Please Wait
5316
یتکفل الدین الاسلامی ببیان العمومات التی تستتبع السعادة المعنویة للناس و هو ایضاً یوجه المسلمین لیبذلوا کل مساعیهم فی عمارة الدار الآخرة من دون المساس بالحیاة الدنیا حیث لا یعتبرالحیاة الدنیویة أمراً مخالفاً للشرع. و من الطبیعی للمسلم و مع هذه الرؤیة فی مختلف المجالات و مع کون المجال مفتوحاً أمامه أن یتصرف بنحو یتطابق مع تلک المفاهیم الکلیة.
و بالطبع فان الاسلام وضع تعالیمه فیما یتعلق بالحیاة المدنیة و منها مراعاة الجانب الامنی و احترام حقوق الجیران و عدم التجاوز علی الامکنة العمومیة و.....
کما تعلمون فان الدین الاسلامی المقدس قد وضع معاییر کلیة للحیاة الاجتماعیة للناس و التی یمکن من خلالها- مع حفظ حقوق الآخرین- الحصول علی الرشد و التکامل المعنوی ایضاً. و هناک مفردات جزئیة فی هذا المجال لیست بحاجة الی بیان صریح لرأی الشرع فیها بل تندرج فی دائرة المباحات التی یمکن للمؤمنین بهذا الدین اتخاذ القرار المناسب بشأنها مع المحافظة علی المعاییر الکلیة.
و من هنا نری أن أمیر المؤمنین(ع) فی ابتداء عهده المشهور لمالک الاشتر، و مع أنه یوصیه بشکل عام بعمارة المدن فیقول : (و عمارة بلادها) [1] و لکنه لم یتحدث عن تفاصیل کیفیة العمارة.
و لهذا السبب فانه لا یمکننا ان نتوقع وجود جمیع تفاصیل هیکلیة المدن فی الآیات و الروایات بل ینبغی ملاحظة العمومات التی سنشیر فیما یلی الی نماذج منها، ثم اتخاذ القرار المناسب بشأنها:
إن الانسان الذی یؤمن بفناء هذا العالم، و ان الحیاة الحقیقیة تتمثل فی العالم الأخروی [2] ، لا یمکنه ان ینظر الی المادیات نظرة المتمسک بها و المنبهر بزخرفها و انها ذات قیمة ذاتیة، بل هو یقطع برحیله عن هذه الدنیا فی نهایة المطاف تارکاً جمیع ذلک [3] . و بطب یعة الحال لایمثل امتلاک دار سکن او ما یحتاجه الانسان فی الحیاة الدنیا مصداقا لحب الدنیا الذی نهت الروایات عنه ، بل ان امتلاک دار للسکنی یعد من الأمور التی تحفظ للانسان کرامته و تخرجه عن کونه عالة على الاخرین تلک الصفة التی جاء ذمها فی الکثیر من الروایات و الاحادیث الصادرة عن المعصومین یقول لقمان الحکیم مخاطباً ولده: "وَ خُذْ مِنَ الدُّنْیَا بَلاغاً و لا تَرْفُضْهَا فَتَکُونَ عِیَالا على النَّاسِ و لا تَدْخُلْ فِیهَا دُخُولًا یُضِرُّ بِآخِرَتِک" [4] .
2. مع الاخذ بعین الاعتبار الاصل الکلی المتقدم فان المسکن المناسب الذی یوفر راحة الانسان یعد من النعم الالهیة الکبیرة، و ان الله تعالی نفسه یذکر بهذه النعمة و یوصی بتأدیة شکرها فیقول سبحانه: "لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فی مَسْکَنِهِمْ آیَةٌ جَنَّتانِ عَنْ یَمینٍ وَ شِمالٍ کُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّکُمْ وَ اشْکُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَیِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ" [5] "وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَکُمْ فِی الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُیُوتاً فَاذْکُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدینَ" [6] یقول الامام الصادق (ع) فی هذا المجال: مِنَ السَّعَادَةِ سَعَةُ الْمَنْزِل. [7] فلا غراب ة حینما نجد فی الروایة "ان رجلا من الانصار شَکَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص- أَنَّ الدُّورَ قَدِ اکْتَنَفَتْهُ فَقَالَ النَّبِیُّ (ص): ارْفَعْ صَوْتَکَ مَا اسْتَطَعْتَ وَ سَلِ اللَّهَ أَنْ یُوَسِّعَ عَلَیْک [8] .
ان ذلک کله لا یعد مبررا للتهافت علی بناء البیوت الواسعة و الفلل الفخمة التی تزید عن مقدار حاجتهم. یقول الامام الصادق (ع): "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ و جَلَّ وَکَّلَ مَلَکاً بِالْبِنَاءِ یَقُولُ لِمَنْ رَفَعَ سَقْفاً فَوْقَ ثَمَانِیَةِ أَذْرُعٍ أَیْنَ تُرِیدُ یا فَاسِقُ" [9] و یقول (ع) فی موضع آخر أیضاً: "کُلُّ بِنَاءٍ لَیْسَ بِکَفَافٍ فَهُوَ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ" [10] . و النبی الاکرم (ص) یری ان المعیار المناسب للمسکن یکمن فی الامور التالیة:
اولاً: لا یزید عن الحاجة، و لایکون ریاء و سمعة ومباهاة للآخرین [11] .
و من الطبیعی ان مقدار الحاجة متفاوت من شخص لآخر، فالمنزل الوسیع عند شخص یعتبر صغیراً عند آخر، بل حتی الشخص الواحد تختلف حاجته باختلاف الظروف و الحالات التی یمر بها ؛ من هنا نجد أمیر المؤمنین (ع) لما دخل على العلاء بن زیاد الحارثی یعوده و هو من أصحابه، فلما رأى سعة داره قال: "ما کنت تصنع بسعة هذه الدار فی الدنیا و أنت إلیها فی الآخرة کنت أحوج، و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقرئ فیها الضیف، و تصل فیها الرحم، و تطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت بلغت بها الآخرة" [12] .
و بملاحظة ما تقدم، فانه یمکن للناس ان یصمموا أنواعاً مختلفة من هیکلة المدن استناداً الی مقدار معرفتهم بالتخطیط العمرانی، من دون ان یکون ذلک مخالفاً للشرع الاسلامی المقدس، و الجدیر بالذکرأن الکثیر مما یطرح الیوم تحت عنوان العمارة الاسلامیة هو فی الحقیقة عمارة لمهندسین مسلمین، و لیس هو نوعاً من العمارة التی تکون عناصرها مستندة الی الشرع.
من هنا، لیس من ال ضروری وجود نص صریح فی کل جزئیة من جزئیات الحیاة ، و بالتالی یمکن القول انه لم یدون الی الآن فی الفقه الاسلامی باب یرتبط بالعناصر اللازمة فی بناء المدن و ان کان من المناسب ان تقوم دراسات فی هذا المجال حول الروایات الواردة فی مواضیع مختلفة و کمثال علی ذلک نشیر باختصار الی عدة عناوین منها:
1- رعایة شروط السلامة: فقد سئل الامام الصادق (ع) "فِی السَّطْحِ یُبَاتُ عَلَیْهِ غَیْرَ مَحْجُورٍ؟ قَال: یُجْزِیهِ أَنْ یَکُونَ مِقْدَارُ ارْتِفَاعِ الْحَائِطِ ذِرَاعَیْنِ" [13] . و یمکننا ان نستنبط من هذه الروایة انه یجب توفیر شروط السلامة فی التخطیط و العمران.
2- ضرورة الانفاق فی الأمور المهمة: لا ینبغی فی العمارة الاسلام یة ان تکون اسیرة الخشیة من الاسراف و التبذیر بنحو ینعکس سلبا على نوعیة البناء فلا ینبغی للمدنو المنازل ان تکون بهیئة مظلمة و لاتتوفر فیها سبل الراحة تحت بذریعة تجنب الاسراف والتبذیر. یقول الامام الرضا (ع): "إِسْرَاجُ السِّرَاجِ قَبْلَ أَنْ تَغِیبَ الشَّمْسُ یَنْفِی الْفَقْرَ" [14] و ک ذلک تم التأکید کثیراً على جانب مراعاة النظافة و الامور الصحیة ایضاً. [15] نعم المبالغة فی ذلک و الخروج عن الحد العرفی اسراف محرم.
3-مراعاة حال الجیران : فی الحیاة المدنیة نکون مضطرین الی السکن الی جنب اناس آخرین، ومن هنا نبغی ان تکون عمارة المدن بنحو لا تؤدی – بالحد الممکن- الى الاضرار بهم مادیا و معنویا . فقد منع النبی (ص) من التطلع الی بیوت الجیران [16] . و قال (ص) فی حدیث آخر: "و مَنْ کَانَ مُؤْذِیاً لِجَارِهِ مِنْ غَیْرِ حَقٍّ حَرَمَهُ اللَّهُ رِیحَ الْجَنَّةِ وَ مَأْوَاهُ النَّارُ" [17] . و بالطبع فان أذی الجار له مصادیق مختلفة فی الازمنة و الامکنة المختلفة و قد ورد الذم فیها جمیعاً.
4-عدم الاستخدام الخاص للاماکن العمومیة حتی فی الاستخدامات المشروعة: تخصص فی کل مدینة مناطق عمومیة من أجل الترویح عن الناس، فلا ینبغی للمسلمین ان یستخدموا هذه المناطق بطریقة تمنع من انتفاع الآخرین منها، یقول الامام الرضا (ع): "کُلُّ طَرِیقٍ یُوطَأُ وَ یُتَطَرَّقُکَانَتْ فِیهِ جَادَّةٌ أَمْ لَمْ تَکُنْ لا یَنْبَغِی الصَّلَاةُ فِیه") [18] و...
مواضیع ذات صلة:
* حمایة البیئة و الصحة فی الاسلام، السؤال1401(الموقع2711).
* صفات الفرد المسلم، السؤال1400 (الموقع2503).
[1] نهج البلاغة،خطبة53.
[2] العنکبوت،64،"و ما هذه الحیاة الدنیا الا لهو و لعب وأن الدار الآخرة لهی الحیوان لو کانوا یعلمون".
[3] الانعام،94، "ولقد جئتمونا فرادی کما خلقناکم اول مرة وترکتم ما خولناکم وراء ظهورکم".
[4] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج13، ص411، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404هق.
[5] سبأ، 15.
[6] الاعراف، 74.
[7] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج5، ص299، ح6592، مؤسسة آل البیت، قم،1409هق.
[8] نفس المصدر، ج5، ص300، ح6597.
[9] .نفس المصدر، ج5، ص310، ح6634.
[10] .نفس المصدر، ج5، ص337، ح6725.
[11] نفس المصدر، ج5، ص339، ح6731.
[12] نهج البلاغة، خطبة209.
[13] وسائل الشیعة، ج5، ص313، ح6644.
[14] نفس المصدر، ج5، ص320، ح6667.
[15] نفس المصدر، ج5، ص317، باب استحباب کنس البیوت والافنیة وغسل الاناء.
[16] نفس المصدر، ج5،ص335، ح6717.
[17] نفس المصدر، ج5، ص340، ح6736.
[18] نفس المصدر، ج5، ص147، ح6175.