بحث متقدم
الزيارة
9035
محدثة عن: 2008/02/18
خلاصة السؤال
کیف لنا أن نتوب عن مشاهدة الأفلام المبتذلة؟
السؤال
أنا شاب فی الثالثة و العشرین من عمری و منذ عدة سنوات وقعت فی أسر متابعة الأفلام المبتذلة، و قد صار هذا العمل سهلاً جداً بعد أن نصبنا (الدش) فی بیتنا، و قد قررت التوبة عدة مرات إلا أننی لم أوفق لترک هذا الذنب، الرجاء هدایتی إلى طریق التوبة عن هذا العمل.
الجواب الإجمالي

الذنوب و المعاصی أشبه بمستنقع و وحل آسن کلما انغمس فیه الإنسان فقد الإحساس برائحته و الشعور بعفنه لأن إحساسه بالشم یتلاشى شیئاً فشیئاً، و لم یشعر بأنه یغرق بشکل تدریجی فی هذا المستنقع، و من جهة أخرى فإن إرادة الإنسان الجدیة و تصمیمه على الخروج من هذا المکان الموبوء یعد انتصاراً بحد ذاته. و الذی یصل إلى هذه المرحلة من مراحل الانتصار علیه أن یضاعف سعیه و کدحه لتقویة هدفه فی ساحة الصراع مع الذنوب و المعاصی حتى یتمکن من الانتصار فی المراحل المقبلة.

و أما ما یخص الطرق التی یمکن اتباعها لتقویة الإرادة و الأهداف على سبیل مقارعة المعاصی و الذنوب، فبالإمکان الإشارة إلى ما یلی:

1- التوجه إلى مضار الذنوب و مفاسدها

2- التوجه إلى قیمة الشخصیة و مکانتها

3- التوجه إلى عظمة الله و مراعاة أوامره و نواهیه، و ان یعلم الانسان انه بای امر عظیم یضحی من اجل لذة عابرة.

4- التعامل مع قیمة مجاهدة النفس و مقاومة الذنب کعمل معنوی ینطوی على لذات روحیة و معنویة حین الانتصار.

إضافة إلى ذلک لابد من الابتعاد عن أجواء الوحدة و الخلوة و ملئ أوقات الفراغ من خلال رسم برنامج لممارسة الأعمال المفیدة کالمطالعة و الریاضة و قراءة القرآن و حفظه، العبادة، الصوم، مصاحبة المتدینین و بناء النفس و ... کل ذلک یهیئ الأرضیة الصالحة للتوبة و الإقلاع عن الذنوب.

و فی حال کونک غیر متزوج فمن اللازم المبادرة إلى إشباع الغریزة عن طریق الحلال، و ذلک ما یساعدک على بلوغ أهدافک بشکل کبیر.

و المسألة الهامة فی هذا المیدان أن لا یکون الإنسان یائساً من رحمة الله و الاستعانة به و التوکل علیه. و أن لا یتغلب علیک القنوط بسبب الرجوع المتکرر عن التوبة، فیکون ذلک باعثاً على الشلل النفسی و الوهن فی الإرادة، و لابد من اتباع الطرق التی أشرنا إلیها آنفاً للقضاء على هذه الظاهرة، و إننا على اعتقاد جازم بأن لطف الله و رحمته و أخذه بید عبده سوف تنتهی بک إلى النصر فی صراعک المقدس فی هذا المیدان.

الجواب التفصيلي

الذنوب و المعاصی بمثابة المستنقع الموحل الآسن إذا ما مکث الإنسان فیه مدة یفقد إحساسه و شمه للروائح التی تملأ أجواء المکان، و کلما انغمس الإنسان فی وحل الذنوب و عفنها أکثر، کانت إصابته بأمراضها أشد، حتى یصل إلى مرحلة یفقد فیها إرادته و قدرته على النجاة، و لم یعد باستطاعته الخلاص حتى لو تولدت له الرغبة فی ذلک.

و من جهة أخرى، فأیاً کان المکان الذی یصل إلیه الإنسان فی مستنقع التیه و الضلال فإن قراره بالعودة و الإقلاع و تصمیمه على تلافی الماضی و جبران ما فات و حث الخطى للوقوف بوجه هذا الانحدار و التدهور، یعد وقوفاً ذا قیمة للحد من حجم الأضرار، و هذا الأمر هو انتصار کبیر بحد ذاته، و منطلقاً لتحقیق الانتصارات الآتیة.

و إن التوجه إلى قبح هذه الأفلام و بشاعتها و کونها من قبیل التلوث بالذنوب و الآثام و فی هذا المرحلة دلیل على یقظة ضمیرک و وجدانک من جهة، و عنایة الله و لطفه بک من جهة أخرى. و إن التصمیم على التوبة و العودة و البحث عن طریق الحل فی هذه المرحلة یعد انتصاراً کبیراً على النفس، کما أنه مرحلة من مراحل التوبة ذات القیمة الکبرى.

و لکن لابد من العلم أن للتوبة مراتب:

1- العزم على ترک الذنب

2- فعل الترک عملیاً

3- جبران الماضی (بکسب الفضائل الأخلاقیة و القیام بالأعمال الحسنة)

و نحن نبارک لک هذا العزم و الإرادة و التصمیم على ترک المعصیة فی هذه المرحلة، و لکن علیک أن تتحول إلى المرحلة الثانیة بأسرع وقت و علیک أن تکون على علم و وعی کامل لأسباب ترک الذنب و الابتعاد عن المعصیة، و لماذا تقوم بمثل هذا العمل؟ و ذلک إذا لم یصاحب العمل هدف واضح و مشخص فمن البعید أن یحصل التوفیق، لأن للذنب جاذبیة قویة. کما یقول الإمام الصادق (ع): «الجنة محفوفة بالمکاره و جهنم محفوفة باللذات والشهوات». [1]

و علیه فلابد من وجود هدف أقوى من جاذبیة الذنوب و إغرائها و إذا لم یکن لک مثل هذا الهدف علیک إیجاده فی نفسک و السعی بکل جهد لتقویته و تنمیته.

و هنا یلزم أن نشیر الى بعض الطرق المؤدیة إلى تقویة الهدف فی ساحة مقارعة الذنوب و المعاصی:

1- المطالعة من أجل الحصول على الاطلاع الکافی و المعرفة الکاملة بأضرار الذنوب و عواقبها الوخیمة. فمن المسلم أن اطلاع الإنسان على أضرار الذنوب التی لا تعد و لا تحصى فی العاجل و الآجل له أثر کبیر فی عزمه و إرادته و تصمیمه على ترکها و الإقلاع عنها.

2- توجه الإنسان إلى شخصیته و مکانته فی المجتمع، و أنه خلیفة الله فی هذه الأرض، و أن ارتکاب الذنوب و المعاصی ینحدر به إلى السقوط و الانحدار.

3- التوجه إلى عظمة الله و مراعاة أوامره و نواهیه، و الإحساس بأنه حاضر ناظر لکل حرکات الإنسان و سکناته، و الذنوب لا تناسب محضر القدس الإلهی.

4- الإیمان بأن الشاب المسلم فرد مؤثر فی مجتمعه، و بإمکانه أن یترک آثاراً هامة فی المجتمع إذا ما سلک سبیل مجاهدة النفس و مقاومة الذنوب و المعاصی، و لا یقتصر دوره على إنقاذ نفسه و وقایتها و إنما یمتد إلى انتشال الآخرین و تحریرهم من أسر الذنوب و آصارها.

5- یجب الانتباه إلى مسألة هامة و هی أن الله تعالى إذا حذر عباده و نهاهم عن عمل ما فلابد أن یکون الإتیان بهذا العمل ضاراً بالعبد و یترتب علیه الخسران و الهلاک، و إن خالقنا الرحیم لا یمکن أن ینهانا عن الأعمال المفیدة التی تجلب خیرنا و سعادتنا و علیه فإذا ما نهانا عن إشباع الغریزة الجنسیة من غیر طریق الزواج الشرعی، [2] و أعد لمن یخالف هذا النهی عذاباً فی الدنیا و الآخرة، کل ذلک لما فیه من ضرر و خسران فی الدارین و إذا کان العبد محباً لربه یجب علیه أن یطیع أوامره، و إذا کان - و العیاذ بالله - لا یحب الله، فعلى أقل تقدیر أن یقلع عن هذا العمل اتقاءً لما یصیبه من أضرار حین ممارسته.

6- التوجه إلى أن لذة الذنب سریعة و قصیرة، بینما تبقى تبعاتها مستمرة و عواقبها ثابتة، و لیس لعاقل أن یضع نفسه فی أسر الضرر المستمر الدائم من أجل لذة عابرة قصیرة.

7- التوجه إلى أن التلوث و السقوط فی أودیة الذنوب شیمة العاجزین ممن لا یعرفون فن الحیاة الصحیح، فلا یکون عملهم عملاً ذا قیمة، و إنما قیمة الإنسان و منزلته تکمن فی مجاهدة النفس و صدها عن هواها و مقارعة الشیطان و الخلاص من حبائله، و إن مجرد دخول هذا المیدان و خوض هذه المعرکة یعد انتصاراً کبیراً.

مع الالتفات إلى النقاط المتقدمة لابد من الابتعاد عن أجواء الخلوة و الأماکن التی تتهیأ فیها وسائل الذنب، و ملء أوقات الفراغ بالأعمال المفیدة، مثل الریاضة و قراءة الکتب المفیدة کقراءة القرآن و حفظه، و الارتباط بالأفراد المتدینین ممن استطاعوا بناء أنفسهم و إعدادها، و الصوم، إضافة إلى تلقین النفس و محاورتها و الإصرار على الاعتقاد بالقدرات الذاتیة فی سبیل التقدم و الارتقاء فی هذا الطریق.

و فی حالة کونک غیر متزوج، فعلیک الإقدام السریع على إشباع غریزتک بطرق الحلال، و ذلک مما یساعدک على بلوغ أهدافک التی ترسمها لمسیرک. [3]

إن مقاومة الذنوب و وساس النفس و الشیطان أمر على درجة من الصعوبة، و لکنه مع ذلک ذو قیمة عالیة و فیه لذة و نشوة، خصوصاً فی حالة الانتصار، و هی لذة لا یمکن أن تقاس بها لذة أخرى، کما یقول الشاعر:

لو کنت تعلم اللذة التی فی ترک اللذة

لما حسبت لذة النفس لذة

إذن فعلیک أن تسعى إلى تقویة إرادتک و أهدافک من أجل ترک هذا العمل الضار، و لابد أن تعلم أن معک معیناً و مساعداً قویاً و رحیماً و هو الله سبحانه و تعالى الذی یغفر لنا ذنوبنا عندما نعود إلیه و نتوب توبة واقعیة و یأخذ بأیدینا و نحن نسعى فی جهاد النفس و مقارعة الذنوب و ذلک من خلال طرق و وسائل لا تعلمها و لا تخطر فی أذهاننا.

کما لا ینبغی أن یعتریک الیأس فی هذا الطریق، و یلزم أن تطلب الإعانة و المدد من الله تعالى، لا یضیرک عزمک المتکرر على التوبة و عدم الالتزام العملی بها، و لا ینعکس على إرادتک و عزیمتک، استجمع قواک و شد من عزمک و اتبع الطرق المتقدمة و قاوم هذه الظاهرة، و نحن على یقین من قدرتک و انتصارک فی هذا المیدان إن شاء الله، و نسأل الله لک کل الموفقیة و الفلاح.



  [1] وسائل الشیعة، ج 15، ص 309، باب 42 (باب وجوب اجتناب الشهوات و اللذات المحرمة).

[2] «فَمَنِ ابْتَغَی وَرَاءَ ذَلِکَ فَأُولَئِکَ هُمُ العَادُونَ»، المؤمنون، 7.

[3] للاطلاع الأکثر، راجع موضوع: الاستمناء و طریقة التخلص منه، رقم السؤال 1399 (الموقع: ۱۸۶۴).

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...