحا"، و کلمة "ثم" ظاهرة فی التأخر و الترتیب، من هنا استظهر من الآیة أن خلق السماوات تم بعد خلق الارض.

کذلک کلمة" دحا" و"دحو" ترجمت فی اللغة الفارسیة بمعنى الخلق، لکن الحقیقة ان "دحو" تاتی بمعنى البسط و المد.

2- بعض المفسرین انکروا قضیة التأخیر و الترتیب فی خلق السماوات و الارض، و رأى أن ذلک ناتج من قیاس عمل الله تعالى بعمل الانسان؛ فعلى سبیل المثال نرى سید قطب فی تفسیر " فی ظلال القرآن" یقول: یکثر المفسرون و المتکلمون هنا من الکلام عن خلق الأرض و السماء، یتحدثون عن القبلیة و البعدیة.و یتحدثون عن الاستواء و التسویة. و ینسون أن «قبل و بعد» اصطلاحان بشریان لا مدلول لهما بالقیاس إلى اللّه تعالى و ینسون أن الاستواء و التسویة اصطلاحان لغویان یقربان إلى التصور البشری المحدود صورة غیر المحدود.[1]

ثم یقول فی نفس السیاق: و ما کان الجدل الکلامی الذی ثار بین علماء المسلمین حول هذه التعبیرات القرآنیة، إلا آفة من آفات الفلسفة الإغریقیة و المباحث اللاهوتیة عند الیهود و النصارى، عند مخالطتها للعقلیة العربیة الصافیة، و للعقلیة الإسلامیة الناصعة. و ما کان لنا نحن الیوم أن نقع فی هذه الآفة.[2]

لکن الحقیقة أنه لابد من الالتفات الى أن الله تعالى قد تکلم مع عباده بنفس اللغة و المفاهیم التی یفهمونها و طبقا لقواعد لغتهم التی یتعاملون بها، من هنا یکون الفهم العرفی هو الملاک و الحجة و لاعلاقة له حینئذ بالابحاث الفلسفیة و لا بالیهود و النصارى.

التقدم و التأخر فی خلق السماوات و الارض

من الواضح ان السؤال منطلق من ان کلمة "ثم" تفید الترتیب و التاخر و بما انه وردت فی قوله تعالى " ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ " فهی تعنی ان خلق السماء جاء متاخراً عن خلق الارض؛و عندما ننظر الى الآیة الاخرى نراها تقول " وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِکَ دَحاها " یعطی عکس ما جاء فی الآیة السابقة حیث یظهر منه ان خلق السماء کان متقدما على خلق الارض.

و قد اجاب المفکرون المسلمون عن الشبهة المطروحة بعدّة اجابات نشیر الى نموذجین منها:

1- انه لایوجد تناقض أو تعارض بین الآیتین أبدا؛ و ذلک لان کلمة "دحا" مأخوذة من اصل "دحو" الذی لایعطی معنى الخلق، بل بمعنى التسطیح و المد، من هنا یمکن القول أن الآیة المبارکة ناظرة الى ثلاث مراحل:

الف: خلق الارض أولا.

ب: خلق السماء ثانیا.

ج: تسطیح الارض و مدها بعد خلق السماء.

و قد ورد فی الروایة ان السؤال نفسه طرح على عمرو بن عبید و الحسن البصری فاجابا: معناه أن الله خلق الأرض قبل السماء غیر أنه لم یدحها فلما خلق السماء دحاها بعد ذلک و دحوها بسطها و مدها. و قد یجوز أیضا أن لا یکون معنى ثم و بعد فی هذه الآیات الترتیب فی الأوقات‏.[3]

اذن لابد من القول ان الآیة لیست فی مقام بیان خلق الارض بعد السماء؛ بل هی فی صدد الحدیث عن مد الارض و بسطها و اعدادها لتکون صالحة للحیاة بعد خلق السماء و هذا لا یمنع من کونها مخلوقا ابتداء قبل السماء.[4]

2-و ان کانت کلمة "ثم" ظاهرة فی التعقیب و التراخی الزمانی، لکن هذا لایعنی انها هکذا دائما.

یقول صاحب تفسیر مجمع البیان: یجوز أیضا أن لا یکون معنى ثم و بعد فی هذه الآیات الترتیب فی الأوقات و إنما هو على جهة تعداد النعم و التنبیه علیها و الإذکار لها کما یقول القائل لصاحبه أ لیس قد أعطیتک ثم رفعت منزلتک ثم بعد هذا کله فعلت بک و فعلت و ربما یکون بعض ما ذکره متقدما فی اللفظ کان متأخرا لأن المراد لم یکن الإخبار عن أوقات الفعل و إنما المراد التذکیر بما ذکره‏.[5] و انه ناظر للعد فقط.[6]

وعلى کل حال ان الله تعالى کان فی مقام الامتنان.[7]

من هنا یمکن القول: کلمة «ثم» فی الآیة لا تعنی لزاما التأخیر الزمانی، بل تعنی أیضا التأخیر فی البیان و توالی فی ذکر الحقائق.[8]



[1] سید بن قطب بن ابراهیم الشاذلی،‏ فی ظلال القرآن، ج ‏1، ص 53 و 54، ناشر دارالشروق‏، طبع بیروت- القاهرة، عام 1412 ق، الطبعة السابعة عشر.

[2] نفس المصدر.

[3] مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص: 173. ابوالفتوح الرازی، حسین بن علی، روض الجنان و روح الجنان فی تفسیر القرآن، ج ‏1، ص 191، ناشر بنیاد پژوهشهاى اسلامی آستان قدس رضوى، طبع مشهد، عام 1408 ق‏.

[4] جعفرى، یعقوب، ‏کوثر، ج ‏1، ص 113.

[5] مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص: 173؛

[6] نفس المصدر.

[7] انظر: محمد حسین الطباطبائی، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص: 112- 113. نشر جامعة المدرسین حوزه علمیه، قم‏، سنة 1417 ق‏

[8] ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏1، ص: 149، الناشر مدرسه امام على بن ابى طالب‏، قم، عام 1421 ق‏

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...