بحث متقدم
الزيارة
6652
محدثة عن: 2010/12/01
خلاصة السؤال
لماذا لم یکتب الأنبیاء و الائمة بأنفسهم کتب الحدیث؟
السؤال
هناک تناقضات کثیرة فی کتب الحدیث. فلماذا لم یکتب النبی و الائمة بأنفسهم کتاباً روائیاً؟ و لماذا لم یکتبوا تفسیراً للقرآن؟ فقد ألّف الآخرون کتباً و لکن لا یوجد کتاب للأئمة أنفسهم؟
الجواب الإجمالي

إن نبیّ الإسلام(ص) و بناءً علی إرادة الله و تقدیرة– لم یذهب الی مدرسة و لم یتعلّم عند أیّ استاذ و لم یکتب أی کتاب، و علّة هذا التقدیر الإلهی واضحة تماماً فقد کانت معجزته الخالدة کتاباً إسمه القرآن، و کتابة کتابٍ و الاتیان به من قبل شخص متعلّم لا یعتبر عادة أمراً محالاً أو علی الأقل فأنه یوجد شبهة لدی البعض بأنه ربما کان هذا الکتاب (القرآن) حصیلة الجهد الذهنی و تعالیم اساتذة النبی (ص) و لم یصلنا من الأئمة المعصومین(ع) کتاب أیضاً ماعدا أمیر المؤمنین علی(ع) و الإمام السجاد(ع)، و لذلک أسباب مختلفة منها تکالیف الإمامة و القیادة الإجتماعیة للناس، و الظروف الزمانیة الخاصة و وجود التلامذة و کتاب الحدیث.

الجواب التفصيلي

یمکن الحدیث فی سؤالکم عن عدة جوانب:

1- بالنسبة لشخص نبی الإسلام(ص): إن نبی الإسلام(ص کان یعیش فی ظروف خاصة جداً و استثنائیة. و بناءً علی إرادة الله و تقدیرة – لم یذهب الی مدرسة و لم یتعلّم عند أیّ استاذ و لم یکتب أی کتاب، و علّة هذا التقدیر الإلهی واضحة تماماً فقد کانت معجزته الخالدة کتاباً إسمه القرآن، و کتابة کتاب ٍ و الاتیان به من قبل شخص متعلّم لا یعتبر عادة أمراً محالاً أو علی الأقل فأنه یوجد شبهة لدی البعض بأنه ربما کان هذا الکتاب "القرآن" حصیلة الجهد الذهنی و تعالیم أساتذة النبی(ص). و لهذا یقول القرآن: "و ما کنت تتلو من قبله من کتاب و لا تخطّه بیمینک اذاً لارتاب المبطلون". [1]

و بناء علی هذا فمع کون القراءة و الکتابة تعدّ کمالاً لکل إنسان، و لکن قد یصبح عدم القراءة و الکتابة کمالاً فی ظروف خاصة أحیاناً. و یتحقق هذا الأمر بجلاء فی مورد الأنبیاء و خصوصاً خاتم الأنبیاء(ص)، حیث انه اذا ادّعی النبوة عالم متمکّن و فیلسوف نبیه مکثر للمطالعة و عرض کتاباً علی أنه کتاب سماوی، فربّما حصلت فی مثل هذه الظروف وساوس و شکوک من أنه ربما کان هذا الکتاب و الدین متولّداً من عند نفسه، فربما کان ذلک لأجل ان لا یتخذ ذلک ذریعة لأعداء الإسلام؛ فإن النبی(ص) لم یکتب شیئاً حتی نبوّته أیضاً. [2] و لکنه کان یأخذ العلم کله من الوحی الإلهی. [3]

2- لماذا لم یکتب الأئمة کتاباً؟

و هذا کلام لا یصح بشکل مطلق، فإن أمیر المؤمنین علی(ع) و الذی یسمّی أبو الائمة(ع) قد کتب کتاباً مشهوراً و کان یعرف فی کلمات أبنائه المعصومین بکتاب علی(ع). [4]

و قد وصلنا عن الإمام السجاد(ع) ءیضاً الکتاب المعروف بالصحیفة السجادیة، نعم، لا یوجد الیوم لدینا کتاب بإسم کتاب علی(ع). و فی تفسیر القرآن أیضاً فإن أوّل من جمع القرآن کان هو الإمام أمیر المؤ منین(ع) و هو الذی ذکر فیه شأن نزول و تفسیر بعض الآیات، و لکنه لم یقبل منه بسبب بعض حوادث صدر الإسلام، من قبل الخلفاء و من قبل الناس أیضاً تبعاً لهم. [5]

و لکن لم یذکر شیء آخر کتبه الأئمة المعصومون(ع) غیر ما تقدّم، و سبب ذلک یمکن تلخیصه فی عدّة نقاط:

1-2. تکالیف الإمامة و القیادة الإجتماعیة للناس: إن التکالیف الملقاة علی عاتق إمام کل عصر کثیرة و متنوّعة الی درجة بحیث یکون کتابة کتاب عملاً صغیراً جداً بالقیاس لها. فإن الإمام لیس مؤلّفاً و کاتباً، بل إنه یقوم بأعباء الإمامة الظاهریة و المعنویة للناس، و وظیفته تربیة الابرار و المجاهدین لیتمکّنوا من التضحیة فی سبیل الإسلام.

و وظیفة الإمام حلّ جمیع الامور الدنیویة و الاخرویة للناس، و هذا الأمر و إن کان من الامور المهمّة، و لکن حیث إن الإمام(ع) یهتم دائماً بما هو الأهم من الأعمال، فإنه لا یتعرّض الی مثل هذه الأعمال الا بمقدار الضرورة. و یبدو أن هذه الضرورة وسعة الوقت لم تتوفّرا الا للإمام علی(ع) و الإمام السجاد(ع).

2-2. الظروف الزمانیة الخاصة:

و هذا السبب یمکن ملاحظته من زاویتین: الاولی: عدم إقبال الناس و اهتمامهم. إن الناس فی ذلک الزمان و بسبب الظروف التی فرضتها الحکومات الغاصبة، لم یکونوا مهتمّن ذلک الإهتمام بأهل البیت (ع) و لقد کان السبب الأساسی فی انزواء الائمة المعصومین(ع) و انعزالهم عن المجتمع هو عدم إقبال الناس و اهتمامهم، و بالطبع فإن عدم الاهتمام هذا لا یقلّل من شأن و منزلة أهل البیت(ع) و الذی یتضرر به هو الناس أنفسهم، و لکن علی أیة حال فإن طرح أیة فکرة أو رأی أو کتاب یتضمّن مثل هذه الخصائص یتطلّب الجوّ الاجتماعی المناسب.

الثانیة: ظرف التقیة فی ذلک الوقت الخاص، إن ذلک الظرف الخانق لم یکن یختص بما یصدر عن الأئمة(ع) من کلام أو رسالة فحسب بل کان الأمر کذلک مع کتب أصحاب الائمة(ع) أیضاً. یقول أحد أصحاب الإمام الجواد(ع) للإمام(ع): "جعلت فداک إن مشایخنا رووا عن أبی جعفر و أبی عبد الله(ع) (الإمام الباقر و الصادق(ع)) و کانت التقیة شدیدة فکتموا کتبهم و لم ترو عنهم فلمّا ماتوا صارت الکتب الینا. فقال: حدّثوا بها فإنها حق" [6] و بناء علی هذا فقد کان من أهم الأسباب فی امتناع الائمة المعصومین(ع) من إمساک القلم و کتابة حتی رسالة واحدة (فضلاً عن تألیف کتاب) هو ظروف التقیة الشدیدة، فقد کان جهاز السلطة الامویة و العبّاسیة یراقب حرکات الائمة(ع) فی کل المراحل و کان ذلک یشتد و یضعف أحیاناً و لکنهم جمیعاً کانوا یعیشون ظرف التقیة، حیث یقول الإمام الباقر(ع): "التقیة من دینی و دین آبائی". [7]

3-2. وجود التلامذة و کتاب الحدیث

إن مهمة کتابة الأحادیث و تعالیم الأئمة(ع) کان یقوم بها عدد من أصحابهم و هم المعروفون بالمحدّثین، و بناءً علی هذا فقد وصلت إلینا أحادیث بجهود هؤلاء الأصحاب و مساعیهم، و لم تندثر هذه الاحادیث بسبب عدم کتابة الکتب من قبل الائمة(ع).

نعم، ربما یقال: لو أن الائمة(ع) کانو قد کتبوا کتاباً بأنفسهم لما کان قد حصل فیها اختلاف، و لکن الأمر لیس کذلک لأنه لو کان الائمة قد کتبوا کتاباً فإنه لم یکن لیسلم من أیدی التحریف کسائر کتب أصحابهم، بل کان السعی لتحریف کتبهم أشدّ کثیراً من السعی لتحریف کتب أصحابهم، و بالطبع فإنه سیکون شدة ضلال الناس بهذه الکتب المحرّفة و المنسوبة الی الائمة أکثر، لأن الناس و حتّی المحدّثین و نظراً لإنتساب تلک الکتب الی الائمة(ع) فإنهم سوف لم یحتملوا فها الخطأ و الاشتباه لکی یفکروا فی تصحیحها و إعادة النظر فیها، إذن فالنتیجة انه لا فائدة من کتابة الکتب من قبل الائمة(ع) أنفسهم.

و فی الختام ننبّه علی آن ما وصفتموه فی سؤالکم بقولکم "التناقضات الکثیرة فی کتب الحدیث" لیس بالأمر الصحیح، نعم هناک بعض التعارض الظاهری فی الاحادیث و الذی یمکن حلّه من قبل علماء الإسلام.

فإن أحادیثنا و علی مر التاریخ قد خضعت -لمرّات عدیدة- الی التنقیح و التصحیح من قبل أصحاب الائمة و الأئمة(ع) أنفسهم، و أن التعارض الظاهری لبعض الروایات قد حلّ فی کلام الفقهاء.

و للإطلاع أکثر حول هذا الموضوع یمکنکم مراجعة السؤال 3929 (الموقع 4241) (تمییز الأحادیث الصحیحة).



[1]    العنکبوت، 48.

[2]    المطهری، مرتضی، النبی الامی، ص6، منشورات صدرا، طهران 1378هـ.ش.

[3]    مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏12، ص: 422، مدرسة الامام علی بن ابی طالب، قم المقدسة، الطبعة الاولى.

[4]    دیوان حافظ، ص167.

[5]     الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص41، دار الکتب الإسلامیة، طهران 1365هـ.ش.

[6]    الکافی، ج1، ص53.

[7]    الکافی، ج2، ص219.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...