بحث متقدم
الزيارة
7463
محدثة عن: 2011/05/21
خلاصة السؤال
هل یمکن أن یحل بعض الأرواح فی وجود شخص آخر. ثم ما المقصود من التشعشعات الدفاعیة؟
السؤال
هل صحیح ما یذکر فی دروس ما فوق الطب من أنه بعد موت الناس الذین لهم تعلق بالدنیا، سیذهب شیء یشبه روحهم و یسمونه بالجسم الذهنی و یحل فی وجود إنسان آخر و سیؤثر علیه؟ إن لم یکن صحیحا فما معنى التشعشعات الدفاعیة؟ و لماذا نشاهد فی هذه الحالة أرواحا و یعطونا معلومات دقیقة؟
الجواب الإجمالي

إن عقیدة الحلول و التناسخ مرفوضة فی الإسلام لکونها تستلزم إنکار المعاد و الجنة و النار، و لکن یمکن مشاهدة حضور الأرواح و الارتباط بهم، و إن لم یحبذ ذلک.

مضافا إلى أن التمسک بالتشعشعات الدفاعیة باعتبارها عاملا خارجیا لا علاقة له بالإصلاح الذاتی و استئصال جذور هذه الظواهر فی الواقع فرار من التداعیات الطبیعیة تحصل بعد الانحراف عن المسیر.

الجواب التفصيلي

إن عقیدة الحلول و التناسخ مرفوضة فی الإسلام لکونها تستلزم إنکار المعاد و الجنة و النار،[1] و لکن یمکن مشاهدة حضور الأرواح و الارتباط بهم، و إن لم یحبذ ذلک.

إن ظهور بعض الحوادث الروحیة و النفسیة و عدم إدراکها فی المدارس المدعیة للعرفان أدى إلى توهم التناسخ فظنوا أن بعض الأرواح تلج فی وجود أشخاص آخرین. و هذه الفکرة، أی توهم الحلول و التناسخ قد تطرح بالنسبة إلى الله أو الأرواح الإنسانیة و حتى بالنسبة إلى الجن و الشیاطین.

و أما بحث التجلی و الظهور و الارتباط الروحی و غیره الذی مذکور فی العرفان، فهو غیر التناسخ و یجب أن یبحث فی محله.

النسخ باطل و من قال کفر

و إنما یحصل من ضیق النظر[2]

و لیس نسخا ذاک بل فی المعنى

ظهور ربنا و قد تجلى[3]

و أما بالنسبة إلى الأرواح و الأمور الغیبیة و کثیر من الظواهر الذهنیة و الروحیة و النفسیة و تأثیراتها و تبعاتها التی لا تعد و لا تحصى فیجب أن نبحثها فی سؤال مستقل. و لکن مما لا شک فیه هو أن الاهتمام العمدی بهذه الأمور و جعلها هدفا و غایة، خارج عن غایة العرفان و إن الخوض فی هذه المسائل یزید مشاکل الإنسان الروحیة و النفسانیة مضافا إلى انحرافه عن هدفه الرئیس، خاصة إذا لم یحظ الإنسان بإرشادات إنسان صالح و عارف کامل.

و أما اصطلاح "التشعشعات الدفاعیة" التی یدعّى بأنها تضع حائلا یحفظ الإنسان عن تأثیر الأمواج السلبیة أو تدفع الأحداث السلبیة و عادة ما یصفونها للتلمیذ أو المریض لیستطیع أن یواجه هذه الأمور، فهو شیء مجهول حتى على أکثر المسوقین له، و بالفعل هو عنوان مفوّض تلقاه البعض و نقله إلى الآخرین. و یدعون أن فی أثناء هذا الانتقال الذی قد ینسبونه بالباطل إلى روح القدس أو إلى الله، تزول هذه الظواهر الخبیثة و السلبیة و مع ذلک قد یتعرض الإنسان إلى نظیر هذه الأحداث مرة أخرى.

بالنسبة إلى أن هل یمکن للإنسان أن یحفظ نفسه بعوامل أخرى فی سبیل أن یواجه الحوادث السلبیة الروحیة و النفسانیة أم لا، فیمکن دراسة هذا الموضوع بشکل مستقل فی البحث حول العرفان العملی فی بعد المظاهر الروحیة و تداعیاتها الاحتمالیة. و لکن هنا لا بد من أن نشیر إلى قضیتین مهمتین: أولا على أساس طریقة کاملة لم تکن ظاهرة سلبیة أو إیجابیة إلا و لها سبب، فإذا واجه إنسان بعض السلبیات و الأضرار فی کشفیاته الروحیة لأسباب مختلفة، فهذا یرجع مباشرة إلى التعلقات و الانحرافات الذاتیة التی یحملها هذا الإنسان و من أهم وظائف العرفان هو إعانة السالک على إزالة هذه التعلقات. و لهذا لا یفتح الأستاذ الکامل باب المسائل الروحیة على السالک إلا بعد أن یطمئن من تزکیة نفسه و خلاصه من التعلقات، و لولا ذلک لما جلبت له أی نفع بل تعرضه لاختلالات نفسانیة و قد تعرضه لانحرافات أشد فی المسائل الروحیة. و عادة ما تقع هذه المشاکل فیما إذا لم یتکامل الإنسان بموازاة ارتقائه فی هذه المسائل و خاضت الروح معمعة التجارب الغیبیة غیر اللازمة بشکل غیر طبیعی و مخالف للأصول و من دون أن تتحرر من مخالب رذائل النفس و أمراضها و کثیرا ما یکون مصدر هذه المسائل شیطانیا.

و ثانیا إن تورط أحد بهذه المشاکل و بأی سبب کان، فیمکن النجاة منها عن طریقه الصحیح، و لم یعترف العرفان الحقیقی بحرز و حفاظ غیر الالتزام الکامل بالشریعة و لزوم التقوى و الدخول فی الهدایة و الولایة الإلهیة عن طریق الإمام أو أولیاء الله. و لهذا لم یتعرض الصالحون و المتقون و الذین تربوا على ید العارف الکامل لهذه المخاطر الروحیة و النفسانیة و لن یحتاجوا إلى تبادل التشعشعات الدفاعیة حسب تعبیرهم.

وحری بالذکر أن کل هذه الظواهر غیر المطلوبة التی یواجهها الإنسان فإنها تأتی بطلب الإنسان نفسه. فقد لا یطلب الإنسان هذه الظواهر، و لکن عندما یعرض نفسه لبعض الطاقات المشکوکة و غیر المعروفة بنفس غیر مهذبة غیر قاصد إلا التحصیل على القدرات الغیبیة و نیل الآمال الشخصیة، فإنه قد سمح مسبقا بوقوع هذه الأحداث.

إذن هذه الصدمات الروحیة التی قد یتلقاها الإنسان و یحاول دفعها باللجوء إلى التشعشعات الدفاعیة إنما هی متفرعة من انحرافاته الذاتیة و إذا أزال أسباب هذا الانحراف و ترک التوسل بالطاقات الروحیة فی سبیل کسب المنافع الشخصیة و توجه إلى الهدف الأصیل أی تزکیة النفس و العرفان، فعندئذ تزول هذه الأمور أیضا.

أن التمسک بالتشعشعات الدفاعیة باعتبارها عاملا خارجیا لا علاقة له بالإصلاح الذاتی و استئصال جذور هذه الظواهر فی الواقع فرار من التداعیات الطبیعیة تحصل بعد الانحراف عن المسیر، و من قبیل ما لو عالجنا و أزلنا علامات المرض بدلا من أن نعالجه جذریا.

عندما یضع الإنسان نفسه تحت ید طاقات مبهمة غیر معروفة لیحصل على بعض المنافع کعلاج الأمراض أو حتى بعض التجارب العرفانیة بلا أی حاجة إلى الالتزام العملی بالشریعة الإلهیة و إصلاح النفس و تزکیتها على أساس الأخلاق، و حتى بلا حاجة إلى الإیمان بنفس هذه الأمور کما یدعى، فإنه قد هیأ أرضیة خصبة لنفوذ القوى الشیطانیة و هذا ما یورط السالک أو التلمیذ أو المریض بأمور خفیة تتضاعف عقدة و التواء و لا أحد یتصدى لمواکبته و هدایته.

لقد تعرض الیوم کثیر من مدارس علم النفس و فوق علم النفس و شبه العرفان فی مختلف المجتمعات بصفتها منسجمة مع العقائد و الثقافة و المصطلحات الدینیة و الأدب العرفانی، و بالتأکید تثیر هیجانا واسعا و فی نفس الوقت کاذبا بین هواتها، و لکن لیس لهذه القشور و الظواهر الدینیة مفعول و أثر فی أصل القضیة سوى أن تزید من جذابیتها.

نحن نعلم أن هناک عشرات المدارس و مئات الأساتیذ فی مختلف المجتمعات و لیس لها حجیة سوى استخدام بعض القوى النفسانیة و تشدیدها من قبل نفس الروّاد، و هی عاجزة عن معالجة حاجة الناس فی قضایاهم المعرفیة و العرفانیة.

و لهذا نجد أن فی العرفان الإسلامی هناک تأکید شدید على الأستاذ الکامل و العارف الواصل، إذ یتصدى هذا الإنسان للترتبیة العرفانیة بشکلها الصحیح و یکون على اطلاع تام بماهیة الأمور العرفانیة و إن الأصل الرئیس فی هذا العرفان هو الارتقاء فی مدارج التقوى و طهارة النفس عن جمیع التعلقات الدنیویة، خلافا للواقع الموجود فی المدارس الناقصة، إذ تحوم حول الإنسان مجموعة من الإدراکات الروحیة و النفسانیة مع جهل متصاعد بماهیتها و مضمونها فتدعه سائبا فی عالم مظلم غیر معروف. و هذا خطر یهدد هواة التجارب العرفانیة و المسائل الروحیة بشکل عام بکلی طرازیها القدیمة و الحدیثة، و قد کانت هذه المشاکل تواجه حاضرة أمام هواة العرفان منذ عهد قدیم.

ولهذا من ضروریات طی طریق العرفان هو أن تکون هذه الحرکة أو المحاولة لدرک بعض التجارب الغیبیة بمحوریة و إرشاد الإمام المعصوم أو العارف الکامل الذی أنهى سفره إلى الله بنجاح، و لولا ذلک قد ینحرف الإنسان باحتمال کبیر و بالتالی تکون الأضرار و الصدمات أکثر بکثیر من المنافع.



[1] للحصول على المزید من المعلومات راجع موضوع: التناسخ فی نظر الإسلام سؤال 689 (الموقع: 736).

[2] شیخ محمود الشبستری، گلشن راز، (الأبیات مترجمة من الفارسیة)

[3] المصدر نفسه.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...