بحث متقدم
الزيارة
5462
محدثة عن: 2012/01/18
خلاصة السؤال
ما هی خصوصیة مفهوم الله فی رأی المتفکرین المختلفین و ما هی خصوصیة هذه الرؤیة عند الفلاسفة المسیحیین فی فترة القرون الوسطی.
السؤال
ما هو مفهوم الوجود المیتافیزیکی أو ماوراء الطبیعة الذی یسمّی بالله فی رأی الفلاسفة، و ما هی خصوصیات هذا الإله فی رأی المتفکرین المختلفین، و ما هی خصوصیاته الأخری لدی فلاسفة المسیحیین فی القرون الوسطی؟ و هل یختلف إله فلاسفة القرون الوسطی عن إله الفلاسفة قبلهم أم لا؟
الجواب الإجمالي

وصل الفلاسفة الأوائل فی الیونان القدیمة فی بحثهم عن مصور الأشیاء و خالق الخلق الی مفهوم باسم الله، و إله فلاسفة القرون الوسطی یختلف عن إله الفلاسفة القدماء و اختلاف إله الفلاسفة المسیحیین عن آلهة الیونان و الروم فی أصل الخالقیة. و للتعرف علی رأی الفلاسفة المختلف عن الله، نبین لکم نبذه مختصرة لآرائهم فی الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

وصل الفلاسفة الأوائل فی الیونان القدیمة فی بحثهم عن مصدر الأشیاء و خالق الخلق إلی مفهوم باسم الله، إنهم یعتقدون بأن العناصر الأربعة هی مصدر کل العالم. و کمثال علی ما نقول"إن طالیس یری أن الماء مصدر کل الأشیاء و دموکریتوس یری ان النار هی مصدرها و یری غیرهم من الفلاسفة أن مصدر الأشیاء الهواء او التراب "[1] "لقد ورد بحث تفصیلی عن الآلهة عند الیونانیین فی کتابات هومر و هسیود. و إذااقتصرنا علی کتاب هومر نجد أن کلمة الربّ هناک تطلق علی أنواع عجیبة من الموجودات المختلفة. لقد جاء تصور الإلوهیة فی الفکر الیونانی منطلقا من تصور الطبیعة و أصل ضرورة الحاکمیة علیها، و القصد من هذه الموجودات العجیبة هو القوی الإلهیة التی ینظم شعب الیونان افعالهم و أفکارهم علی أساسها".[2]

و من الواضح لا یمکن أن یکون لهم إله واحد کما تعرفه الان. و منذ الأساس"ناک نظریات و آراء کثیرة عن مفهوم و وجود الله فی المذاهب الفلسفیة و الأدیان و الجولات التأریخیة، لکن لیس لأحد من هؤلاء رؤیة ثابتة و مفهوم راسخ لا یقبل التغییر عن الاله".[3] نطرح الآن نبذة مختصرة جداً عمّا یفهمه فلاسفة الغرب عن الله یمکنکم الحصول منها علی الإجابة عن بعض جوانب السؤال المطروح.

إله الثقافة الیونانیة فی فترة الفکر السقراطی السابق(الیونانیون القدماء) له خصوصیتان تمیزه عن التصورات الاخری للإلهة و هی عبارة عن: الحیاة و الشبه بالانسان.[4] دور إله إفلاطون(الصانع و مثال الخیر) تنظیم العناصر الموجودة، لکن الإضطراب فی العالم و التصویر الجمیل الکامل له یمکن فی الإستفادة من جمال الافکار.[5] إله أرسطو(محرک اللامتحرک) هو العله الغائبة للعالم، لا علته الفاعلیة إذ یمکن أن تتعدد.[6]

و قد وصلت عقیدة فلسفة مدرسی القرون الوسطی فی باب الإله الی رؤیتها فی الاله من مصدرین: الکتاب المقدس و الفلسفة الیونانیة.[7] المتکلمون و رجال الکنیسة إستفادوا من عبارة " أنا الذی أنا" [8] أن الله له وجود و هو منشأ کل الأشیاء. إذن هو خالق العالم و الإنسان و هو واحد فی نفس الوقت. و من الطبیعی یجب کون الإله الخالق قادراً مطلقاً و عالماً مطلقاً کذلک. و بلحاظ منطق الإله القادر و المطلق یجب کونه غیر متناه وکونه قائماً بالذات و سرمدیاً و بسیطا و أکمل من کل الأشیاء. ومن الواضح ان شرح و بسط الفکر الفلسفی فی باب الإلهیات المسیحیة و من خلال استعمال الإصطلاحات الیونانیة بلغ ذروته فی آثار المتکلمین البارزین آغوستین و آکوئیناس.[9]

إله آغوستین و إله الکتاب المقدس فی قالب التفکر الإفلوطین هو(الإعتقاد بالإله الأحد بعنوانه المبدأ الأول).[10] باعتقاد افلوطین أن أحد (الاقنوم الاول) خالق العقل الکلی (الاقنوم االثانی) و العقل الکلی مخلوق من قبل النفس الکلیه(الاقنوم الثالث).[11] إله آکوئیناس و إله الکتاب المقدس هما فی قالب الفلسفة الارسطوئیة.[12] آکوئیناس "تقدم علی ارسطو فی عین تبعیته لطریقته الفلسفیة، لأن مفهوم الفاعلیة فی رأیه هو نفس مفهوم الخالقیة و الربوبیة. مع أن "محرک اللا متحرک "لدی أرسطو لم یکن إلا العلة الغائیة و لا شغل له بخلق العالم و الإرادة".[13]

ففی الواقع إن اختلاف إله الفلاسفة المسیحیین مع إله الیونانیین و الرمانیین یکمن فی خالقیته.[14]

و هذا الإختلاف له أصل فی هذه الحقیقة و هی "إن المسیحیة لیست فلسفة بل هی تعالیم دینیة لصلاح الإنسان عن طریق المسیح، اما الفلسفة الیونانیة فهی منهج لتبیین العالم".[15] و هذه االمسألة هی الفیصل الممیز للفکر الیونانی عن الفکر المسیحی. لقد بدأت دورة جدیدة فی تاریخ المیتافیزیقیة و المعرفة الإلهیة بعد الفلسفة المدرسیة و ظهور دکارت. لیس لله فی نظام الفلسفة الدیکارتیة شأن وجودی بل له شأن معرفی لا غیر".[16] "أن الله فی نظام فلسفة دیکارت ینتسب إلی فکر الإنسان، من حیث مبدئیة فکر الإنسان فی إثبات الله و کذلک فی مسألة طرح بحث الله فی فلسفة دیکارت فی المنظار المعرفی أکثر مما هو تحلیه فی المنظار الوجودی"[17]

"إن مراد دیکارت من کلمة "الله" جوهر لا متناهی (سرمد) و غیر قابل للتغییر و قائم بالذات و عالم مطلق و قادر مطلق و خالق للأنا و لکل شیء موجود".[18]

التأثیر المعکوس لشک دیکارت القانونی الذی کان من المفروض أن یثبت وجود الله عن طریق العقل لکنه فی النتیجة أثار موجة جدیدة من النزعة التشکیکیة، "ظهور هیوم فی الانجلیزی فی انجلترا و کانت فی المانیا فی القرن الثامن عشر و انتشار آثارهما المهمة أدّی إلی تضعیف المیتافیزیقیة. کذلک الحال فی القرن التاسع عشر حیث أدت النظریات و الابداعات العلمیة لتوفیر الأرضیة الأصلیة للفکر الإلحادی کنظریة التکامل لداروین و رواج الآلیة النیوتونیة. ففی نظریة التکامل، نجد أن الله خصوصاً إله الربوبیة (المفهوم الإلهی الغائب الذی حرک العالم کثیراً فی السابق ثم ترکه لحاله) صار موضعاً للتساؤل بشکل جدّی. کما نجد أن الفکر الآلی قد صور کل شیء بشکل آلی".[19] علی کل حال "و إن کان صانع إفلاطون، و محرک لا یتحرک أرسطو، و أحد افلوطین، و إله الرحمة للکنیسة (الاب السماوی)، و جوهر دیکارت اللا متناهی، و الخلاق و طبیعة خالق الطبیعة لا سبینوزا، و معطی القوانین الخلاقة لکانت، و الروح و الفکر المطلق لهیجل، کلهم یشیرون الی هذه الحقیقة الواحدة التی نعبر عنها بالله، لکنها لیست ذات معنیً و مفهوم واحد. و الجدیر بالذکر هنا أن منکری وجود الله و المشککین فیه أیضاً لیس لهم فهم واحدٌو ثابت عنه".[20]



[1]  حسن زادة، صالح، السیر و التطور لمفهوم الله من دکارت الی نیجة، ص 29، طهران، العلم، 1387.

[2]  نفس المصدر، ص 29ـ 30.

[3] نفس المصدر، ص 14ـ15.

[4] نفس المصدر، ص 30.

[5]  نفس المصدر، ص 32.

[6]  نفس المصدر، ص 33.

[7]  نفس المصدر،ص 35.

[8]  العهد عتیق، سفر الخروج، باب 3، آیه 14.

[9]  حسن زادة، صالح، همان، ص 35.

[10]  نفس المصدر، ص 38.

[11]  نفس المصدر، ص 40.

[12]  نفس المصدر، ص 43.

[13]  نفس المصدر، ص 48.

[14]  نفس المصدر، ص 48.

[15]  نفس المصدر، ص 43.

[16]  نفس المصدر، ص 84.

[17]  نفس المصدر، ص 87.

[18]  نفس المصدر، ص 85.

[19]  نفس المصدر، ص 16.

[20]  نفس المصدر، ص 15.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...