Please Wait
7300
قبل الاجابة عن السؤال المطروح نقول: إن الروایات بصورة عامة یمکن ان تقسم الى قسمین او طائفتین. الاولى الروایات التی یعبر عنها بالصحیحة و القویة و ... و هناک طائفة من الروایات یعبر عنها بالضعیفة التی لایمکن الاستناد الیها و الاعتماد علیها.
ثم ان الروایات التی أشارت الى حب النبی الاکرم (ص) لابنته الزهراء (س) کثیرة جداً و قد وردت فی مصادر الفریقین، الا ان ذلک لا یعنی بان کل روایة تحدثت عن طریقة تعبیر النبی الاکرم (ص) عن ذلک الحب هی صحیحة بل قد تکون ضعیفة السند او انها من الناحیة الدلالیة لاتنسجم مع الاخلاق النبویة الکریمة.
و نحن اذا رجعنا الى الروایة المذکورة فی السؤال نراها قابلة للمناقشة سندا و دلالة:
اما المناقشة السندیة فالروایة نقلها صاحب البحار عن کتاب المناقب لابن شهر آشوب الا انه لم یذکر سند الروایة و کانت الروایة مرسلة مما یکشف عن سقوطها عن الاعتبار.
و اما المناقشة الدلالیة او مناقشة المضمون فیمکن البحث عنها فی نقاط:
1. من المناسب جداً عرض الروایة على التاریخ لنرى ما هو مقدار انسجامها مع الواقع التاریخ، فلو رجعنا الى تاریخ حیاة الرسول (ص) نجد انه قد بلغ ما یقارب الخامسة و الثلاثین من العمر عندما ولدت الزهراء (س) هذا على القول بان الزهراء ولدت قبل البعثة بخمس سنین، فکیف کان ینام تلک الفترة. أضف الى ذلک أن الرسول الاکرم (ص) کان متزوجا و عنده زوجة ملزم بمراعاة حقوقها و مشاعرها و هی السیدة خدیجة (س) التی کان یکن لها کل الاحترام و الحب.
و بعد وفاة خدیجة (رض) لم یبق الرسول الاکرم (ص) بلازوجة بل تزوج مباشرة بسودة بنت زمعة و بعدها تزوج بعدد من النساء حتى انه توفی عن تسع نساء فکیف کان یترک نساءه و یذهب لینام فی بیت الزهراء او یدعو الزهراء لتنام عنده.
اضف الى ذلک انا نجد أن الزهراء (س) قد تزوجت بعد الهجرة مباشرة اما فی السنة الاولى او الثانیة منها و انتقلت الى بیت زوجها أمیر المؤمنین (ع).
و من المعلوم ان القضیة المطروحة فی السؤال لو کانت صحیحة لاثارت ضغینة النساء و لکثر الحدیث عنها لانه من غیر المعقول ان یقوم النبی بهذا العمل فیاتی فی کل لیلة الى بیت الزهراء (س) لینام عندها او یقبلها من صدرها - على اقل تقدیر- ثم یرجع الى بیته و لاثیر هذه العملیة فضول الناس فیکثر الحدیث عنها و تنقل لنا کما نقل لنا التاریخ وقوفه (ص) ستة اشهر او سبعة اشهر او تسعة اشهر على بیتها (س) بعد نزول آیة التطهیر و قراءة آیة التطهیر، روى الطبری فی تفسیره بالاسناد الى أبی الحمراء، قال: رابطت المدینة سبعة اشهر على عهد رسول الله (ص)، قال: رایت النبی (ص) اذا طلع الفجر جاء الى باب علی و فاطمة فقال: الصلاة "انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس اهل البیت و یطهرکم تطهیرا".
من هنا نعلم ان الواقع التاریخی یکذب هذه الروایة بالاضافة الى ضعف سندها.
2. ان هذه الحدیث لاینسجم مع بیت اراد الله له التطهیر و العفة و ان الرسول الاکرم هو قدوة للمؤمنین فلایمکن ان یعبروا عن عواطفهم بما فیه ادنى خدشة أو شائبة نقص و هم یعرفون أنهم مراقبون من قبل الخصوم الذین یتربصون بهم لیثیروا التهم و الشبهات ضدهم و قد ورد فی الحدیث فی وصف عباد الله الصالحین "و اتقائهم مواضع التهم".
3. ان التعبیر عن المحبة و ملاطفة الابناء امر طبیعی جبلت علیه طبیعة البشر عامة و الانبیاء عامة و النبی الاکرم خاصة لیس مستثنى من هذه الحالة، فهو کان فی قمة الرحمة و الخلق الکریم و العطف على جمیع الناس حتى انه کادت ان تذهب نفسه حسرات على الکافرین فکیف لایکون عطوفا على ابنته التی کانت بضعة منه؟ فیمکن ان یکون النبی الاکرم (ص) کان اذا زارته ابنته الزهراء (س) یقوم الیها و یقبلها من رقبتها مثلا و لکن الرواة اضافوا الى الروایة و حرفوها بالشکل المذکور.
إن الروایات بصورة عامة یمکن أن تقسم الى قسمین اساسیین او طائفتین. الاولى الروایات المعتبرة أو التی یعبر عنها بالصحیحة أو القویة أو ... و هناک طائفة من الروایات یعبر عنها بالضعیفة او المجهولة او ... و هذه الطائفة لایمکن الاستناد الیها و الاعتماد علیها.
من هنا نرى الفقهاء و الباحثین المختصین اشترطوا للعمل بالروایة مجموعة من الشروط من اهمها بحث الروایة من الناحیة السندیة أی دراسة سند الروایة للاطمئنان بسلامة الطریق الذی نقل لنا الروایة، فاذا صح السند انتقلوا للبحث عن دلالة الحدیث و دراسة من کل الجوانب بحیث یحصل الاطمئنان بان الحدیث من ناحیة المضمون لیس فیه ما ینافی المعتقدات و الاخلاقیات الاسلامیة الثابتة.
من هنا لابد من اخضاع الروایة المذکورة فی السؤال الى البحث السندی و الدلالی، فنقول:
ان الروایة نقلها صاحب البحار عن الامامین الباقر و الصادق (ع): "انه کان النبی (ص) لاینام حتی یقبل عرض وجه فاطمة و یضع وجهه بین ثدیی فاطمة و یدعولها، و فی روایة: حتی یقبل عرض وجنة فاطمة او بین ثدییها".[1]
من الواضح أن صاحب البحار نقل الروایة عن کتاب المناقب لابن شهر آشوب المتوفى (588هـ) الذی لم یذکر للروایة سندا و انما نقلها مرسلة، على خلاف الکثیر من روایات الکتاب التی ذکر سندها سواء کان الراوی لها من أهل السنة أم من الشیعة. فاذا کان الروایة مرسلة سقطت عن الاعتبار و لا یمکن الرکون الیها.
و اما من الناحیة الدلالیة فیمکن ان ندرس القضیة ضمن مجموعة من النقاط:
1. من المناسب جداً عرض الروایة على التاریخ لنرى ما هو مقدار انسجامها مع الواقع التاریخ، فلو رجعنا الى تاریخ حیاة الرسول (ص) نجد انه قد بلغ مایقارب الخامسة و الاربعین من العمر عندما ولدت الزهراء (س) هذا على القول بان الزهراء ولدت بعد البعثة بخمس سنین، فکیف کان ینام تلک الفترة. أضف الى ذلک أن الرسول الاکرم (ص) کان متزوجا و عنده زوجة ملزم بمراعاة حقوقها و مشاعرها و هی السیدة خدیجة (س) التی کان یکن لها کل الاحترام و الحب.
و بعد وفاة خدیجة (رض) لم یبق الرسول الاکرم (ص) بلازوجة، بل تزوج مباشرة بسودة بنت زمعة[2] و بعدها تزوج بعدد من النساء حتى انه توفی عن تسع نساء فکیف کان یترک نساءه و یذهب لینام فی بیت الزهراء او یدعو الزهراء لتنام عنده.
اضف الى ذلک انا نجد أن الزهراء (س) قد تزوجت بعد الهجرة مباشرة اما فی السنة الاولى او الثانیة منها و انتقلت الى بیت زوجها أمیر المؤمنین (ع).[3]
و من المعلوم ان القضیة المطروحة فی السؤال لو کانت صحیحة لاثارت ضغینة النساء و لکثر الحدیث عنها لانه من غیر المعقول، ان یقوم النبی (ص) بهذا العمل فیاتی فی کل لیلة الى بیت الزهراء (س) لینام عندها او یقبلها من صدرها - على اقل تقدیر- ثم یرجع الى بیته و لاثیر هذه العملیة فضول الناس فیکثر الحدیث عنها و تنقل لنا کما نقل لنا التاریخ وقوفه (ص) ستة اشهر او سبعة اشهر او تسعة اشهر على بیتها (س) بعد نزول آیة التطهیر و قراءة آیة التطهیر، روى الطبری فی تفسیره بالاسناد الى أبی الحمراء، قال: رابطت المدینة سبعة اشهر على عهد رسول الله (ص)، قال: رایت النبی (ص) اذا طلع الفجر جاء الى باب علی و فاطمة فقال: الصلاة " انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس اهل البیت ویطهرکم تطهیرا".[4]
و یؤید ما ذکرنا، الروایة التی ینقلها ابن شهر آشوب نفسه عن ابی عبیدة الحذاء و غیره عن الصادق (ع) : أنه کان رسول الله یکثر تقبیل فاطمة فأنکرت علیه بعض نسائه! فقال (ص): "إنه لما عرج بی إلى السماء أخذ بیدی جبرئیل فأدخلنی الجنة فناولنی من رطبها فأکلتها و فی روایة فناولنی منها تفاحة فأکلتها فتحول ذلک نطفة فی صلبی فلما هبطت إلى الأرض واقعت خدیجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسیة فکلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتی". [5]
من هنا نعلم ان الواقع التاریخی یکذب هذه الروایة بالاضافة الى ضعف سندها.
2. ان هذه الحدیث لاینسجم مع بیت اراد الله له التطهیر: «انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس اهل البیت و یطهرکم تطهیراً».[6] و العفة و ان الرسول الاکرم (ص) هو قدوة للمؤمنین، فلایمکن ان یعبر افراد هذا البیت عن عواطفهم بما فیه ادنى خدشة أو شائبة نقص و هم یعرفون أنهم مراقبون من قبل الخصوم الذین یتربصون بهم لیثیروا التهم و الشبهات ضدهم و قد ورد فی الحدیث فی وصف عباد الله الصالحین: "و اتقائهم مواضع التهم".[7]
و قد ورد فی الزیارة الجامعة فی وصف أهل البیت (ع) و الثناء علیهم: «عصمکم الله من الزلل و آمنکم من الفتن و طهرکم من الدنس و اذهب عنکم الرجس و طهرکم تطهیراً».[8]
نعم ان علاقة النبی الاکرم (ص) بابنته الزهراء (س) علاقة عمیقة تحمل فی طیاتها کل معانی السمو و الانسجام الروحی و المعنوی، بل فیها بعد غیبی کما ذکرت ذلک التی نقلها ابن شهر آشوب کما مر.
3. ان التعبیر عن المحبة و ملاطفة الابناء امر طبیعی جبلت علیه طبیعة البشر عامة و الانبیاء عامة و النبی الاکرم خاصة لیس مستثنى من هذه الحالة، فهو کان فی قمة الرحمة و الخلق الکریم و العطف على جمیع الناس حتى انه کادت ان تذهب نفسه حسرات على الکافرین فکیف لایکون عطوفا على ابنته التی کانت بضعة منه؟ فیمکن ان یکون النبی الاکرم (ص) کان اذا زارته ابنته الزهراء (س) یقوم الیها و یقبلها من رقبتها مثلا و لکن الرواة اضافوا الى الروایة و حرفوها بالشکل الذی جاء فی متن السؤال.
4. لقد نقلت لنا الکتب التاریخیة و الحدیثیة روایات کثیرة تبین علاقة النبی الاکرم (ص) بابنته فاطمة (س) بنحو یبین الرسول (ص) ان علاقته بالسیدة الزهراء (س) لا تنطلق من کونها ابنته فقط، بل اراد من خلال ما یبدیه من عاطفة و حب للزهراء ان یبین للامة الاسلامیة المکانة العالیة لها بحیث انها تمثل احد الحجج على العباد و یکفی الحدیث الذی رواه الفریقان: " فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی یُرِیبُنِی مَا رَابَهَا".[9] و عَنْ عَلِیٍّ (ع) قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِیَدِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ (ع) فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ هَذَیْنِ وَ أَبَاهُمَا وَ أُمَّهُمَا کَانَ مَعِی فِی دَرَجَتِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ".[10]
[1] المناقب، ج 3، ص 334؛ بحار الانوار، ج 43، ص 42.
[2] انظر: السیرة النبویة لابن کثیر، ج 2، ص 142.
[3] انظر: اعیان الشیعة الجزء الاول ترجمة السید الزهراء(س).
[4] الطبری، تفسیر القرآن، ج 12، ص 6، طبع بیروت.
[5] المناقب، ج 3، ص 335.
[6] الاحزاب، 33.
[7] بحارالأنوار، ج 66، ص313.
[8] مفاتیح الجنان، ص 903.
[9] بحارالأنوار، ج 21،ص 279.
[10]بحارالأنوار، ج 37، ص 37.