بحث متقدم
الزيارة
7162
محدثة عن: 2007/01/11
خلاصة السؤال
ما هی طبیعة العلاقة بین المشیئة الإلهیة و إرادة الإنسان؟
السؤال
ما هی طبیعة العلاقة بین المشیئة الإلهیة و إرادة الإنسان؟
الجواب الإجمالي

الإنسان موجود ممکن أی أن أصل وجوده و کل ما یتعلق من شؤونه فی هذا الوجود یحصل علیه من الله سبحانه، و إن الله سبحانه - و من خلال إرادته التکوینیة - خلق الإنسان مختاراً و ذا إرادة و بهذه الخاصیة الفریدة فضله على سائر مخلوقاته. فالإنسان إذن هو أفضل الموجودات و هو المخاطب بإرادة الله التشریعیة و قد أعطی الحریة و اتخاذ القرار فی میدان الطاعة و العصیان و اختیار طریقه و رسم مصیره فی مستقبله.

فالإنسان یستطیع بحسن اختیاره أن یمتثل أوامر الحق تعالى و ینطلق فی سیره التصاعدی من خلال تطبیق إرادته مع إرادة الله التشریعیة و تطبیق رضاه مع إرادة الحق التکوینیة حتى یصل إلى مقام خلافة الله فی الأرض، ثم ینتهی إلى الجنة فیعطیه الله فیها کل ما یرید و یشتهی، و حیث أنه اختار رضا الله سبحانه فسوف یکون نصیبه رضا الحق تعالى، فیدخله الجنة و یثیبه فیها عطاءً بقدر یبعث فی نفسه السرور و الرضا و الغبطة لما یرى من فیض الله و نعمائه. و من جانب آخر یستطیع الإنسان و بسوء اختیاره أن یسلک طریق العصیان و العناد إزاء الأوامر الإلهیة فینحط فی سیره النزولی حتى یسقط فی درکات سقر، و هذه هی نتیجة عدم تطبیق الإنسان لإرادته مع إرادة الحق التشریعیة، و لکن هذا العصیان و التمرد لا یعنی غلبة ارادة الانسان للإرادة الإلهیة، لأن الله سبحانه هو الذی أراد للإنسان أن یکون مختاراً فی انتخاب طریقه. و محصلة القول هی: إن إرادة الله نافذة فی جمیع الموجودات و من ضمنها الإنسان و ما یقوم به من أفعال، فلا شیء خارج عن السیطرة الالهیة، و لکن هذه الإرادة تجتمع مع ارادة الإنسان على نحو الطولیة، و لیس یعد هذا الاجتماع بین الإرادتین من مقولة اجتماع علتین تامتین مستقلتین على معلول واحد فی عرض واحد الذی هو محال قطعا، و لکن المسألة بناء على القول بالتوحید الأفعالی یکون الفاعل الوحید المستقل فی هذا الوجود هو الله سبحانه و أن سائر الموجودات متعلقة و مرتبطة بالحق تعالى سواء فی وجودها أو فی أفعالها، و یدخل تحت هذا القانون إرادة الانسان فانها لا یمکن أن تنفک عن إرادة الله و تعمل بشکل استقلالی. إذن فنحن لا نقبل الجبر کالأشاعرة القائلین بأن إرادة الحق هی الحاکمة مطلقاً من دون أی تأثیر لما سواها من الارادات و إنما الموجودات بمنزلة الآلات التی تحرکها إرادة الله. و هذا ما لا نقبله.

و من جانب آخر فلسنا نقبل التفویض کالمعتزلة الذین فصلوا و فرقوا بین إرادة الله تعالى و إرادة الإنسان، حیث جعلوا إرادة الإنسان هی کل شیء فی اختیاره و أفعاله.

و لکننا و من خلال هدی القرآن الکریم و تعالیم الأئمة الأطهار(ع) سلکنا طریقاً وسطاً فقلنا: إن الإنسان مختار و ذو إرادة و مسؤول عن أعماله و فی نفس الوقت هو خاضع لإرادة الله و قدرته و محکوم لسیطرته، و هو محتاج بتمام معنى الاحتیاج إلى قدرة الله و إرادته جل جلاله.

الجواب التفصيلي

إن إرادة الإنسان واقعة فی طول إرادة الله و مشیئته، و بهذا فإرادة الإنسان مرتبطة بإرادة الله و لا یمکن أن تکون مستقلة و فی غنىً عن الحق تعالى، و هذا ما تدل علیه الکثیر من آیات القرآن الکریم، منها: {وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ}[1]، و لکن هذا المعنى لا یتنافى بأی شکل من الأشکال مع القول بأن الإنسان مختار و أنه مسؤول عن أفکاره و أعماله و نوایاه، و ذلک لأن الإنسان هو الفاعل المباشر لکل ما یصدر عنه و لکن کل ذلک یتم بالاستفادة من القوة و الإمکانات التی وهبها الله له و وضعها بین یدیه و من الإذن بالاختیار الذی جعله له، و لذلک تصرح الکثیر من الآیات القرآنیة بنسبة الأفعال الطبیعیة إلى فاعلیها و من جملتها الإنسان الذی تعتبره الآیات مسئولاً عن أعماله، و بذلک تعیَّن التکلیف علیه و ترتب الوعد و الوعید على أساس ذلک کقوله تعالى: {وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[2] و قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسَاءَ فَعَلَیْهَا وَ مَا رَبُّکَ بِظَلامٍ لِلْعَبِیدِ}[3]، فإذا قلنا ان الإنسان مستقل تماماً فإن ذلک لا ینسجم مع التوحید الأفعالی و احتیاج کل الموجودات إلى الله سبحانه، و إذا قلنا بإن الإنسان مجبور و مسلوب الإرادة فذلک لا ینسجم مع التکلیف و الأمر و النهی و الوعد و الوعید و عدل الله و حکمته، إذن فلا بد من الجمع بین آیات القرآن لنجعل من بعضها مفسراً للبعض الآخر حتى لا نقع فی مشکلة الجبر أو التفویض.

و توضیح هذا المطلب یحتاج التوجه إلى أمرین:

أ- اقسام اجتماع العلل على معلول واحد.

ب- أنواع الاعتبارات بالنسبة للإرادة الإلهیة.

أ- اجتماع العلل على معلول واحد یمکن أن یفترض على عدة أنحاء:

فوجود أی موجود : تارة یکون معلولاً لعلة واحدة، مثال ذلک:

الف - صدور بعض الموجودات عن الله تعالى بشکل مباشر دون تدخل أی موجود ممکن، و لا احتیاج إلیه و لا اشتراکه.

ب-و مثل ارتباط تخیلات الإنسان و أوهامه بالنسبة إلى نفسه.

و تارة اخرى تتعدد العلل و تتداخل فی إیجاد موجود ما، و هذا الفرض یتصور على عدة أنحاء:

1-    اشتراک العلل جمیعاً فی إیجاد المعلول، أی أن کل واحدة منها هی (علة ناقصة) فی الإنفراد کما هو المصطلح و هی (علة تامة) فی حال اجتماعها، کما یدخل الماء و النور والحرارة و الأرض و المزارع فی إیجاد شجرة ما. و فی مثل هذا الفرض لا یکون اجتماعها غیر مستحیل فقط، و إنما حضورها بتمامها و اشتراکها هو شرط لازم لإیجاد المعلول.

2-    تأثیر العلل على نحو البدلیة، کما هو الحال فی محرکات الطائرة، فالجمیع یشترک فی إیصال الطائرة إلى مقصدها، ولکن لا على الاشتراک بل التبادل، فیعمل أحد المحرکات فی وقت معین، و بعد أن یطفأ یحل المحرک الآخر محله لیتولى مهمة دفع الطائرة و حرکتها حتى تصل إلى مقصدها.

و فی هذا الفرض فإن تعاون العلل و اشتراکها لا محذور فیه، بل إن الاشتراک هنا لازم لبقاء المعلول. و لکن فی هذا الفرض لا وجود للارتباط الخاص بین العلل، خلافاً للفرض الثالث.

3-    ارتباط العلل مع بعضها فی التأثیر، و لکن لا وجود للترتب فیما بینها فی الوجود، و مثاله مدخلیة الإرادة و القصد و حرکة الید و... فی إیجاد (کتابة شیء ما) أو کتبعیة الجندی لآمره و من له تأثیر علیه.

و فی هذا الفرض فإن اشتراک العلل مع بعضها و ترابط تأثیرها و عملها لا یلزم منه أی محذور.

4-    تأثیر مجموعتین من العلل، أو کما فی الاصطلاح بعنوان اجتماع (علتین تامتین) على معلول واحد من جهة واحدة، مثل: کتابة مکتوب معین و مشخص بتمامه على قطعة ورقیة معینة من قبل کاتبین و فی آن واحد، أو وجود شجرة معینة فی آن واحد من قبل مجموعتین من العلل المتمثلة بالأرض و المزارع و البذور و....

و فی مثل هذا الفرض یقع (التمانع) و المحال، لأن عمل کل واحدة من العلل مانع لعمل الأخرى، و علیه فالعلة الأخرى إما أن لا یکون لها عمل أصلاً، و هذا خلاف الفرض حیث فرضنا اجتماع علتین على معلول واحد، و إما تتزاحم العلتان فتمنع أحداهما عمل الأخرى فلا یوجد المعلول و علیه فلا اجتماع لعلتین على معلول واحد، و بما أن هذا الفرض هو من المحالات الذاتیة فلا وجود لمصداق عینی له.

5-    تأثیر عدة مجموعات من العلل على معلول واحد على نحو الطولیة، أی أنها على نحو تراتبی فی أصل وجودها، کمدخلیة الأجداد و الجدات و الآباء و الأمهات فی إیجاد الأولاد. و على أساس الفروض المتقدمة لا بد من تشخیص و تصنیف ما قلنا من اجتماع علیّة و فاعلیة و إرادة الله سبحانه مع علیة و فاعلیة و إرادة الموجودات و من جملتها علیة و فاعلیة و إرادة الإنسان. فمن أی قسم یمکن أن یکون هذا الاجتماع؟

إذا فرضنا أن هذا الاجتماع من قبیل النوع الأول أو الثانی أو الثالث، أی بمعنى الاستقلال الوجودی للإنسان و سائر الموجودات عن الله سبحانه، فهذا ما یتنافى و مقولة التوحید الأفعالی و لا یمکن قبوله بالنظرة الدقیقة.

و کذلک لا یمکن لهذا الاجتماع أن یکون من النوع الرابع، لأن المورد المذکور لا مصداق له، و إنه من المحالات الذاتیة، و الذین قالوا باستحالة اجتماع إرادة الإنسان مع إرادة الله توهموا أنها من هذا النوع، و لکن الحقیقة هی أن قطع ارتباط الإنسان بالله یعنی إلغاء لوجوده فضلاً عن کون الإنسان ذی فاعلیة تامة و عده علةً تامة و فی عرض علیة الحق و إرادته، فکیف یقال أن اجتماعهما على معلول واحد محال!

وفی النهایة: لا یبقى إلا الفرض الأخیر، أی أن إرادة الإنسان هی طول إرادة الله و فاعلیته فی طول فاعلیة الله.[4] و لکن بیان کون اجتماع الإرادات على نحو الطولیة لا یتنافى مع اختیار الإنسان و إرادته، یحتاج الى الإشارة إلى أقسام و أنواع الإرادة الإلهیة.

ب) لحاظات الإرادة الإلهیة و اعتباراتها:[5]

تلحظ الإرادة الإلهیة بشکل کلی باعتبارین: إرادة ذاتیة و إرادة فعلیة، و تنقسم الإرادة الفعلیة إلى إرادة تکوینیة و إرادة تشریعیة.

1-    الإرادة الذاتیة: و هی الإرادة التی تنسب إلى الله من دون لحاظ الإنسان و علاقته بالله سبحانه و هی عین ذاته و هی تلازم کونه مختاراً غیر مقهور و لا مغلوب فی مقابل الغیر، و عدم احتیاج و اضطرار الذات الإلهیة لسائر الموجودات. و فی هذا اللحاظ لا مدخلیة للإنسان و ارتباطه بالله فلا یتصور اجتماع إرادته بإرادة الله تعالى.

2-        الف : الإرادة الفعلیة التکوینیة:

و تتبلور هذه الإرادة الإلهیة فی القضاء والقدر العینیین[6]، و القوانین و الأنظمة التی تتحکم بعالم الوجود من خلال إیجادها و طریقة عملها و حتمیتها و تتجلى أیضاً بخلقه للمخلوقات على مختلف أشکالها و أحوالها و أدوارها المختلفة، کل ذلک فی نطاق إرادة الله الفعلیة التکوینیة.

ففی عالم الوجود تکون إرادة الله التکوینیة هی الحاکمة على الموجودات بما فیها الإنسان، و لا یمتلک أی موجود أی نوع من الاختیار و الإرادة أو الخروج و التخلف عن هذه الإرادة. کما یقول تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَ هِیَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیَا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قَالَتَا أَتَیْنَا طَائِعِینَ}[7]، وقوله تعالى: {إِنْ کُلُّ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِی الرَّحْمَنِ عَبْداً}[8]، فکل ما فی الأرض و السماء إنما هو طوع إرادة الله و رهن إشارته.

و على أساس إرادة الله الفعلیة التکوینیة خلق الله الإنسان کموجود مختار ذی إرادة، لا یتمکن أن یسلب من ذاته إرادته و اختیاره، فسواء أراد أم لم یرد فهو مختار ذو إرادة ینتخب طریقه بنفسه و یحدد مصیره على أساس اختیاره، و ذلک یماثل عدم مدخلیته فی اختیار أمه و أبیه أو جنسیته و انتمائه أو شکله أو قوامه.

ب. الإرادة الفعلیة التشریعیة: و هذه الإرادة تعنی أن الله هو الذی یضع القانون لهذا الإنسان المختار صاحب الإرادة، فلا شریک لله سبحانه و تعالى فی أصل تشریع القوانین بالنسبة للإنسان، و لیس لأحد أن یبدل أو یغیر فی هذه القوانین حتى تبلغ للناس، و على هذا الأساس فالمَلَک و النبی و الوصی مکلفون بتبلیغ و إیصال عین هذه الإرادة إلى الناس من دون زیادة أو نقصان، و قد أذن الله لهم فی هذا الإطار بتبیین و تفسیر هذه التشریعات.

و لکن هذا الإنسان أعطی القدرة و الاستطاعة على الطاعة و العصیان فی میدان التطبیق و التنفیذ لهذه التشریعات، و من هو فی استطاعته و بحسن اختیاره أن یوحد إرادته مع إرادة الله سبحانه فیرضى بإرادة الله التکوینیة و یطیعه إطاعة تامة و محضة فی إرادته التشریعیة و بهذا یبلغ الإنسان سعادته النهائیة و یستحق العیش الرغید و الاطمئنان التام فی عالم الآخرة، هناک حیث یستجیب الله سبحانه لکل رغبات الإنسان و مراده فیؤمنها بأسرع ما یمکن.

{وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِی رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا یَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[9] و حیث أن هؤلاء قدموا رضا الله و رجحوه على رضاهم فسوف یرضیهم الله و یعطیهم من نعیم الجنة ما یرضیهم عن أنفسهم و عملهم و عن ربهم.[10]

إذن، فباستطاعة الإنسان و من خلال اختیاره أن یرید ما یریده الله و یرضى برضا الله فی عالم التکوین و عالم التشریع و لم یطلب و لم یرد إلا ما یریده الله له و ما یرتضیه و یحمده.[11] و على هذا الأساس فإن الإنسان قد أراد ما أراده الله تکویناً و تشریعاً، و إن إرادة الإنسان هذه و قدرته هی طبق لإرادة الله التکوینیة و هی من فیضه تعالى على الإنسان، و إن وجوده و إرادته هی فی طول وجود و إرادة الحق تعالى، و لا وجود لأی محذور فی اجتماع هذین الإرادتین و لا یلزم من اجتماعهما أی محال.

و هذا الاجتماع لا هو من قبیل اجتماع علتین تامتین على معلول واحد و لا هو من قبیل سلب الإنسان لإرادته و اختیاره، فالله هو الذی أعطى الإنسان الإذن بالإرادة و الاختیار و الإنسان هو الذی اختار طریقه بنفسه، فأراد ما کان مراداً لله سبحانه.

و أما إذا سلک طریق العصیان و التخلف عن إرادة الله التشریعیة و ارتکب من الأعمال ما یسخط ربه و یثیر غضبه فهذا من اختیاره أیضاً و بعمله هذا رسم لنفسه عاقبة سیئة و مصیراً مظلماً. و لکن هذا التخلف لا یکون خارجاً عن إرادة الله التکوینیة، لأن الله بإرادته التکوینیة خلق الإنسان مختاراً ذا إرادة له القدرة على تخطی و عصیان إرادة الله التشریعیة. و لکن هذا التخطی و العصیان لا یعنی قهر الإرادة الإلهیة و التغلب على قدرته لأن الله قادر و فی أی لحظة على أن یسلب هذه القدرة والارادة من هذا الإنسان العاصی و لذلک یقول سبحانه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئَاتِ أَنْ یَسْبِقُونَا سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ}[12].

و نتیجة القول فی الإرادة التکوینیة و فی أصل التشریع لا إرادة للإنسان و علیه فلا تجتمع الإرادتان، و أما فی تطبیق الإرادة التشریعیة فإن إرادة الإنسان تکویناً فی طول الإرادة الإلهیة، و فی حال الطاعة والامتثال فباختیاره جعل مراده مطابقاً لمراد الله سبحانه فرضی بإرادة الله التکوینیة، و بحسن اختیاره هذا یکون قد کتب بنفسه سر سعادته. و فی حال عصیانه لم یجعل من مراد الحق مراداً له فلا یضر بعمله هذا إلا نفسه، و لم یحدث بذلک أی خلل فی نظام الخلق و لا یصل إلى الله سبحانه أی ضرر منه، لأن الله بإرادته التکوینیة أعطى الإنسان القدرة على العصیان والتخلف عن الطاعة و حذره فی إرادته التشریعیة من الانحراف و العصیان، و لکنه و بسوء اختیاره لم یراع ذلک فجعل من نفسه مبغوضاً عند الله، و إذا ما توهم الإنسان و اغتر و فکر أنه بعصیانه و انحرافه سوف یغلب إرادة الله أو النیل من قدرته فذلک محال و الواقع خلافه، لأنه فی جمیع الأحوال- بما فی ذلک حالة العصیان- لم یخرج من دائرة حکومة الله و قدرته و إرادته ولم یکن بأی حال من الأحوال غنیاً عن ذات الله المقدسة.

و من هنا یقول الحق تعالى: {مَا أَصَابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ مَا أَصَابَکَ مِنْ سَیِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ} و کذلک {قُلْ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[13] لأنه لا یمکن أن یتحقق شیء من دون إرادته، و لکنه لا یرضى لک السیئة و إنما أردتها أنت بنفسک و بسوء اختیارک.

و من الطبیعی الاعتراف بأنه من الصعب تصور الموضوع لأن ارتباط اختیار الإنسان و إرادته بالمشیئة الإلهیة و نظام عالم الوجود الذی لا یتغیر هو أمر صعب من الأساس، و من هنا فإن من یقطع صلته بالوحی و علوم أهل البیت(علیهم السلام) فأما أن یقع فی التفریط و یکل الإنسان إلى نفسه، و یجعل من إرادته لأفعاله هی کل شیء دون أی ارتباط بالله کما هو قول المعتزلة و من هنا أطلق علیهم اسم المفوّضة، و أما أن یقع فی الإفراط فیجعل من الإنسان مخلوقاً مجبراً لا إرادة له و لا اختیار، کما قال الأشاعرة الذین عرفوا بالمجبرة.

و أما الحقیقة و الصراط المستقیم فهو القول بالأمر بین الأمرین، أی لا جبر و لا تفویض، بل تجمع إرادة الله التکوینیة مع إرادة الإنسان الأفعالیة على نحو الطولیة، و إذا ما أطاع الإنسان فقد تطابقت إرادته مع الإرادة الإلهیة التشریعیة، و أما فی حالة عصیان الإنسان فإن إرادته و فعله یکون مکروهاً و مبغوضاً عند الله، و لکن هذا العصیان و التمرد لا یعنی خروج الإنسان عن حکومة الله و سیطرته و قبضته و لیس ذلک من باب الغلبة لإرادة الله و قدرته، و لا معنى لذلک إلا خروج الإنسان عن رحمة الله من جهة سوء اختیاره و انتخابه و قدرته.

للتوسع فی ذلک یراجع:

مصباح الیزدی محمد تقی، آموزش عقاید" تعلیم العقائد"، ج 1-2 ، منظمة التبلیغ الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة 1370 .

مصباح الیزدی محمد تقی، معارف قرآن" معارف القرآن" ج1-3 مؤسسة فی طریق الحق، قم، الطبعة الثانیة، 1367 ص 195 – 212 و 33-147 و 293 – 374.



[1] التکویر: 29، الدهر: 30 و 31.

[2] النجم: 39.

[3] فصلت: 46.

[4] انظر مصباح الیزدی، محمد تقی، آموزش عقاید "تعلیم العقائد"، ج 1-2، الدرس 19، ص 184 و کذلک و ص 87-90 و ص 164-166.

[5] نفس المصدر ص 112-114 الدرس 11 و...

[6] نفس المصدر ص 180 – 187 الدرس 19.

[7] فصلت: 11.

[8] مریم: 93.

[9] الشورى: 22، ق: 35. النحل: 31، الزمر: 34، الفرقان: 16.

[10] البینة: 8، المجادلة: 22، التوبة: 100، المائدة: 119.

[11] التکویر: 29، الدهر: 30.

[12] العنکبوت: 4، الزمر: 51، و ....

[13] النساء: 78 – 79.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...