Please Wait
5971
فی البدایة لابد من الإجابة عن سؤالٍ مفاده: هل أن الإسلام أجاز العمل و النشاط الاقتصادی للرجال فقط، و أخرج المرأة بشکل کلی من هذا المیدان؟ و بدون شک فإن الجواب هو النفی، و نشیر إلى مثالین للأدلة على ذلک:
الأول أن للنساء حق التملک و التسلط على أموالهن؛ یقول تعالى فی القرآن الکریم «للرجال نصیب مما اکتسبوا و للنساء نصیب مما اکتسبن».
الثانی: لم یقتصر الإسلام على تجویز العمل و النشاط الاقتصادی للرجل و المرأة و حسب و إنما رغب کلیهما بالعمل و حببه إلیهما.
و مع أن الإسلام حث کلاً من الرجل و المرأة على الکسب و العمل و أن کلاً منهما یملک مما یکسبه من عمله، و لکنه وضع فی هذا المیدان و کغیره من المیادین بعض الضوابط و الأطر. بعض هذه الضوابط یتعلق بدائرة و طبیعة العمل الاقتصادی فی مجالی الإنتاج و التوزیع. و البعض الآخر یتعلق بعلاقات المسلمین مع بعضهم البعض و مع الآخرین.
أما بالنسبة إلى القسم الأول من الضوابط فلا یوجد أی اختلاف فیها بین الرجل و المرأة، فإذا کان الربا حراماً و التجارة مباحة فذلک مقررٌ لکلا الجنسین، و أما بالنسبة إلى القسم الثانی فإن خصوصیات الرجل و المرأة لها تأثیر على الأحکام الجزئیة.
إن الله تعالى جعل من الرجل قیماً على شؤون الأسرة. و من الطبیعی أن معنى قوامة الرجل على المرأة لا تعنی أن إرادة المرأة و تصرفاتها فیما تملک من ذلک مصادرة و غیر نافذة، کما لا یعنی عدم استقلالیة المرأة فی حفظ حقوقها الفردیة و الاجتماعیة و الدفاع عنها بما تملک من مقدمات.
فرئاسة الرجل فی الأسرة إذن لا تعنی التفوق و التفضیل و إنما یکون الرجل مسؤولاً عن حفظ مصالح الأسرة، و أداء تکالیفه إزاء الأسرة و صیانة حرماتها.
و قد یتفق فی بعض الأحیان أن الإنسان لا یتمکن من أداء الوظیفتین معاً، و علیه یکون مضطراً للتضحیة بإحداهما لأجل الأخرى حیث یضحی بالمهم من أجل الأهم و ذلک ما یسمى «بالتزاحم» و العقل یحکم فی مثل هذه الحالة بترک المهم لأجل الأهم. و إن تشخیص مثل هذه الأمور بعهدة راعی الأسرة و مدیر شؤونها و هو الزوج. أی أنه هو الذی یشخص ما إذا کان عمل زوجته خارج البیت یعود بالنفع على الأسرة و مصالحها المشترکة أم لا، و هل یقع التزاحم حال خروجها للعمل؟ و أی الخیارین یکتسب أهمیة أکبر الخروج أم البقاء؟ فالزوج هو الذی له حق منع زوجته من العمل بسبب تزاحم عملها فی الخارج مع وظیفتها فی البیت بما فی ذلک حق زوجها و تربیة أبنائها.
و بلحاظ ما تقدم یمکن القول: أن المادة 1105 من القانون المدنی تقول: «فیما یخص العلاقة بین الزوجین فإن قیادة الأسرة من مختصات الزوج» و هذا ما یتفق مع أسس الإسلام، و کذلک المادة 117 التی تقول «إن للرجل أن یمنع زوجته من عمل أو حرفة تتنافى مع مصالح الأسرة أو مع حیثیاتها کإمراة» و هذه المادة تمثل مظهراً من مظاهر ریاسة الرجل و قیمومته.
فی البدایة لابد من الإجابة عن سؤالٍ مفاده: هل أن الإسلام أجاز العمل و النشاط الاقتصادی للرجال فقط، و أخرج المرأة بشکل کلی من هذا المیدان؟. و بدون شک فإن الجواب هو النفی، لأنه لا یقتصر الأمر على عدم وجود دلیل على مثل هذا المنع فی الإسلام فحسب، بل من الممکن أن نورد عدة شواهد على خلاف ذلک، و نشیر هنا إلى نموذجین من هذه الشواهد:
1ـ ملکیة المرأة لأموالها.
یقول تعالى فی القرآن الکریم: «للرجال نصیب مما اکتسبوا و للنساء نصیب مما اکتسبن».[1] و هذا بیان و کلام صریح لا یدل على إثبات حق الملکیة للمرأة و حسب و الذی منعته بعض القوانین الغربیة حتى القرون الأخیرة.[2] و إنما یثبت للمرأة حق العمل أسوة بالرجل. لأن الآیة الکریمة تفرض حلیة حق الاکتساب للمرأة، ثم رتبت على ذلک ملکیة المرأة لما تحصل علیه من عملها.
2ـ تشجیع الرجال و النساء على العمل.
لم یقتصر الإسلام على تجویز العمل و الفعالیات الاقتصادیة للرجل و المرأة و حسب، و إنما دعا کلاً منهما إلى الجد و العمل و حبب إلیهما النشاط فی المیدان الاقتصادی.
و من أمثلة تشجیع الرجل و المرأة على العمل ما ورد فی القرآن الکریم من الآیات التی تحث الناس على العمل و الفعالیة فی میدان الکسب[3] و تدعوهم إلى ذلک[4] أو الآیات التی تدعو إلى إعمار الأرض و إحیائها.[5]
و فی جمیع هذه الموارد لم یرد خطاب یختص بالرجال دون النساء، بل یوجه الخطاب إلى عموم المسلمین أو إلى الناس جمیعاً، حیث تدعوهم إلى طلب فضل الله و السعی فی تحصیل الرزق، و مما لا شک فیه أن العمل أهم طریق لتحصیل المال و قد أولاه الإسلام اهتماماً خاصاً، فإذا دُعی الرجل و المرأة إلى النشاط فی میدان الاقتصاد و الکسب، و إذا کان العمل من أبرز الطرق إلى تحصیل ذلک، فمن الممکن القول: إن العمل جائز للمرأة کما أنه جائز للرجل على حد سواء.
ضوابط العمل
و مع أن الإسلام حث کلاً من الرجل و المرأة على الکسب و العمل و أن کلاً منهما یملک مما یکسبه من عمله، و لکنه وضع فی هذا المیدان و کغیره من المیادین بعض الضوابط و الأطر. بعض هذه الضوابط یتعلق بدائرة و طبیعة العمل الاقتصادی فی مجالی الإنتاج و التوزیع. و البعض الآخر یتعلق بعلاقات المسلمین مع بعضهم البعض و مع الآخرین.
أما بالنسبة إلى القسم الأول من الضوابط فلا یوجد أی اختلاف فیها بین الرجل و المرأة، فإذا کان الربا حراما و التجارة مباحة فذلک مقررٌ لکلا الجنسین، و لکن فی القسم الثانی تؤخذ خصوصیات الرجل و المرأة بنظر الاعتبار لما لها من تأثیر على الأحکام الجزئیة، مع أن کلا الجنسین یشترکان فی الأحکام الکلیة أیضاً. فالعفاف واجبٌ على کلیهما مع أن مصداق العفاف بالنسبة إلى المرأة فی الحجاب، فی حین لا علاقة لهذا الأمر بالرجال. و کذلک بالنسبة إلى الأحکام الأخلاقیة الأخرى کالنظر مثلاً. أی أن النظر بشهوة إلى غیر الزوج حرام لکلیهما و النظر دون شهوة جائز لکلٍ منهما، و لکن یوجد اختلاف فی جواز النظر بلا شهوة بین الرجل و المرأة.
و فی هذا الإطار فإن بعض الضوابط تختص بالأفراد المتزوجین و الذین یعطون لنسائهم بعض الحقوق باختیارهم. و إن الرجل و المرأة فی حالة تعادل دقیق بالنسبة لما لهم و ما علیهم من الحقوق و الواجبات.
حقوق الرجل على المرأة:
الأسرة حضن دافئ یستطیع الرجل و المرأة أن یحصلا فیه على الهدوء، و الطمأنینة الواقعیة و الأمن الروحی، یقول تعالى فی ذلک: «وَ مِنْ آیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ».[6]
هذه هی النواة الأولى للمجتمع البشری، و هی لا تختلف عن أی تجمع آخر لا تستطیع أن تدیم حیاةً سلیمة إلا من خلال نظام خاص و هذا الأمر لا یمکن أن یؤمن إلا فی إطار معرفة الحقوق و الواجبات لأفراد المجتمع، الذی یتشکل من المرأة و الرجل.
و من جهة أخرى ففی کل مجتمع تظهر أحیاناً اختلافات و وجهات نظر، و فی مثل هذه الحالة إذا وجد شخص أکثر دقة فی اتخاذ القرار و أقرب إلى الصحة من غیره فإنه یعطى مسؤولیة قیادة المجموعة، و یلتزم الجمیع بطاعته و امتثال أوامره، و بذلک تحل المشاکل. إن بعض المسؤولیات لدى مجموعة تفرض على فرد خاص تحملها و القیام بأعبائها. و مثل هذا الشخص لا بد و أن یتمتع بصلاحیات خاصة لیؤدی ما یتحمل من مسؤولیات.
و بالتوجه إلى کل ما تقدم فإن الله تعالى اختار الرجل لرئاسة الأسرة. «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَیْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ».[7]
و فی هذه الآیة نجد أن قوامة الرجال على النساء حکمٌ إلهی یستند إلى حکمة الله[8]. و کذلک فإن مسؤولیة الأسرة من الناحیة المادیة تقع على عهدة الرجل، فإذا کان للرجال رئاسة الأسرة فإن مسؤولیة إدارتها و تأمین احتیاجاتها تقع على عاتقهم أیضاً.
و إن الرئاسة لا معنى لها دون إطاعة، و إن الآیة الشریفة تعتبر المرأة الصالحة تلک التی تطیع زوجها و الحافظة لسره و غیبه کما أن الله حافظ للضیف.
یقول العلامة الطباطبائی فی هذه الآیة: «قیمومة الرجل لزوجته لیست بأن لا نفوذ للمرأة فی ما تملکه من إرادة و لا تصرف و لا أن تستقل المرأة فی حفظ حقوقها الفردیة و الاجتماعیة و الدفاع عنها و التوسل إلیها بالمقدمات الموصلة إلیها بل معناها ... أن علیها ان تطاوعه و تطیعه فی کل ما یرتبط بالاستمتاع و المباشرة عند الحضور و أن تحفظه فی الغیب فلا تخونه عند غیبته بأن توطئ فراشه غیره، و أن تمنع غیره من نفسها ما لیس لغیر الزوج التمتع منها بذلک و لا تخونه فیما وضعه تحت یدها من المال و سلطها علیه فی ظرف الازدواج و الاشتراک فی الحیاة المنزلیة».[9]
إذن فرأیه أن الأزواج لهم حقٌ على زوجاتهم فی حدود الدائرة الجنسیة فقط، و لم تکن رئاستهم لنسائهم مانعة من استفادة النساء من حقوقهن الفردیة و الاجتماعیة، و لا تسلبهن الاستقلال فی الدفاع عن حقوقهن و الحفاظ علیها، و لا تنافی حریتهن فی التصرف بأموالهن و ممتلکاتهن.
و فی موضع آخر یعتبر الطباطبائی سیرة النبی شاهداً على تفسیره للآیة حیث لم یمنع النساء آنذاک من أی حق فردی أو اجتماعی و کان لهن الحق فی ممارسات نشاطاتهن الاجتماعیة بما فی ذلک الاقتصادیة و الثقافیة.[10]
إن رئاسة الرجل على المرأة لا تعنی سلب المرأة إرادتها و منعها من التصرف فیما تملک. و لا نعنی أیضاً عدم استقلالیة المرأة فی حفظ حقوقها و الدفاع عنها بما لدیها من مقدمات.
فرئاسة الرجل فی الأسرة لا تعنی الأفضلیة و التسلط إذن، و إنما یکون الرجل مسؤولاً عن حفظ مصالح الأسرة، و القیام بواجباتها و الدفاع عن حریمها، و قد علل الباری تعالى هذه الرئاسة بأمرین اثنین:
1ـ فضَّل الله به بعضهم على بعض. [11]،[12]
2ـ وجوب النفقة على الرجال.[13] أی أن نوع الرجال و لیس أفرادهم فرداً فرداً ـ له نوع أفضلیة على النساء، و ذلک یفرض إعطاء الرئاسة إلى الرجل.
و من جهة أخرى فإن مسؤولیة الأسرة المالیة الثقیلة ملقاة على کاهل الرجل، و هذا عامل آخر من عوامل إعطاء مقالید قیادة الأسرة إلى الرجل.
و لابد من التوجه إلى أن المرأة غیر معنیة بأی شکل من الأشکال و على أی مستوى من المستویات فیما یخص تکالیف الأسرة و مسؤولیاتها المادیة. على الرغم من کون مشارکتها فی ذلک محمودة على المستوى الأخلاقی.
و من جهة أخرى فإن العبارة «بما أنفقوا من أموالهم» غیر ناظرة إلى الواقع الخارجی، و إنما ناظرة إلى اعتبارات الشارع و قانون الشرع. و لا یعنی ذلک أن الرجل مکلف بالإنفاق و تأمین الوضع المادی للأسرة فله رئاستها و إدارة شؤونها، و إذا ما تغیر الوضع یوماً و تحولت تلک المسؤولیات إلى المرأة فالرئاسة من نصیبها. و إنما المعنى: إن الشرع اعتبر الرئاسة لهم وفی نفس الوقت نفسه فرض علیهم الانفاق ایضا.
و کذلک لابد من التوجه أن عبارة: «بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا...»، توضح العلة التی أعطی الرجل الرئاسة من أجلها، و لیست ناظرة إلى حدود تلک الرئاسة و سعة دائرتها، أی أن مفهومها لا یقتصر على الرئاسة فی الجوانب الاقتصادیة و المالیة.
و الآن و قد اتضح أن الرجل هو رئیس الأسرة و الرئاسة تستلزم الطاعة من الطرف المقابل، و هنا لابد من التعرف على حدود دائرة لزوم الإطاعة و محیطها. و قد ذکر العلامة الطباطبائی مورداً واحداً لذلک و هو إطاعة المرأة زوجها فیما یخص الحقوق الجنسیة.
و قد صرحت بهذا الحق روایات عدیدة. و الحق الآخر المفروض للرجل على زوجته ما ورد فی العدید من الروایات المعتبرة و المتمثل بحق الرجل فی منع زوجته من الخروج من البیت إلا بإذنه و علیها أن تطیعه فی ذلک. و الحقیقة فإن خروج المرأة من بیت زوجها مرهون بإجازته.
و قد روی بسندٍ صحیح عن الإمام الباقر (ع): «جاءت امرأة إلى النبی (ص) فقالت: یا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطیعه و لا تعصیه و لا تصدق من بیته إلا بإذنه، و لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، و لا تمنعه نفسها و إن کانت على ظهر قتب، و لا تخرج من بیتها إلا بإذنه، و إن خرجت بغیر إذنه لعنتها ملائکة السماوات و ملائکة الأرض، و ملائکة الغضب، و ملائکة الرحمة حتى ترجع إلى بیتها»[14]. و جمیع الأحادیث التی نقلت عن الرسول الأکرم (ص) فی هذا الموضوع مع أنها عن الإمامین الباقر و الصادق علیهما السلام إلا أن وسائطها أجدادهم الطاهرین.
و لم تکن قیومیة هؤلاء على نسائهم مانعة إیاهن من الاستفادة من حقوقهن الفردیة و الاجتماعیة و الاستقلال فی حفظ حقوقهن و الدفاع عنها و التصرف بأموالهن و أملاکهن.
و ظاهر هذه الأحادیث الإطلاق، بمعنى أن للرجل أن یمنع زوجته عن الخروج من بیتها مطلقاً، بل إن خروج المرأة من بیت زوجها مقید بإذنه و إجازته على کل حال. و علیه فما لم تحرز رضاه و إجازته لا یمکنها الخروج من المنزل، و قد اعتبر الإمام الخمینی خروج المرأة من بیت زوجها دون إذنه بمثابة النشوز[15] و هذا ما علیه مشهور الفقهاء لم یخالف فیه أحد.
و لکن بقرینة الروایات الواردة فی مسألة حسن حبس المرأة فی بیتها و التی جاء التأکید فیها على إذکاء اشتیاق النساء و اجتذابهن نحو الرجال[16] یمکن أن یقال: إن خروج المرأة إذا کان ینطوی على المفاسد أو مقرونا بتزاحم المصالح یکون مشروطاً بإذن الزوج. فالأمر إذن فرع حالة التزاحم أو فقدان المصالح، و الذی سوف نناقشه، و فی مثل هذه الحالة فإن تشخیص وجود التزاحم أو ترجیح أحد أطرافه إن وجد من مختصات رئیس الأسرة و هو الزوج و علیه فلا بد للمرأة أن تحصل على الإذن عندما ترید الخروج من بیتها حتى یعلم وجود التزاحم أو عدمه، و إذا وجد التزاحم فأی الطرفین هو الراجح و هل أن خروجها تتبعه المفاسد أو أنه یتنافى مع المصالح؟.
مسألة التزاحم
قد تفرض بعض الظروف على الإنسان عدم تمکنه من الإتیان بعملین مختلفین فی آنٍ واحد، و بذلک یضطر إلى التضحیة بأحدهما من أجل الآخر، و فی مثل هذه الموارد التی یطلق علیها اسم «التزاحم» یحکم العقل بتقدیم الأهم على المهم، و ترک المهم لصالح الأهم. أی أنه ینجز العمل الأکثر أهمیة و یترک الأمر الآخر. و تشخیص ذلک یرجع إلى الشخص نفسه فی حالة الواجبات الفردیة الشخصیة و أما فی حالة التکالیف المتعلقة بالجماعة فمرد الأمر إلى رئیس الجماعة. و لذلک فإن تشخیص الأهم و المهم فی دائرة المجتمع الإسلامی من مسؤولیات الولی الفقیه الذی یجلس على قمة الهرم بالنسبة إلى سلم إدارة المجتمع.
و أما بالنسبة إلى الأسرة فالمرجع فی هذه الأمور هو الزوج الذی یکون فی موقع رئاسة الأسرة. إنه هو الذی یشخص وجود التزاحم من عدمه بالنسبة لعمل زوجته خارج البیت مع عملها و واجبها إزاء زوجها و أبنائها، و إذا کان التزاحم بین ما هو المهم و ما هو الأهم؟. و علیه بإمکانه أن ینع زوجته من العمل بسبب تزاحم عملها مع واجباتها الزوجیة و البیتیة، و من الطبیعی أن مسألة التزاحم تصدق عندما یکون للطرفین وظیفتان، أی أن التزاحم یکون فی حالة کون شغل المرأة وظیفة و واجب، حتى لو کان من الوظائف الاجتماعیة و من الواجبات الکفائیة التی لا یوجد عدد کافٍ من الأشخاص للعمل بها، و أما إذا کان الشغل من غیر باب الواجب و الوظیفة و کان یتعارض مع واجبات المرأة فی بیتها لا یجوز لها أن تمارس هذا العمل، إلا أن یکون واجب المرأة فی البیت من قبیل حقوق الزوج الجنسیة و قد أسقط الزوج ذلک الحق.
المصلحة و المفسدة:
وظیفة کل رئیس لجماعة المحافظة على مصالحها، و هو القادر على أن یمنع ما ینافی مصالحها أو ما یلزم منه المفسدة بالنسبة لها، فإذا کان عمل المرأة یتصادم مع مصالح الأسرة أو مصالح أفرادها أو یستلزم مفسدة ما، فالرجل له أن یحول بین المرأة و العمل باعتباره رئیس الأسرة و مدیر شؤونها.
نظرة إلى القانون المدنی الإیرانی:
بالتوجه إلى ما تقدم من فقرات البحث یمکن أن نستنتج أن المادة 1105 من القانون المدنی جاءت منسجمة مع أسس الإسلام بالکامل، حیث جاء فیها: «إن رئاسة الأسرة من خصائص الزوج»، و کذلک المادة 117 التی جاء فیها: «للرجل أن یمنع زوجته من العمل أو الصنعة التی تتنافى مع مصالح الأسرة أو تتعارض مع شؤونه و شؤون زوجته» و هذه المادة تبین و تؤکد رئاسة الرجل و قیمومته على الأسرة. و من الطبیعی أن یکون الأفضل مبادرة المقننین إلى إیضاح و بیان سعة دائرة رئاسة الرجل بشکل دقیق، على الرغم من أن هذا الأمر مبین إلى حد ما فی الأحکام المتناثرة فی الموارد المختلفة من القانون المدنی کمسألة تبعیة الزوجة، و محل الإقامة و... .
إن رئاسة الرجل للأسرة لا تعنی الأفضلیة و التسلط و إنما تعنی أن الرجل مسؤول عن حفظ مصالح الأسرة و تحقیق مصالحها و الدفاع عن حریمها.
و للرجل أن یمنع زوجته من الحرفة التی تتعارض مع مصالح الأسرة أو تتنافى مع شؤونه أو شؤون زوجته.
أما بالنسبة لمنافاة عمل الرجل مصالح الأسرة أو شؤونه و شؤون زوجته فلم یوضع لها علاج فی مواد القانون المدنی یبین موقف المرأة، و لکن یمکن التماس الحل فی المادة 1104 و التی تقول: «على الزوجین التعاون فیما بینهما من أجل إدارة شؤون الأسرة و تربیة الأولاد» و بالنظر إلى ولایة الفقیه المطلقة و حکومته على ولایة الزوج على زوجته، فإن المرأة بإمکانها أن ترجع إلى الدوائر القانونیة أو إلى حاکم الشرع بالتعبیر الفقهی لتطلب منع زوجها من العمل و قد ورد التصریح بهذه الفقرة فی نص القانون المدنی[17].
و لکن لا توجد معالجة مباشرة فی حالة کون عمل الزوج متنافیاً مع مصالح الأسرة أو متعارضاً مع شؤون الزوج أو شؤون زوجته.
الزوج المحجور:
إذا فقد الزوج صلاحیته على إدارة الأسرة بسبب مرضٍ جسمی أو جنون أو نسیان أو أمثالها فبإمکان الزوجة مراجعة القانون و المطالبة بإعطائها قیادة و إدارة شؤون الأسرة و هنا تکون ولایة الفقیه المبنى الذی یعتمد علیه هذا الفقیه فی هذا الأمر.
المصادر:
1ـ المیزان للعلامة الطباطبائی، ج4، ص315.
2ـ المیزان للعلامة الطباطبائی، ج4، ص 366.
3ـ المیزان للعلامة الطباطبائی، ج4، ص 369.
4ـ وسائل الشیعة، للشیخ الحر العاملی، ج 14، ص12.
5ـ وسائل الشیعة، للشیخ الحر العاملی، ج 4.
6ـ وسائل الشیعة، ج 14، ص 112 ـ 125.
7ـ وسائل الشیعة، ج14، ص 114ـ 154.
8ـ وسائل الشیعة، ج14، ص155ـ 156.
9ـ تحریر الوسیلة، ج2، ص305.
10ـ وسائل الشیعة، ج14، ص 40.
[1] النساء، 32.
[2] على أساس القانون المدنی الفرنسی لا تزال النساء المتزوجات لا یتمتعن بحق الملکیة. راجع کتاب الشهید المطهری، نظام حقوق المرأة فی الإسلام. ص220 ـ 226.
[3] الإسراء، 22 و 66؛ الجمعة، 10؛ فاطر، 12.
[4] "وابتغوا من فضل الله"، الجمعة، 10.
[5] «هو أنْشَأَکم مِن الأرضِ وَاسْتَعْمَرَکُم فیها» هود، 1؛ تفسیر المیزان، ج10، ص 321.
[6] الروم، 21.
[7] «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَیْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ»، النساء، 34.
[8] و من الطبیعی أن العلامة الطباطبائی استفاد من الآیة قیومیة الرجال العامة على النساء فی دائرة أوسع من الأسرة کالحکومة و القضاء.
[9] مع بعض التلخیص، انظر: العلامة الطباطبائی، المیزان، ج 4، ص 344.
أ ـ الروایات التی ذکرت حق المرأة على الرجل و التی ذکرت هذه المسألة ثلاث روایات: حدیث محمد بن مسلم، حدیث عمرو بن جبیر الغررمی، و حدیث عبد الله بن سنان، راجع: وسائل الشیعة، ج 14 ، ص 112 و 125.
ب ـ حدیث المناهی الذی منع فیه النبی (ص) عن بعض الأمور من جملتها خروج المرأة من البیت بدون إذن زوجها. و لا یوجد فی هذا إلا حدیث واحد: روایة حسین بن زید، راجع: کتاب وسائل الشیعة، ج 14، ص 114 و 125.
جـ ـ روایة المعراج التی ذکر فیها (ص) مشاهداته و أحدها المرأة التی تعذب و هی التی تخرج من بیت زوجها من دون إذنه، و هی روایة عبد العظیم بن عبد الله الحسنی، راجع: کتاب وسائل الشیعة، ج 14 ، ص 155 و 156.
[10] المیزان، ج 4، ص 369.
[11] (بِما فَضَّل اللّه ُ بعضَهُم على بَعضٍ)، النساء، 34.
[12] (لِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقره ، 228.
[13] (بما انفقوا من اموالهم) النساء ، 34
[14] و هذا التعبیر الذی ورد بصیغة مختلفة فی الکثیر من الروایات، و هو کنایة عن لزوم استعداد المرأة لتلبیة مطالب زوجها الخاصة.
[15] تحریر الوسیلة، ج 2، ص 305.
[16] الشیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 14، ص 112؛ وسائل الشیعة، ج 14، ص 125 و 154 و 155.
[17] انظر: وسائل الشیعة، ج 14، ص40، ح 41؛ ج 5، ص41 ؛ ج 1 و 2، ص42؛ ج 5، ص 42؛ ج 6، 7.