بحث متقدم
الزيارة
11052
محدثة عن: 2007/04/12
خلاصة السؤال
ما هو الفرق بین العقل (المدبر) و القلب (الإیمان و العشق).
السؤال
ما هو الفرق بین العقل (المدبر) و القلب (الإیمان و العشق).
الجواب الإجمالي

توجد قوتان عظیمتان فی ترکیب الإنسان (العقل و العشق) و لکل واحدة من هذه القوى دور کبیر و فعال فی حیاة الإنسان، فالعقل مثله کالمصباح الشدید النور الذی یشع بنوره لیکشف الانحناءات و الانعطافات التی توجد فی الطریق الذی یسلکه الإنسان فی حیاته و هو بمثابة الآلة الحاسبة حیث یهتم بالأرقام و جمعها و تقسیمها و الموازنة بین الربح و الخسارة، و لیس له دور وراء ذلک.

(والعقل المدبر) لیس هو من سنخ الجذب و المیل (المیل و التصور) و إنما یتعهد و یتکفل بتنظیم المیول الموجودة لدى الإنسان.

(العشق) هو المیل و الانجذاب الموجود فی طبیعة الإنسان بالنسبة إلى الأشیاء الأخرى.

(الإیمان) هو الإذعان القلبی و التسلیم الروحی الذی یکون تحققه الواقعی فی ظل تحقق العنصرین معاً أی عشق القلب و إقناع العقل.

و حینما یوضع (القلب) مقابل (العقل) فی العرف العام و فی أدبیات العرفاء فالمراد بالعقل هنا هو العقل الجزئی لا العقل الکلی. ولکن عندما نرجع إلى الآیات القرآنیة نجد أن القلب فی الاصطلاح القرآنی هو مرکز الإدراکات الحصولیة و الحضوریة، و هو مرکز للعواطف أیضاً، فالمراد بالقلب إذاً هو النفس و الروح الإنسانیة التی تعتبر منشأ حیاة الإنسان لا الحیاة الحیوانیة و النباتیة. والمراد من (القلب) عندما یوضع مقابل (العقل) هو هذا البعد من روح الإنسان الذی تنشأ منه الإدراکات الشهودیة و الحضوریة و العواطف و الحب.

الجواب التفصيلي

یرجع سلوک الإنسان و أعماله المختلفة المتنوعة إلى عدة مرجعیات و مؤثرات و قوى کامنة فی داخله، فتارة یتحرک بدافع الغریزة و متطلباتها کما هو الحال فی تناول الطعام و شرب الماء و... و تارة ینطلق على أساس إیحاء الروح و تأثیراتها کالخوف و التوجس و ...... و تارة أخرى یتحرک بدافع میوله الإنسانیة الراقیة من قبیل البحث عن الحقیقة و طلب الکمال و المیل إلى الفضائل و مکارم الأخلاق، و فی بعض الأوقات یتحرک الإنسان على أساس عواطفه و مشاعره التی تکون إیجابیة تارة کالود و المحبة و تارة سلبیة کالحسد و البغض و الحقد.[1] و قد جاء التعبیر بالنفس عن منشأ و منبع مطلق هذه المیول فی الخطاب القرآنی و لسان الروایات.[2] و یمکن أن توصف النفس بعدة أوصاف طبقاً للظروف و الحالات التی تواجهها، و الأعمال المتنوعة التی تمارسها، و الفوائد المتفاوتة التی تتلقاها، فتارة (أمّارة) و تارة (لوّامة) و أخرى (مطمئنة).

و أما سلوک النفس و انسیاقها وراء الغرائز من دون التفکیر بالنتائج و العواقب المترتبة على ذلک فیسمى (هوى النفس).

یوجد منشآن نفسیان لأفعال الإنسان الاختیاریة: 1ـ المعرفة والنظر. 2ـ المیول و الرغبات، أحدهما یلعب دور کشف الواقع من خلال تسلیط الأضواء علیه. و الآخر یمثل المحرک و الباعث الذی یدفع الإنسان إلى القیام بالعمل و إنجازه.

(العقل) قوة أودعت فی النفس و لکنها لیست من سنخ المیول و الرغبات، العقل مصباح مضیء و وسیلة للحساب و میزان توزن به الأعمال، لمعرفة إلى أی مدی یکون تأثیر هذا العمل أو ذاک على حیاتنا المستقبلیة و مصیرنا فی الحیاة الأخرى.

و المیول التی توجد فی النفس یکون قسم منها مورد إمضاء العقل و موازینه و معاییره تأییده بعد أن یتم الکشف عنها تحت تأثیر أضوائه الکاشفة و توزن فیه ، و أما القسم الآخر من المیول فتسعى الى ان تماس کل طریق لإرضائها وتحقیق مرادها و إن کان ذلک الطریق لا یتسق مع معطیات العقل و هدایته و إیحاءاته.[3]

و على کل حال فللعقل نوعان من المعطیات: تارة تکون أحکامه فی دائرة الموجود و اللاموجود، و تارة فی دائرة ما ینبغی و ما لا ینبغی، ففی الحقل الأول یسمى العقل (بالعقل النظری) و أما الثانی فهو (العقل العملی) و العقل النظری یتکفل فی سعیه ـ فی میدان العلم ـ بتشخیص حدود الوهم و الخیال حتى لا یقع الإنسان فی ورطة المغالطة بالنسبة إلى المسائل العلمیة. و أما العقل العملی فمیدانه الإشراف على الخصال الأخلاقیة و السلوکیة لتنظیمها، و بعبارة أخرى تنظیم المیول و الرغبات و المتطلبات، و یطلقون على هذا العقل اسماً یتناسب مع طبیعة العمل الذی یؤدیه. فقد أطلقوا علیه عنوان (العقل المدبر) یقول الشهید المطهری رحمه الله: إن للإنسان نوعین من القدرات و الإمکانات التی لا یتمتع بها غیره من الأحیاء.

1ـ توجد فی الإنسان سلسلة من المیول و الرغبات المعنویة مثل الشعور الأخلاقی و الإحساس بالجمال و الحب والصداقة و الحاجة إلى التعبد وشعور حب الاطلاع والمعرفة و هذا ما لا یوجد فی سائر الأحیاء الأخرى، و هذه الخاصیة تمنح الإنسان إمکانیة توسعة دائرة نشاطه وأفعاله إلى ما هو أبعد من حدود المادیات، و تحلّق به إلى آفاق المعنویات الرحبة.

2ـ إن الإنسان مجهز بقوة العقل و الإرادة، فالعقل یتولى دور التشخیص و للإرادة دور التنفیذ، فلا بد للإنسان من وجود قدرة على الحساب و التقییم و الترجیح بین الأعمال التی یجد فی نفسه المیل باتجاهها، و الأخرى التی لا یرغب فی ممارستها و فی نهایة الأمر ما یأخذ و ما یدع.

و إنّ بُعد النظر و التفکیر بالعواقب و المآل کل ذلک یتطلب وجود مثل هذه القوة القادرة على إنجاز کل ذلک، و کذلک بإمکان الإنسان أن یستفید من قدرة المحاسبة و الوقوف بوجه المیول الداخلیة و مقاومتها. و علیه فبإمکان الإنسان أن لا یترک مصیره بید القوى الخارجیة فهو قادر على تحریر نفسه من قبضة المؤثرات و المغریات من حوله فیمتلک أزمة أموره بیده، و یتمتع بالحریة المعنویة، و فی ذلک یکون هو الحاکم على میوله و رغباته.[4]

و یقول فی مکان آخر: إن اللذات تشخصها الغریزة و الطبیعة و أما المصلحة فیشخصها العقل، فاللذة تثیر المیول و المصلحة تحرک الإرادة، فالإنسان یدبر أموره و یدیرها عن طریق العقل و الإرادة، فی حین تکون أعماله الالتذاذیة على أساس الأحاسیس و المیول. و معنى کون الأعمال التدبیریة بواسطة العقل؛ هو أن العقل المدبر و القادر على حساب الأمور و زنتها یرى أن الخیر و الکمال أو اللذة بعیدة عن متناول الید و أن طریق الوصول إلیها بعید و عسیر، فالعقل یکتشف هذه القضیة ثم یضع الخطط و البرامج للحصول على هذه الغایات. و معنى أن یتم التنفیذ عن طریق الإرادة هو: إن هناک قوة داخل الإنسان لها ارتباط بقوة العقل یکون دورها إجراء و تنفیذ ما یصوبه العقل و یقره، و فی بعض الأحیان تنفذ الإرادة ما یصوبه العقل خلافاً لکل المیول و الرغبات الطبیعیة، و مثال ذلک الشخص المریض الذی منع من تناول الغذاء المفضل بالنسبة إلیه و تناول الدواء الشدید المرارة، فإنه لا بد من تنفیذ هذین الأمرین طبقاً لما یأمر به العقل بغض النظر عن مخالفتهما لمیوله و رغباته الطبیعیة، و ذلک اتفاقاً مع أحکام العقل الذی یشخص المصلحة و الإرادة التی تنفذ أحکام العقل و تکون حاکمة على المیول.

ومن الممکن القول: إذا وضعت النشاطات التدبیریة، و الممارسات الإلتذاذیة ضمن برنامج مدروس و شامل لإدارة شؤون الحیاة و تنظیمها، فسوف نجد أن الطبیعة تطابق العقل و المیل یطابق الإرادة.

و من جهة أخرى: فإن الإنسان ـ شاء أم أبى ـ یحتاج إلى وضع برنامج و خطة شاملة بالنسبة لتدبیر أموره و یحدد منهجه و اختیار وسائله من أجل الوصول إلى أهدافه و مقاصده لأن النشاط و العمل التدبیری یجب أن ینتظم فی محور سلسلة من الأهداف و الغایات و المقاصد البعیدة المنال، و یدور فی هذا الفلک، و لا بد أن لا یکون هذا النشاط و هذه الفعالیة فی تضاد و تنافٍ مع المیول الإنسانیة العلیا و إلا لکان أکثر خطراً من المیول الالتذاذیة الحیوانیة.

و من جهة ثالثة: من المسلم أن العقل لا یمتلک القدرة على وضع برنامج و خطة واسعة و شاملة تؤمن السعادة للإنسان فی کافة مناحی الحیاة و على صعید جمیع أبعاده و توجهاته و حالاته، و ذلک بسبب عدم إحاطة العقل بکافة المصالح التی تعتمد علیها شؤون الحیاة.

و من هنا برزت الحاجة إلى (الأیدولوجیة) المذهب، فآفاق الوحی هی القادرة على استیعاب الخطوط الأساسیة و الأصول العامة و تحدید الطریق المفضی إلى سعادة الإنسان لتنتظم حرکة العقل و العلم و الإرادة فی سیاق هذه الخطوط و القواعد. فارتباط الفرد بالأیدولوجیة یکون واقعیاً فی الوقت الذی یتلبس فیه بصفة الإیمان و الاعتقاد. فالأیدولوجیة الفاعلة والعملیة لابد أن تکون معتمدة على نظریة للمعرفة بالنسبة للکون و الوجود حتى تتمکن من إقناع العقل و إمداده و تغذیته، و من جهة أخرى لابد و أن تکون للأیدولوجیة القدرة على استنتاج الأهداف على أساس نظرتها إلى الکون و بشکل منطقی لتکتسب صفة القبول التی تضفی علیها الجاذبیة و الحسن، و فی هذه الحالة یضع کلاًّ من(الإقناع) و (العشق) یداً بید ـ و هما العنصران الأساسیان ـ من أجل بناء العالم.[5]

و من هنا یمکن تعریف الإیمان بالقول: الإیمان هو عبارة عن التصدیق و الإذعان القلبی و هو نوع صفة و حالة نفسانیة بالنسبة لأمر ما، وهی تختلف مع صرف المعرفة و العلم.[6] و محل تحقق الإیمان هو النفس و القلب، و مع أنه تترتب علیه آثار قولیة و فعلیة، و لکن حقیقته لا تتوقف على القول و العمل، و لذلک فالنسبة بین الإسلام و الإیمان هی نسبة العام إلى الخاص مطلقاً، بمعنى أن کل مؤمن هو مسلم، و لکن من الممکن أن یکون بعض المسلمین یسلمون للحق فی الظاهر إلاّ أنهم لیسوا بمؤمنین.[7]

الإیمان، عمل ینبع من القلب و یعد من أفعال القلب الاختیاریة، و یختلف عن العلم و العقیدة، لأن العلم و العقیدة یحصلان من دون اختیار و إنما یحصلان تبعاً لمجموعة من المقدمات و المبادئ الخاصة بهما.[8] و الإیمان هو تسلیم القلب، و لا یتحقق إلاّ حینما یعرض القلب عن التوجه إلى أی وجهة أخرى. فالإیمان هو قبول حقیقة ما و التزام العمل بها، و لیس من مقولة العلم و الفهم، فالعلم له ارتباط بالذهن، و الإیمان عمل القلب، و من المسلّم أن العلم یمهد الأرضیة إلى الإیمان و هو شرط لازم بالنسبة إلیه.[9]

یقول الشهید المطهری فی معرض التفریق بین العلم و الإیمان: العلم یمنحنا الوضوح و الرؤیا و القدرة، و الإیمان یهبنا الحب و الأمل و الحمیمیة، فالعلم یصنع الوسائل، و الإیمان یحدد الأهداف و المقاصد، العلم یؤمّن السرعة، و الإیمان یشیر إلى الجهة، العلم هو القدرة، و الإیمان یطلب الخیر و الحسن، العلم یُظهر و یُجسّد ما هو موجود، و الإیمان یوحی ویلهم ما ینبغی عمله، العلم یوسع وجود الانسان بصورة افقیة و الایمان یوسعها بصورة عمودیة ای یخلق حالة العروج لدی الانسان،العلم زینة العقل و جماله، و الإیمان زینة الروح و جمالها، العلم جمال الفکر، و الإیمان جمال الأحاسیس و المشاعر[10].

و أما معنى (العشق) فی کتب اللغة: (العشق) بمعنى الحب الشدید[11] و یقال أنه مشتق من (العَشَقَة) و العَشَق هو نوع من الشجر یلتف على الشجر المجاور له و یخنقه و یضیق علیه و یحبس علیه طرق التنفس مما یتسبب فی ذبوله و اصفراره.[12]

و فی خصوص عشاق العبادة، و ... یمکن أن یقال أن أغصان العبادة أحاطت بهم و التفت علیهم فأنحلت أجسادهم و اصفرت ألوانهم.[13]

و یشیر أبو سعید أبو الخیر إلى هذه الحالة حینما یخاطب أوراق الأشجار الصفراء فی فصل الخریف:

وجهک مصفر و وجهی مصفر

أنت بسبب شهر (مهر)[14] و أنا بسبب معشوقتی" وجه القمر".

و على کل حال فإن (العشق) هو من صفات نفس الإنسان الداخلیة و هو نوع من المیول و الانجذاب، و هو إحساس باطنی ینسب إلى (القلب).[15]

و نحن نعتقد: أن أساس العالم مبنی على العشق، أی أن علة إیجاد العالم هی من جهة العشق، فذات الحق الشاهدة على مکنون الغیب کانت هی العاشق و المعشوق فی نفس الوقت قبل أن یخلق العالم، فأراد أن یظهر جماله و یتجسد فجعل من الخلق مرآةً لجماله.[16] یقول الجامی فی مقدمة یوسف وزلیخا:

کنت و لا دلالة علیک فی مکان اختفائک

کنت مکنوناً فی خزائن الغیوب

کان الوجود بعیداً عن الازدواجیة

بعیداً عن الأقوال و الأوصاف بانا وانت

جمال مطلق لا تقیده المظاهر

یتجلى لنفسه و یظهر لها بنوره

یطمئن القلوب فی مکنون الغیب

مبرأة ذاته من أی تهمة و عیب

لا یظهر جماله على وجه مرآة

ولا یمسک زلفه و لایمشط

إلى أن قرر أن یزیل الحجاب و یکشف عن جماله

فضرب بخبائه خارج ساحة القدس

و تجلى إلى الآفاق و الأنفس

فصنع من ذرات العالم مرایا

فانعکس وجهه فی کل واحدة منها

و کلما تجلى جماله فی مکان من العالم

أسدل الحجب على کل معشوق فی الدنیا

و أحیا القلوب بعشقه

و أی قلب یبحث عن عشق الجمال

فإنه عاشق له علم بذلک أم لم یعلم

و من جهة أخرى، فإن کل موجود هو طالب لکماله، و إن الکمال الوجودی لکل معلول هو المرتبة الوجودیة لعلته، فکل معلول هو عاشق لعلته إذاً، و حیث أن أعلى المراتب هی المرتبة الوجودیة لذات الحق، فالمعشوق الحقیقی لجمیع أفراد سلسلة الوجود، هو الذات المقدسة للحق تعالى.[17] کما مر فی إشارة الجامی و بیانه و من هنا فالعشق لغیر الله یعتبر من العشق المجازی.

و بالاستناد إلى الآیة الشریفة {یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ}[18] یمکن أن نصل إلى نتیجة مؤداها أن العشق متبادل و من جهتین و له مکانة رفیعة و جلیلة فی المبدأ و المعاد و الترقی و النزول.

العلاقة بین العقل و العشق و الإیمان:

بالنظر إلى ما تقدم یمکن القول: أن العقل فی طریق الحیاة و مسیرها کمثل الضیاء الذی یوضع فی مقدمة العجلات لینیر طریقها خلال سیرها، و بالإضافة إلى ما یقوم به من إشعاعات و ما ینبثق عنه من نور، فإنه یؤدی وظیفة الکابح الذی یخفف من طغیان السرعة و الاندفاع بالنسبة إلى المشاعر و الأحاسیس، فیحول بینها و بین الطغیان.[19] و أما العشق فهو بمثابة المحرک الذی یتولى دفع العجلة و إمدادها بقوة التحرک، و من هنا یمکن أن یقال أن المحرک من دون ضیاء و مصباح هو عشق أعمى، و غایة فی الخطورة، إنه مبیر و مهلک، و إن المصباح من دون محرک لا أثر له و لا روح، و إنما هو جثة هامدة و باردة لا حرکة فیها.

إذن فلا یکون الأمران بمثابة الخصمین کما یدعی بعض المتصوفة.[20] و إن العشق و العقل هما عنصرا الإیمان الحقیقیان.

و الجدیر بالذکر: أن العقل على کیفیتین فی کلام العرفاء: العقل الجزئی و العقل الکلی، فالعقل الجزئی هو الذی یقابل العشق المطلق، و هو شاحب و بمهوت فی حوزة العشق و دائرة تأثیره:

و حیث أن العقل الجزئی یختص بأمور الدنیا ربحاً و خسارة، و یهتم بعالم الطبیعة لذلک من الممکن أن نسمیه (بالعقل المدبر).

فی حین أن العقل الکلی هو فی أمان من الشک و الوهم و الشهوة و .... و إنما یبحث عن الآخرة و إدراک عالم الغیب.

و العقل الکلی هو فوق العقل الجزئی، و هو العمدة فی نیل السعادة.

و فی النهایة فإن العقل هو دلیل الإنسان باتجاه الأبدیة.

إن عطر العقل و نشره

أفضل دلیل إلى ملکوت عالم الأبدیة.[21]

و فی نهایة الکلام ننقل عینات من کلام قرة عین العاشقین أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام حیث یقول: (حب الله نار لا یمر على شیء إلا احترق)[22] .

و یحتمل أن الشیخ فخر الدین العراقی استلهم من هذا الکلام فی تعریفه للعشق حیث یقول: العشق نار إذا انقدحت فی القلب أحرقت کل ما فیه، إلى حدٍ تمحى معه صورة المعشوق ذاته، و من ذلک ما قاله مجنون عندما طلبت منه لیلى أن یرفع رأسه لیراها ماثلة بین یدیه، فقال مخاطباً إیاها: إلیک عنی فإن حبک قد شغلنی عنک..[23]

معنى القلب: فی نظر العرف العام و علم الفسلجة القلب هو هذا العضو الذی یستقر على الأغلب فی الجهة الیسرى من القفص الصدری بالنسبة إلى بدن الإنسان... و أما بحسب الاصطلاح القرآنی و لسان الروایات و النصوص الأخلاقیة فإن القلب؛ یعنی الروح الإنسانیة المجردة و حیث أن شؤونه متعددة و مختلفة، فإنها اکتسبت أسماءً مختلفة منها: الصدر، النفس، القلب، الفؤاد، الروح، اللب، وجمیع هذه الأسماء تشیر إلى هذه المنحة الإلهیة. و قد نسب القرآن ثلاثة أنواع من الأعمال إلى القلب:

1ـ الخصوصیات المتعلقة بأنواع المعرفة، کالإدراکات الحصولیة من أمثال العقل و التدبر و التفقه.[24] و الإدراکات الحضوریة (الرؤیة الحضوریة) (أعم من أن تکون عادیة أو غیر عادیة) فالوحی هو نوع من الإدراک الرمزی، حیث نسبه القرآن إلى القلب.[25]

2ـ الخصوصیات المتعلقة بأبعاد المیول و الرغبات کالخوف و الاضطراب و القساوة و الغلظة، و الإیمان و التقوى و الشوق و العشق، و الانجذاب[26] و کذلک ما له علاقة بالقصد و النیة.[27]

فالقلب إذن هو موجود یؤدی مثل هذه الأعمال، أی أنه یدرک و هو مرکز العواطف، یصمم و یحب و یعادی و...

و لأجل ذلک یمکن أن یقال: أن المراد بالقلب هو الروح و النفس الإنسانیة، و إذا ما قبلنا و سلمنا للمبدأ القائل أن الإنسان یمتلک روحاً واحدة لا غیر و أن هذه الروح هی منشأ حیاته النباتیة و الحیوانیة و الإنسانیة فعلى هذا الأساس یکون القلب بعداً من أبعاد روح الإنسان؛ یعنی أنه البعد الذی یکون منشأ حیاته الإنسانیة، و بعبارة أخرى هو منشأ الخصوصیات و المیزات الإنسانیة، أی أن القلب فی اصطلاح القرآن لا یکون منشأً للحیاة الحیوانیة و النباتیة.[28]

نعم فی الموارد التی جاءت فی کتابات العرفاء و التی وضعت (القلب) مقابل (العقل) فإن المراد بالقلب هنا هو ذلک البعد من روح الإنسان و نفسه الذی یمثل مرکز العواطف الإنسانیة و العشق، و مع أنه یکون منشأ الإدراکات أیضاً، و لکنه لا تنسب إلیه الإدراکات الحصولیة و إنما یبقى هذا المرکز کوسیلة للشهود و العلم الحضوری.



[1] انظر: الشیروانی، علی، اخلاق اسلامى" الأخلاق الإسلامیة"، ص116 ـ 117.

[2] النفس بمعنى (الشخص) و (أنا) و هذا هو المعنى الذی أراده القرآن من کلمة النفس. مصباح الیزدی، محمد تقی، اخلاق در قرآن" الأخلاق فی القرآن"، ج1 ، ص243 ـ 244 و من أجل الإطلاع على استعمالات القرآن للفظ (النفس) یمکن الرجوع إلى المیزان، ج 14، ص 285 ـ 287.

[3] انظر: مصباح الیزدی، محمد تقی، اخلاق اسلامى" الأخلاق الإسلامیة"، ج1 ص195، و ما بعدها.

[4] انظر: مقدمة فی الرؤیة الإسلامیة للکون، مرتضى المطهری، ص253 ـ 262 ملخصاً.

[5] انظر: مقدمة فی الرؤیة الإسلامیة للکون، مرتضى المطهری، ص42 ـ 48 ملخصاً.

[6] الذخیرة، السید المرتضى، ص 536، تفسیر المیزان، صدر الدین الشیرازی، ج1، ص 249، أوائل المقالات، الشیخ المفید، ص 48، نظریه ایمان در عرصه کلام در قرآن "النظرة القرآنیة للایمان فی مجال علم الکلام، محسن جوادی، ص 119 ـ 158، اخلاق اسلامى" الأخلاق الإسلامیة"، أحمد الدیلمی و مسعود الأذربیجانی، ص 73.

[7]اخلاق اسلامى" الأخلاق الإسلامیة"، أحمد الدیلمی، ومسعود الأذربیجانی، ص73.

[8] اخلاق اسلامى "الأخلاق الإسلامیة"، علی شیروانی، ص100.

[9] نفس المصدر، ص 103 و 119.

[10] مقدمة فی النظریة الإسلامیة للکون، ص 21ـ 23 ملخصاً.

[11] العشق إفراط الحب و یکون فی عفاف (اشتقاق العشق من العشق)، أقرب الموارد، ج2، ص 786.

[12] سید جعفر، سجادی،فی کتاب فرهنگ اصطلاحات وتعبیرات عرفانی"معجم المصطلحات والتعبیرات العرفانیة"، مصطلح العشق؛ وکتاب فرهنگ علوم عقلی"معجم مصطلحات العلوم العقلیة"، مصطلح العشق ، ص 357 ؛ و یحتمل حمل کلام أمیر المؤمنین على هذا المعنى عندما قال فی نهج‏البلاغة ص 304 فی وصف المتقین:"وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِیفَةٌ وَ حَاجَاتُهُمْ‏

خَفِیفَةٌ ...... قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْیَ الْقِدَاحِ یَنْظُرُ إِلَیْهِمُ النَّاظِرُ فَیَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَ یَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِیم.."‏.

[13] نفس المصدر.

[14] الشهر الاول من اشهر الخریف حسب السنة الهجریة الشمسیة.

[15] فی لسان الآیات والروایات عادة ما یعبر عن مثل هذه الحالات بالمحبة.

[16] انظر: عرفان نظرى" العرفان النظری"، یحیى الیثربی، ص47 ـ 53.

[17] الأسفار، ج7، الطبعة الجدیدة، الملا صدرا، ص 158 و ما بعدها.

[18] {یُحِبُّهم و یُحِبُّونَه} سورة المائدة، الآیة، 54.

[19] فی میدان جهاد النفس یحظى ضبط النفس و تقویة الممانعة بأهمیة خاصة ممثلاً بکون تقویة و زیادة محبة الله عن طریق إتیان أعمال الخیر و ما لها من آثار على النفس و الشد إلى الله و محبته، مما یؤدی إلى إیقاظ القلب و عندها لا یبقى مجال لغیر الله فی قلب الإنسان، و لذلک ورد فی المناجاة الشعبانیة: (إلهی لم یکن لی حول فأنتقل به عن معصیتک إلا فی وقت أیقظتنی لمحبتک). انظر: اخلاق اسلامى" الأخلاق الإسلامیة"، ج1، مصباح الیزدی، ص 195 ـ 213.

[20] انظر: جلوه‏ى حق "مظهر الحق"، مکارم الشیرازی، مع تقدیم و تعلیق داود إلهامی، ص93 ـ 129.

[21] المثنوی المعنوی، الدفتر الخامس، البیت 3350.

[22] بحار الأنوار، العلامة المجلسی، ج70، ص22؛ المحجة البیضاء، ج 8، ص7.

[23] دیوان العراقی، اللمعات، اللمعة العشرون، والثلاثون، ص420.

[24] الأعراف، 179؛ الأنعام، 25؛ الإسراء، 46؛ الکهف، 57؛ محمد، 24؛ و....

[25] البقرة، 97؛ الشعراء، 193 و 194.

[26] الأنفال، 2؛ النازعات، 8؛ الزمر، 22؛ الحجرات، 14؛ إبراهیم، 37؛ و ....

[27] ق، 37؛ النازعات، 8؛ الزمر، 22؛ الحجرات، 14؛ إبراهیم، 37.

[28] انظر: اخلاق اسلامى "الأخلاق الإسلامیة"، ج1، مصباح الیزدی، ص 244 ـ 266.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...