Please Wait
8123
بالنسبة إلى علاقة الدین مع الأخلاق هناک نظریتان حول أسس القیم الأخلاقیة و هی ما یلی:
1ـ إن الأخلاق أمر مستقل عن الدین و لا علاقة لها بالدین.
2ـ لا تتحقق الأخلاق بدون العلاقة بالدین و الإیمان و الاعتقاد بالله سبحانه.
لقد طرح هذا الموضوع فی المجامع الغربیة بشکل واسع و بدایته کانت بعد عصر النهضة؛ إذ أن قبل ذلک کان الدین الرائج فی تلک البلاد یتمثل فی المسیحیة و کانت المسیحیة سائدة على کل شؤون حیاة الناس من علمها و ثقافتها و مجتمعها و أخلاقها و غیر ذلک، و بعد هزیمة الکنیسة فی مختلف المیادین، أعرض الناس عن الدین و النزعات الدینیة، فطرحت نزعات أصالة الإنسان بدلا عن التوجه إلى الله و بعد ذلک طرحت فکرة الأخلاق المستقلة عن الدین. ثم تقوت هذه الفکرة رویدا رویداً إلى أن طرحوا الأخلاق المنفصلة عن الله فی القرون الأخیرة. و فی المقابل أکد البعض على الأسس الدینیة للأخلاق و اعتقدوا بعدم إمکان تحقق الأخلاق بلا دین.
قبل أن نبدأ بتبیین الأخلاق القائمة على الدین لابد من الإشارة إلى قضیة، و هی أن طرح أی نظام أخلاقی، متعلق برؤیة الإنسان عن العالم و هی الرؤیة التی جعلته یعترف بهذا النظام الأخلاقی دون غیره. و نحن نعلم أنه و وفقاً للرؤیة الدینیة للعالم، یکون کمال الإنسان فی وصوله و تقربه إلى الله. و لهذا لا یکون العمل أخلاقیا إلا إذا أعان الإنسان على نیل هذا الهدف. بعد التسلیم بهذا الأصل یجب أن نعرف أن الإنسان الذی هو فی طریقه إلى الکمال و لعله فی بدایة حرکته التکاملیة، هل هو محیط بهذا الطریق بشکل کامل؟ هل بإمکانه أن یستقل فی رسم الطریق و إعطاء نظام أخلاقی یوصله إلى الهدف من دون حاجة إلى مرشد و دلیل؟ من الطبیعی أنه لو کان هدف الإنسان الوصول إلى الله، لوجب أن تکون أخلاقه من الله، فهو لم یستغن عن الوحی و عن الله لا فی أصل هذه الأخلاق و لا فی تفاصیلها.
و هنا لابد من التذکیر بهذه الحقیقة و هی أنه لیس قیام الأخلاق على أساس الدین یعنی أن حسن الأشیاء و قبحها و أخلاقیة الأعمال و لا أخلاقیتها تبتنی على أمر الله و نهیه، بل المقصود هو أن مع القبول بذاتیة الحسن و القبح، یجب أخذها من لسان الشارع فی الکثیر من الموارد و لا یمکن أن نعتبر العقل مستقلا فی فهم جمیع التفاصیل.
الأخلاق لغةٌ شائعة بین جمیع الناس فی العالم، لکنها فی مقام التعریف تبدو من أعوص المفردات و أکثرها إبهاما و قل ما حدث اتفاق علیها بین العلماء؛ إذ کل رؤیة سواء أکانت فلسفیة أو دینیة أو اجتماعیة أو غیر ذلک، تفسرها کل فئة حسب ما تحمله من رؤیة تجاه العالم وتعرف الاخلاق و الفعل الأخلاقی تعریفا خاصا ینسجم مع تلک الرؤیة. لکن الجدیر بنا فی هذا المقال أن نشیر إلى نظریتین عامتین فی الأخلاق و أسس القیم الأخلاقیة و هما مرتبطتان بموضوع علاقة الدین بالأخلاق. و إلیک هاتین النظریتین:
1ـ إن الأخلاق أمر مستقل عن الدین و لا علاقة لها بالدین.
2ـ لا تتحقق الأخلاق من دون العلاقة بالدین و الإیمان و الاعتقاد بالله سبحانه.
قدم الموضوع
قل ما طرح موضوع علاقة الدین بالأخلاق بشکل مستقل فی مجتمعنا الإسلامی، و لعل ذلک لأنه فی ضوء انتشار المعارف الدینیة فی المجتمعات الإسلامیة، لم یبق مجال لطرح هذه الأبحاث و الشک و السؤال فی مدى العلاقة بین الدین و الأخلاق و تعیین من له الأصالة دون غیره.
لکن خلافا لأوساطنا طرح هذا الموضوع فی المجامع الغربیة بشکل واسع و بدایته کانت بعد عصر النهضة؛ إذ أن قبل ذلک کان الدین الرائج فی تلک البلاد یتمثل فی المسیحیة التی کانت سائدة على کل شؤون حیاة الناس من علمها و ثقافتها و مجتمعها و أخلاقها و غیر ذلک، و بعد أن هزمت الکنیسة فی مختلف المیادین، أعرض الناس عن الدین و النزعات الدینیة، فطرحت نزعات أصالة الإنسان بدلا عن التوجه إلى الله و بعد ذلک شیئا فشیئا أثیرت الفکرة القائلة بانه من الممکن طرح الأخلاق مستقلة عن الدین. ثم تقوت هذه الفکرة إلى أن طرحوا الأخلاق المنفصلة عن الله فی القرون الأخیرة. و فی المقابل أکد البعض على الأسس الدینیة للأخلاق و اعتقدوا بعدم إمکان تحقق الأخلاق بلا دین. [1]
الأخلاق القائمة على الدین
قبل أن نبدأ بتبیین الأخلاق القائمة على الدین لابد من الإشارة إلى قضیة مهمة و هی أن طرح أی نظام أخلاقی، متعلق برؤیة الإنسان عن العالم هی التی تجعله یعترف بهذا النظام الأخلاقی دون غیره. إذ کل رؤیة لها تصور خاص عن کمال الإنسان و العمل الأخلاقی هو العمل الذی یقرب الإنسان إلى هذا الکمال.
فالرؤیة الدینیة للعالم ترى أن کمال الإنسان فی وصوله إلى الله. و لهذا لا یکون العمل أخلاقیا إلا إذا أعان الإنسان على نیل هذا الهدف. بعد التسلیم بهذا الأصل یجب أن نعرف أن الإنسان الذی هو فی طریقه إلى الکمال و لعله فی بدایة حرکته التکاملیة، هل هو محیط بهذا الطریق بشکل کامل؟ هل بإمکانه أن یستقل فی رسم الطریق و إعطاء نظام أخلاقی یوصله إلى الهدف من دون حاجة إلى مرشد ودلیل؟
من الطبیعی أنه لو کان هدف الإنسان الوصول إلى الله، لوجب أن تکون أخلاقه من الله، و أن یستلهم أصول أخلاقه و فروعها من الوحی و مصادر التشریع. و لیس من المعلوم فی هذه الأخلاق البشریة المجردة عن الله أن توصل الإنسان إلى الله أم إلى رغباته و هواه. إذن من یرى غایة الإنسان الوصول إلى الله، لم یقتنع بدعوة استقلال العقل، و خاصة العقل الأنانی و الانتهازی فی تأسیس نظام أخلاقی أصیل و حقیقی.
طبعا لا حاجة إلى الدین فی تأسیس نظام أخلاقی بشری یبحث عن کمال الإنسان باستغناء عن المسائل الإلهیة، بل قد تصبح فی هذه الرؤیة الکثیر من التعالیم الأخلاقیة الدینیة، تعالیم فارغة لا معنى لها.
إذن أولئک الذین رفعوا رایة الأخلاق المجردة عن الدین و عن الله، قد جعلوا مبدأ أخلاقهم النفس البشریة ضیقة النظر، لا النفس العلیا الموحدة و لا العقل السامی، إذ لم ینفک هذا العقل عن مرافقة الوحی، فهو مستضیء بنوره، خلافا للعقل الانتهازی الدنیوی الذی أوصلته أنانیته إلى الفراغ و لم یواجه فی دعوى تأسیس أخلاق مجردة عن الله إلا الفراغ.
و یشیر داستایوفسکی فی قوله المعروف: "لو لا وجود الله لجاز کل شیء" [2] إلى نفس هذه الحقیقة و هی أنه بدون الهویة الإلهیة لا یبقى للإنسان حافز على السلوک الأخلاقی. و مهما کانت الأخلاق محوریة و ذات أصالة، یدل ذلک على تجلی الشخصیة الإلهیة و الدینیة فی الإنسان، و لا یمکن أن تحقق هذه الشخصیة الإلهیة إلا من خلال الارتباط بالله سبحانه.
إذن رؤیة الأخلاق القائمة على الدین تنافی الرؤیة المستقلة و البشریة فی إعطاء النظام الأخلاقی و تعتقد بعدم إمکان تصور الأخلاق المجردة عن الدین و عدم إمکان تحققها، فتجب الاستعانة بالوحی من أجل تأسیس أصول الأخلاق فضلا عن فروعها.
و هنا لابد من التذکیر بهذه الحقیقة و هی أنه لیس قیام الأخلاق على أساس الدین یعنی أن حسن الأشیاء و قبحها و أخلاقیة الأعمال و لا أخلاقیتها تبتنی على أمر الله و نهیه (و انها فی ذاتها لیست حسنة او قبیحة کما یدعی ذلک بعض الاتجاهات الفکریة کالاشاعرة)، بل المقصود هو أن مع القبول بذاتیة الحسن و القبح، یجب أخذها من لسان الشارع فی الکثیر من الموارد و لا یمکن أن نعتبر العقل مستقلا فی فهم جمیع التفاصیل. إذن دور الوحی هنا إنما هو فی مقام الإثبات و لا فی مقام الثبوت. [3]
المواضیع المرتبطة:
الدین و الإنسان، 226 (الموقع: 2128).
الدین و الثقافة، 1202 (الموقع: 1975).
دور المصادر الدینیة فی الأخلاق، 2316 (الموقع: 3155).