بحث متقدم
الزيارة
7000
محدثة عن: 2011/04/18
خلاصة السؤال
ماذا یعنی التعبد و الخلوة اربعین یوما؟ و ما هو موقف الشیعة منها؟
السؤال
ماذا یعنی التعبد و الخلوة اربعین یوما؟ و ما هو موقف الشیعة منها؟
الجواب الإجمالي

المراد من "التفرغ للعبادة مدة اربعین یوما" فی السیر و السلوک العرفانی، مراقبة النفس مدة اربعین یوما، من اجل ان یصفو الباطن و یستعد لتلقی الحکمة و المعارف الالهیة. و لقد اهتم الکثیر من علماء الشیعة و عرفائها بالاربعینیة کثیرا و عملوا بها استنادا الى الآیات المبارکة و الروایات الشریفة الواردة عن المعصومین (ع) و اعتبروا ذلک من افضل الاعمال. لکنهم حذروا فی الوقت نفسه من ان یکون ذلک سببا فی الانزواء و العزلة عن المجتمع.

الجواب التفصيلي

المراد من الخلوة "التفرغ للعبادة مدة اربعین یوما" فی السیر و السلوک العرفانی، مراقبة النفس مدة اربعین یوما، من اجل ان یصفو الباطن و یستعد لتلقی الحکمة و المعارف الالهیة.

و قد حظی هذه الرقم باهمیة خاصة لما یتوفر علیه هذا الرقم من اسرار خاصة تبعث على ظهور الاستعدادات و الوصول بالملکات الى کمالها.

کذلک اذا بلغ الانسان الاربعین من عمره وصل الى الکمال و النضوج العقلی: "ِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعینَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنی‏ أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتی‏ أَنْعَمْتَ عَلَیََّّ وَ عَلى‏ والِدَی"[1] 

کذلک وردت الاشارة فی القرآن الکریم الى العبادة اربعین یوما کما فی قصة موسى (ع): "وَ واعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثینَ لَیْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ میقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعینَ لَیْلَة".[2]

و قد اهتم اصحاب السیر و السلوک بالعبادة و المراقبة الاربعینیة، و هناک بعض الروایات هی الاخرى اشارت الى هذا المعنى منها: "من أخلص لله أربعین صباحا ظهرت ینابیع الحکمة من قلبه على لسانه"[3] و فی روایة منقولة عن الامام الباقر (ع): "مَا أَخْلَصَ الْعَبْدُ الْإِیمَانَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَرْبَعِینَ یَوْماً. أَوْ قَالَ: مَا أَجْمَلَ عَبْدٌ ذِکْرَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَرْبَعِینَ یَوْماً إِلَّا زَهَّدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی الدُّنْیَا وَ بَصَّرَهُ دَاءَهَا وَ دَوَاءَهَا فَأَثْبَتَ الْحِکْمَةَ فِی قَلْبِهِ وَ أَنْطَقَ بِهَا لِسَانَه"[4]

و قد وضع العرفاء لهذه الخلوة بعض الشروط و المقررات کی تعطی أکلها و تؤثر فی صاحبها تأثیرا ایجابیا، من قبیل: الاحتراز عن التملی من الطعام، اجتناب کثرة النوم و الکلام، الاکثار من الذکر و العبادة.

الجدیر بالذکر ان هذه الامور وفقا للمعارف و التعالیم الاسلامیة ینبغی ان تلازم الانسان طیلة حیاته و لا تنحصر فی اربعین یوما فقط، بل هذه الخلوة تعد بمثابة تمرین النفس و ترویضها على ذلک العمل و تقویة البعد الروحی عند الانسان.

قد یتصور البعض ان هناک تلازما بین الاربعینیة و العزلة التامة عن المجتمع و ان على السالک الانعزال فی مکان لایراه فیه احد من الناس؛ و لکن هذا التفکیر تفکیر خاطئ لانه لاتلازم بین الامرین، بل قد تکون ممارسة العبادة و المراقبة و تهذیب النفس مع الاختلاط فی الوسط الاجتماعی، ذات تأثیر اکبر فی النفس الانسانیة.

و لقد اهتم الکثیر من علماء الشیعة و عرفائها بالاربعینیة کثیرا و عملوا بها و من هؤلاء العلماء السید بحر العلوم و المجلسی الاول و الثانی:

ورد فی کتاب السیر و السلوک المنسوب لبحر العلوم[5]: خاصیة الاربعین فی ظهور الفعلیة و بروز الاستعدادات و قوة حصول الملکات، أمر صرحت به الآیات و الروایات و مجرب من قبل اصحاب الباطن و الاسرار. [6] و قال فی موضع آخر فی خصوص السیر و السلوک: "اعلم أنی بعد ان قررت السیر و السلوک عزمت على مجاهدة النفس اکبر و اعظم و وضعت قدمی فی وادی الذکر، فابتدأت بالتوبة عما صدر و ترک العادات و الرسوم المعتادة. و عملت بذلک اربعین یوما".[7]

کذلک تعرض الملا محمد تقی المجلسی لقضیة العبادة اربعین یوما قائلا: " یعترض البعض على ذلک بان العبادة اربعین یوما بدعة باطلة!!؛ ویرد علیه: بان هذا الادعاء هو البدعة، لان العبادة اربعین یوما قد دلت على فضیلتها الاحادیث الکثیرة فکیف تکون بدعة".[8]

و على هذا الاساس تکون العبادة و اخلاص العبد لله مدة اربعین یوما من افضل الاعمال. و لکن کما اشار العرفاء انفسهم لا ینبغی ان یکون ذلک سببا فی الانزواء و العزلة عن المجتمع. نعم، فی بعض الاحیان نجد هناک توصیات للانعزال و لکنها محدودة.

فقد اوصى المولوی فی بعض اشعاره بالاخلاص و التوجه الباطنی لله تعالى و لأولیائه و لکنه فی نفس الوقت حث السالکین لترک الاربعین و دعاهم الى الاختلاط فی الوسط الاجتماعی.[9]



[1]  الاحقاف، 15.

[2]  الاعراف،142

[3]  الشعیری، تاج الدین، جامع الاخبار، ص 94، انتشارات الرضی، قم، 1363 ه ش.

[4]  الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 16، ح 6، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.

[5]  بحر العلوم، محمد بن مهدی، رساله سیر و سلوک المنسوبة لبحر العلوم، انتشارات العلامة الطباطبائی، مشهد، 1417.

[6] نفس المصدر، ص 39.

[7]  نفس المصدر، 211 بتصرف.

[8]  المجلسی، محمد تقی، رساله تشویق السالکین، ص21، انتشارات نور فاطمة، 1375.

[9]  انظر دیوان شمس.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...