بحث متقدم
الزيارة
5879
محدثة عن: 2009/12/01
خلاصة السؤال
ما هی منزلة الألفاظ فی الوحی الإلهی؟
السؤال
اذکروا المراتب الموجودة للقرآن و بیّنوا منزلة الألفاظ فی الوحی الإلهی؟ و هل کان القرآن عاریاً من اللفظ فی مرحلة من المراحل؟
الجواب الإجمالي

لکل شیء أربعة أنحاء من الوجود: الوجود اللفظی و الوجود الکتبی و الوجود الذهنی و الوجود الخارجی. و للوحی أیضاً هذه الأنحاء الأربعة من الوجود، و کمثال علی ذلک نقول حول الوجود الخارجی للقرآن أن هذا القرآن نزل علی النبی عن طریق الوحی بنفس هذه الألفاظ و له أصل و حقیقة هی نفس الوجود العینی و الاجمالی للقرآن. و هذا النوع من الوجود عارٍ من الکلمة و الحرف و الآیة ثم تخرج نفس تلک الحقیقة الی مرحلة التفصیل فیکون لها ألفاظ و حدود و أشکال. و مرحلة التفصیل هذه هی علی نحوین: الإحکام و الإتصال و هو ما حصل فی (لیلة القدر)، و التدریج و هو ما حصل فی مدة ثلاث و عشرین سنة من رسالة نبی الإسلام(ص). و لتقریب ذلک من الأذهان یمکننا الاستعانة بالمثال التالی: حینما یملأ القلم حبراً تکون هذه هی مرحلة الأحکام و الاجمال له. و لکن مرحلة التفصیل هی أن یظهر ذلک المملوء بصورة کلمات و ألفاظ. و فی لیلة القدر تنفصل الأشیاء المتّصفة بالإحکام و البساطة و الوحدة عن بعضها و تتنزّل و تظهر بصورة حدود و أشکال و خصوصیات، و من هنا فقد نزل القرآن علی قلب نبی الإسلام(ص) فی هذه اللیلة بشکل ألفاظ و بصورة تفصیلیّة و لکنها متصلة. فمراتب نزول القرآن هی عبارة عن: مرحلة الاحکام و مرحلة التفصیل الدفعی و مرحلة التفصیل التدریجی.

و الوجود الکتبی للقرآن هو الکتابة الموجودة بین أیدینا، و وجوده اللفظی هو قراءة القراء من المعصومین و الملائکة و عموم الناس. و الوجود الذهنی و العلمی للقرآن هو علی أقسام أیضاً نشیر إلیها فی الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

کما أن لکل شیء أربعة أنحاء من الوجود: وجود لفظی، وجود کتبی، وجود ذهنی و وجود خارجی، کذلک الوحی له هذه الأنحاء الأربعة من الوجود:

الف: الوجود الکتبی للقرآن و هو الظاهر و المعروف.

ب: وجوده اللفظی و هو قراءة القرّاء من المعصومین و الملائکة و عامة الناس.

ج: الوجود الذهنی و العلمی للقرآن و هو علی أقسام أیضاً:

وجود فی لوح النفس، و وجود نزل من عالم الأمر بأمر الله تعالی علی قلب الرسول(ص) کما یقول تعالی "نزل به الروح الأمین علی قلبک لتکون من المنذرین"[1]آنآآاانتhjjhjhjdc، أو تلک المعانی الغیبیة التی تلقی الی قلب القارئ حین القراءة کما یقول تعالی "بل هو آیات بیّنات فی صدور الذین اوتوا العلم".[2]

د: الوجود العینی الاجمالی و هو أصل القرآن و حقیقته التی صدرت من مصدر الجلال الأحدی حیث یقول تعالی "کتاب أحکمت آیاته ثم فصّلت".[3] و هذا الوجود العینی (الخارجی) للقرآن هو نفسه الذی یکون بصورة حسنة أنیساً للمؤمن فی قبره و یتجسّم فی الآخرة و یتکلّم و یتشفّع.

تقول السیدة الاصفهانی فی رد استبعاد هذه الملاحظة: "لا تظن أن هذه الأخبار التی تتحدّث عن شفاعة القرآن و ... هی مجرد أمثال و أنه یجب تأویلها و حمله علی غیر ظاهرها، لأن القرآن یظهر بهیئة خاصة فی کل مرتبة من مراتب الموجودات، و قد برهن فی محله أن عوالم الوجود هی فی طول بعضها البعض، و أن کل مرتبة نازلة هی عبارة عن مظهر و مثال لمراتب فوقها و هی تظهر و تنشأ فی ظلّها، و أن دنیانا التی نحن فیها هی أرذل و أنزل مراتب عوالم الموجودات و هی عالم المجاز و عالم القشور، و موجودات هذا العالم لیست الا مثلاً و مظهراً عن العالم الاعلی. و فوق هذا العالم عالم و هو فی قوس صعودنا عالم البرزخ و هو واسطة بین عالم الدنیا و عالم القیامة، و عالم البرزخ هو عالم الصورة و عالم المعنی، و ما فوقه بالنسبة الی البشر هو عالم القیامة و هو عالم الجمع و عالم الحقیقة و عالم الحیاة و هو حدّ و منتهی سیر البشر، فإن من أسماء القیامة "الحاقة" و تعنی حاق الحقیقة و عین الواقع و هو الیوم الذی تظهر فبه بواطن و أسرار کل الأشیاء (یوم تبلی السرائر).

فالقیامة هو الیوم الذی تظهر فیه البواطن و هو أیضاً عالم الحیاة (و أن الدار الآخرة لهی الحیوان لو کانوا یعلمون).[4] و من هنا یعلم أنه لا استبعاد لأن یظهر القرآن فی القبر و فی عالم البرزخ الذی هو عالم الصورة و المعنی بصورته المعنویة و بوجه حسن فیکون أنیساً للقاری.

و أیضاً فحیث أن القیامة هی عالم الحقیقة و هی حاق الواقع فإن الوجود العینی و الحقیقی للقرآن الذی تنزّل من عالم الحقیقة و ظهر فی هذا العالم بصورة حروف و کلمات، فإنه یظهر و یتکلّم و یشفع و یهین الذین أهانوه، و حیث إن القیامة هی عالم الجمع و عالم الحقیقة فإن ما یعدّ فی هذا العالم من العوارض فإنه یظهر فی القیامة بحقیقته الجوهریة، و ذلک مثل الأعمال و أفعال البشر التی لا تبدو سوی أعراض و لکنها تظهر فی عالم البرزخ بصورة مناسبة و فی القیامة تظهر بصورة جواهر و تکون لها آثارها الجوهریة.

و یشهد لهذا الأمر آیات و أخبار عدیدة یستفاد من مجموعها أن أعمال البشر تتمثّل فی القبر بصور، فإن کان العمل حسناً فإنه یتمثل و یظهر بصورة حسنة و إن کان سیّئاً فإنه یظهر بصورة قبیحة و مؤذیة و أنه یؤذی صاحبه الی یوم القیامة، و الأدلة العقلیة تؤیّد أیضاً ما أخبر الأنبیاء و الأولیاء بوقوعه.[5]

إذن فلهذا القرآن أصل و حقیقة و هی الوجود العینی و الاجمالی للقرآن. و هذا النوع من الوجود عار عن الکلمة و الحرف و الآیة، و حین تظهر هذه الحقیقة فی مرحلة التفصیل، فإنه تکون ذات ألفاظ و حدود و أشکال. و مرحلة التفصیل هذه علی نحوین: الإحکام و الإتصال و هو ما حصل فی لیلة القدر، و التدریج و ما حصل فی طیلة ثلاث و عشرین سنة من رسالة نبی الإسلام(ص).

و توضیح ذلک أنه و بحسب القضاء الإلهی فإن الامور لها مرحلتان: الف: الإحکام ب: التفصیل

و یجب الالتفات الی أن الامور المحکمة تخرج الی مرحلة التفصیل فی لیلة القدر.[6] و من تلک الامور: القرآن الذی خرج فی لیلة القدر من مرحلة الإحکام و نزل و صار قابلاً لفهم البشر، أی أن القرآن نزل بالتفصیل مرّتین، مرة بصورة متّصلة و هو ما حصل فی لیلة القدر، و مرة بصورة تدریجیة حیث نزل طیلة ثلاث و عشرین سنة فی مناسبات مختلفة، و علی أی حال فحینما نزل بالتفصیل فإنه قد استلم من قبل النبی(ص) بنفس هذه الألفاظ.

و مرحلة الإحکام [7] و هی عبارة عن الإجمال و الابهام لیس فیها حرف و آیة، و هذه المرحلة نظیر أن یملأ القلم حبراً، و أما مرحلة التفصیل فهی أن یظهر ذلک المملؤ بصورة کلمات و ألفاظ. و فی لیلة القدر تنفصل الأشیاء المتصفة بالاحکام و البساطة و الوحدة عن بعضها و تتنزّل و تظهر بصورة حدود و أشکال و خصوصیات.[8]

و مما ذکرنا یتضح أن مراتب نزول القرآن هی عبارة عن: مرحلة الاحکام، و مرحلة التفصیل الدفعی و مرحلة التفصیل التدریجی. و لبعض المفسّرین بیان آخر لا یخلو ذکره من فائدة، فهم یقولون: أن المرتبة الاولی: أن عین ألفاظ القرآن من باء بسم الله الی سین و الناس قد وجدت بایجاد الله تعالی، و اسمها کلام الله.

ثم کُتبت بالقلم فی اللوح المحفوظ حیث یقول تعالی "بل هو قرآن مجید فی لوحٍ محفوظ".[9] و المرتبة الثالثة: انزلت علی النور المقدّس للنبی فی عالم الأنوار حیث یقول "أنه لقرآن کریم فی کتاب مکنون لا یمسّه الا المطهرون تنزیل من رب العالمین".[10] ثم أنزلته الملائکة فی لیلة القدر فی البیت المعمور أو فی السماء الاولی ثم أنزله جبرائیل فی مدة رسالة الرسول(ص) طیلة ثلاث و عشرین سنة سورة سورة و آیة آیة علی قلب الرسول المطهّر حیث یقول "و أنه لتنزیل رب العالمین نزل به الروح الأمین علی قلبک لتکون من المنذرین".[11]



[1] الشعراء، 193.

[2] العنکبوت، 48.

[3] هود، 1، لاحظ: داور بناه، ابوالفضل، أنوار العرفان فی تفسیر القرآن، ج1، ص 13 ، منشورات صدرا، مکان الطبع طهران، سنة الطبع 1375 ش. الطبعة الاولی بتصرّف.

[4] العنکبوت، 64.

[5] السیدة الاصفهانی نصرت الأمین، مخزن العرفان فی تفسیر القرآن، ج1، ص 15-17، منشورات حرکة المرأة المسلمة، مکان الطبع: طهران، سنة الطبع: 1361 ش. بتصرّف.

[6] (فیها یفرق کل أمر حکیم) الدخان، 4 (الأمر الحکیم هو الأمر الذی لا تتمایز ألفاظه عن بعضها البعض).

[7] "الر کتاب أحکمت آیاته ثمّ فصّلت من لدن حکیم خبیر"؛ هود، 1.

[8] لاحظ فی هذا المجال: المطهری، مرتضی، التعرّف علی القرآن، ج 5، ص 101-105؛

لمیزان، ج 20، ص 559-569؛ نفس المصدر ، ج 18، ص 196، و ما بعدها.

[9] البروج، 21 و 22.

[10] الواقعة، 76-79.

[11] الشعراء، 192-194. لاحظ: الطیب، السید عبد الحسین، أطیب البیان فی تفسیر القرآن، ج 13، ص 177؛ نفس المصدر، ج1، ص 68-70، منشورات الإسلام، مکان الطبع: طهران، سنة الطبع: 1378 ش الطبعة الثانیة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...