بحث متقدم
الزيارة
6773
محدثة عن: 2009/11/14
خلاصة السؤال
بالرغم من کثرة الاحادیث المرویة عن الامامین الباقر و الصادق (ع) مع ذلک لم تدوّن فی کتاب مستقل؟
السؤال
یقال إن أکثر الأحادیث عندنا مرویة عن الامامین الباقر و الصادق (علیهما السلام) لکنی لم اسمع بان تلک الاحادیث دوّنت فی کتاب مستقل کما فعل السید الرضی فی نهج البلاغة حیث جمع خطب و کلام الامام علی (ع). الرجاء ارسال اسم الکتاب ان وجد.
الجواب الإجمالي

إذا اخذنا بنظر الاعتبار الظروف التی عاشها فیها الامامان الباقر و الصادق (ع) یکون من الطبیعی عدم تدوین احادیثهما فی کتاب مستقل، لکن هذا لایعنی ان القضیة بقیت مستمرة الى الوقت الحاضر بل جمعت هذه الاحادیث و بوّبت فی کتب کانت تسمى الاصول الاربعمائة ثم جمعت فی المصادر الاساسیة الاربعة( الکتب الاربعة المعروفة) و أخیرا جمعها الحر العاملی فی کتاب وسائل الشیعة الذی یقع فی ثلاثین مجلدا و بوّبها حسب العناونین الفقهیة، لکن الملاحظ ان هذه الکتب لم تختص باحادیث الامامین فقط و انما شملت کل الائمة و ان کان السهم الاکبر منها للامامین (علیهما السلام).

نعم هناک کتب محضت لاحادیث الامامین الباقر و الصادق(ع) مثل مسند الامام الباقر(ع) و مسند الامام الصادق(ع) تألیف عزیز الله عطاردی. و کتاب توحید المفضل و طب الامام الصادق (علیه السلام) و...

الجواب التفصيلي

للاجابة عن السؤال المذکور لابد من الاشارة الى الظروف التی عاشها فیها الامامان (ع) و رؤیة المذاهب الاسلامیة الاخرى لهما و کذلک قضیة تدوین کتاب نهج البلاغة و عدم تدوین مثله للائمة (علیهم السلام)؛ من هنا نشیر الى الامور التالیة:

1- ان الامام الوحید الذی استطاع ان یتصدى لمنصب الخلافة هو الامام علی (ع) و لو لفترة وجیزة حیث حکم ما یقارب الخمس سنوات فکان زمام امور المسلمین بیده. و من الطبیعی انه فی تلک الفترة کان اکثر حریة فی القاء الخطب الطویلة و توجیه المواعظ و التوصیات اللازمة للناس و کان الرواة و المحدثون ینقلون ذلک بحریة و راحة بال و یدونون ما ذکره (ع) خاصة مع الاخذ بنظر الاعتبار مقامه کحاکم زمانه؛ هذا من جهة و من جهة ثانیة ان الفرق الاسلامیة الاخرى تنظر الیه کانه احد الخلفاء الاربعة و لذلک ینلقون کلامه باعتباره خلیفة رسول الله (ص)، و ان کانوا لا یعتقدون به کامام مفترض الطاعة کما تعتقد الشیعة بذلک.[1]

2- صحیح ان الامامین الباقر و الصادق (ع) استغلا فترة ضعف الدولة الامویة و بدایة قیام الدولة العباسیة لنشر و تبیین اصول و المفاهیم الدینیة فقاما فی هذه الفترة بتربیة الآلاف من کبار التلامیذ الا انه مع ذلک لم تتوفر لهما الارضیة التی توفرت للامام امیر المؤمنین علیه السلام من التصدی للحکم مما ادى الى ان یتحرکا بطریقة محتاطة من اجل حفظ حیاتهم و حیاة اتباعهم و شیعتهم و صیانتها من الوقوع فی الخطر و کذلک سحب البساط من تحت اقدام المخالفین لاستغلال الفرصة! انطلاقا من هذا نراهم ابتعدوا عن القاء الخطب الطویلة کما کان یفعل ذلک الامام علی (ع) و اکتفیا (علیهما السلام) بالاجابة عن الاسئلة التی کانت تطرح من قبل الجماهیر. و الجدیر بالذکر ان الامام الباقر(ع) کان یتوسل فی –بعض الاحیان- لنشر روایاته الى اسلوب النقل عن جابر عن النبی الاکرم (ص) او عن امیر المؤمنین (ع) و ما ذلک الا لتلطیف الاجواء و توفیر الارضیة و لیقبل بها اتباع الفرق الاخرى.[2]

3- و الجدیر بالذکر أن ما روی عن أمیر المؤمین (ع) و ما روی عن الامامین (علیهما السلام) لم یکن مدوّنا فی کتاب مستقل فی عصرهما، بل کان الرواة یدون کل واحد منهم ما یرویه عن الامام و قد اطلق على هذه المدونات عنوان  "الاصل" ثم یعرض الراوی ما دوّنه على الاخرین، و قد اشار العلاّمة المجلسی الى اسماء بعض تلک الاصول و اطلق علیها عنوان المجامیع الاولیة؛ و کما جاء فی سؤالکم أن أکثر الروایات فی هذه الاصول مرویة عن الامامین الصادقین (ع) و ما ذلک الا للحریة النسبیة التی توفرت لهما.

4- لم یکن فی عصر حضور الائمة المعصومین (ع) هناک شعور بالحاجة الى تدوین کتاب مفصل یجمع کل ما جاء من أحادیث، و انما تجلت الحاجة الیه بعد عصر الغیبة حیث أصبح الاتصال المباشر بالامام (عج) عادة غیر ممکن، من هنا عقد العزم على جمع التراث الروائی و تدوینه فی مصنفات مستقلة و لذلک نرى ان اکثر المجامیع الروائیة دوّنت فی ما بین القرن الثالث الى الخامس الهجری منها الکتب الاربعة و تحف العقول و... و کذلک کتاب نهج البلاغة؛ و بعض هذه المجامع تتوفر على روایات جمیع المعصومین و بعضها خاص بتراث معصوم واحد کنهج البلاغة و غرر الحکم.

5- ان ما یحتاج الیه الفقهاء و الباحثون فی العلوم الاسلامیة هو تبویب الاحادیث المرویة عن المعصومین (ع) و تصنیفها موضوعیاً لاجمع تراث کل معصوم فی کتاب مستقل تحمل اسمه و ان کان ذلک عمل لایخلو من فائدة قطعا. و لکن لو اخذنا بنظر الاعتبار اشتراک کلام المعصومین کلهم فی الحجیة و القیمة العلمیة بحیث لایوجد ای مائز او فارق بینهم؛ و من جهة ثانیة نرى – غالبا ان لم یکن دائما- ان العلماء و من اجل رفع الابهامات و اللبس و حل المشاکل التی تعترض طریقهم فی المجال الفقهی و الکلامی و ... یلجأون الى الاستفادة من ابواب الموضوعات التی صنفت الروایات على اساسها لیستفیدوا منها، من هنا یکون یکتسب ما بایدینا من تراث مصنف قمیته العلمیة و ضروریته.

6- ان خلفاء بنی العباس الذین تصدوا للحکم فی تلک القرون حالهم کحال سائر اهل السنة لم یکونوا یظهرون تحسسا من أمیر المؤمنین (ع) من هنا سعى السید الرضی (قدس) لجمع بعض تراث الامام فی کتاب اطلق علیه عنوان "نهج البلاغة" و فی مرکز الخلافة العباسیة یعنی بغداد و لم یعترض علیه احد، و ذلک لان کثیرا من تلک الکلمات البلیغة کانت قد وردت فی کتب أهل السنة.[3] لکن یمکن ان یثیر تصنیف کتاب مستقل للامامین الباقر و الصادق (ع) حفیظة الحکام العباسیّین و خاصة الامام الصادق (ع)[4] و هکذا سائر الائمة التالین و ربما یکون تدوین کتاب للائمة یکون مؤیدا لنظریة النص على الائمة (علیهم السلام) و انحصار الخلافة فی آل علی (ع) و هذا ما لا ینسجم مع الذوق العباسیّین؛ من هنا رجح العلماء الشیعة طریقة التدوین المعروفة و هی التی تجمع روایات کل الائمة سویة منضما الیها الاحادیث النبویة و الروایات العلویة کما فعل ذلک صاحب الکافی و التهذیب و الفقیه و ... و ما ذلک الا للتخفیف من الحساسیة عند الطرف المقابل.

7- ثم ان هذه الاسلوب نفسه اعتمد فی القرون الاخرى و المجامیع التی صنفت لاحقاً کبحار الانوار و وسائل الشیعة و... و ان نسبة المروی فی هذه الکتب عن الامامین الباقر و الصادق (ع) اکثر من غیرهم من الائمة و لکن لاحاجة الى فصلها عن غیرها من الروایات؛ نعم حصلت فی السنین الاخیرة مساع لاستخراج احادیث کل امام على حدة و وضعها فی کتاب مستقل ککتاب مسند الامام الباقر (ع) و مسند الامام الصادق (ع) تألیف عزیر الله عطاردی[5] یشتمل کل منهما على عدة مجلدات. و هناک محاولات اخرى فی هذا المجال لعلها ترى النور مستقبلا خاصة فی البرامج المدمجة.



[1]هذا الکلام لا یشمل النواصب و الخوارج الذی لایمثلون الا نبسة ضئیلة من المجتمع الاسلامی.

[2] رجال الکشی، ص 41، نشر جامعة مشهد، 1348 هـ ش.

[3]انظر: ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 204، مکتبة آیة الله المرعشی، قم، 1404 هـ ق.

[4]انظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 47، ص 162، باب 6، مؤسسة الوفاء، بیروت، لبنان، 1404 هـ ق.

[5]سعى المؤلف للقیام بنفس العمل بالنسبة الى سائر الائمة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...