Please Wait
9206
من أهم الأدلة على قراءة الأذان باللغة العربیة هو أن الأذان من العبادات و سنن النبی الأکرم (ص)، و لأن العبادات توقیفیة، و معناه أن تؤدى بالکیفیة التی أرادها الله سبحانه و أنزلها بها، إضافة إلى أنه یراد لهذه العبادة أن تبقى على مر العصور و الأجیال دون أن یمسها نقص أو زیادة، لتنقل معانیها و مدلولاتها العمیقة من الأجیال اللاحقة دون أن تنالها ید التحریف، فهل إن هذا ممکن دون تبقى العبادة بلغتها الأصلیة، و هی اللغة العربیة؟
و من جهة أخرى فإن الدین الإسلامی دین عالمی، یرید لجمیع المسلمین أن یکونوا صفاً واحداً و فی جبهة واحدة، و إن تشکیل مثل هذا المجتمع لا یکون إلا من خلال وجود لغة موحدة للتفاهم بین أفراده، و إن اللغة العربیة من أشمل لغات العالم، و بإمکانها أن تکون لغة عالمیة و اللغة التی تؤدى بها الصلاة و یرفع الأذان بالنسبة لجمیع المسلمین، فتکون سبب وحدتهم و دلیل تماسک هذه الوحدة.
من أجل أن یتضح الجواب لابد من وضوح السؤال و ما یراد منه.
فإذا کان المراد هو اختیار لغة أخرى غیر اللغة العربیة، فإن هذا السؤال یمکن أن یطرحه الأفراد غیر المتحدثین باللغة المختارة بدلاً من العربیة، فیقولون: لماذا اختیرت هذه اللغة دون غیرها. و إذا کان المراد من السؤال القول: لماذا یجب أن یرفع الأذان باللغة العربیة فقط؟ لماذا لا یکون کل شخص حراً فی رفع الأذان بلغته المفضلة أو لغته المحلیة؟، و من أجل أن تتضح الإجابة عن هذا السؤال لابد من التوجه إلى النقاط التالیة:
النقطة الأولى: یمکن أن یقال أن عمدة الأدلة و العلل فی وجوب الأذان باللغة العربیة هو أن الأذان من العبادات و سنن النبی الأکرم (ص)، و إن العبادات توقیفیة.[1]
إضافة إلى أن الإسلام یرید لعبادة کالأذان - و هو شعار الإسلام - أن تبقى ثابتة على مر الأجیال و العصور دون زیادة أو نقصان، و مع فرض أداء کل فرد باللغة التی یرید فمن المحتمل أن یتسلل إلیها الزیادة و النقصان، فیضاف إلیها الخرافات و الأساطیر أو تحرف معانیها، و بذلک یفقد الأذان محتواه المعنوی الذی یراد له أن یصل إلى کل الأجیال و الأعصار.
و من البدیهی أن أی شیء یراد له الثبات و الدیمومة إلى الأبد و على مر التاریخ فلابد من أن تکون له معاییر و مقاییس غیر قابلة للتغییر، کما وضعت وحدات قیاس المسافات و الأحجام کالمتر و الکیلوغرام و أجزائها لتکون وحدات قیاس ثابتة، و کذلک الحال بالنسبة للعبادات الواجبة و المستحبة، مثل الصلاة و الأذان وضعت لها الأرکان و الواجبات و هی بمثابة الأمور الثابتة التی لا تتغیر، و من هذه الموازین وجوب إتیان أذکارها و نصوصها باللغة العربیة.
النقطة الثانیة: الإسلام دین عالمی، و یرید للمسلمین أن یکونوا صفاً واحداً و فی جبهة واحدة، و إن بناء مثل المجتمع المتماسک لا یکون ممکناً دون وجود لسان موحد للتفاهم بین جمیع أفراد المجتمع، و إن اللغة العربیة من أشمل اللغات فی العالم باعتراف أهل الفن، و علیه فمن الممکن أن تکون لغة عالمیة یرفع بها الأذان و تؤدى الصلاة فی جمیع أرجاء العالم الإسلامی.
کما انها تکون رمزاً لوحدتهم و دلیلاً على انسجامهم و تفاعلهم، و هذه القاعدة تتجلى بوضوح فی توجه المسلمین إلى قبلة واحدة، و غیر ذلک من الواجبات التی یظهر فیها هذا المعنى.
النقطة الثالثة: یمکن أن یخطر فی ذهن أحد أن حمل الناس غیر المتمکنین من اللغة العربیة على رفع الأذان و أداء الصلاة بهذه اللغة یلزم منه نوع مشقة و أنه ظلم و إجحاف بحقهم، و یمکن أن یجاب عن ذلک بالقول: إن الناس یتعلمون عشرات بل مئات المصطلحات الأجنبیة من أجل تأمین احتیاجاتهم الیومیة، فلماذا لا یکونون قادرین على تعلم هذا القدر القلیل من ألفاظ الأذان و الصلاة؟ إنه لیس بالأمر المشکل، هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن معنى هذه الکلمات ظاهر و یسیر جداً، و إنه من المتیسر لجمیع الناس أن یعرفوا هذه المعانی البسیطة لهذه الألفاظ الواضحة، و مع أن هذه الألفاظ تحمل معانی عمیقة و واسعة. و مع ذلک فإن معانیها المباشرة و المتبادرة تبقى سهلة میسرة.
النقطة الرابعة: یرى خبراء اللغات أن اللغة العربیة من أکمل و أشمل اللغات فی العالم، حیث یمکن أن تصاغ فیها المفاهیم العمیقة و المطالب الواسعة فی سیاقات جمیلة و جمل قصیرة.[2]
و مع الأخذ بنظر الاعتبار ما ورد فی النقاط المتقدمة أصبح من الواضح سبب إلزام المسلمین على اختلاف ألسنتهم و أوطانهم بأداء العبادات الإسلامیة بلغة القرآن و هی اللغة العربیة.