بحث متقدم
الزيارة
7012
محدثة عن: 2010/05/13
خلاصة السؤال
إذا كان الله تعالى يضل من يشاء و يهدي من يشاء فكيف ينسجم ذلك مع مقولة العدل الإلهي؟
السؤال
ورد في الآية 284 من سورة البقرة: "لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما في‏ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ"، و هناك آيات كثيرة تؤكد أنّ الله يهدي من يشاء و يضل من يشاء، و هنا يثار السؤال التالي: ما هو المعيار الذي يتمّ تعذيب الضالين أو الصفح عنهم و فقاً له؟ و هل تنسجم المشيئة الإلهية هذه مع العدل الالهي؟.
الجواب الإجمالي
هناك الكثير من آيات الذكر الحكيم تشير إلى دور المشيئة الإلهية في تحقيق كلّ من العزّة والذلة، و الرزق، و العفو و العذاب و.....، و هناك طائفة أخرى من الآيات تشير إلى إيكال العزّة و الهداية و السعادة  و الرزق و... إلى عمل الانسان و مدى مثابرته و سعيه  و إخلاصه، فيكون الانسان وفقا لهذه الآيات مختاراً في تحقيق كلّ ما ذكر، و بعبارة أخرى تكون الجنة ثمناً و جزاءّ لما يقوم به الانسان من عمل، و لا تنافي بين الآيات التي تشير إلى كون الإرادة و المشيئة الإلهية  سبباً في الرحمة الإلهية تارة و العذاب الإلهي أخرى،  وبين الآيات التي تربط ذلك بالسعي و المثابرة و الجهد و الجهاد من العبد و التقوى و الخشية من الله و الاخلاص له، بل تكمل بعضها البعض الآخر؛ لأن مشيئة الله تعني الحركة وفقاً للقوانيين الإلهية و السنن الربانية و الوصول إلى الآثار و النتائج التي جعلها الله تعالى في تلك الاسباب و العوامل.
 
الجواب التفصيلي
هناك الكثير من آيات الذكر الحكيم تشير إلى دور المشيئة الإلهية في تحقيق كلّ من العزّة والذلة، و الرزق، و العفو و العذاب و..... من قبيل الآية المذكورة في متن السؤال، و هناك طائفة أخرى من الآيات تشير إلى إيكال العزّة و الهداية و السعادة  و الرزق و... إلى عمل الانسان و مدى مثابرته و سعيه  و إخلاصه، فيكون الانسان وفقا لهذه الآيات مختاراً في تحقيق كلّ ما ذكر، و بعبارة أخرى تكون الجنة ثمناً و جزاءّ لما يقوم به الانسان من عمل؛ و هنا لابد من البحث عن كيفية نسبة الصورتين إلى الله تعالى و ما هو المبرر المنطقي لكلا النسبتين؟ و هل يوجد تضاد بين الطائفتين؟ و كيف يتم الجمع بين الطائفتين و ازالة التضاد الظاهري؟
قبل الإجابة عن السؤال المطروح لابد من الاشارة إلى أنّ هكذا اسئلة إنما تثار من قبل البعض لأنهم قارنوا بين مشيئتهم و بين المشيئة الإلهية فقاسوا إرادة الله بارادتهم، و لمّا كانوا في إرادتهم و مشيئتهم ينطلقون من الميول و الأحاسيس و المشاعر النفسية فظنوا أنّ ما لدى الله تعالى ينطلق من نفس الاسباب، و هو مما لاريب من المقارنات الخاطئة؛ لأنّ إرادته و مشيئته تعالى تقوم على أساس الحكمة و القوانين العادلة التي لا تتغير؛ و ذلك لانّه عزَّ شأنه قد وضع سلسلة من العوامل و الاسباب المساعدة في تطور البشرية و تكاملها، و أن الاستفادة من آثار تلك الاسباب هو عين المشيئة الإلهية.
فمشيئة الله تعني الحركة وفق السنن و القوانين الإلهية الحكيمة التي لا تقبل التبدّل و التغيّر.
انطلاقا من هذه المقدمة يمكن القول بأن مشيئة الله تعالى باعطاء بعض الافراد مثلا لا تندرج في قائمة التمييز ولا تتنافى بحال من الاحوال مع العدالة الإلهية بل هي عين العدالة و روحها؛ و هذا المعنى قد اشار اليه المفسرون و المتكلمون المسلمون عامة و الامامية منهم خاصة، فقد ورد في تفسير الأمثل، في تفسير قوله تعالى "وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ"، إنّ العزّة و الحكم و الحياة و الموت ليست هي وحدها بيد اللّه، بل بيده كلّ أنواع الرزق و النعم أيضا. و أنّ هذه الآية لا تتعارض مع الآيات التي تبيّن التقدير الإلهي و تطرح موضوع لياقة الأفراد و قابليّتهم و مسألة التدبير في الخلقة.
و هنا يطرح سؤال آخر و هو: إنّنا نعلم أنّ الإنسان حرّ في كسب رزقه بغير إجبار، و ذلك بموجب قانون الخلق و حكم العقل و دعوة الأنبياء، فكيف تقول هذه الآية أنّ كلّ هذه الأمور بيد اللّه؟
في الجواب نقول: إنّ المصدر الأوّل لعالم الخلق و جميع العطايا و الإمكانات الموجودة عند الناس هو اللّه، فهو الذي وضع جميع الوسائل في متناول الناس  لبلوغ العزّة و السعادة. و هو الذي وضع في الكون تلك القوانين التي إذا لم يلتزمها الناس انحدروا إلى الذلّ و التعاسة. و على هذا الأساس يمكن إرجاع كلّ تلك الأمور إليه، و ليس في ذلك أيّ تعارض مع حرّية إرادة البشر، لأنّ الإنسان هو الذي يتصرّف بهذه القوانين و المواهب و القوى و الطاقات تصرّفا صحيحا أو خاطئا.[1]
إنطلاقاً من هذه المقدمة نعود إلى الآية المباركة "لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما في‏ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ"[2] و من الواضح أنّ قوله تعالى "فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ" أنّ إرادته لا تكون بدون دليل، بل أنّ عفوه أيضا يرتكز على دليل و مبرّر، و هو لياقة الشخص للعفو الإلهي، و هكذا في عقابه و عدم عفوه.[3]
و عليه لا تنافي بين الآيات التي تشير إلى كون الإرادة و المشيئة الإلهية  سبباً في الرحمة الإلهية تارة و العذاب الإلهي أخرى،  وبين الآيات التي تربط ذلك بالسعي و المثابرة و الجهد و الجهاد من العبد و التقوى و الخشية من الله و الاخلاص له، بل تكمل بعضها البعض الآخر؛ لأن مشيئة الله تعني الحركة وفقاً للقوانيين الإلهية و السنن الربانية و الوصول إلى الآثار و النتائج التي جعلها الله تعالى في تلك الاسباب و العوامل.
لمزيد الاطلاع انظر:
8059 (الموقع: 5425)، تحت عنوان: الرحمانية و الهداية الإلهية.
12698 (الموقع: 7905)، تحت عنوان: هداية المتقين في القرآن.
 

[1] ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏2، ص: 454، نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الأولى، 1417ق.
[2]. البقرة، 284.
[3]. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏2، ص: 362.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...